الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

بسم الله الرحمن الرحيم



وبعد

لو افترضنا أيها الفاضل أنك كنت تسير مع صديق لك بجوار مبنى شاهق ... ثم أخبرك صاحبك أنه هو صاحب هذا المبنى ... وأنت لم تصدقه لأنك تعلم أنه لا يمتلك ما يمكنه من حيازة مثل هذا المبنى غالي الثمن ... أرأيت لو أخرج لك أوراقا رسمية معتمدة تفيد إمتلاكه له بالفعل ... أتكذبه حينها؟؟؟


أعني بذلك المثال أن الأدلة التي لا تحتمل الشك جديرة بأن تجعل من المرء الذي لم ير حادثة ما وكأنه قد شهد هذا الحادث ورآه بعينيه


ثم هل تعلم ما فعل أبو جهل لما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بحادثة الإسراء؟؟؟

لقد فرح فرحا عظيما ... وأكد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيعيد ما أخبره به أمام الناس كلهم ... فلما أخبره النبي أن نعم ... قام أبو جهل بتجميع الناس كلهم ليسمعوا من النبي فيكذبوه

وكان هذا موقف فاصل في بداية الدعوة ... إما يئدها في مهدها ... وإما يظهر الله عز وجل في هذا الموقف ما يلجم به ألسنة المعاندين


ولقد سأل الكفار النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على صدقه أنه قد أسري به إلى بيت المقدس في ليلة وعاد منه في ذات الليلة ... ولما كانوا يعلمون يقينا أن النبي لم ير المسجد الأقصى في عمره قبل ذلك الموقف ... وكان منهم من سافر للمسجد ورآه كثيرا في رحلات التجارة ... فقد طلبوا منه أن يصفه لهم كدليل على صدقه أنه رآه البارحة

ولقد كان ... وصف النبي صلى الله عليه وسلم المسجد للناس وأجاب عن كل علامة أو سؤال فيه سئله أحد الناس إياه ... بالرغم من أنه لم يكن ليتذكر كل تلك التفاصيل وحده ... لكنها عناية الله عز وجل ونصرته لدينه ونبيه ... ثم لم يكتفِ بذلك ... بل أخبرهم أنه في طريق العودة رأى قافلة في مكان حدده لهم ... وأخبرهم بخط سير هذه القافلة وأنهم عائدون إليهم في يوم حدده لهم ... ثم ذكر لهم واقعة رآها فيهم وهو عائد وهي بحثهم عن بعير ضلت منهم ... ووصف لهم طليعة تلك القافلة التي رآها في الطريق

يعني النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم علامات خمس رآها وهو عائد في قافلة لهم ... وكان يكفي لسقوط روايته أن تسقط واحدة من هذه الخمس

فالقوم انتظروا القافلة في اليوم الذي حدده النبي لهم لعودتها فعادت في ذات اليوم ... وسألوهم عن خط سيرهم فوافق ما أخبر به النبي ... وكان في مقدمة قافلتهم الجمل المميز الذي وصفه النبي لهم ... ولما سألوهم عن ضالتهم وأين ضلت أخبروهم أنه قد ضلت منهم بعير بالفعل في ذات المكان الذي حدده النبي


يعني كل ما أراده الخصوم من أدلة إثبات قد أعطيت لهم ... وإنك إن رأيت جثة قتيل فقد تيقنت أن هذا الرجل قتل ولم يمت ميتة طبيعية حتى ولو لم تر حادث قتله ... كذلك هم قد أعطوا من الأدلة ما يبرهن على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في أنه قد راح للأقصى ثم غدا منه إليهم


