(12)
وافق أن يذهب معهم إلى بيت أبيه ..
وقبل أن يذهب توجه إلى الشيخ محمد رشيد رضا ..
وكان يختلف إلى مجلسه من وقت لآخر ..
ونفض إليه جملة الخبر ..
فبين له الشيخ ما غاب عنه ..
وأيده بالأدلة من الكتب القديمة بوجه خاص ..
كإظهار الحق ومقامع الصلبان، وشروح أهل الكتاب، وكيف يرد على شبهاتهم ..
وذهب في الموعد لدار أبيه ..
لقد أنفق أبوه عن سخاء لإنقاذ ولده الأكبر عما هو فيه ..
وليمنعه مما هو مقدم عليه ..
إلى أن أتى الموعد المضروب لرجال اللاهوت ..
فعجل والده بجلسة سريعة يمهد بها للجلسة الكبرى ..
فربما يرجع الابن عن قريب ..
بدأت الجلسة هادئة ..
والكل ينصت لما يدور من قرع الحجة بالحجة ..
والنصوص حاضرة تتلى من مراجعها ..
على مسمع من الجميع ..

ولم يعد كبير مجال للتهوين من تصرف الطبيب الشاب ..
على أنه رأي فرد ضال كما ذكرمن قبل من أنه وقع تحت جو عام من الإغراء الذي أحاطه رفاقه به ..
وأدرك الحاضرون أن الأمر في غاية الجد ..
فشددوا هجومهم ..
لكنهم وجدوا لكل سؤال جواباً ..
ثم وجهت لهم منه أسئلة مضادة ..
استشعروا وهم يجيبون عنها أن ألسنتهم كانت تلوك العبارات في غير وعي ولا تعقل ..
و كانت مناقشة طويلة جداً جداً ..
من أقوى المناظرات في نقد عقائد النصارى ..
عكست مدى تعمقه في تلك الفترة في دراسة العقائد النصرانية وأيضاً في دراسة الإسلام ..
و تكلم فيها كلاماً مفصلاً جداً وألجمهم فما استطاعوا أن يردوا عليه بكلمة واحدة ..
ومما ناقشوه:
التجسد، الأقانيم الثلاثة، البنوة، جرأتهم على الأنبياء، دعوى أبوة الجسد ليوسف النجار، الصلب وأصله الوثني، والقيامة ..
وفي الإسلام: حقيقة الوحي، حقيقة القرآن، حيرة أهل الكتاب من إعجاز القرآن، وكان يسرد الكلام بأسانيد علمية في غاية القوة ..
فأنهوا الجلسة ...
واتفقوا أن يخرجوا بقرار هو أن يحشدوا له فريقاً من أكبر علمائهم حتى يناظره في جلسة تالية ..
حتى بلغ من تأثير الطبيب عليهم أن باتت القضايا التي كانت عندهم يقيناً معلقة ..
حيث قالوا عنها هذه معلقة لا نستطيع أن نرد عليك فيها ..
واهتزت النصوص التي طالما حفظوها على شفاههم ..
وعادت أسئلتهم من عنده بغير معنى ..
وأيقنوا أن اللجنة قد عجزت ..

فماذا كان الجواب؟؟
أعلنوا في هذه الجلسة على الجميع ..
أن عبده إبراهيم عبد الملك ابن الخواجه إبراهيم عبد الملك من أسرة كذا التابعة لكنيسة كذا قد حلت عليه اللعنة الأبدية في هذه ******* ما لم يرجع إلى رحمة أبينا يسوع المسيح مخلصنا وراعينا وأن اللجنة رحمة به وحنواً على أبيه المسكين قد منحته فرصة العودة إلى دين آبائه وأجداده بالحضور يوم الأحد في ذات المكان أمام عدد من الآباء لنصحه وهدايته نسأل إلهنا وأبانا ... إلى آخر كلامهم من الشرك والكفر ..
لقد كان بعض الحاضرين من النصارى متشوقين إلى استمرار الجلسة ..
من شدة تعطشهم إلى سماع إجاباته والاستزادة من علمه ..
فقد سمعوا لأول مرة فكراً جديداً ونقاشاً فريداً ودفاعاً عنيداً ..
جعلهم في شوق إلى معرفة نتيجة محددة ..
خاصة لما رأوا القساوسة قد عجزوا أمام هذا الفرد ..
الذي تخلف عن السير في موكب آبائه وأجداده ..
فهاجوا وماجوا وتدافعوا وتصايحوا ..
لكن كبير الجلسة نصحهم بالهدوء حتى لا يشرد منهم هذا الخروف الضال ..
ووعدهم بأن يوم الأحد قريب ..
وأنه جمع للمباهلة فحول علماء أهل الكتاب والمفسرين وخبراء التبشير الراسخين ..
فهدأت ثائرتهم ولكن إلى حين ..
وجاء يوم الأحد الموعود ..