
-
مشاركة: الله - أصل العقيدة - تأليف : عباس محمود العقاد
فارس
لعل تاريخ الديانة الفارسية القديمة أهم التواريخ الدينية بين الأمم الأسيوية ، لتوشنج القرابة بينه وبين الديانات الهندية والطورانية والبابلية واليونانية ، وارتباطه بالتواريخ السابقة له واللاحقة به واقتباس الديانة الفارسية من غيرها واقتباس غيرها منها ، وتقدم الفكرة الإلهية علي يد زرادشت صاحب الشريعة القومية في بلاد فارس وأرفع الأعلام شأنا بين دعاة المجوسية من أقدم عصورها إلي أحدثها .
فالفرس الأقدمون من السلالة الهندية الجرمانية ، وموقع بلادهم قريب من دولة بابل ، قريب من أقاليم الطورانيين ، قريب من مسالك الحضارة بين المشرق والمغرب ، وقد تلقت حضارة فارس وحضارة مصر في السلم والحرب غير مرة ، وانقضي زمن طويل علي الدنيا المتحضرة وهي تقرن بين المجوسية وبين الحكمة أو اللم بأسرار الطبيعة والسيطرة عليها بالسحر والمعرفة الإلهية . وكان لليهود وأبناء فلسطين وأمم العرب علاقات قديمة بالدولة الفارسية تارة ةالدولة البابلية تارة أخري . فاتصل من ثم تاريخ المجوس بتاريخ اليهود والمسيحيين والمسلمين .
فالأقدمون من الفرس يلتقون مع الهند في عبادة (مترا) إله النور وتسمية الإله بالـ(أسورا) أو الـ(أهورا) وإن اختلفوا في إطلاقه علي عناصر الخير والشر .. فجعله الفرس من أرباب الخير والصلاح وجعله الهند من أرباب الشر والفساد .
والبابليون عرفوا عبادة (مترا) في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ورفعوا إلي المنزلة العلية بين الآلهة التي تحارب قوي الظلام .
واستعار الفرس من البابلين كما أعاروهم ، فأخذوا منهم سنة التسبيعفي عدد الآلهة ، وجعلوا أورمزد علي رأس سبعة من أرباب الحكمة والحق وقوي الطبيعة وأنواع المرافق والصناعات .
ولم تخل الديانة المجوسية من عقائد الطورانيين ،لأن (زرادشت) عاش بينهم زمنا وبشرهم بدينه فاضطر إلي مجاراتهم في عبادتهم ليجاروه في عبادته ، وأدخل أربابا لهم في عداد الملائكة المقربين .
ويعتقد المجوس في بعض أساطيرهم أن (زروان) أبو الإلهين إله النور والظلام . ولعل (زروان) هذا صنو لإله البابليين (نون) أو القدر الذي يتسلط علي الآلهة كما يتسلط علي المخلوقات .
وقد آمن المجوس بالعالم الآخر كما آمن به المصريون ، وآمنوا كذلك بالثواب والعقاب في الدار الآخرة ، ولكنهم قالوا بقيامة الموتي ونهاية العالم وبعث الأرواح للحساب في يوم القيامة .. ولعلهم جمعوا بذلك بين عقيدة الهند في نهاية العالم وعقيدة المصريين في محاسبة الروح ووزن أعمالها في موقف الجزاء .
ولم يكن اليهود يتكلمون عن (الشياطين) قبل السبي أو قبل الإقامة فيما بين النهرين فتكلموا عن الشياطين بعد أن شبهوه (بأهرمان) الذي يمثل الشر والفساد عند المجوس .
وفي الكتي المسيحية أن حكماء المجوس شهدوا مولد السيد المسيح وعلموا بنبئه فاهتدوا إليه بنجم في السماء .
وذكر أفلاطون زرادشت في كتاب (السيبادس)فسماه زرادشت بن أورمزد ، وقال بليني في تاريخه الطبيعي أنه المولود الذي ضحك يوم ولادته ، وقال ديوكريسستوم dio chrysostom أنه لا الشاعر هوميروس ولا الشاعر هزيود بلغا مبلغ زرادشت في الإشادةبمجد (زيوس) رب الأرباب في علياء مجده .
فتاريخ الديانة الفارسية عامة وتاريخ زرادشت خاصة علي ارتباط وثيق بتواريخ العقائد الأسيوية وتواريخ بعض العقائد في مصر واليونان .
ولكن (زرادشت) لا يعرف له تاريخ مفصل علي التحقيق ، فالمراجع اليونانية ترده إلي القرن الستين قبل الميلاد ، والمراجع العربية ترده إلي ما قبل الإسكندر بنحو مئتين وسبعين سنة . فهو علي هذا قد ولد حوالي سنة 660 قبل الميلاد وه أصح التقديرات ، وقد اعتمده الثقات الباحثون في تاريخه فرجحوا ، كما رجح كاسارتللي وجاكسون أنه ولد سنة 660 ومات سنة 583 قبل الميلاد .
ويقول الشهرستاني أن أباه من أذربيجان وأمه من الري ، ويكاد يتفق المؤرخون علي أنه قد ولد في الناحية الغربية الشمالية من البلاد الفارسية علي شاطئ نهر يسمونه في الكتب المجوسية داريزا ويعرف أخيرا باسم أراس .ويزعم بعض مؤرخيه أن اسمه من كلمتين في اللغة القديمة معناها معاكس الجمل ، لأنه كان في صباه يعبث بالجمال ، ويجعلون لهذه التسمية شأنا في وصاياه العديدة بالإشفاق علي الحيوان ، كأنه يكفر بذلك عن قسوته عليه في صباه .
وخلاصة ما جاء به (زرادشت) من جديد في الديانة أنه أنكر الوثنية وجعل الخير المحض من صفات الله ونزل بإله الشر إلي ما دون منزلة المساواه بينه وبين الإله الأعلي ، وبشر بالثواب وأنذر بالعقاب ، وقال بأن خلق الروح سابق لخلق الجسد ، وحاول جهده أن يقصر الربانية علي إله واحد موصوف بأرفع ما يفهمه أبناء زمانه من صفات التنزيه .
وليست المجوسية كلها من تعليم زرادشت أو تعليم كاهن واحد من كهان الأمة الفارسية . فقد سبقه الفرس إلي عقائدهم في أصل الوجود وتنازع النور والظلام ، ولكنه تولي هذه العقائد بالتطهير وحملها علي محمل جديد من التفسير والتعبير .
فالمجوس كانوا يعتقدون أن هرمز وأهرمن مولودان لإله قديم يسمي زروان ويكني به عن الزمان . وأنه اعتلج في جوفه وليدان فنذر السيادة علي الأرض والسماء لأسبقهما إلي الظهور ، فاحتال أهرمن بخبثه وكيده حتي شق له مخرجا إلي الوجود قبل (هرمز) الطيب الكريم ، فحقت لأهرمن سيادة الأرض والسماء ، وعز علي أبيها أن ينقض نذره ، فأصلحه بموعد ضربه لهذه السيادة ينتهي بعد تسعة آلاف سنة . ويعود الحكم بعده لإله الخير خلدا بغير انتهاء ، ويؤذن له يومئذ في القضاء علي إله الشر وتبديد غياهب الظلام .
وزعموا أن مملكة النور ومملكة الظلام كانتا قبل الخليقة منفصلتين ، وأن هرمز طفق في مملكته يخلق عناصر الخير والرحمة واهرمان غافل عنه في قراره السحيق ، فلما نظر ذات يوم ليستطلع خبر أخيه راعه اللمعان من جانب مملكة أخية فأشفق علي نفسه من العاقبة وعلن أن النور يوشك أن ينتشر ويستفيض فلا يترك له ملاذا يعتصم به ويضمن فيه البقاء . فثار وثارت معه خلائق الظلام وهي شياطين الشر والفساد ، فأحبطت سعي هرمز وملأت الكون بالخبائث والأرزاء .. وران هذا البلاء علي الكون حتي كانت معركة (زرادشت) فكان البشير بانتهاء زمان وابتداء زمان ، ولكنه لم يختم صراع العدوين اللدودين بل آذن بتحول النصر من صف إلي صف ، وتراجع الشر والظلام عن مملكة الخير والنور ، وسيدوم هذا الصراع أثني عشر ألف سنة ، ينجم علي رأس كل ألف منها بشير من بيت زرادشت فيعزز جحافل هرمز ويوقع الفشل في جحافل أهرمن ، وتنقضي المدة فينكص أهرمز علي عقبيه مخلدا في أسفل سافلين لا فكاك له أبد الأبيد من هاوية الظلمات وسجن المذلة والهوان .
وتدل تسمية الإلهين دلالة واضحة علي انتقال الفكرة الإلهية طبقة فطبقة من صورة التجسيم إلي صورة التنزيه . فإن هرمز مأخوذ من (أهورا) بمعني السيد ، و(مازداو) بمعني الحكيم ، وأهرمن مأخوذة من (انجرو) بمعني السيئ وما ينوش بمعني الفكر والروح ، والمعنيان عا من عالم الفكر المجرد أو القريب من التجريد . ثم أصبحت كلمة أورمزد مرادفة لروح القدس وكلمة أهريمان مرادفة لروح الشر أو روح الأذي والفساد ، وقيل في مجمل الأساطير المجوسية أن أهريمان إنما هو فكرة سيئة خطرت علي بال زروان فكان منها إله الظلام .
ويخيل إلينا أن زرادشت كان خليقا أن يسمو بعقيدة المجوس إلي مقام أعلي من ذلك المقام في التنزيه ، وأن يسقط بأهرمن من منزاة الند إلي منزلة المارد المطرود ، لولا أن وجود (أهرمن) كان لازما لبقاء الكهانة الفارسية في عهود المحن والهزائم التي منيت بها الدولة وتجرعت فيها الأمة غصص الذل والانكسار . فلو قال الموابذة للمؤمنين بهرمز أنه هو الإله المتفرد في الكون بالتصريف والتقدير لكفروا بدينهم وحاروا في أمرهم ، ولكنهم يكبرون من قوة أهرمن ويجعلون انتصاره عقوبة للناس علي تركهم للخيرات وحبهم للشرور ، ثم يبشرونهم بغلبة الإله الحكيم الرحيم بعد الهزيمة ، فتهدأ وساوسهم إلي حين .
علي أن (زرادشت) قد استخلص من أخلاط المجوسية عقيدة وسطا بين العقيدة الوثنية الأولي والعقيدة الإلهية الحديثة ، سواء في تصحيح الفكرة الإلهية أو مسائل الأخلاق ومسائل الثواب والعقاب .
فالله في مذهب زرادشت موصوف بأشرف صفات الكمال التي يترقي إليها عقل بشري يدين علي حساب نشأته بالثنائية وقدم العنصرين في الوجود . فالخير عند زرادشت غالب دائم ، والشر مغلوب منظور إلي أجمل مسمي ، وما زال (أهرمن) يهبط في مراتب القدرة والكفاية علي هذا المذهب حتي عاد كالمخلوق الذي ينازع الخالق سلطانه ، ولا محيض له في النهاية من الخذلان .
وفي (الزندفستا) يقول زرادشت أنه سأل هرمز : (يا هرمز الرحيم ! صانع العالم المشهود . يا أيها القدس الأقدس : أي شيء هو أقوي القوي جميعا في الملوك والملكوت) .
فقال هرمز : (أنه هو اسمي الذي يتجلي في أرواح عليين . فهو أقوي في عالم الملكوت) .
فسأله زرادشت أن يعلمه هذا الاسم فقال له أنه (هو السر المسئول) وأما الأسماء الأخري فالاسم الأول هو (واهب الأنعام) والاسم الثاني هو المكين ، والاسم الثالث هو الكامل ، والاسم الرابع هو القدس ، والاسم الخامس هو الشريف ، والاسم السادس هو الحكمة ، والاسم السابع هو الحكيم ، والاسم الثامن هو الخبرة ، والاسم التاسع هو الخبير ، والاسم العاشر هو الغني ، والاسم الحادي عشر هو المغني ، والاسم الثاني عشر هو السيد ، والاسم الثالث عشر هو المنعم ، والاسم الرابع عشر هو الطيب ، والاسم الخامس عشر هو القهار ، والاسم السادس عشر هو محق الحق ، والاسم السابع عشر هو البصر ، والاسم الثامن عشر هو الشافي ، والاسم التاسع عشر هو الخلاق ، والاسم العشرون هو (مزدا) أو العليم بكل شيء .
وقد حرم زرادشت عبادة الأصنام والأوثان وقدس الناس علي أنها هي أصفي وأطهر العناصر المخلوقة ، لا علي أنها هي الخلاق المعبود . وقال أن الخلائق العلوية كلها كانت أرواحا صافية لا تشاب بالتجسيد ، فخيرها الله بين أن يقصيها من منال (هرمن) أو يلبسها الجسد لتقدر علي حربه والصمود في ميدانه ، لأن عناصر الفساد لا تحارب بغير أجساد . فأبت أن تعتصم بمعزل عن الصراع القائم بين هرمز وأخيه ، واختارت التجسد لتؤدي فريضة الجهاد في ذلك الصراع .
ويتخيل زرادشت (هرمز) أو أورمزد أو (أهورا مازدا) أويزدان –علي اختلاف اللهجات في نقطة- مستويا علي عرش النور محفوفا بستة من الملائكة الأبرار ، وتدل أسماؤهم علي أنهم صفات إلهية كالحق والخلود والملك والنظام والصلاح والسلامة ، ثم استعيرت لها سمات (الذوات) بعد تداول الأسماء أو تداول الأنباء عما تفعله وما تؤمر به وما تتلقاه من وحي الله .
وتفيض أقوال (زرادشت) كلها باليقين من رسالته واصطفاء الله إياه للتبشير بالدين الصحيح والقضاء علي عبادة الأوثان . ومن أمثلة هذا اليقين قوله : (أنا وحدي صفيك الأمين ، وكل من عداي فهو عدو لي مبين) . وأن الله أودع الطبائع عوامل الخير جميعا ، فإن هي حادت عن سواء السبيل كان إرسال الرسل للتذكير والتحذير آخر حجة لله علي الناس . وأن زرادشت هو هذه الحجة التي أبرزها الله إلي حيز الوجود لتهدي من ضل وتذكر من غفل وتسنصلح من فية بقية للصلاح ، وكلما انقضي ألف عام برز إلي حيز الوجود خليفة له من سلالته ، ولكن الأرواح التي تحف بالعرش هي التي تحمل بذرته إلي رحم عذراء تلهمها تلك الأرواح أن تتطهر في تلك الساعة بالماء المقدس في عين صافية مدخرة في ناحية من الأرض ليومها الموعود .
ويتخيل زرادشت أنه يناجي هرمز ويسمع جوابه ويسأله سؤال المتعلم المسترشد لمرشده وهاديه . فيناديه : رب ! هب لي عونك كما يعين الصديق أخلص صديق .. ويسأله رب ! ألا تنبني عن جزاء الأخيار ؟ أيجزون يا رب بالحسنة قبل يوم المعاد ؟ أو يسأله : من أقر الأرض فاستقرت ورفع السماء فلا تسقط ؟ ومن خلق الماء والزرع ؟ زمن ألجم للرياح سحب الفضاء وهي أسرع الأشياء ؟ .
ولا يبعد أنه كان من أصحاب الطبائع التي تغيب عن الوعي أو تسمع في حالة وعيها أصواتا خفية من هاتف ظاهر أو محجوب ، كما روي عن سقرات وأمثاله من الموهوبين والملهمين .
ورواية الخليقة في مذهب زرادشت أن هرمز خلق الدنيا في ستة أدوار . فبدأ بخلق السماء ، ثم خلق الماء ، ثم خلق الأرض ، ثم خلق النبات ، ثم خلق الحيوان ، ثم خلق الإنسان .
وأصل الإنسان رجل يسمي (كيومرت) قتل في فتنة الخير والشر فنبت من دمه ذكر يسمي ميشة وأنثي تسمي ميشانة ، فتزوجا وتناسلا وساغ من أجل ذلك عند المجوس زواج الأخوين .
ويفرق المجوس بين الخلائق جريا علي مذهبهم في اشتراك الخلق بين خالق الطيبات وخالق الخبائث ، أو بين إله النور وإله الظلام . فالأحياء النافعة من خلق أهرمن كالثور والكلب والطير البريء ، والأحياء الضارة من خلق أهرمن كالحية وما شابهها من الحشرات والهوام .
والناس محاسبون علي ما يعملون . فكل ما صنعوه من خير أو شر فهو مكتوب في سجل محفوظ . وتوزن أعمالهم بعد موتهم فمن رجحت عنده أعمال الخير صعد إلي السماء ومن رجعت عنده أعمال الشر هبط إلي الهاوية ومن تعادلت عنده الكفتان ذهب إلي مكان لا عذاب فيه ولا نعيم ، إلي أن تقوم القيامة ويتطهر العالم كله بالنار المقدسة فيرتفعون جميعا إلي حضرة هرمز في نعيم مقيم .
وتوزن الأعمال عند قنطرة تسمي قنطرة (شنفاد) تتوافي إليها أرواح الأبرار والأشرار علي السواء بعد خروجها من أجسادها . فيلقاها هناك (رشنوه ملك العدل وميترا رب النور وينصبان لها الميزان ويسألانها عما لديها من الأعذار والشفاعات) ثم يفتحان لها باب النعيم أو باب الجحيم .
ونعيم المجوس من جنس الحسنات التي تجزي بذلك النعيم . لأن المجوس لا يستحبون الزهد في الحياة ولا يصدفون عن المتاع المباح . فمن عاش في الدنيا عيشة راضية وكسب رزقه بالعمل الصالح وأنشأ أبناءه نشأة حسنة فجزاؤه في النعيم رغد العيش وجمال السمت وطيب المقام بين الأقرباء والأصفياء ، ويسقي من لبن بقرة مقدسة درها غذاء الخلود ومن كسب رزقه من السحت والحرام فجزاؤه في الجحيم عيشة ضنك وألم كألم الجوع والعري والذل والاغتراب عن الأحباب .
وهذه الخلاصة ترسم لنا اتجاه مذهب (زرادشت) ولكنها لا ترسم لنا شعب المجوسية التي يشتبك بها هذا المذهب في مواضع ويفترق عنها في مواضع أخري . وقد أجمل الشهرستاني بيان هذه المذاهب في كتابه الملل والنحل ، وهو أيسر المراجع في هذا الموضوع .
ولم تختم المذاهب المتجددة في المجوسية بمذهب زرادشت وتفسيراته المتعددة . بل بقيت هذه المذاهب تتجدد إلي ما بعد شيوع المسيحية بعد قرون : وأشهرها وأهمها في تاريخ المقابلة بين الأديان ، مذهب مترا ومذهب ماني المعروف بالمانوية .
انتشر مذهب (مترا) في العالم الغربي بعد حملات (بومبي) الآسيوية وتدفق الآسيويين من جنوده إلي حواضر سوريا وآسيا الصغري . وأيده القياصرة لأنه كان يرفع سلطان الملوك إلي عرش السماء ، ويقول أن الشمس تشع عليهم قبسا من نورها وهالة من بركتها فيرمزون بعروشهم علي الأرض إلي عرش الله في عليين .
وشاع هذا المذهب بعض الشيوع في القرن الثاني قبل الميلاد ، وقصر أتباعه علي الذكور دون الإناث وجعل لهم درجات سبعا يرتقونها إلي مقام العارفين الواصلين رمزا إلي الدرجات التي تصعد عليها الروح بعد المت من سماء إلي سماء ، حتي تستقر في نهاية المرتقي عند حظيرة الأبرار .
ويحتفل بالمزيد كلما انتقل من درجة إلي درجة في وليمة يتناول فيها الخبز المقدس ويمسح بالماء الطهور ، ولا يطلع بتلك الأسرار علي التقليد ، ثم يترقي في معرفة السر الأعظم إلي أن يعرف كلمة الله الخالقة في مقام العارفين الواصلين .
وأصل (مترا) قديم في الديانة الآرية ، يدين به الهنود كما يدين به الفارسيون ، وقد هبط في الديانة الزردشتية إلي مرتبة الملك الموكل بهداية الصالحين . ولكنهم جعلوه في الديانة المقربة إله الشمس ورب الكون وخالق الإنسان وقاهر أهرمن بعد جلاد طويل . ولا يسبقه في الوجود شيء غير (الأبد) أو (الزمان) أبي الأرباب عندهم وأبي كل موجود . ويمثلون مترا حين تجسد علي الأرض مولودا من صخرة نائية في مكان منفرد لم يعد بمولده أحد غير طائفة من الرعاة ألهموا معرفته فتقدموا إليه بالهدايا والقرابين ، ومضي بعد ةمولده فستر عريه بورق من شجرة التين ، وتغذي بثمرها حتي جاوز سن الرضاع . وكان أهرمن يحاربه ويتعقبه بالكيد ويحبط كل عمل له من أعمال الخير والفلاح فأرسل مترا علي الأرض طوفانا أغرقها ، ولم ينج معه إلا رجل واحد حمل آله وأنعامه في زورق صغير وجدد علي الأرض بعد ذلك حياة الإنسان والحيوان ، ثم طهر الأرض بالنار وتناول مع ملائكة الخير طعام الوداع وصعد إلي السماء ، حيث هو مقيم يتولي الأبرار بالهداية ويعينهم علي النجاة من حبائل الشيطان .
وكان أتباعه يفردون لعبادته يو الشمس أو يوم الأحد ، ويحتفلون بمولده في الخامس والعشرين من ديسمبر لأنه موعد انتقال الشمس وتطاول ساعات النهار ، ويقيمون له عيدا سنويا في اليوم السادس عشر من الشهر السابع في تقويم الفرس القديم .. وقد كان المسيحيون الأولون يقابلون ذلك –بعد ظهور المسيحية وانتشارها- بتمجيد السيد المسيح في الأيام التي كان عباد مترا ينصرفون فيها إلي تمجيد هذا الإله الشمسي القديم .أما المانوية فهي مذهب ماني بن فاتك الذي يرجح أنه ولد في أوائل القرن الثالث بعد الميلاد ، ومذهبه يخالف مذاهب المجوس الأقدمين في زعمه أن آدم من خلق الشيطان لا من خلق الله .. وأن الشيطان أودعه كل ما استطاع أن يختلسه من نور السماء ليكفل له البقاء ، فلما بصر به الملائكة ولمحوا فيه قبس النور ذهبوا يستخلصونه من قبضة الشيطان ليرتفعوا به إلي العالم الذي هم فيه . ولا يزالون يعملون في استخلاصه حتي يرجع إلي السماء آخر قبس من الضياء المسروق ..فيتجلي الله في سمائه ومن حوله تلك الأرواح النورانية ، ويتخلي الملائكة الذين يحملون الدنيا عن حملهم فتتساقط كسفا تلتهمها النيران تطهيرا لها من بقايا الرجس والمكيدة ، ويتم الانفصال يومئذ بين عالم النور وعالم الظلام .
قال الشهرستاني عن صاحب هذا المذهب (أنه أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان يقول بنبوة المسيح عليه السلام ولا يقول بنبوة موسي عليه السلام . حكي محمد ابن هارون المعروف بأبي عيسي الوراق وكان في الأصل مجوسيا عارفا بمذاهب القوم : إن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة ، وأنهما لا يزالا قويين حسساسين سميعين بصيرين وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان ، وفي الخير متحاذيان ، تحاذي الشخص والظل ..) .
ثم ذكر أمثلة من الاختلاف بين جوهر النور وجوهر الظلمة فقال أن جوهر النور حسن فاضل كريم صاف نقي الريح حسن المنظر ، وإن جوهر الظلمة قبيح ناقص لئيم كدر خبيث منتن الريح قبيح المنظر ، وأن أجناس النور خمسة أربعة منها أبدان والخامس روحها . فالأبدان هي النار والنور والريح والماء ، وروحها النسيم وأن أجناس الظلمة أربعة منها أبدان والخامس روحها والأبدان هي الحريق والظلمة والسموم والضباب وروحها الدخان) .
وقد أصاب الشهرستاني حين قال أن هذه الثنوية هي ألزم سمات المذاهب المجوسية لأنها تتراءي في كل مذهب منها بلا استثناء وهي كذلك أبقي ما بقي منها في مجال التفكير ومجال الاعتقاد علي السواء . لأننا نري منهاملامح واضحة في مباحث التفرقة بين العل والمادة ، ولا سيما مباحث حكماء اليونان .
_______________________________________________
بابل
والحضارة البابلية من أقدم الحضارات المروية في التواريخ .
ويزعم المتشيعون للحضارة الشمرية التي ازدهرت في أرض بابل قبل انتقال الساميين إليها أنها أقدم الحضارات البشرية علي الإطلاق ، ولكنها علي الأرجح نزعة من نزعات العنصرية التي تجعل بعض الكتاب الأوربيين يتجاوزون كل حضارة سامية إلي حضارة سابقة لها منسوبة إلي عنصر آخر من العناصر البشرية .. ولهذا يبالغون في قدم الحضارة الشمرية وتقدير زمانها السابق لجميع الحضارات .
إلا أن الحضارة البابلية قديمة لا شك في عراقتها علي تباين الروايات .
