محاكم التفتيش الجديدة




في كل الدساتير الأوروبية لا يحق للأجهزة الأمنية أن تسأل الصحفي عن مصدر معلوماته أو من يقابل

إن إسبانيا التي أعادت محاكم التفتيش إلى العلن تركت كل القوانين التي تحكم مسلكيتها السياسية ورجحّت العامل الأمني على العامل السياسي والقانوني, وانطلاقا من ذلك وضع تيسير علوني تحت دائرة الضوء والمراقبة وأخضعت كل مكالماته واتصالاته الهاتفية للتنصت والتسجيل أيضا وبدعم أمني وتقني من أجهزة أمنية غربية.

وبطبيعة الحال كان علوني يتلقى عشرات المكالمات من شخصيات إسلامية تؤمن بضرورة نهضة العالم الإسلامي وتؤمن بضرورة أن يصنع المسلمون راهنهم ومستقبلهم وليس الأميركان, وأمر طبيعي أن يتلقى أي صحفي ناجح مئات الاتصالات من كل الناس بمختلف ألوانهم السياسية مادام هذا الصحفي هو همزة الوصل بين الرأي العام وبين صانعي الفعل السياسي والثقافي والاجتماعي وغيره.

وإسبانيا ومعها الغرب يعرفان أنّ الصحفي يحق له أن يقابل حتى الشيطان, وقد ورد في كل الدساتير الأوروبية وفي القوانين الكبرى كما تسمى في الغرب أنّ الأجهزة الأمنية لا يحق لها أن تسأل الصحفي عن مصدر معلوماته أو من يقابل, ولو حدث لصحفي غربي ما حدث لتيسير علوني لقامت الدنيا ولم تقعد ولأطاحت هذه المسألة برؤوس سياسية كبيرة.

لكن تيسير علوني مواطن عربي ومسلم ومواظب على صلاته وهو في القاموس الأمني الغربي مسلم ملتزم، وبالتالي احتمال تورطه في أعمال إرهابية وارد, وبهذا الشكل سيصبح كافة المسلمين الذين يؤدون الصلاة في الغرب مشبوهين أمنيا وتلك سابقة كبيرة وخطيرة في أوروبا.

ويبقى القول أن تيسير علوني فرجّ الله عنه، ضحية عودة العمل بمحاكم التفتيش في إسبانيا وأوروبا وأميركا, وضحية شهرته التي حققّها بتعب كبير ولم يكن راغبا فيها على الإطلاق, وهو الذي كان الحزن يلفّه خصوصا على ضياع هذه الأمة وتكالب المخالب الأميركية والصهيونية عليها.

لقد تسنى لي أن أقابله في مبنى قناة الجزيرة في الدوحة مع الزميل فيصل القاسم, وكان كعادته حزينا مهموما إلى درجة أنّ قلبه أصيب بتعب كبير الأمر الذي جعله يجري عملية جراحية فيه, وما إن بدأ يتعافى حتى جاءته طعنة من المخابرات الإسبانية التي اعتقلت رجلا تعرض لأكبر المتاعب في أفغانستان من أجل أن يعرّي أميركا التي لطالما ذبحت بقنابلها العنقودية الفقراء والجياع في أفغانستان.

وإذا كان تيسير علوني ضحية شخصية لإرهاب المخابرات الغربية فإنّ أخطر ما في الموضوع أنّ الضحية التالية ستكون قناة الجزيرة لحرمان العرب والمسلمين من أهم قناة تستنهضهم من سباتهم ولا ضير أن تبقى قنوات الغناء والطرب وتمجيد الحكام.

وعلى المثقفين والكتاب و المفكرين والشعراء و المبدعين في العالم العربي والإسلامي والغرب أن يسخروا أقلامهم وكل ما أتوا من طرق للانتصار للمظلوم تيسير علوني ضحية معلوماته, وقديما قيل من كثرت معلوماته كثر أعداؤه !!!
وتحية لك يا تيسير في محاكم التفتيش الإسبانية.

يحيى ابو زكريا
كاتب وصحفي جزائري
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2...AEBFCB09BA.htm
المصدر الجزيرة