الأدلة من الحديث على ما مر


ولما أصبح النبي بمكة فَظَعَ بأمره وعرف أن الناسَ مكذبوه ، وأصبح النبي يتحدث بذلك ، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسَعَوْا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقالوا : هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس , قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم , قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق , قالوا : أو تصدقه أنه ذهب الليلةَ إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوةٍ أو روحةٍ . فلذلك سمي أبو بكر الصديق . وقعد معتزلاً حزيناً ، فمر به عدوُّ الله أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزىء : هل كان من شيء ؟ فقال له رسول الله : نعم , قال : وما هو ؟ قال : إني أسري بي الليلة , قال : إلى أين ؟ قال : إلى بيتِ المقدس , قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم , فلم يُرِهِ أنه يكذبه مخافةَ أن يجحدَه الحديثَ إذا دعا قومَه إليه . فقال : أرأيتَ إن دعوتُ قومَك أتحدثهم بماحدثتني ؟ فقال رسول الله : نعم , قال : هيا معشر بني كعبِ بنِ لؤي هلم . فانتفضت إليه المجالسُ وجاءوا حتى جلسوا إليهما ، قال : حدِّثْ قومَك بما حدثتني , فقال رسول الله : إني أسري بي الليلة , فقالوا : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس , قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم , فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب - زعم - قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ - وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد - قال رسول الله (فلما كذبتني قريش قمتُ في الحجر ) ( وقريش تسألني عن مسراي ) ( فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى ) سألتني عن أشياءَ من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط ، قال : ( فأثنيت على ربي وسألته أن يمثِّلَ لي بيتَ المقدس فجلا الله لي بيت المقدس )( فرفعه الله لي أنظر إليه ) (حتى وضع دون دار عقيل )( ما يسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتُهم به )( فطفقت أخبرُهم عن آياتِه وأنا أنظر إليه )( فقال القوم : أما النعت فوالله لقد أصاب ) ،( فكان عليُّ بنُ أبي طالب يحلف أن الله أنزلَ اسمَ أبي بكر من السماء الصديق

فقال : إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعيرٍ لكم بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم ، فجمعه فلان ، وإن مسيرَهم ينزلون بكذا ثم بكذا ويأتونكم يوم كذا وكذا ، يقدمهم جمل آدم عليه مِسحٌ أسود وغرارتان سوداوان ( فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم ) فلما كان اليوم أشرفَ الناسُ ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله ( فقال ناسٌ : نحن لا نصدق محمداً بما يقول فارتدوا كفاراً ، فضربَ الله رقابَهم مع أبي جهل )



الرواية هذه من حديث ابن عباس وأبي حبة الأنصاري عند البخاري 1/459 ، 6/374 ، ومسلم 1/149 والحاكم 3/633 والفاكهي 2/24 وغيرهم .



وأيضا هذه الرواية


قلنا يا رسول الله : كيف أُسريّ بك ؟ قال : ...... وفيه فقال : (( إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا ، وقد أضلوا بعيراً لهم ، فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا وكذا . ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان )) فلما كان ذلك اليوم ، أشرف الناس ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار حتى أقبلت العير ، يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله . ]رواه البيهقي وقال : إسناده صحيح ] .



وأما عن المعراج ... فلم يشهده أحد إلا الله ورسوله والأنبياء وملائكة السماء ... وثقتنا في صدق نبينا في كل ما بلغ يجعلنا نجزم بالمعراج كأننا شاهدناه بأعيننا ... ونثق بوقوعه أكثر من ثقتنا أننا نتنفس الهواء ونشرب الماء




لفتة أخيرة في هذا الموضوع طرأت على ذهني الآن ... تخيل رجلا يدعو الناس لأمر عظيم ويطلب منهم اتباعه ... وفي ذروة فترة الإستضعاف التي يمر بها وسطهم ... وفي ذات العام الذي توفيت فيه زوجته وعمه اللذان كانا يمنعان بعض أذى قريش عنه ... تخيل في ظل هذه الظروف الصعبة ... يخبر النبي الناس بهذا الأمر الذي أدى بالفعل لارتداد بعض من قليلي الإيمان عن الدين وهو في أمس الحاجة لرجل ... بربك أخبرني ... ألم يكن كتمان أمر من الصعوبة بمكان على أهل هذا الزمان تصديقه أولى برجل يريد أن يتبعه الناس ولا يكذبونه؟؟؟

أليس رسول الله حقا إذ لم يكتم ما أمره الله بتبليغه مهما كانت العواقب؟؟؟