وهي علي قدمها لم يكتب لها أن تؤدي رسالة ممتازة في تاريخ الوحدانية ، فكل ما أضافته إلي هذا التاريخ يمكن أن يستغني عنه ولا تنقص منه بعد ذلك فكرة جوهرية من أفكار التوحيد والتقديس لأن الوحدانية تحتاج إلي (تركيز وتوحيد) لا يستتبان طويلا في أحوال كأحوال الدولة البابلية .إذ كانت لها كهانات متعددة علي حسب الحواضر والأسر المتابعة . وكانت الحواضر بمعزل عن البادية التي تترامي حولها وتنفرد بعقائدها وأساطيرها .. أما الأسر المالكة فقد كانت شمرية ثم أصبحت سامية تنتمي إلي أرومات شتي في الجزيرة العربية من الجنوب إلي الشمال .. وكانت أرض بابل في وسط العمران الأسيوي مفتحة الأبواب علي الدوام لما تقتبسه من عقائد الفرس والهنود والمصريين والعبريين ، وغير هؤلاء من أصحاب الديانات المجهولين في التاريخ .
فلم تتوحد فيها العقيدة حول مركز دائم مطرد الاتساع والامتداد بعيد من طوارئ التغيير والتعديل . وكانت من ثم ذات نصيب في الشريعة وقوانين الاجتماع أوفي من نصيبها في تطور العقيدة الوحدانيةعلي التخصيص .
ويستطاع الجزم بأن الرسالة البابلية في الدين لم تتجاوز رسالة الديانة الشمسية السلفية .. فالغزوات التي تروي علي الأرباب الأقدمين هي غزوات أبطال من الأسلاف الذين برزوا بملامح الآلهة بعد أن غابت من الأزهان ملامحهم الإنسانية ، ثم تلبست سيرتهم بظواهر الكون العليا فسكنوا في مساكن الأفلاك ، وحملت الأفلاك أسماءهم ولا تزال تحمل بقية منها إلي اليوم .
فمردوخ إله الحرب هو كوكب المريخ ، وقد تغلب علي تيمات ربه الأغوار المظلمة فأخذ زوجها وخلفائها الأحد عشر وسلسلهم أساري في مملكته السماوية . فهم المنازل الاثني عشر التي بقيت في علم الفلك إلي اليوم .
وقد اتفق الساميون والشمريون علي الأرباب الكبري كإله النور الذي يسميه الساميون شمس ويسميه الشمريون (آنو) أو كالزهرة ربة الحب التي يسميها الساميون عشتار ويسميها الشمريون ننسيانة .. ولكن الأرباب البابلية أوفر عددا من أن ينتظمها اتفاق بين قومين مختلفين ، لأنهم ارتفعوا بعددها إلي أربعة آلاف وقرنوا بها أنداد لها من الشياطين والعفاريت تبلغ هذا العدد أو تزيد .
ولم ينقض علي هذه الأرباب وقت كاف لإدماج صغارها في كبارها ثم فنائها جميعا في أكبر الأرباب المشرفة علي الكون ، أو في رب واحد ينفرد بهذا الإشراف .. كأن الطواطم التي عبدتها القبائل والأسر لم يطل بها عهد التطور حتي يفعل بها فعله من التصفية والاستخلاص وإدماج والتوحيد . فجاءت الأرباب التالية ولا تزال الأرباب السابقة لها علي عهدها من النفوذ والاستقرار .
ولهذا كانت سياسة الكون كما تخيلوها في الأدوار الأولي أشبه بالجمهورية بل بالمشيخة القبلية . فكانوا يتخيلون أن الأرباب تجتمع كل سنة في يوم الاعتدال الخريفي لتنظر في السماء مقادير السنة كلها وتكتبها في لوح محفوظ لا يمحي قبل نهاية العام . وكان الملك نفسه يتلقي سلطانه علي الأرض عاما بعد عام في مثل ذلك الموعد .. فيمثل الكهنة رواية الخلق ويشهدها الملك فردا من الأفراد .. ويتعمدون في بعض مواقف التمثيل أن يهينوه ويستخفوا به ليقروا بذلك أنه فقد كل سلطان كان له علي رعاياه فلا يعود إليه السلطان إلا بإذن جديد من (مردوخ) يتلقاه قبل ختام الرواية من يد حبر الأحبار .
ولم يؤثر في عهد الشمريين إيمان بعالم آخر أو بيوم للحساب والجزاء . فمن اجترأ علي فعل محرم أو قصر في الصلوات والقرابين فالآلهة تجزيه علي ذنبه بمرض يصيبه لا يشفيه منه غير كاهن المعبد بعد التوبة والتكفير ، وإن لم يكن جزاؤه مرضا فهو خسارة في المال أو البنين أو ذوي القربي والأعزاء ، وكل مصيبة من هذه المصائب تنبيه إلي ذنب مقترف أوفريضة منسية ، وحث علي التذكر وطلب الغفران .
وقد تعم الذنوب فيعم العقاب . وترسل الآلهة علي الأرض طوفان أو وباء يأخذ البريء بذنب المسيئين ، ولكنها تنذر الناس قبل حلول العقاب وتلهم الكهان وحدهم تفسير ذلك النذير .
وهم يذكرون لتلك الأربابعزوات وأخبار قبل خلق هذه الدنيا كأنهم كائنات لا تحتاج إلي خالق ، ولكنهم يذكرون أخبار قبل تلك الأخبار يروونها عن (تيمات) ربة الغمر أو ربة الأغوار والظلمات ولا يفهم من أخبارهم هذه أن تيمات أنشأت الأرباب بقدرة الخلق ،لأنها عندهم ربة الفوضي والعلماء . ولكنهم يحسبون أن الأرباب كانت تحوم في أغوارها كما تحوم الأشباح في الظلام ، ويصورونها في إحدي أساطيرهم كما يصورون البشر الأولين –فنصفها سمك ونصفها إنسان .
أما قصص الخلق عنهم فهي مناسبة لموقع البلاد البابلية واشتغال أهلها القديم برصد الكواكب ومراقبة الأنواء ، وتدل القصة من أجل هذا علي أنها من مأثورات قوم عريقين في سكني تلك البلاد ولم ينقلوها إليهم من بلاد أجنبية عنها ، ويرجع ذلك علي التخصيص ذكر الطوفان المفصل في بعض القصص البابلية ، لأن الباحثين في الآثار يعتبرون أن الطوفان قد غمر ما بين النهرين إلي الشمال ، وأن الجبل الذي استقرت عليه سفينة نوح هو الجبل المعروف اليوم بجبل أرارات ، ولم تشتمل قصص الطوفان في البلاد الأخري علي تفصيل كهذا التفصيل .
وفحوي قصة الخلق بعد استخلاصها من الأوشاب الكثيرة أن الدنيا كانت قسمة بين تيمات ربة الأغمار أو ربة الماء الأجاج وبين (أيا) إله الماء العذب وعنصر الخير في الوجود .. وموقع الأرض البابلية يجعلها في قبضة هذين الربين ويوحي إلي أهلها الإيمان بما عندها من المخوف والخيرات .
وقد انهزم (أنو) إله السماء أمام جحافل تيمات فلم ينتصر إلا بعد أن برز من الماء بطل وليد : هو مردوخ رب الجنود وسيد الحروب .
ثم عمد مردوخ إلي تيمات فشقها نصفين : صنع الأرض من أحدهما وصنع قبة الفضاء من النصف الآخر ، ثم قيد أسراه في هذه القبة فهم لا يبرحونها إلا بإذنه ، ورفع إلي السماء ما شاء من الأرباب .
وقد كشفت الألواح التي تضمنت شروح هذه القصة بالخط المسماري في أواخر القرن التاسع عشر ، ونقلت إلي المتحف البريطاني بلندن حيث تحفظ الآن .
ويتمم البابليون قصة خلق الإنسان بقصة أخري عن طموحه إلي الخلود واجتهاده في اختلاس سره من الآلهة . فيعاقب علي ذلك بالموت ، وتأبي الآلهة أن يشاركها أحد من الخلق في نعمة الحياة الباقية .
وتعتبر قصة الخلق البابلية أهم نصيب ساهمت به المأثورات البابلية في علم المقابلة بين تواريخ الأديان.
اليونان
أما تاريخ العقيدة في بلاد اليونان فقد حفل بجميع أنواع العقائد البدائية قبل أرباب (الأوليمب) الذين خلدوا في أشعار هومير وهزيود .
فعبدوا الأسلاف والطواطم ومظاهر الطبيعة وأعضاء التناسل ومزجوا العبادات جميعا بطلاسم السحر والشعوذة واستمدوا من جزيرة (كريت) عبادة النيازك وحجارة الرواسب التي شاعت بيت أهل الجزيرة من أقدم عصورها البركانية ، فرمزوا بها إلي أرباب البراكين والعوالم السلفية ، واتخذها بعضهم (طوطم) ينتسبون إليها انتساب الأبناء إلي الآباء .
ولما شاعت بين الإغريق عبادة (أرباب الأوليمب) كان من الواضح أنها أرباب مستعارة من الأمم التي سبقتهم إلي الحضارة وتنظيم العبادات .
فالإله (زيوس) أكبر أرباب الأوليمب هو الإله (ديوس) المعروف في الديانة الهندية الآرية القديمة ، واسمه متداول في العبادات الأوربية جميعا مع قليل من التصحيف بين اللغات واللهجات ، ومن تصحيفاته أسماء الله والإلهية عند الفرنسيين والطليان والإنجليز المعصرين .
والربة أرتيميس –ومثلها الربة أفروديت أو فينوس- هي الربة عشتار اليمانية البابلية .. ومنها كلمة (ستار) التي تدل علي النجم في بعض اللغات الأوربية الحديثة .
والربة (ديمتر) هي أزيس المصرية كما قال هيرودوت ، وهي واحدة من أرباب كثيرة تشابهت عبادتها في بلاد الإغريق وعبادتها بين قدماء المصريين .
وأضيف إلي هذه الأرباب (أدونيس) عن (أدوناي) العبرية بمعني السيد أو الإله ، وأضافوا إليها في مصر بعد الإسكندر المقدوني عبادة إله سموه سرابيس وهواسم مركب من اسمي أوزيريس وأبيس المعبودين المصريين ، وكان لهما معبد تدفن فيه العجول التي تعبد اسم أبيس بعد موتها وذهابها إلي مغرب أوزيريس .
كما أضيفت إليها عبادة (ديونسيس) في أطوارها المتتابعة التي تلبست أخيرا بعبادة (مترا) في الديانة الأورفية السرية .
