بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

إخواني بارك الله فيكم استمتعت بما كتبتوه من تفصيل وأحب أن أنقل لكم كلام للشيخ الألباني في أحد دروسه عندما سُئل عن هذا الأمر .

هو قال أنه لا يوجد أي حديث مرفوع للنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر وأن أكثر الأثار التي يستخدمها المفسرون بيستعينوا فيها بكلام أهل الكتاب .

وقال أيضا أن هناك تفسيرين من شأنهما حفظ العصمة ليوسف عليه السلام أحدهما أنه لم يهم بها أصلا بناء على ما قاله بعض المفسرون من التقديم والتأخير على { لولا أن رأى برهان ربه }
والثاني أنه هم بها ليضربها وقال هذا تفسير متأخر ليس على نهج السلف من المفسرين .

فرجح الشيخ الرجوع للغة ما دام أنه لا يوجد وحي في هذا الأمر الغيبي النسبي وهو الحق ان شاء الله .

وحتى نجمع شتات الأمر لإخواننا أقول :

رجح بعض أهل العلم المحققون أن الهم هم خاطرة واستندو بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" يقول الله تعالى: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها، وإن هم بسيئة فلم يعملها، فاكتبوها حسنة، فإنما تركها من جرائي، فإن عملها فاكتبوها بمثلها " ، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين .

ولكنهم اختاروا هذا القياس لأن بعضهم رأى أنه لا يصح تقديم ( لولا ) قال ابن كثير :
وقيل: هم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي: فلم يهم بها، وفي هذا القول نظر من حيث العربية، حكاه ابن جرير وغيره.

لكن هناك كلام نفيس جدا لأبي حيان في البحر المحيط هو الكلام الفصل في هذا الأمر وأبو حيان هو من هو في اللغة حتى قال البعض عن تفسيره أنه كتاب نحو وقواعد في اللغة أكثر منه تفسيرا قال :
" ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه طول المفسرون في تفسير هذين الهمين، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق. والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همّ بها البتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله .
ولا تقول: إنّ جواب لولا متقدم عليها وإنْ كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد.

بل نقول: إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما تقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت، فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم، ولا يدل قوله: أنت ظالم على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل.
وكذلك هنا التقدير لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان موجداً الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفي الهم.
ولا التفات إلى قول الزجاج.

ولو كان الكلام ولهم بها كان بعيداً فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: وهمّ بها هو جواب لولا، ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب .
وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة لجواز أن ما يأتي جواب لولا إذا كان بصيغة الماضي باللام، وبغير لام تقول: لولا زيد لأكرمتك، ولولا زيد أكرمتك.

فمن ذهب إلى أن قوله: وهم بها هو نفس الجواب لم يبعد، ولا التفات لقول ابن عطية إنّ قول من قال: إن الكلام قد تم في قوله: ولقد همت به، وإن جواب لولا في قوله وهم بها، وإن المعنى لولا أن رأى البرهان لهمّ بها فلم يهم يوسف عليه السلام قال، وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف انتهى.

أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب قال الله تعالى:
{ إن كادَتْ لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين }[القصص: 10]
فقوله: إنْ كادت لتبدي به، إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدى به. وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب، لأنهم قدروا جواب لولا محذوفاً، ولا يدل عليه دليل، لأنهم لم يقدروا لهم بها.

ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط، لأنّ ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه.

وقد طهرنا كتابنا هذا عن نقل ما في كتب التفسير مما لا يليق ذكره، واقتصرنا على ما دل عليه لسان العرب، ومساق الآيات التي في هذه السورة مما يدل على العصمة، وبراءة يوسف عليه السلام من كل ما يشين .

ومن أراد أن يقف على ما نقل عن المفسرين في هذه الآية فليطالع ذلك في تفسير الزمخشري، وابن عطية، وغيرهما " انتهى كلامه أبو حيان رحمه الله .

وهذا الأقرب للصواب والله أعلم ما دام لا يوجد حديثا مرفوعا للنبي عليه السلام في هذا الأمر الغيبي اذا فحكم اللغة العربية أولى من اللجوء لتفسيرات أهل الكتاب .

والحمد لله رب العالمين