بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الطعن في الإنجيل ( دراسة في الأناجيل الأربعة )(3)


هذه قصة أخرى في تحريف الإنجيل شبيهة بالقصة التي رواها القرطبي في تفسيره كما مر في البحث السابق . روى ابن عساكر بسنده في تاريخ دمشق في :

( باب ما جاء في الكُتب من نعتهِ وصفتهِ وما بشرت به الأنبياء أممها من نعته عليه الصلاة والسلام ) .



عن سهل مولى غُنيمة أنه كان نصرانياً من أهل مريس وأنه كان يتيماً في حجر أمه وعمه وأنه كان يقرأ التوراة والإنجيل وأنه كان يقرأ الإنجيل قال : ( فأخذت مصحفاً لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة أنكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي قال : فنظرت فإذا أصول الورقة ملصوقة بغراء قال : ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد عليه الصلاة والسلام أنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو صفرة من بين كتفيه خاتم يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصاً مرقوعاً من فعل ذلك فقد برئ من الكبر وهو يفعل ذلك وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد قال سهل : فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد جاء عمي فلما رأى الورقة ضربني وقال ما لك ؟ وفتحت هذه الورقة وقراءتها فقلت : فيها نعت النبي أحمد فقال إنه لم يأت بعد ! )(1) .

الطعن في إنجيل لوقا :

قال عبد الله الترجمان في لوقا : ( وأما لوقا فلم يدرك عيسى عليه السلام ولا رءاه أبداً وإنما تنصر بعد رفع عيسى عليه السلام وكان تنصره على يد بولس الإسرائيلي وبولس أيضاً لم يدرك عيسى ولا رءاه )(2) .

وقال الشيخ محمد رشيد رضا : ( قال الدكتور بوست في قاموسه : " ظن بعضهم أَنه – أَي لوقا - مولود في إنطاكية إلا أَن ذلك ناتج من اشتباهه بلو كيوس، قال : ومن تغيير صيغة الغائب إلى صيغة المتكلمين في سياق القصة يستدل على أَن لوقا اجتمع مع بولس في ترواس 16: 1 وذهب معه إلى فيلبي في سفره الثاني ثم اجتمع معه ثانية في فيلبي بعد عدة سنين 20 : 5 ,6 وبقي معه إلى أَن أُسر وأُخذ إلى رومية 28 : 20 ولم يعلم شيء من حياته بعد ذلك " .

فلينظر القاريء كيف يستنبطون تاريخه من أُسلوب عبارته التي لم تصل إليهم بسند متصل لا صحيح ولا ضعيف كما استدلوا على كونه إيطاليًا لا فلسطينيًا من كلامه عن القطرين ذلك بأَنه ليس عندهم نقل يعرفون به شيئًا عن مؤسسي دينهم .

ثم قال : " وظن البعض أَن لفظة إنجيل الواردة – 3 : تي 2 : 8 - تدل على أَن بولس أَلف إنجيل لوقا لم يكن إلا كاتبًا " ثم قال : " وقد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أُورشليم وقبل الأعمال ويرجح أَنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أَسر بولس ؟ من 58-60 م غير أَن البعض يظنون أَنه كتب قبل ذلك.. " اهـ.

فأنت ترى من التعبير بلفظ الترجيح والظن ومن الخلاف بين سنة 51 و 53 كما في الخلاصة و 58 و 60 كما أَنه لا علم عند القوم بشيء (وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ولعل الذين قالوا إن بولس هو الذي كتب هذا الإنجيل هم المصيبون لمشابهة أُسلوبه لأسلوب رسائله باعترافهم فإن قيل وما تفعل بتحريفه ؟ قلت هو كتحريفها وتجد فيه مثل ما تجد فيها من ذكر وضع بعض الناس لأَناجيل كاذبة ومن لنا بدليل يثبت لنا صدقه هو؟ وأَنى لنا بتمييز هذه الأَناجيل ومعرفة صادقها من كاذبها؟ )(3)


وقال الدكتور السقار : ( ويلحظ المحققون على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها :

1- أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية فأنكروا إلهامية هذا الإنجيل منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن ونسب هذا القول إلى القدماء من العلماء وقال القديس أغسطينوس : " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة " .

2- شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذان الإصحاحان .

ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " ( أعمال 1/1) أي معجزاته، بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " ( أعمال 1/2) والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح، لا عن أعماله. ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله : بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل.

وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته.

3- إن الغموض يلف شخصيته فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً ولا تاريخ الكتابة و.... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس وأنه لم يلق المسيح فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وكيف يجعل كلامه مقدساً ؟ )(4).

نماذج التحريف والتناقض في هذا الإنجيل :

1/ في إنجيل لوقا الباب الأول منه في قول جبريل لمريم في حق عيسى : " ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " .

هذا غلط من وجهين :

أولاً : عيسى من أولاد " يواقيم " على حسب نسبه عند متى .

الثاني : أن المسيح لم يجلس على كرسي داود ساعة واحدة ولم يحصل له حكم على آل يعقوب بل قاموا عليه وضربوه بعد حضوره إمام كرسي بيلاطس ثم صلب !

2/ اتفق مرقس ومتى ولوقا على إحدى عشر من الحواريين واختلفوا في اسم الثاني عشر :

قال مرقس : تداوس .

وقال متى : لباوس الملقب بتداوس .

بينما قال لوقا : يهوذا أخو يعقوب !

3/ عند متى أن مريم المجدلية ومريم الأخرى لما وصلن إلى القبر نزل ملاك الرب ودحرج الحجر عن القبر وجلس عليه وقال : " لا تخافا وذهبا سريعاً " . ويعلم من مرقس أنهما وسالومة لما وصلن إلى القبر رأين أن الحجر مدحرج ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين !

ويعلم من لوقا أنهن لما وصلن وجدن الحجر مدحرجاً فدخلن ولم يجدن جسد المسيح فصرن محتارات فإذا رجلان واقفان بثياب براقة !(5) .

-------------------------

1/ تاريخ دمشق ج3 ص387 .

2/ تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب , عبد الله الترجمان ، اعتمدت على نسخة مخطوطة .

3/ نقله من تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى السعودية في مجموع الفتاوى ج1 .

4/ هل العهد الجديد كلمة الله ؟ , د. منذر السقار .

5/ نقلته من إظهار الحق باختصار يسير .


موسى بن سليمان السليمان