وقد ترقي اليونان في تصور صفات الأرباب خلال العصور التاريخية ، فعبدوا قبل المسيح ببضع مئات من السنين وهي علي أسوأ مثال من العيوب الإنسانية ، وعبدوها بعد ذلك وهي تترقي إلي الكمال وتقترب إلي فكرة (التنزيه) التي سبقهم إليها المصريون والهنود والفرس والعبرانيون .
فكان أرباب الأوليمب في مبدأ أمر هام يقترفون أقبح الآثام ويستلمون لأغلظ الشهوات ، وقد قتل زيوس أباه (كرونوس) وضاجع بنته وهجر سماءه ليطارد عرائس العيون والبحار ويغازل بنات الرعاة في الخلوات ، وغار من ذرية الإنسان فأضمر له الشر والهلاك ، وضن عليه بسر (النار) فعاقب المارد برومثيوس لأنه قبس له النار من السماء .
ولم يتصوروه خالقا للدنيا أو خالقا للأرباب التي تساكنه في جبل الأوليمب وتركب معه متن السحاب . فه علي الأكثر والدا لبعضها ومنافس لأنداده منها ، وتعوزه أحيانا رحمة الآباء ونبل العداوة بين الأنداد .
ولم يزل (زيوس)إلي عصر (هومير) خاضعا للقدر مقيدا بأوامره ، عاجزا عن الفكاك من قضائه .
ثم صوره لنا الشاعر المتدين علي مثال أقرب إلي خلائق الرحمة والإنصاف ، ومثال الكمال ، ولكنه نسب الخلق إلي أرباب أقدم منه ومن سائر المعبودات الأولمبية .. وهي (جيا) ربة الأرض و(كاوس) رب الفضاء و(أيروس) رب التناسل والمحبة الزوجية ، وجعل أيروس يجمع بين الأرض وزوجها الفضاء فتلد منه الكائنات الساموية والأرضية وآخرها أرباب الأوليمب . وعلي رأسهم (زيوس) الملقب بأبي الأرباب .
وكان (أكسينوفون) المولود بآسيا الصغري قبل الميلاد بنحو ستة قرون أول من نقل إليالإغريق فكرة الإله الواحد المنزه عن الاشتباه ، فكان ينعي علي قومه أنهم يعبدون أربابا علي مثال أبناء الفناء ، ويقول أن الحصان لو عبد إلها لتمثله في صورة الحصان ، وأن الأثيوبي لو تمثل إلها لقال أنه أسود الإهاب ، وأن الإله الحق أرفع من هذه التشبيهات والتجسيمات ، ولا يكون علي شيء من هذه الصفات البشرية ... بل هو الواحد الأحد المنزه عن الصور والأشكال ، وأنه فكر محض ينظر كله ويسمع كله ويفكر كله ويعمل كله في تقويم الأمور وتصريف أحكام القضاء .
وكان أثر الديانات الأسيوية والمصرية أظهر من كل ما تقدم في الديانة الأورفية السرية . لأنها كانت ملتقي عبادة إيزيس وعبادة مترا وعبادة المجوس والبراهمة .
فعرفوا الروح وعرفوا تناسخ الأرواح ، وعرفوا أدوار التطهير والتكفير ، ومزجوا بها عبادة (ديونيس) الذي كان في عصورهم الغابرة إله الخمر والقصف والترف .. فجعلوا خمره رمزا إلي النشوة الإلهية : نشة الحياة والشباب الخالد المتجدد علي مدي الأيام .
وكانت محاريبه الكبري بآسيا الصغري . ولكنهم كانوا يحتفلون في أثينا بعيد يسمونه الانثستريا Anthesteria يوافق شهر فبراير ، وتقوم شعائره علي مزيج من عبادة الحياة وعبادة الأسلاف والموتي ، فيشربون الخمر في جرار الجنائز والقرابين ، ويعتقدون أن هذه الخمر تسري إلي الأجساد البالية فتنفث فيها الحياة وتصلحها للبعث من جديد في أجسام الأجنة المطهرة من أدران حياتها الماضية .
ونحن لا نعني هنا بالفلسفة اليونانية . بل نقصر القول في هذا الفصل علي العقيدة اليونانية التي تطورت عندهم تطور الأديان لا تطور الأفكار والمباحث العلمية أو الفلسفية .
ففي هذا المجال –مجال العقيدة – يمكن أن يقال أن اليونان أخذوا فيها كل شيء ولم يعطوا شيئا يضيف إلي تراث البشر في مسائل الإيمان ، وإنهم حين بدأوا عصر الفلسفة كان أساسها الأول ممهدا لهم في العقائد التي أخذوها عن الديانات الآسيوية والمصرية وأنهم ظلوا بعد الفلسفة يدينون بالوثنية التي كان يدينون بها قبل الميلاد بعدة قرون .
الـــــــSHARKـــــاوى
إن المناصب لا تدوم لواحد ..... فإن كنت فى شك فأين الأول؟
فاصنع من الفعل الجميل فضائل ..... فإذا عزلت فأنها لا تعزل
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 27-06-2008, 09:25 PM
-
بواسطة ali9 في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 03-09-2006, 05:09 PM
-
بواسطة طارق حماد في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 17-07-2006, 03:03 PM
-
بواسطة احمد العربى في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 23-09-2005, 11:09 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات