تلك هي المهزلة أو جانب منها، فمن أين جاءت بها الكنيسة
إذا كانت الأناجيل والرسائل خالية مما يدعمها أو يدل عليها؟

إن الأساس الذي يبدو أن هذه البدعة انبثقت عنه هو
الفكرة الوثنية التي ادعاها رجال الدين (فكرة القداسة)،
وعن تقديس رجال الدين نشأت فكرة الاستشفاع بهم لدى
الله لمغفرة الخطايا، وظل الجهلة والسذج يتوسلون إلى
القساوسة راجين الشفاعة والتقرب إلى الله زلفى، فنتج عن
ذلك أن تقرر المبدأ الذي أشرنا إليه سلفاً (مبدأ التوسط بين
الله والخلق)، حتى أصبح حقاً عادياً لأي رجل دين، بل
أصبحت وظيفة رجل الدين أينما كان هي التوسط بين الله
وخلقه، فعن طريقه تؤدى الصلاة، ويتناول العشاء الرباني
، وهو الذي يقوم بالتعميد، وبمراسم وطقوس الزواج
والموت ويتقبل الاعترافات من المذنبين.

وفي الوقت الذي كان رجل الدين فيه يتقبل الاعتراف
لم يكن ليدعي حق المغفرة من نفسه؛ لكن المسيح
-بزعمه- يغفر لمن أقر بذنبه بين يدي أحد أتباع
كنيسته التي أورثها سلطانه وفرض لها السيادة
على العالمين.

وكان الفرد المسيحي يستطيع ضمان الملكوت مع المسيح باعتراف
واحد في العمر هو اعترافه ساعة احتضاره، إذ يتم دهن جسده
بالزيت المقدس، فيتطهر من كل الأرجاس والذنوب، وكان من
العقوبات الصارمة التي تتخذها الكنيسة ضد مخالفيها
من الشعوب أو الأفراد حرمانهم من الاعتراف الأخير
والصلاة عليهم؛ فلا يشك مسيحي أنهم ذهبوا إلى
الجحيم بسبب ذلك.
.....................................>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> >>>