فقد قال الإمام أحمد – لما ذكر له قول أبي ثور المتقدم – ( من قال : إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي , وأيُّ صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه ؟ )( 18 ) .
وقال ابن قتيبة – بعد ذكره لهذا القول – ( ولو كان المراد هذا , ما كان في الكلام فائدة , ومن يشك في أن الله تعالى خلق الإنسان على صورته , والسباع على صورها , الأنعام على صورها )( 19 ) .
و لكن قال ابن حجر في الفتح قال ( وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم , أي على صفته , أي خلقه موصوفاً بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل )( 21 )
و يقول الشيخ الألبانى
س:إلى من يرجع الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم:((إن الله خلق آدم على صورته))؟ {فتاوى المدينة:76}
ج:هذا الحديث لا يحتاج في علمي إلى تأويل, لأن الإمام البخاري رواه في صحيحه بتتمة تغني عن التأويل, وهي((إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعا)){البخاري(135\4), مسلم(2183\4)} ,فالضمير في كلمة صورته لا يعود إلى الله , وإنما على آدم.
أما الحديث المذكور في بعض كتب السنن بلفظ:((إن الله خلق آدم على صورة الرحمن)){بن خزيمة في التوحيد(85\1),الدارقطني في الصفات(48), الطبراني في الكبير(43\12)},فهذا ضعيف بهذا اللفظ لأنه من رواية حبيب بن أبي ثايت وهو مدلس, وقد رواه معنعنا في كل الطرق التي وقفنا عليها, وكلها تدور عليه.
القول الثالث:أى على صورة الله
و له احتمالان
وقد ذهب بعض أهل السنة والجماعة إلى أن إضافة الصورة إلى الله من باب التشريف والتكريم , كقوله تعالى ( ناقة الله )( 25 ) وكما يقال في الكعبة بيت الله ونحو ذلك( 26
قال الشيخ أبن عثيمين رحمه الله تعالى:
(وهناك جواب آخر : وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه كقوله تعالى عن آدم (ونفخت فيه من روحي ) ولا يمكن أن يكون الله أعطى آدم جزءاً من روحه لكن روح الله يعني بها الروح التي خلقها الله عز وجل
لكن إضافتها إلى الله من باب التشريف كما نقول (عباد الله ) فهذه إضافة عامة لكننا لو قلنا (محمد بن عبد الله)
فهذه إضافة خاصة ليست كالعبودية السابقة
فإذاً صورة الله يعني صورة من الصور التي خلقها الله وصورها (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) فالتصوير سابق على القول للملائكة
إذا: فآدم صورة الله يعني أن الله هو صوره على هذه الصورة التي تعتبر أحسن صورة في المخلوقات فأضاف الله الصورة إليه من باب التشريف كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك " لا تضرب الوجه " فيقبح حساً "ولا تقبحه" فتقول قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فتعيبه معنى .
فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها إلي نفسه تشريفاً وتكريما ًلا تقبيحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي فصار هذا نظير "بيت الله ـ عبد الله " لأن هذه الصورة منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه إلى نفسه وهو منفصل بائن عنه فهو من المخلوقات .
المرجع: شرحه العقيدة الواسطية1/67ـ69
و الثانى
ووضحه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حيث قال : " الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث - وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل .والمعنى عند أهل العلم : أن الله خلق آدم سميعاً بصيراً متكلماً ، إذا شاء ، وهذا هو وصف الله تعالى ، فإنه سميعٌ بصيرٌ متكلمٌ إذا شاء ، وله وجه جلّ وعلا.وليس المعنى التشبيه والتمثيل ، بل الصورة التي له غير الصورة التي للمخلوق وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ، وهكذا خلق الله آدم سميعاً
صيراً ، ذا وجه ويد وذا قدم ، ولكن ليس السمع كالسمع ، وليس البصر كالبصر ، وليس المتكلم كالمتكلم ، بل لله جلّ وعلا صفاته التي تليق بجلاله وعظمته ، وللعبد صفاته التي تليق به ، صفات يعتريها الفناء والنقص ، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ، ولهذا قال الله عزوجل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى:11].وقال سبحانه: ( ولم يكن له كفواً أحد )[ الإخلاص: 4] . انتهى .فهذا التعبير: " على صورته " لا يقتضي مماثلة الصورة للصورة ، ولا الصفة للصفة ، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء ". متفق عليه ، ومعلوم أن هذه الزمرة ليست مماثلة للقمر . والله أعلم .
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات