

-
1- رجل ذو مال يشتري الصك من الكنيسة حسب التسعيرة التي تحددها هي.
2- رجل يحمل سيفه ويبذل دمه في سبيل نصرة الكنيسة والدفاع عنها وحراسة مبادئها.
3- وغير هذين رجل ثالث يعتصر قلبه أسى لأنه لا يملك ثمن الصك أو لا يستطيع أن يشترك في الحرب، إما لعجزه وإما لكونه غير مستعد للموت من أجل الكنيسة؛ لكنه يظل أسير صراع نفسي مرير وشعور بالحرمان قاتل.
وهكذا فالكل مضحون، والكل خاسرون، والكنيسة هي الرابح الوحيد وإن كانت عند الله شر مقاماً وأخسر صفقة.
نتائج هذه البدعة:
إن بدعة كهذه لن تمر في التاريخ مرور الكرام، بل هي جديرة بأن تحدث أصداءً واسعةً الانتشار، وتثير ردود فعل بعيدة الآثار، لاسيما وقد ظهرت في الفترة التي اتصلت فيها أوروبا بنور الإسلام، وأخذت العقول النائمة تتلمس مكانها في الحياة، وبدأت الفطر تستيقظ بعد طول رقاد.
كانت هذه البدعة أول أمرها من أسباب قوة الكنيسة ودعائم شموخها، لكنها ارتدت عليها بعد ذلك شراً مستطيراً ووباءً قاتلاً.
فمن ناحية المكانة الدينية ارتفعت منـزلة رجال الدين في نظر السذج والجهلة بعد أن منحهم المسيح هذه الموهبة العظيمة، وخيل إليهم أنه ما دام أعطاهم حق المغفرة للناس فبديهي أنه غفر لهم، بل قدسهم ووهبهم من روحه كما يدعون، وبذلك تجب طاعتهم والتزلف إليهم وتملقهم على من أراد التقرب إلى المسيح والحصول على رضاه.
وإذ قد آمن الناس -ملوكاً وصعاليك- بحق الغفران، فقد سهل عليهم أن يؤمنوا بمقابلة حق الحرمان، ولم يزدادوا طمعاً في ذاك إلا وازدادوا رهبة لهذا.
ومن الوجهة المادية أثرت الكنيسة من عملية بيع الصكوك ثراء فاحشاً، حتى أصبحت بحق أغنى طبقات المجتمع الأوروبي آنذاك بما تكدس في خزائنها من أموال وتدفق عليها من عطايا وهبات.
ومن الوجهة السياسية قويت الكنيسة، وتدعمت سلطتها بالجحافل البربرية التي تطوعت للقتال في سبيلها من أجل الحصول على الغفران، وبالمقابل انخفضت سلطة الملوك الذين كانوا جنوداً للكنيسة بأنفسهم في الحروب الصليبية، إلا من تردد منهم أو حاول التملص من قبضتها، فعوقب بالحرمان كما حدث لـفريدريك الثاني
كل هذه الثمار جنتها الكنيسة من جراء هذه المهزلة المبتدعة، وكان نتائجها الطغيان الأعمى والغطرسة الباغية، ولم لا تطغى وتستبد وقد عبدها الناس من دون الله وقدسوا تعاليمها دون تعاليم المسيح؟! ولم لا تغتر وتتجبر وهى تملك المجتمع من ناصيته وتتحكم في الضمائر وتسيطر على الأرواح كما تشاء، وترفع من أحبت إلى أعلى عليين، وتقذف من أبغضت في دركات الجحيم، وتنصب هذا قديساً وذاك شيطاناً مريداً؟!
تلك هي الصورة الإيجابية التي خلفتها هذه المهزلة للكنيسة، وعليها اقتصرت نظرة آبائها، فدفعهم الغرور إلى المضي قدماً، وازدادوا نهماً غير عابئين بالنتائج ولا حافلين بالعواقب.
لكن سنة الله لا تحابي أحداً ولا تجامله، فكل شيء جاوز حده انقلب إلى ضده، والزبد يذهب جفاءً، وهكذا كانت صكوك الغفران مسماراً في نعش الكنيسة وبدايةً لنهايتها، وكانت خسارتها بها عظيمة عظم جنايتها.

مُغلَق للتَحديث
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات