صحيح مسلم بشرح النووي، الإصدار 2.01 - للإمام محي الدين بن شرف النووي.
الجزء العاشر >> تتمة كتاب النِّكاح >> -6- باب حكم العزل
1- وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ فَقَالَ:
يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟
-----------------------------------------
العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كلِّ حال، وكلِّ امرأة سواء رضيت أم لا لأنَّه طريق إلى قطع النَّسل، ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته: الوأد الخفي لأنَّه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد.
وأمَّا التَّحريم فقال أصحابنا: لا يحرم في مملوكته، ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا، لأنَّ عليه ضرراً في مملوكته بمصيرها أمَّ ولد وامتناع بيعها، وعليه ضرر في زوجته الرَّقيقة بمصير ولده رقيقاً تبعاً لأمِّه، وأمَّا زوجته الحرَّة فإن أذنت فيه لم يحرم، وإلاَّ فوجهان أصحهما: لا يحرم.
ثمَّ هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأنَّ ما ورد في النَّهي محمول على كراهة التَّنزيه، وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنَّه ليس بحرام، وليس معناه: نفي الكراهة، هذا مختصر ما يتعلَّق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث. (ج/ص: 10/10)
فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ بَالْمُصْطَلِقِ، فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ.
فَقُلْنَا: نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا لاَ نَسْأَلُهُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ سَتَكُونُ".
2- حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزَّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، فِي مَعْنَى حَدِيثِ رَبِيعَةَ.
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
3- حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:
أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا فَكُنَّا نَعْزِلُ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِك؟
فَقَالَ لَنَا: "وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ؟ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هِيَ كَائِنَةٌ".
-----------------------------------------
وللسَّلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا.
ومن حرَّمه بغير إذن الزَّوجة الحرَّة قال: عليها ضرر في العزل، فيشترط لجوازه إذنها.
قوله: (غَزْوَةَ بَالْمُصْطَلِقِ) أي: بني المصطلق وهي: غزوة المريسيع.
قال القاضي: قال أهل الحديث: هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنَّه كان في غزوة أطاوس.
قوله: (كَرَائِمَ الْعَرَبِ) أي: النَّفيسات منهم.
قوله: (فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ) معناه: احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أمّ ولد يمتنع علينا بيعها وأخذ الفداء فيها، فيستنبط منه منع بيع أمِّ الولد، وأنَّ هذا كان مشهوراً عندهم.
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ سَتَكُونُ) معناه: ما عليكم ضرر في ترك العزل لأنَّ كلَّ نفس قدَّر الله خلقها لا بدَّ أن يخلقها سواء عزلتم أم لا، وما لم يقدَّر خلقها لا يقع سواء عزلتم أم لا، فلا فائدة في عزلكم، فإنَّه إن كان الله قدَّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق. (ج/ص: 10/11)
4- وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
5- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ -يَعْنِي: ابْنَ الْحَارِثِ- ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَبَهْزٌ قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَس بْنِ سِيرِينَ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ.
غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمْ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الْعَزْلِ:
"لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
وَفِي رِوَايَةِ بَهْزٍ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
6- وَحَدَّثَني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ -وَاللَّفْظُ لأبِي كَامِلٍ- قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -وَهُوَ: ابْنُ زَيْدٍ- حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْعَزْلِ؟
فَقَالَ: "لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَوْلَهُ: "لاَ عَلَيْكُمْ" أَقْرَبُ إِلَى النَّهْيِ.
7- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
فَرَدَّ الْحَدِيثَ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "وَمَا ذَاكُمْ؟"
قَالُوا: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ، وَالرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ.
قَالَ: "فَلاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَاكُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ".
قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ الْحَسَنَ فَقَالَ: واللهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ.
-----------------------------------------
وفي هذا الحديث: دلالة لمذهب جماهير العلماء أنَّ العرب يجري عليهم الرِّقّ كما يجري على العجم، وأنَّهم إذا كانوا مشركين وسبوا جاز استرقاقهم لأنَّ بني المصطلق عرب صلبيَّة من خزاعة. (ج/ص: 10/12)
8- وَحَدَّثَني حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثْتُ مُحَمَّداً، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ -يَعْنِي: حَدِيثَ الْعَزْلِ- فَقَالَ: إِيَّايَ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ.
9- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:
قُلْنَا لأَبِي سَعِيدٍ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ فِي الْعَزْلِ شَيْئاً؟
قَالَ: نَعَمْ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ، إِلَى قَوْلِهِ: "الْقَدَرُ".
10- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
فَقالَ: "وَلِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ؟
-وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحدُكُمْ- فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلاَّ اللهُ خَالِقُهَا".
11- حَدَّثَني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ -يَعْنِي: ابْنَ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سَمِعَهُ يَقُولُ:
سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْعَزْلِ؟
فَقَالَ: "مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ".
-----------------------------------------
وقد استرقُّوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهنَّ وأخذ فدائهنَّ، وبهذا قال مالك والشَّافعيُّ في قوله الصَّحيح الجديد وجمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ في قوله القديم: لا يجري عليهم الرِّقّ لشرفهم، واللَّه أعلم
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات