اقتباس
كتاب شبهات وهمية


قال المعترض الغير مؤمن: قال يعقوب في تكوين 32: 30 لأني نظرتُ الله وجهاً لوجهٍ ونُجِّيت نفسي بينما يقول إنجيل يوحنا 1: 18 الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر . وهذا تناقض .

وللرد نقول بنعمة الله : مع الفصلين المُشار إليهما أعلاه يجب النظر في جملة فصول أخرى ففي خروج 33: 20 يقول الله لموسى: لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش ومن الجهة الأخرى نجد في خروج 24: 9 و10 ثم صعد موسى وهرون وناداب وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل قد يظهر أن هذه الفصول يناقض بعضها بعضاً مناقضة صريحة. غير أن التوفيق ليس عسيراً البتة.
قال المسيح (له المجد) في يوحنا 4: 24 الله روح الأمر الذي يُستفاد منه أن الله لا يمكن أن يُرى، فجوهره غير منظور وهذه حقيقة ثابتة. ولكن هذا الإله المجيد غير المنظور قد يمنح الناس أن يروه بطرق وكيفيات مخصوصة، فيرون ظل مجده وحضوره بصورة منظورة. فقد يتخذ لنفسه، حباً في خير الناس، هيئة بشرية وهكذا يصير منظوراً لهم. لأن كل شيء مستطاع له. فيمكنه أن يكون كما يشاء. وحيث يراه الناس بهذه الكيفيات يكونون صادقين أنهم قد رأوا الله، مع أنهم لم يروا هذا الروح المبارك الكامل في علمه وحكمته، غير أنهم رأوه بهيئة خاصة أو في صورة اتخذها لنفسه وقتياً. ونذكر مثلًا: إذا رأينا شرارة تتطاير من سلك كهربائي، أو إذا شهدنا البرق عند المطر نقول: قد رأينا الكهرباء، مع أننا في الواقع لا يمكن أن نرى الكهرباء، بل كل ما رأيناه هو علامة تثبت وجود هذه القوة السرية المحيطة بنا. فبمعنى كهذا يمكن أن يُرى الله كلما تنازل بإعلان نفسه في هيئة منظورة. ولكنه لا يمكن أن يُرى في جوهره غير المحدود بصفته روحاً
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله:

حاول القس عبد النور دفع التناقض بمزاعم فاسدة نردها من جهات:

(1) أن النصوص صريحة قاطعة فى أن رؤية الله تمت وجهاً لوجه – أى بلا حجاب- و منها:
((7وتَراءَى الرّبُّ لأبرامَ وقالَ: «لِنَسلِكَ أهَبُ هذِهِ الأرضَ»)). تكوين7:12

((6وجاءَ يعقوبُ وجميعُ القومِ الذين معَه إلى لُوزَ التي في أرضِ كنعانَ وهيَ بَيتُ إيلَ. 7وبَنى هُناكَ مذبَحًا وسَمَّى المَوضِعَ إلهَ بَيتِ إيلَ، لأنَّ اللهَ تجلَّى لَه هُناكَ حِينَ هرَبَ مِنْ وجهِ أخيهِ)) تكوين 7:35

((1وسمَّى يعقوبُ ذلِكَ المَوضِعَ فنوئيلَ، وقالَ:لأني نظرتُ الله وجهاً لوجهٍ ونُجِّيت نفسي)) تكوين 30:32

فها هو يعقوب يحتفل و يسمى الموضع الذى رأى الله فيه فنوئيل لأنه رأى الله وجهاً لوجه و لم يمت، فلو كانت الرؤية لم تقم على حقيقتها و إنما فى هيئة غير هيئة الله لما كان هناك حاجة للكلام عن النجاة و قد ظهر الله من قبل لأبائه إبراهيم و اسحق كما يقول فى سفر الخروج :

((وقالَ اللهُ لموسى: «أنا الرّبُّ. 3تراءَيتُ لإبراهيمَ وإسحَقَ ويعقوبَ إلهًا قديرًا، وأمَّا اَسمي يهوَه فما أعلَمْتُهُم بهِ.))

فلم نقرأ فى أى من الأخبار السابقة أن الذين رأوا الله قد رأوه متجسداً او حالاً فى مخلوق، و إنما هذا من الدعاوى الخيالية التى لا تقوم بدليل و تعارض النصوص الصريحة
و العجيب أن القس يتعدى على الرب جل و علا و يزعم حلول ذاته التى لا تسعها السماوات و الأرض فى الأجساد المخلوقة بحجة أن الله على كل شىء قدير، و نسى أن قدرة الله لا يجب ان تنال من كماله ، فلا يمكن أن نقول بأن الله تعالى يمكنه أن يلد أو يتبول او يتبرز أو يبكى مثلاً بحجة أنه على كل شىء قدير!!
و لو قال أحدهم أن الرب العظيم خالق الكون يمكنه أن يحل فى كبسولة صغيرة ، فما الحكم على من قال بهذا يا ترى؟!
كذلك الحال بمن يزعمون أن الرحمن الرحيم قد حل فى جسد جنين صغير يبكى و يصرخ و يرضع من ثدى أمه و هى تحمله بل حول ولا قوة تقدس و تعالى علواً كبيراً
و لو كانت كل النصوص التى تصرح برؤية الله تعنى أن الذين رأواه رأوه متجسداً فلماذا يا ترى نجد اليهود ينكرون على النصارى فكرة التجسد أشد الإنكار و يعتبرون القائل بها مجدفاً؟ بل و نجد النصارى أنفسهم يعتبرون تجسد الرب فى جسد المسيح حادثة فريدة عجيبة فيقولون فى الأناجيل المحرفة مثلاً ((عظيم هو سر التقوى ، الله حل فى الجسد))


(2) أن القس الزعم تناول ذات الله تعالى بالنقص واصفاً إياه بالروح و هذا فاسد لأن االروح و الجسد مخلوقان من قبل الله تعالى، و أكثر المخلوقات تحوى الروح و الجسد معاً فلا يقال أن الله روح و اما كنه الرب عز و جل فليس كمثله شىء
(3) أن القس أرهق نفسه فى اثبات أن ذات الرب روحية لا محدودة لا تُرى حتى شبهها بالتيار الكهربائى !
و نسى القس و هو يؤلف هذه الأكاذيب أن كتابه المقدس يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرب بذاته الحقيقية كيان مادى يملأ فراغاً و يتنقل بالمكان و يمكن النظر إليه كله من القبل و الدبر ماعدا وجهه لا لشىء إلا لأن الإنسان أضعف من أن يحتمل هذا ، و هذا نجده بوضوح فى التوراة حين طلب موسى من الله أن يراه فأخبره أن الإنسان لا يستطيع ان يرى وجهه و يحيى ، فوضع يده على عين موسى حتى اجتاز و سمح لموسى أن يراه من قفاه و إليك النص كاملاً:

((17فقالَ الرّبُّ لِموسى: «وهذا الذي قُلْتَهُ أفعَلُهُ، لأنِّي رَضيتُ عَنكَ وعرَفتُك باَسْمِكَ». 18فقالَ موسى: «أرِني مَجدَكَ». 19فقالَ الرّبُّ: «سأعرِضُ كُلَ جلالي أمامَكَ وأُنادي باَسمي أنا الرّبُّ على مسمَعِكَ، وأتَحَنَّنُ على مَنْ أتَحَنَّنُ وأرحَمُ مَنْ أرحَمُ». 20وقالَ: «أمَّا وجهي فلا تقدِرُ أنْ تراهُ، لأنَّ الذي يراني لا يعيشُ». 21وقالَ الرّبُّ: «هُنا مكانٌ بِجانبي تقِفُ فيهِ على الصَّخرةِ، 22وحينَ يمُرُّ مَجدي أجعَلُكَ في فَجوَةِ الصَّخرةِ وأُغَطِّيكَ بِيَدي حتى أمُرَ. 23ثُمَ أُزيحُ يَدي، فتنظُرُ ظَهري. وأما وجهي، فلا تراهُ»)) . خروج 17:33


فلا محل بعد هذا النص لأن ينكر أحد أن من رأه موسى من الخلف ليس الله، و هو ما يقره القس ذاته،
لأن الأمر لو كان كذلك لما كان هناك معنى لقوله انه لا يراه أحد و يعيش و أن موسى يمكنه رؤيته من القفا فقط، بل كان يمكن لموسى أن يراه وجهاً لوجه و يكلمه و ربما يصارعه و يغلبه كما فعل يعقوب!!

فيتبين كذب دعواه بأن الله ليس منظوراً لأنه روح غير محدود

الخلاصة: أن نصوص الكتاب المقدس تناقضت فى بيان امكانية رؤية الله تعالى ، و لم يجدلم القسس إلا ردوداً هزلية لا تقوم على برهان و تخالف صريح النصوص