﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ (غافر‏:19)

ما معنى قوله تعالى ب(وما تخفي الصدور) خصوصا ان هذا التعبير قد ورد أكثر من مرة في القرآن الكريم؟؟؟

بقلم العالم الفاضل الدكتور:زغلول النجار


كلمة‏(‏ الصدر‏)‏ في القرآن الكريم :-
جاءت كلمة‏(‏ الصدر‏)‏ بمشتقاتها في القرآن الكريم‏(46)‏ مرة‏,‏ منها‏(42)‏ مرة بمعني حاسة في داخل القفص الصدري للإنسان قد تشمل القلب وما حوله من أغشية‏,‏ ومرة واحدة بمعني الإقبال‏,‏ وأخري بمعني الإدبار أو الانصراف‏,‏ وذلك لأن الفعل‏(‏ صدر‏)‏ من أفعال الأضداد‏.‏
ونختار من الآيات القرآنية الكريمة التي وردت فيها كلمة‏(‏ الصدر‏)‏ بمعني القلب وما حوله من أغشية ما يلي‏:‏
‏(1)‏ اثنتا عشرة آية جاء فيها التعبير القرآني الكريم‏:‏ إن الله عليم بذات الصدور أو والله عليم بذات الصدور أو إنه عليم بذات الصدور أو وهو عليم بذات الصدور‏.‏ والمقصود بتعبير‏(‏ ذات الصدور‏)‏ محتوي القلوب وما حوله من أسرار في القفص الصدري للإنسان‏.
‏(2)‏ ﴿قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ...﴾ (‏ آل عمران‏:29).‏
‏(3) ﴿ ...قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ...﴾ (‏ آل عمران‏:118).‏
‏(4) ﴿...وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (‏ آل عمران‏:154).
‏(5) ﴿...أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ...﴾ (‏ النساء‏:90).‏
‏(6)‏ ﴿... فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاًّ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ْ...﴾(‏ الأنعام‏:125).‏
‏(7)‏ ﴿...كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ...﴾‏(‏الأعراف‏:2).‏
‏(8)‏ قَاتِلُوَهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (‏ التوبة‏:14).‏
‏(9)‏ ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين‏﴾ (‏ يونس‏:57).‏
‏(10)‏ ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ (النمل‏:74).‏



من الدلالات العلمية للآية الكريمة:-
في هذه الآية الكريمة سبق علمي بأكثر من أربعة عشر قرنا لجميع المعارف المكتسبة‏,‏ وصورة من صور الإعجاز العلمي في كتاب الله المتمثل في هذا السبق الزمني‏,‏ وفي نزول هذا الحق العلمي علي نبي أمي ـ صلي الله عليه وسلم ـ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين‏,‏ وفي زمن انتفاء وجود أي من وسائل الكشف العلمي المتوافرة اليوم‏.‏


وإجماع المفسرين علي أن أهم ما في صدر الإنسان هو القلب‏,‏ وكان السائد عند أهل العلم أن القلب هو مجرد مضخة تدفع بالدم الفاسد إلي الرئتين لأكسدته‏,‏ ثم تلقي الدم المصفي من الرئتين‏,‏ وإعادة ضخه إلي مختلف أجزاء الجسم ومن أولها المخ الذي إذا تأخر ضخ الدم المؤكسد إليه لبضع ثوان هلك صاحبه‏..‏
ولكن الآية التي نحن بصددها‏,‏ والتي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وأربعا وأربعين آية أخري من آيات الصدور في القرآن الكريم تؤكد أنه لتعبير‏(‏ ما في الصدور‏)‏ وظائف أخري غير ضخ الدم واستقباله وإعادة ضخه وقد أثبتت أحدث دراسات القلب صدق ذلك‏.‏
فقد ثبت مؤخرا أن القلب عضو حيوي بشكل هائل وفعال في جسم الإنسان‏,‏ وأن كلا من القلب وغشائه البريتوني‏(‏ الصفاق‏)‏ يحتويان علي أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تشبه خلايا المخ‏,‏ وأنهما يفرزان كما من الهرمونات إلي تيار الدم المتجه إلي المخ وإلي باقي أجزاء الجسم‏,‏ فيتم بينهما وبينها نوع من التخاطب‏,‏ والتنسيق‏,‏ وأن المخطط الكهربائي للقلب وغشائه هو أكبر بمائة ضعف من المخطط الكهربائي للمخ‏,‏ وطاقتهما المغناطيسية تفوق طاقة المخ المغناطيسية بخمسة آلاف ضعف‏,‏ كذلك ثبت أنه كما ينشط المخ بمراكز ذاكرته وحسه بواسطة التغذية الراجعة عبر كل من الشبكات العصبية والدموية‏,‏ فكذلك القلب وغشاؤه البريتوني ينشطان بنفس الطريقة‏,‏ وكما أن بالمخ مراكز للشعور‏,‏ والذاكرة والحس‏,‏ والتنسيق‏,‏ والعواطف‏,‏ والانفعال‏,‏ واتخاذ القرار‏,‏ فقد ثبت أن بكل من القلب وغشائه عددا من المراكز لكل ذلك كما أثبت الدكتور بول برسال في مؤلفه المعنون‏:‏ شيفرة القلب ‏(Pearsall Perusal:‏ ‏The Heart Code‏ ‏) وقد تأكد ذلك بملاحظة أن أحد الأعراض الناتجة عن إجراء العمليات الجراحية بالقلب هو فقد شيء من الذاكرة مما دفع بالعلماء الي الاستنتاج المنطقي بأن القلب هو مستودع الذكريات‏,‏ كما دفعهم إلي إثارة عدد من الأسئلة المنطقية التي منها‏:‏ هل يمكن أن يكون لكل من القلب وغشائه البريتوني قدرة علي التفكير‏,‏ والشعور‏,‏ والعاطفة‏,‏ والانفعال‏,‏ واتخاذ القرار‏,‏ وتخزين المعلومات القريبة والبعيدة في ذاكرة تشبه تماما ذاكرة المخ إن لم تتفوق عليها؟
وجاءت إجابات أساتذة القلب بكل من جامعة ييل الأمريكية(Yale University),‏ ومعهد هارتمان بولاية كاليفورنيا‏(Hartman Institute,California)‏ بأن كلا من القلب وغشائه البريتوني يمثلان جهازا فائق التعقيد‏,‏ يشبه الجهاز العصبي للمخ تماما‏,‏ وله ذاكرة قصيرة وطويلة الأمد‏,‏ وله قدرة علي قيادة المخ‏.‏ وقد تأكدت هذه الاكتشافات بعمليات نقل القلب من إنسان إلي آخر حيث اكتشف أن القلب المنقول يحمل معه من الذكريات‏,‏ والملكات والمواهب والعواطف‏,‏ والمشاعر‏,‏ والهوايات‏,‏ والخصال‏,‏ والسجايا‏,‏ والصفات الذاتية الأخرى الخاصة بالشخص الذي نقل منه القلب‏,‏ والتي تبدو غريبة كل الغرابة عن الصفات السابقة للشخص الذي تم نقل القلب إليه‏.‏
وهنا تأتي هذه الآية القرآنية الكريمة التي نحن بصددها‏,‏ وأمثالها في كتاب الله شهادة صدق علي أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية‏,‏ في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏),‏ وحفظه كاملا علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية‏,‏ وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم شاهدا علي الخلق أجمعين إلي يوم الدين بأنه كلام رب العالمين‏,‏ وشاهدا للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