(10)
ثار الأب يلعن ذلك اليوم الذي ابتلي فيه بهذا الابن الضال،
الفاعل للعقوق والعصيان
الجريء في ضلاله وبهتانه،
وأحاط الأبناء والزوجة بالأب يهدأون من روعه
بعدما رأوه من اشتداد غضبه وما هو عليه
يقرر بالغضب ويلقي بالشتائم وينذر بالتهديدات،
ويتوعد بالويل والثبور،
وأدرك الولد بسرعة أن الأمر لن يقف عند هذا الغضب
وأن العاقبة لابد وخيمة،
وأنه في مصارحته للأب،
قد ارتكب عدة أخطاء لا خطأً واحداً،
فاندفع إلى خارج الدار لا يلوي على شيء،
واندفعوا خلفه يسبونه ويقذفونه بالأحجار،
ولم يكن ذلك ما يؤلمه رغم شدته،
لكن ما آلمه أنه لم يحمل معه قلماً ولا قرطاساً،
ولا شيئأً من لوازمه،
وتنبه فإذا هو في الطريق العام،
فسار مسرعاً جاد الخطوات لعله يبتعد عن حي الظاهر كله،
وقد خشي أن يلاحقه أبوه وبعض إخوته وأهله،
وإذ أوغل في الطريق واقترب من حي ساهر،
كما اعتاد الناس في شهر رمضان أحس بحاجة ملحة إلى الهدوء،
لعله يلتقط أنفاسه،
وطرقه مقهى عامراً بالرواد،
فتنحى منه ناحية،
وجلس يتأمل أحداث هذه الساعة من الزمان،
كيف بدأت وكيف انتهت إلى ما انتهت إليه،
وتحسس جيبه ليعلم كم معه من نقود قليلة،
وقفزت أمامه أسئلة شديدة الإلحاح،
الكتب .. المراجع .. ملابسه .. أدوات مهنته .. مذكراته الخاصة ..
إنها كلها في حجرته الخاصة،
وهو لم يقترب من حجرته مجرد اقتراب في ليلته هذه.
فماذا يكون من أمره غداً..
وبعد غد ..
وما بعدها من شهور حتى ينهي دراسته ثم يلتحق بوظيفة تعينه على شؤون الحياة ..
أدرك الطبيب الموقف على حقيقته بعد قليل من التأمل ..
واتجه من فوره إلى بيت صدقي فوصله آخر الليل ..
لكن السهر في رمضان شجعه على المضي حتى قابل صاحبه
وأفضى إليه بتفصيل ما كان ..