بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الطعن في الإنجيل ( دراسة في الأناجيل الأربعة )(2)


هذه قصة يهودي أسلم بعد أن كان يعمل على تحريف التوراة والإنجيل والقرآن بقصد اختبار الأديان ذكرها القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فأحببت أن أذكرها كمقدمة ودليل على وقوع التحريف في الإنجيل :

روى القرطبي بسنده عن القاضي يحيى بن أكثم قال : " كان للمأمون وهو أمير إذ إذاك مجلس نظر فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة قال : فتكلم فأحسن الكلام والعبارة قال : فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له إسرائيلي , قال : نعم , قال له : أسلم حتى أفعل بك وأصنع ووعده , فقال : ديني ودين آبائي وانصرف قال : فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً قال : فتكلم على الفقه فأحسن الكلام فلما تقوض المجلس دعاه المأمون , وقال : ألست صاحبنا بالأمس ؟ قال له : بلى , قال : فما كان سبب إسلامك ؟ قال : انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان وأنت تراني حسن الخط فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها البيعة فاشتريت مني وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها فعلمت أن هذا كتاب محفوظ فكان هذا سبب إسلامي . قال يحيى بن أكثم : فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر فقال لي : مصداق هذا في كتاب الله عز وجل قال قلت : في أي موضع ؟ قال في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : ( بما استحفظوا من كتاب الله ) فجعل حفظه إليهم فضاع وقال عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضيع " .



ويدل على هذا قول المفسر " هورن " في الباب الثاني من القسم الثاني من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1811 : " الحالات التي وصلت إلينا في باب زمان تأليف الأناجيل من قدماء مؤرخي الكنيسة أبتر وغير معينة لا توصلنا إلى أمر معين والمشايخ القدماء الأولون صدقوا الروايات الواهية وكتبوها وقَبِلَ الذين جاؤوا من بعدهم مكتوبهم تعظيماً لهم ! وهذه الروايات الصادقة والكاذبة وصلت من كاتب إلى كاتب آخر وتعذر تنقيدها بعد انقضاء المدة "(1) وعلى هذا فلا يُستغرب البته وقوع التحريف في الإنجيل لاسيما إذا كان الطعن وقع من مفسر كبير خبير فيه .

وهناك أيضاً معلومة خطيرة نقلها الشيخ أحمد ديدات عن بعض الصحف الإنجليزية تطعن في الإنجيل قال : ( ... " هذا المقالة منقولة بالنص عن مجلة awake عدد 8 سبتمبر سنة 1957 " اشترى مؤخراً احد الشباب نسخة ن الكتاب المقدس طبعة الملك جيمس معتقداً أنها بدون أخطأ وفي أحد الأيام عندما كان يتفرس في الصفحة الأخيرة من غلاف مجلة " لوك " وقعت عيناه على مقالة بعنوان " الحقيقة عن الكتاب المقدس " والذي ذكر فيها الكاتب أنه في سنة 1720 قامت هيئة من خبراء الانجليز بتقدير عدد الأخطاء في الكتاب المقدس بحوالي عشرين ألف خطأ على الأقل في كلا من طبعتي العهد الجديد المقروءة عامة بين البروتستانت والكاثوليك وتقول الدراسات الأحدث أنها ربما تكون خمسين ألف خطأ لقد صدم الشاب واهتز إيمانه بصحة الإنجيل كيف يمكن أن يعول على الكتاب المقدس وهو يحتوي على الآلاف من الأخطاء الخطيرة وعدم الدقة ؟! " .

إن هدف الكاتب من تقديم هذا المقال الذي ظهر فيد مجلة " لوك " في 26 فبراير سنة 1952 هو توضيح السبب في عكوف الدارسين على الدراسة الجادة للمخطوطات القديمة وعلى ذلك فإن المؤلف يقصد الأخطاء التي تسللت إلى الآيات ولا يقصد بذلك فقد الثقة بعموميات الآيات لقد استشهد الكاتب بالأخطاء البارزة والتي ذكر أن بعض الدارسين أدعى بأمثلة منها أن نسخة الملك جيمس تحتوي على خمسين ألف خطأ وترك الانطباع بأن خمسين ألف خطأ في الكتاب المقدس مسألة خطيرة والتي بالطبع قد تكون غير صحيحة إلى جانب أن معظم ما يسمى بالأخطاء قد صحح في الترجمات الحديثة أما الأخطاء الباقية فهي أخطاء تافهة لا تؤثر تأثيراً له قيمة في مدى الثقة بالكتاب المقدس !

لقد بدأ المقال بسؤال : " ما مدى دقة الكتاب المقدس الذي نقرأه اليوم ؟ " وخلال المقال كله لم يجب الكاتب عن هذا السؤال ولكن من سياق المقال أن الإجابة هي أن الكتاب المقدس بصفة عامة دقيق وحقيقي ويمكن الوثوق به ! )(2) .

وفي ظني أن كاتب هذا المقال لو علم أن مقاله هذا سوف يقع في يد المسلمين لما تفوه بكلمة وما كتبه أصلاً بل لعله ينفي هذه الأخطاء التي يدعيها وهذه عادة النصارى يريدون أن يقنعوا الناس في دفاعهم عن تحريف الإنجيل بأن الجمل يستطيع المرور من خلال خرم الإبرة ! فيختلقون الأقوال البعيدة لتبرير التخريف والتناقضات .

ولذا كان ابن حزم الأندلسي يستغرب من هذا الخلط والتناقض العجيب الذي هو عين الكذب على المسيح - عليه السلام – ودليل على التحريف الواضح فيقول : ( وجملة أمرهم في المسيح عليه السلام أنه مرة بنص أناجيلهم ابن الله ومرة هو ابن يوسف وابن داود وابن الإنسان ومرة هو آلة يخلق ويرزق ومرة هو خروف الله ومرة هو في الله والله فيه ومرة هو في تلاميذه وتلاميذه فيه ومرة هو علم الله وقدرته ومرة لا يحكم على أحد ولا ينفذ إرادته ومرة هو نبي وغلام الله ومرة أسلمه الله إلى أعدائه ومرة قد انعزل الله له عن الملك وتولاه هو وصار يشرف الله تعالى ويعطي مفاتيح السموات لباطرة ويولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السموات والأرض ومرة يجوع ويطلب ما يأكل ويعطش ويشرب ويعرق من الخوف ويلعن الشجرة إذا لم يجد فيها تيناً يأكله ويفشل فيركب حماره ويؤخذ ويلطم وجهه ويضرب رأسه بالقصبة ويزق في وجهه ويضرب ظهره بالسياط ويميته الشرط ويتهكمون به ويسقي الخل في الحنظل ويصلب بين سارقين ويسمر يداه ومات في الساعة ودفن ثم يحيى بعد الموت ولم يكن له هم إذ حيى بعد الموت واجتمع بأصحابه إلا طلب ما يأكل فأطعموه الخبز والحوت المشوي وسقوه العسل ثم انطلق إلى شغله هذا كله نص أناجيلهم وهم قد اقتصروا في دينهم من هذا كله على أنه آلة معبود فقط وهم ينفون من إله مع الله وأناجيلهم وأماناتهم توجب أن المسيح آلة آخر غير الله بل يقعد عن يمين الله وأنه أكبر منه وهو يخلق كما يخلق ويحيى كما يحيى الله ! )(3)

الطعن في إنجيل مرقس :

قال عبد الله الترجمان : ( وأما ماركس فما رأى أيضاً عيسى عليه السلام قط وكان دخوله في دين النصرانية بعد أن رٌفع عيسى وتنصر على يد بتروا الحواري وأخذ عنه الإنجيل بمدينة " رومه " وماركس هذا خالف أصحابه الثلاثة الذين كتبوا الإنجيل في مسائل )(4) .

وقال رحمة الله الهندي : ( قال المحقق " نورتن " في الصفحة 70 من كتابه المطبوع سنة 1837 في بلدة بوستن في حق إنجيل مرقس: " في هذا الإنجيل عبارة واحدة قابلة للتحقيق وهي من الآية التاسعة إلى آخر الباب الآخر والعجب من " كريسباخ " أنه ما جعلها مُعَلَّمة بعلامة الشك في المتن وأورد في شرحه أدلة على كونها إلحاقية " ثم نقل أدلة فقال : " فثبت منها أن هذه العبارة مشتبهة سيما إذا لاحظنا العادة الجِبِلِّيّة للكاتبين بأنهم كانوا أرغب في إدخال العبارات من إخراجها " وكريسباخ عند فرقة البروتستنت من العلماء المعتبرين وإن لم يكن نورتن كذلك عندهم فقول كريسباخ حجة عليهم )(5).‏

وهذا نموذج من دلائل تحريف وتناقض هذا الإنجيل فقد ذكر مرقس في الباب الحادي عشر أن مُباحثة اليهود والمسيح كانت في اليوم الثالث من وصوله إلى أورشليم بينما كتب متى في الباب الحادي والعشرين أنها كانت في اليوم الثاني ! فأحدهما تحريف بلا شك .

في الباب الأول عند مرقس أن يحيى كان يأكل جراداً وعسلاً برياً بينما عند متى في الباب الحادي عشر أنه كان لا يأكل ولا يشرب !

في الآية الخمسة والعشرين من الباب الخامس عشر أنهم صلبوا المسيح في الساعة الثالثة بينما عند يوحنا في الآية الرابعة عشرة من الباب التاسع عشر من إنجيله أنه كان إلى الساعة السادسة عند بيلاطس !

في قصة المرأة التي أفرغت قارورة الطيب على عيسى – عليه السلام – في الباب الرابع عشر عند مرقس كان فبل الفصح بيومين بينما عند يوحنا قبل الفصح بستة أيام !

------------------

1/ إظهار الحق , رحمة الله الهندي , ج1 ص157 , طبعة دار الوطن , تحقيق د. محمد ملكاوي .

2/ خمسين ألف خطأ في الإنجيل ص8 ، أحمد ديدات ، ترجمة : رمضان الصفناوي .

3/ الفصل في الملل والأهواء والنحل , محمد بن حزم الأندلسي , ذكر مناقضات الأناجيل الأربعة .

4/ تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب , عبد الله الترجمان ، اعتمدت على نسخة مخطوطة .

5/ إظهار الحق , رحمة الله الهندي , ج1 ص157 , طبعة دار الوطن , تحقيق د. محمد ملكاوي .