

-
من أسرار القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية
بقلم الدكتور: زغلـول النجـار
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل..*( الأعراف:157)
* هــذاالنص القرآني الكريم جاء في بدايات الربع الأخير من سورة الأعراف, وهي سورة مكية, وعدد آياتها(206) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, وأطول السور المكية علي الإطلاق, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي( الأعراف) وهي أسوار مضروبة بين الجنة والنار للفصل بين أهل كل منهما, تشريفا وتكريما لأهل الجنة, وإذلالا وامتهانا لأهل النار.
وكطبيعة السور المكية, يدور المحور الرئيسي لسورة الأعراف حول العقيدة الإسلامية القائمة علي أساس من الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وعلي التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, والتسليم الكامل بعبودية جميع الخلق لله الخالق, وتنزيهه ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع خلقه في ألوهيته, وربوبيته, ووحدانيته, وأسمائه, وصفاته,
وتنزيهه كذلك عن كل وصف لايليق بجلاله( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
وهذه العقيدة الصحيحة علمها الإله الخالق( جل شأنه) لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه, ثم أنزلها علي سلسلة طويلة من أنبياء الله ورسله, الذي بلغ عددهم مائة وعشرين ألف نبي, اصطفي منهم ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا, وحفظ هذه العقيدة الخالصة في الرسالة الخاتمة التي أنزلها ـ الله تعالي ـ علي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين,
لذلك فإن هذا الرسول الخاتم أرسله الله تعالي للعالمين:... شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الي الله بإذنه وسراجا منيرا( الأحزاب46,45).
ووجه اليه الخطاب قائلا ـ وهو تعالي أصدق القائلين:
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (البقرة119).
ولما كان سيدنا محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو خاتم الأنبياء والمرسلين, فليس من بعده نبي ولا رسول, ولما كان عدل الله المطلق قد حكم بعدم تعذيب عباده حتي يبعث اليهم رسولا لقوله العزيز: وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا فقد تعهد هذا الإله العليم الحكيم بحفظ رسالته الخاتمة حتي تكون شاهدة علي الناس أجمعين الي يوم الدين
وقد حفظت هذه الرسالة الخاتمة في نفس لغة وحيها( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا, وسوف تبقي محفوظة أبدا بأمر الله تحقيقا لوعده الذي قطعه علي ذاته العلية فقال ـ وقوله الحق:
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر:9)
وقد أبرزت سورة الأعراف أزلية عقيدة التوحيد في ردود عدد من أنبياء الله ورسله علي أقوامهم بالقول السديد: ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره التي ترددت أربع مرات في هذه السورة الكريمة علي لسان كل من أنبياء الله: نوح, وهود, وصالح, وشعيب. وأتبعت هذه الدعوة المباركة في كل مرة بتحذير أو تقريع شديد, وذلك من مثل قول نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ لقومه: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( الأعراف:59),
وقول نبي الله هود ـ عليه السلام ـ لقومه: أفلا تتقون( الأعراف:65), وقول كل من نبي الله صالح ـ عليه السلام ـ لقومه, ونبي الله شعيب ـ علي نبينا وعليه من الله السلام ـ لقومه: قد جاءتكم بينة من ربكم( الأعراف:85,73).
وتبدأ سورة الأعراف بالحروف المقطعة الأربع( ألمص) وقد تكرر ذكر هذه المقطعات من قبل ولا أري حاجة الي تكرار ذلك هنا.
ثم تمتدح الايات القرآن الكريم وتأمر باتباعه, وتستعرض صورا من عقاب العاصين من الأمم السابقة للعظة والعبرة, مع بيان جزاء كل من المؤمنين والعاصيين, وعرضت لقصة أبينا آدم ـ عليه السلام ـ حتي يأخذ الناس شيئا من العبرة والدرس.
وأشارت السورة المباركة إلي المباحات والمحرمات في السلوك الانساني, وحذرت من افتراء الكذب علي الله, ومن التكذيب بآياته, وعرضت لثواب المؤمنين ولعقاب الكافرين والمشركين, ولشيء من مشاهد الآخرة خاصة حول الأعراف التي سميت باسمها السورة, وأمرت بدعاء الله ـ تعالي ـ تضرعا وخفية, وحرمت الافساد في الأرض, كذلك عرضت السورة المباركة لسير عدد من أنبياء الله, ولتفاعل أقوامهم مع دعوة كل منهم, وكان من هؤلاء نوح, وهود, وصالح, ولوط, وشعيب, وموسي( علي نبينا وعليهم وعلي جميع أنبياء الله السلام).
وتأمر الآيات في سورة الأعراف الناس جميعا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث للناس كافة, محذرة من الآخرة, ومن فجائية قيام الساعة, ومن غيبتها المطلقة عن جميع الخلق وناهية عن الشرك بالله نهيا قاطعا.
وختمت سورة الأعراف بتمجيد القرآن الكريم كما بدأت به, وبنصيحة الي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ والي جميع المؤمنين به فتقول:
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون* واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين* إن الذين عند ربك لايستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون (الأعراف204 ـ206)
من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الأعراف
1ـ الإيمان بالله تعالي ربا واحدا, أحدا, فردا صمدا, منزها عن الشريك, والشبيه, والمنازع, والصاحبة, والولد, وعن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لايليق بجلاله, والايمان بأسمائه الحسني التي لايجوز ان يدعي إلا بها, واليقين بان الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ماكانوا يعملون.
2ـ التسليم بوجود خلق غيبي هم ملائكة الله, والايمان بأنهم مفطورون علي عبادة الله والتسبيح باسمه ـ تعالي ـ والسجود لجلاله, وبأنهم لايستكبرون عن شيء من ذلك أبدا.
3ـ التصديق بجميع الصور الأصلية للوحي الذي أنزله الله تعالي هداية لخلقه علي سلسلة من أنبيائه ورسله, تأكيدا علي وحدة هذه الرسالة, وعلي تكاملها في القرآن الكريم, ذلك الوحي الخاتم المنزل من الله ـ تعالي ـ الي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وضرورة الدعوة الي الإيمان به, والانذار من عاقبة التنكر له, أو محاولة الإساءة اليه,
وتحمل جميع التبعات المترتبة علي ذلك في مواجهة كل موجات الكفر والشرك والضلال ومقاومة كل صور الباطل والظلم والفساد والطغيان.
4ـ التصديق بجميع رسل الله ـ دون أدني تفريق ـ وبالأخوة بين الأنبياء, وبوحدة رسالة السماء المنزلة من الله تعالي هداية لخلقه في القضايا التي يعلم ربنا ـ تبارك اسمه ـ بعجز الانسان عن وضع ضوابط صحيحة لنفسه فيها من مثل: قضايا العقيدة, والعبادة, والاخلاق, والمعاملات, وهي تمثل صلب الدين.
5ـ التسليم بأن النبي والرسول الخاتم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مرسل من الله ـ تعالي ـ للناس جميعا, وان ذكره الشريف قد جاء في كتب السابقين, وان أنكره الضالون عن الحق, المحاربون لأهله, وان تطاول علي مقامه الكريم بعض الحثالات من شياطين الإنس المطموسة بصائرهم فلا يرون الحق أبدا.
6ـ اليقين بحقيقة الخلق, وبأن الله ـ تعالي ـ هو الخالق البارئ المصور, وانه ـ سبحانه وتعالي ـ مستحق للشكر الدائم من جميع خلقه علي عظيم نعمه علي عباده, وان من صور هذا الشكر الخضوع لله بالطاعة والعبادة كما أمر, وبالمجاهدة في القيام بواجبات الاستخلاف في الارض بعمارتها واقامة عدل الله فيها.
7ـ الإيمان بالآخرة وبحتمية احداثها من البعث والحساب والجزاء, ثم الخلود إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا, وبأن الساعة علمها عند الله ـ تعالي ـ وحده, لايعلمها إلا هو, وانها ثقلت في السماوات والارض ولا تأتي الناس إلا بغتة.
8ـ التسليم بكرامة الانسان مادام فاهما لحقيقة رسالته في هذه الحياة, مستقيما علي نهج الله وهدايته, قائما بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها واقامة شرع الله وعدله فيها, دون افساد أو خيانة.
9ـ اليقين من عداوة الشيطان للإنسان ومن محاولات هذا اللعين لغواية كل الناس كما فعل مع أبوينا آدم وحواء ـ عليهما من الله السلام, واليقين كذلك من توبتهما ومن قبول الله ـ تعالي ـ لتلك التوبة, وبأن أحدا من ذريتهما لايحمل شيئا من الخطأ الذي وقعا فيه.
10ـ الإيمان بأن من اتقي وأصلح من عباد الله المكلفين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون, وان من كذب منهم بآيات الله واستكبر عنها فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون, والتسليم بأن الانسان مطالب دوما بطاعة الرحمن وبمعصية الشيطان, وبالحذر من غواياته ووساوسه ونفثه, والتصديق بحتمية مساءلة كل من المرسلين والذين أرسلوا اليهم من الخلق المكلفين.
11ـ اليقين بأن آجال المخلوقين محددة بقدر الله ـ تعالي ـ وعلمه وحكمته, وبأنه لايقدر أحد من العباد تغييرها أو العبث بها تقديما أو تأخيرا بالنقص أو بالزيادة.
12ـ التصديق بما أنزل الله ـ تعالي ـ بالعاصين من عباده في الأمم السابقة من مختلف صور العقاب المذكورة في محكم كتابه.
13ـ الإيمان بما جاء في القرآن الكريم من وصف لأحوال كل من أهل الجنة وأهل النار, وهي من الغيوب التي لاسبيل للانسان في الوصول الي شيء منها إلا بوحي من الله ـ تعالي ـ أو بإقرار من خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم.
14ـ اليقين بأن دعاء الله ـ تعالي ـ تضرعا وخفية هو من العبادات التي يقبلها ربنا بقبول حسن لأن الدعاء هو العبادة كما قال رسول الله ـ صلي الله ليه وسلم.
15ـ التسليم بأن الله ـ العليم الحكيم ـ قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن, والاثم والبغي بغير الحق, كما حرم الشرك به ـ سبحانه وتعالي عن ذلك علوا كبيرا ـ وحرم ان يقول العباد علي الله ـ تعالي ـ بما لايعلمون, كما حرم الاسراف والإفساد في الأرض تحريما قاطعا.
من الإشارات العلمية في سورة الأعراف
جاء في سورة الأعراف عدد من الإشارات العلمية والتاريخية يمكن إيجازها فيما يلي:
1ـ الإشارة الي فجائية العقاب الإلهي الذي وصفته السورة الكريمة بتعبير( بأس الله) كما جاء في الايات(99,97,4) والملاحظات العلمية تؤكد فجائية العديد من جند الله التي يسخرها ـ سبحانه وتعالي ـ عقابا للعاصين, وابتلاء للصالحين, وعبرة للناجين وذلك من مثل: الهزات الأرضية, والثورات البركانية, والعواصف والأعاصير, وغير ذلك من النوازل الكونية.
2ـ التأكيد علي عملية تصوير الأجنة في بطون الأمهات بعد عملية الخلق( الأعراف:11) ودراسات علم الأجنة تثبت حقيقة ذلك.
3ـ وصف خلق الجن من نار, وخلق الإنس من طين( الأعراف:12), والجن من العوالم الغيبية بالنسبة لنا, أما خلق الانسان من طين فتؤكده جميع الدراسات العلمية.
4ـ التأكيد علي العداوة بين كل من الشيطان والانسان, والاشارة الي مرحلية وجودهما علي الأرض( الأعراف24 و25), والدراسات العلمية تثبت ذلك.
5ـ الإشارة إلي السرعة الفائقة التي كانت الأرض تدور بها حول محورها أمام الشمس في بدء الخلق( الأعراف:54) والشواهد الحسية العديدة التي تركها لنا ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في صخور الأرض قد أثبتت هذه الحقيقة في العقود المتأخرة من القرن العشرين.
6ـ التأكيد علي ان كلا من الشمس والقمر والنجوم وغيرها من أجرام السماء, والوجود كله مسخر بأمر الله تعالي ـ الذي له الخلق والأمر( الأعراف:54).
7 ـ تقرير حقيقة ان الله ـ تعالي ـ هو الذي( يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته), ويكون السحب بإرادته وينزل المطر برحمته, ويخرج النبت والشجر والثمر بعلمه وحكمته, وانه تعالي سوف يخرج الموتي بقدرته, وبنفس طريقة اخراج النبت من الأرض بعد انزال الماء عليها( الأعراف:57).
8 ـ الإشارة الي حقيقة ان البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه, وان الذي خبث لايخرج الا نكدا( الاعراف:58)
9 ـ ذكر عدد من الانبياء والمرسلين المبعوثين من قبل بعثة سيدنا محمد ـ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ ووصف عدد من المعجزات التي أيدهم الله ـ تعالي ـ بها ـ شهادة لأقوامهم وتفاعل أقوامهم مع تلك الدعوات, والجزاء الذي لقوه علي هذا التفاعل سلبا وايجابا,
والكشوف الاثرية المتتالية تؤكد صدق كل ما جاء بالقرآن الكريم عن السابقين من الأمم التي أورد ذكرها, ومن ذلك ما أصاب فرعون مصر وقومه من صور العذاب, وانزال المن والسلوي علي موسي واتباعه
10ـ التأكيد علي حقيقة مشارق الأرض ومغاربها, والتي لم تصل المعارف المكتسبة اليها الا بعد تطورها عبر القرنين الماضيين.
11ـ الاشارة إلي بقاء ذكر الرسول الخاتم ـ صلي الله عليه وسلم ـ في كتب السابقين( الأعراف:157:169).
12 ـ التأكيد علي خلق جميع بني آدم من نفس واحدة ـ هي نفس أبينا آدم عليه السلام ـ وجعل زوجها منها, والنتائج المتأخرة لعلم الوراثة تثبت ذلك وتؤيده.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها, ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم علي النقطة الحادية عشرة من القائمة السابقة وإلي ذلك الحين أستودعكم الله الذي لاتضيع عنده الودائع, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,
المصدر
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/2/20/OPIN2.HTM
التعديل الأخير تم بواسطة دفاع ; 29-07-2008 الساعة 01:53 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة golder في المنتدى منتدى غرف البال توك
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 26-08-2012, 10:04 PM
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 02-08-2008, 05:27 PM
-
بواسطة شبكة بن مريم الإسلامية في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 09-07-2008, 12:33 AM
-
بواسطة دفاع في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 25-06-2008, 10:40 PM
-
بواسطة ebnatalislam في المنتدى منتدى غرف البال توك
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 12-04-2006, 05:10 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات