تعقيباً على المقالات الستة السابقة، تدفَّق سيلٌ من المقالات والتعليقات المنشورة بالجرائد المصرية والمواقع الإلكترونية. وقد جاء الأغلبُ قادحاً، صادحاً، فادحاً فى دلالته على أننا نحن المصريين، قد تغيَّرنا كثيراً فى العقود الماضية، فلم نعد هذه الجماعة التى ظلت لمئات السنين أنموذجاً للطاعة والوداعة، وللخضوع والخنوع، وللرخاوة والهوان! وإنما صرنا حسبما وصفَنا صلاح عبدالصبور فى (الناس فى بلادى) : جارحون كالصقور..

فمن ذلك ما نراه فى مقالة الأستاذ حنا حنا المحامى فى حين يقول: «البادى أن د. زيدان استهوته جائزة «البوكر» التى ربحها برواية عزازيل، ففكر أن يربح بمقالات (المصرى اليوم) جائزة الكونكان».. حلوة! أو يقول (بالعامية) د. ياسر يوسف غبريال: «زيدان يدَّعى البطولة وهو عارف اللى جوه الفولة وأفكاره مش معقولة.. يُطلق بُمبة فكرية، هى أن القبطية صناعة عربية إسلامية».

وقد كتب المسمَّى (أبو اسكندر) يردُّ علىَّ، فجعل كلامه بعنوان : الدور العدمان لشيخ الدراويش يوسف زيدان! وكتب المسمَّى (غالى): ما تزعلش، كلنا مجهزين شنطنا لشيراتون المرج، بس ياريت يوسعوه حتى يسع ملايين الأقباط.. وعندما حمل المسمَّى (محمد البديوى) على مقالاتى حملةً شنعاء، متشنِّجة، كتب أحدهم معلِّقاً عليه بقوله : يا واد محمد يابديوى، أقصد يا جورج، بطَّل حركات!

حسناً.. وبعيداً عن الطرائف اللطيفة السابقة، وبعد هذه الحوارات المصرية (جداً) أقول (جَادّاً) إن أهم ما انتقده الإخوة فى مقالاتى، أننى لم أذكر المصادر التى أعتمد عليها، خاصةً فى نقاطٍ حرجةٍ حاسمةٍ، مثل قولى بأن البطرك (البابا) القبطى (المونوفيزى) تيموثيوس، قتل البطرك الملكانى (الخلقيدونى) بروتيريوس، قتلةً بشعة فى مكان المعمودية بكنيسة الإسكندرية القديمة.. وكثيرٌ من الذين علَّقوا على ذلك، اتهمونى صراحةً بالكذب. ولهم فى ذلك العذرُ، لأنهم لا يعلمون.

وعلى كل حال، فسوف أورد فيما يلى ترجمةً لما ورد فى (معجم أكسفورد للكنيسة المسيحية) بصفحة رقم ١٣٦٠ فى الطبعة الصادرة عن جامعة أكسفورد البريطانية سنة ١٩٥٧، للباحث الشهير ف.كروس.. وما ورد فى صفحة ٢٥٢ من المجلد الرابع من (الموسوعة الكاثوليكية الجديدة) تحت عنوان «المسيحية القبطية» للباحث المصرى إسكندروس حبيب إسكندر «مطران أسيوط، المتوفى سنة ١٩٦٤» وفى كليهما نقرأ ما ترجمته:

«بعد مجمع خلقيدونية (سنة ٤٥١ ميلادية) رفض الأساقفة الذين اجتمعوا حول البطرك ديسقورُس، الاعتراف بالبطرك الخلقيدونى الملكانى بروتيريوس، وقاموا من بعد وفاة ديسقورُس بانتخاب بطرك آخر من بينهم، هو (تيموثيوس) القط – أو ابن عرس – وهو لقب أطلقه عليه أعداؤه، لضآلة حجمه وقصر قامته. وفى اليوم الذى كان البطرك بروتيريوس يحتفل فيه بشعائر الأسبوع المقدس (أسبوع آلام المسيح) فى الكاتدرائية، بالإسكندرية، هجم تيموثيوس ومعه أتباعه من العوام المتمردين على الكاتدرائية.

حتى إن بروتيريوس احتمى بمكان المعمودية المقدس، إلا أن ذلك لم يجده نفعاً! إذ قام تيموثيوس ومن معه، بذبحه (وفى رواية أخرى: بشنقه) على مرأى ومسمع من الناس. ثم جلس تيموثيوس على كرسى بروتيريوس، وأعلن نفسه بطريركاً لمصر، إلا أنه تمَّ حَرْمه (طرده من حظيرة الإيمان) كنسياً، ثم نفيه إلى الأناضول بمرسوم من الإمبراطور ليو الأول، واستُبدل بروتيريوس ببطرك ملكانى آخر، هو تيموثيوس الأبيض (سلوفاسياكوس) وكان ذلك سنة ٤٦٠ ميلادية».. انتهى النص، مترجماً عن الإنجليزية.

وبالمناسبة، فلو كان المجال هنا يسمح، لذكرتُ الآن واقعة مقتل «الجعد بن درهم» على يد الأمير خالد بن عبدالله القسرى (وقد رويتها بالتفصيل فى كتابى: اللاهوت العربى) كى يعرف الذين ينتقدوننى أنهم لا يعرفون، وأن التأسلم والتأقبط واحدٌ، وأن العنف واحدٌ، وسوء المآل واحدٌ، والهمُّ واحدٌ.. فيا ربنا الواحد، ارحمنا من غلبة نفوسنا.

وفى مقالة الأستاذ رمزى زقلمة، يقول إنه فكَّر فى أن يحرق مكتبته كلها، حين قرأ مقالى (القبطية صناعة عربية إسلامية) ثم رجع بحمد الله عن قراره، وراح بأدبٍ شديدٍ ينتقد كلامى فى مقالة بديعة.. ولسوف أورد انتقاداته، ثم أرد عليها موضحاً بعض الأمور، بما أضعه بين القوسين! يقول: كيف قتل المقوقس عشرين ألفاً فى ميدان محطة الرمل والميدان لم يكن موجوداً آنذاك (أقول: الميدان كان موجوداً، وقد استخدمتُ الاسم المعاصر ليعرفه الناس.

والاسم القديم للميدان هو «بوكاليا» التى تعنى حرفياً: مرعى البقر! والواقعة مذكورة فى المصادر المشهورة، ومنها كتاب تاريخ الآباء البطاركة، لأُسقف الأشمونين ساويرس بن المقفع).. اللغة القبطية قديمة، وتستخدم حتى اليوم فى الكنائس (أقول: لا يوجد لغة اسمها القبطية، وإنما هى اللغة المصرية العامية، وقد تمت كتابتها بالحروف اليونانية، واستخدمها الإكليروس المونوفيزى فى مصر، نكايةً فى البطاركة الملكانيين).. ماذا تسمى مجىء عمرو بن العاص إلى مصر، فتحاً أم غزواً؟ (أقول: الفتح والغزو واحدٌ فى اللغة العربية وعند أهل الإسلام، ولذلك نقول «غزوات النبى»، فإذا استقر الدين بأرضٍ بعد غزوها، صار الغزو يسمى فتحاً)..

كان يجب أن تذكر كليماندس، كأحد آباء الكنيسة القبطية المبكرين (أقول: لم يكن كليمان السكندرى «كليماندس» قبطياً، لا بالمعنى العقائدى ولا القومى، وإنما كان مفكراً سكندرياً مسيحياً استفاد من الفلسفة اليونانية، وكتب باللغة اليونانية، فى مدينة الإسكندرية التى كانت آنذاك يونانية الثقافة).. النبى أرسل كتابه إلى المقوقس (أقول: عندى شكوكٌ كثيرة على هذه القصة، وسوف أشير لها فى روايتى القادمة : النبطى)..

وأخيراً، يتعجَّب الأستاذ رمزى زقلمة من إشارتى إلى أن «النصرانية» هى تسميةٌ غير دقيقة للمسيحيين. وقد تلقيت رسائل كثيرة من إخوة مسلمين، تعجَّبوا أيضاً من هذه الإشارة. ولتوضيح الأمر لهؤلاء جميعاً، أقول :

النصرانية كلمةٌ قرآنيةٌ، وقد استخدمها المسلمون الأوائل فى معرض التفرقة بين (الكنائس) المسيحية فى زمانهم، فقالوا لمسيحيى مصر «الأقباط» ولمسيحيى الشام والعراق «النصارى» ولمسيحيى بيزنطة وأوروبا «الروم».. ولكن حقيقة الأمر فى هذه التسمية ودلالتها، هو ما نراه بوضوح فى الطبعة الثانية من (معجم الحضارات السامية) صفحة ٨٤٧، حيث نقرأ ما يلى:

أُطلق هذا الاسم على المسيحيين الأول نسبة إلى يسوع الناصرى (أى الذى من الناصرة)، ثم أصبح له خلال القرون الميلادية الخمسة الأول استعمالان مختلفان، وكان اليهود يُطلقون اسم الناصرى على يسوع المسيح عينه، واسم النصارى على الذين يؤمنون به.

أما المسيحيّون فكانوا يُطلقون هذا الاسم على جماعة من اليهود/ المسيحيين، هم أقل ابتعاداً عن الأرثوذكسية اليهودية من الإبيونيين، إلا أن آباء الكنيسة الأول اعتبروهم من الهراطقة. وكان النصارى يتقيَّدون بتعليمات العهدين القديم والجديد معاً، ويتمسّكون بالختان والمعمودية، ويُقدّسون يومىْ السبت والأحد، ويقيمون الفصح اليهودى والفصح المسيحى، ويكرّمون موسى والمسيح.

وكان المعتدلون منهم يؤمنون بولادة المسيح من البتول مريم وبكلمة الله. أما فيما يتعلق بصلب يسوع فإنهم يقولون إن الروح القدس حَلَّ عليه فأصبح المسيح، وفارقه على الصليب فلم يعد مسيحاً، ومات بصفته الإنسانية. ويقول آخرون إن «سمعان» شُبّه بالمسيح وصُلب بدلاً عنه، بينما ارتفع هو حياً إلى الذى أرسله. وكان النصارى يُنكرون ألوهية المسيح وعقيدة الثالوث الأقدس، ويحرِّمون الخمر ولحم الخنـزير والتبّنى والصور.. إلخ.

http://www.almasry-alyoum.com/articl...ticleID=231057