(5)
لم ينفرط عقد الصحاب الثلاثة ولم يتنكر أحدهم للموثق الذي واثقوه..
وإنما اقترب اثنان منهما بحكم الزمالة في مجال واحد ومدرسة واحدة..
وفرض على الثالث أن يتفرغ لتخصص قائم بذاته..

كانت تجربة الرسوب مريرة فاعتزم الصاحبان أن ينصرفا عن كل راحة ولهو بريء..
وأن يقسما الوقت والجهد بين علوم الطب وعلوم الدين..
وتقدما من المقدمات التي تتحدث عن وظائف الأعضاء إلى ما هو أعمق في تخصصهما..
حتى حصلا على قدر من المعرفة بجسم الإنسان من دراسة التشريح..
وكان عبده بوجه خاص ينهل من المراجع العلمية.. ليروي ظمأه ويرفع غلته..
لا ليحصل على إجابة تفتح له باب المهنة والحصول على وظيفة..
بل لأنه كان يعاني من ظمأ قاتل.. لا يكسره إلا شيء من العلم بحقائق هذا الكون..
ولو في بعض ما احتواه..
كان يصعد النظر في السماء ويدور ببصره من حول هذه الأجرام..
التي يخطؤها عد الإنسان قطعاً..
ثم يرتد البصر حسيراً.. إذ تقوم بينه وبين حقائق هذه السماء الدنيا حجب من الجهل التام في فرع من المعرفة لا يستطيع أن يقترب منه..
ثم يعود إلى جسم الإنسان وقد تهيأت له ظروف الإمعان في دقائقه.. والغوص في خفاياه فيشبع نهمه إلى المعرفة هنا لعله يدرك من دراسة هذا المخلوق الذي يسمى الإنسان شيئاً لا يزال يجهله وهو قدرة الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان على هذه الصورة..
وقد كانت في نظره صورة مذهلة تدل على قدرة لا تحيط بها الأبصار..
وتعلقت آماله بأن يكو ن حقاً أن البصائر تدركها..
وهنا بدأ يفكر أن هذه الظاهرات المادية التي سمع عنها.. كالتجسد والميلاد وأكل الطعام والصلب..
يجوز أن تكون كلها أو بعضها مقبولة من حيث المبدأ إذا أضيفت إلى جسم الإنسان الحادث الزائل عن الوجود..
أما إضافة شيء من ذلك إلى خالق فذلك أمر يدفعه حاكم العقل بالفساد..
وتأباه الفطرة السليمة فضلاً عن القوة العاقلة المدبرة..