3- الجديد في الأخلاق


وجاء بالجديد في مجال الأخلاق، لقد جاء الإسلام بمجموعة من الفضائل الأخلاقية، أسَّسها على فلسفة ربانية عميقة، تتميَّز بجملة من الخصائص.
أخلاق معلَّلة مفهومة:
لم تكن الأخلاق في الإسلام كما جاءت في اليهودية والنصرانية، تحكُّمية غير معلَّلة ولا مفهومة، (افعل كذا)، مجرَّدا من أيِّ تفسير أو تعليل، لكن القرآن إذا أمر أمرًا علَّله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]، أطهر لهم، وأنمى لهم، وأرقى لهم.
يُعلِّل القرآن أوامره الأخلاقية، فهي أخلاق مفهومة، ليست أخلاقًا تحكُّمية.
أخلاق وسطية متوازنة:
وهي أخلاق وسطية متوازنة، تجمع بين الدنيا والآخرة، بين العقل والقلب، وبين الرُّوحية والمادية، بين الحقِّ وبين الواجب، ما للإنسان وما على الإنسان، فإذا كان الإنسان المثالى في المسيحية: هو الراهب الذي يتجرَّد عن الحياة، ويعتزل الدنيا، ويعتزل النساء، ولا يتزوج، ولا يعمل للحياة. فإن الإنسان المثالي في الإسلام هو الذي يجمع بين الحسنتين: الدنيا والآخرة، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، في يوم الجمعة يسعى المسلم إلى ذكر الله ويَذَر البيع، أي يمكن أنه كان في بيع قبل الصلاة، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10]، يمكن أن يعمل قبل الصلاة، ويعمل بعد الصلاة.
العمل في الإسلام عبادة والعمل في الإسلام جهاد، ولذلك الأخلاقية الإسلامية هي الأخلاقية الوسطية، ليس هناك إنسان يظلُّ يعبد الله دائمًا، يصوم النهار ويقوم الليل. حينما شكا بعض الصحابة أنه يشعر بأنه نافق في حياته، لأنه يكون على حال عند رسول الله، وعلى حال آخر إذا ذهب إلى بيته، وداعب زوجته ولاعب أولاده، فقال له، وكان اسمه حنظلة: "يا حنظله، لو دمتم على الحال التي تكونون فيها عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة"[1].
لا يطلب الإسلام من الإنسان المسلم أن يظلَّ عابدًا باكيًا خائفا طول حياته، ولكن ساعة وساعة، هذا هو الإسلام.
جاء الإسلام بالتوازن الأخلاقي، فإذا كانت اليهودية قالت: السنُّ بالسنِّ، والعين بالعين, والأنف بالأنف. والمسيح قال: مَن ضربك على خدِّك الأيمن فأَدِر له خدَّك الأيسر[2]. فإن الإسلام لم يأمر بما أمر به المسيح أمرًا عاما، لأن هذا قد يصلح لمجموعة صغيرة منتقاة، لكن لا يصلح أمرًا عالميًا وتوجيهًا عالميًا لكل البشر، ولكنه رغَّب فيه، باعتباره فضلا وإحسانا، الإسلام جاء بالعدل، وجاء بالفضل: مرتبة العدل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، ومرتبة الفضل: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40].
عليك أن تقوم بالعدل وهذا الواجب، ولك أن تقوم بالفضل والإحسان وتعفو: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126].
أخلاق واقعية:
الأخلاق في الإسلام أخلاق وسطية، وأخلاق واقعية، تراعي حالة الإنسان لا تريد من الإنسان أن يكون ملاكًا مطهَّرًا، يمكن للإنسان أن يقع في الخطيئة، ولا عجب أن يقع الإنسان في الخطيئة، أبوه آدم أخطأ، ولكن الله فتح له باب التوبة: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طـه:122،121]، الله تعالى ذكر الأمة المصطفاة فقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32]، من الأمة مَن يظلم نفسه، ويقصِّر في بعض الواجبات، ويقع في بعض المحرمات، ولكن هذا لا يغلق باب التوبة عنه، باب الله مفتوح: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
[1]- رواه مسلم في التوبة (2750)، وأحمد في المسند (17609)، والترمذي في صفة القيامة (2452)، وابن ماجه في الزهد (4239)، عن حنظلة الكاتب.

[2]- سبق تخريجها