حضارة المتع والشهوات

حضارة المتع والشهوات التي نشأت في الأمم الأوروبية وحرصت تلك الأمم على غزو أقطارنا الإسلامية بهذه الحضارة المادية وكأنهم تنبهوا الى أنها أشد تأثيرا وأدوم أثرا في إضعاف المسلمين من الحرب الصليبية التي ارتدت على أدبارها، فقد جلبوا الى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم ورواياتهم وخيالاتهم وعبثهم ومجونهم وأباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوا في ديارهم وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج بالإثم وتطفح بالفجور في أعين البسطاء الأغرار من المسلمين الأغنياء وذوي المكانة العالية والسلطان.

ونجح هذ الغزو الاجتماعي المنظم، فهو غزو محبب الى النفوس لاصق بالقلوب طويل العمر قوي الأثر وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكري.

لقد ظهر في هذه الحقبة من الزمان بعض الكتاب والمفكرين الذين يدعون الى المادية وترك الإسلام سواء كانوا مقتنعين أو مأجورين وارتفعت أصوات الدعاة الى الفكرة الطاغية أن خلوصنا مما بقي من الاسلام وارتفعت أصوات الماركسية الملحدة وتجرأت أقلام بالهجوم على شريعة الله السمحة العادلة، ويشككون في صلاحيتها لكل زمان ومكان، ولكن كل ما يكتبون لن يبقى له أثر في نفوس الشعب المتدين وستكون أعمالهم وأقوالهم كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف.

وديننا الإسلام يدعوننا الى العلم والتقدم والرقي، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولا ننسى أن الذين وضعوا أصول العلوم الحديثة هم المسلمون، ولكن الإسلام يأبى أن نتشبه في كل شيء بمن ليسوا من دين الله على شيء، ولا يجوز أن تطرح عقائد الإسلام وفرائضه وحدوده وأحكامه لنجري وراء قوم فتنتهم الدنيا واستهوتهم الشياطين، نحن نثق كل الثقة في ديننا وأنه وحده هو الطريق للصلاح والإصلاح ولتحقيق خيري الدنيا والآخرة فـ "الإسلام هو الحل".

واجب التصدي لهذه الموجة المادية

هكذا صار واجبا على المسلمين جميعا أن يتصدوا لهذه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات وأن يعملوا على حسرها عن أرضنا، وتلبية لهذا الواجب وبعد سقوط الدولة والخلافة العثمانية.. حركت هذه المشاعر الإمام الشهيد حسن البنا وجعلته يفكر ويستشير العلماء والزعماء المسلمين حول سبيل الإنقاذ من هذه الحالة المتردية، ومن منطلق ثقته القوية بالله وتأييده لعباده المؤمنين وثقته بقوة الإسلام الذاتية وتأثيره القوي في إحياء النفوس وتوليده العزة والقوة في أبنائه قام وأنشأ جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط الخلافة وحدد لها هدفين أساسيين:

الأول: أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظلم جائر أو مستبد قاهر.

الثاني: أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبيق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القوية وتبلغ دعوته الحكيمة للناس وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعا آثمون مسؤلون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها، وهكذا أوضح للمسلمين جميعا أن عليهم واجبا دينيا غفلوا عنه وهو العمل لإقامة دولة الإسلام وضرورة العمل الجماعي المنظم لتحقيق هذا الهدف الكبير.

ثم نجد الرجل بثقة المؤمن وبكل العزة والعزم الصادق يتحدى هذه الموجة من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي فعلت فعلها في مجتمعاتها وتركت بصماتها السيئة فيقول ( ما مهمتنا نحن إذن الإخوان المسلمين؟ هي أن نقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية المادة التي جرفت الشعوب الإسلامية وأبعدتها عن زعامة النبي صلى الله عليه وسلم وهداية القرآن وحرمت العالم من أنوار هديها وأخّرت تقدمه مئات السنين حتى تنحسر عن أرضنا ويبرأ من بلائها قومنا، ولسنا واقفين عند هذا الحد بل سنلاحقها في أرضنا ونغزوها في عقر دارها حتى يهتف العالم الاسلامي كله باسم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقن الدنيا كلها بتعاليم القرآن وينتشر ظل الاسلام الوارف على الأرض وحينئذ يتحقق للمسلم ما ينشد فلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله { لله الأمر الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون* بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} الروم 4-5.



هذا الكتاب

لا تكاد الأمة الإسلامية الآن تجمع على شيء قدر إجماعها على أن (( الإسلام هو الحل))، وهو العلاج الشافي لكل مشاكلهان وأزماتها، ولكل أمراضها وآلامها... لقد جربت الأمة الكثير من المناهج، وفرضت عليها أفكار ومعتقدات بعيدة عن حضارتها ودينها، ولكنها عادت لتؤكد من جديد أن طريق الإيمان والاسلام هو الطريق الوحيد، القادر على إعادتها الى موقع عزها وفخارها، وأصبح الأمل قويا في قرب ذلك اليوم الذي تتحكم فيه الأمة في قرارها، وتعود الى شريعة ربها..

والبعض يتساءل عن شعار (( الاسلام هو الحل)) بحسن نية أو بغيرها.. ماهية هذا الشعار؟ وما يهدف إليه؟.. ولتوضيح الصورة كان هذا الكتاب.
الناشر