حضارة كريت

هذه الحضارة التي اختفت فجأة كانت تمثل أولى أكبر الحضارات في القارة الأوروبية التي كانت مهدها مدينة كريت القرن الرابع عشر قبل الميلاد. فقد أنشأ القادمون من آسيا واليونان الذين سكنوا فيها قبل 2000 سنة قبل الميلاد, القصور الفخمة والعظيمة. ولكن أهم ماكان ما يلفت النظر عند هذا الشعب هو مفهوم الهوى المنحرف.

لذلك فقد كان الله تعالى يرسل لهم بين الحين والآخر هزات أرضية خفيفة الشدة كي ينذرهم وينبههم لكي يبتعدوا عن هذا الانحراف ولكي يتذكروا يوم القيامة. ولكن في النهاية حدثت كارثة كبيرة. فقد انفجر بركان في جزيرة ثيرا التي هي جزء من مجموعة جزر كيكلادس التي تقع في شمال جزيرة كريت، ونتيجة لهذا الانفجار الهائل حدثت هزة أرضية عنيفة(12) دمرت القصور العظيمة في جزيرة كريت، وقد غطت السحب البركانية الرمادية سماء المدينة وغرقت المدينة في ظلام دامس, كما أن الرماد غطى أنقاض القصور المتهدمة. فقد حدث في البحر هيجان عظيم لم يشهد له مثيل من قبل, فقد دفن ميناء كانوسوس تحت مياه البحر. لقد كان انهيار قصور كريت شيئاً يبعث على الرعب, فقد غطت الأمواج البحرية العملاقة في وقت واحد جميع المدن الساحلية ودفنتها تحت المياه.

لم تكن حضارة كريت التي كانت في العديد من النواحي من أهم الحضارات في تلك الفترة أن تعتقد بأن نهايتها ستكون على هذه الشاكلة المرعبة، حيث أن هذه الكارثة المرعبة كانت السبب الرئيسي في هلاك أغلبية سكانها وتدمير قصورها العظيمة, فمن ورائهم لم يبق هناك أناس يتباهون بغناهم, وكذلك لم يبق ما كانوا يحلمون به من حياة خالدة. وما تبقى هو مجرد أطلال حضارة اندثرت ومجرد أبنية متهدمة متناثرة هنا وهناك. ويشير القرآن الكريم إلى وجوب اتخاذ مصير مثل هذه الحضارات القديمة عبرة للإنسان المعاصر بقوله تعالى :

أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (سورة السجدة 26 )

كارثة بومبي
حسب ما تورده المصادر التاريخية فقد كانت مدينة بومبي ( تقع الآن في إيطاليا ) قبل 2000 عام من أكثر المدن التي تتمتع بحياة رغيدة. وقد كانت المدن في العصور القديمة تعرف من خلال ما تشتهر به من ترف وبهجة لا تعرف الحدود، لذلك كانت مدينة بومبي إحدى هذه المدن. والزائر الآن لايجد في هذه المدينة سوى خرائب هنا وهناك حيث كانت في يوم ما محلا تنتشر فيه محلات بيع الخمور وبيوت الدعارة, وكانت هذه المدينة التي كان يقصدها الأغنياء من أهل روما ويفضلونها تقع في وسط تحدها من جهة غابات جبال فينوس والبحر من جهة أخرى. ولكن نتيجة لانفجار إحدى أهم براكينها في التاريخ أدت إلى طمس معالم هذه المدينة الجميلة، ويمكن اليوم رؤية جميع تفاصيل حياة أهل روما بعدما تحولوا إلى أحجار بفعل الحمم البركانية التي انبعثت نتيجة ذلك الانفجار الهائل.

لقد وقعت الكارثة في صباح 24 آب من سنة 79 ميلادية حيث جاء أغنياء الرومان لقضاء الصيف في القصور الفخمة المبنية على سفوح جبل فيزرف في مدينة بومبي(13). فقد بدأت في بادي الأمر بهزة أرضية انطلقت بعدها أصوات انفجارات مدوية منطلقة من الجبل هزت السماء. وحسب مانقلته المصادر التاريخية فإن أعمدة من النيران كانت تنطلق باتجاه السماء والتي كان يعقبها دخان عظيم. وفي الوقت نفسه كانت السماء ترتج بفعل الانفجارات الجديدة, وبدأت وابل من الأحجار والرماد والتراب والحمم البركانية في التساقط على المدينة على شكل قطع صلبة. وقد تملك سكان مدينة بومبي الرعب الشديد لكونهم كانوا أقرب من جبل فزوف البركاني فأخذوا في الفرار بعدما تملكهم الخوف الشديد نتيجة لتقدم سيل من الطين الحار الملتهب والذي تحرك باتجاه المدينة على شكل أمواج متدفقة, وأما الذين لم ينجحوا في الهرب فقد دفنوا تحت أنقاض البنايات المتهدمة وتحت الحمم البركانية المنصهرة ولكن الشئ الذي يبعث على الحيره بل ويجب أن يتخذ عبرة هو ماوجده وماشاهده علماء الآثار من معلومات نتيجة الحفريات التي أجروها هو تردد أكثرية أهالي المدينة في ترك المدينة خلال الكارثة. فقد لجأ الأغنياء والذين لم يفكروا في ترك أموالهم وممتلكاتهم إلى بيوتهم كي يحتموا من تساقط الرماد الحارق عليهم إحساسا منهم بإمكانية ان يجدوا الملاذ الآمن, ولكن الوقت قد فات لكي يفروا وماتوا.

فقد انمحت من التاريخ خلال يوم واحد جميع أشكال الحياة في كل من مدينة بومبي وبعض القرى المحيطة بها. وقد ذكر القرآن الكريم أخبار الذين لاقوا حتفهم على هذه الشاكلة بقوله تعالى :

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (سورة هود 100)

بعد إجراء الحفريات والبحوث تبين أن سكان بومبي كانوا وكأنما قد تجمدوا فجأة , فقد ظهر شكل الأهالي وهم متحجرون أثناء لفظهم أنفاسهم الأخيرة,فقد دهمتهم الكارثة فجأة. وحسب ما أخبر عن ذلك القرآن الكريم :

وَكَذَلِكَ أخذ رَبِّكَ إذا أخذ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أخذ هُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (سورة هود 102 )



لقد دمرت مدينة بومباي ذات العشرين ألف نسمة وقتل معظم سكانها مع جميع ما كانت تمتلكها من آثار فنية جميلة. ولقد دمر الزلزال هذه المدينة الجميلة وقضى على آثارها الجميلة.



إن ما نشاهده اليوم من آثار تعود إلى حضارات عاشت قبل مئات الآلاف السنين تظهر بوضوح أنه على الرغم من كل ما كانوا يتمتعون به من غنى, فإن هذا لم يمنحهم أي فائدة تذكر. وإن كل شئ تركوه من خلفهم أضحى ميراثا للذين أتوا من بعدهم, وتجدر الإشارة هنا إلى أن أكبر وهم وقع فيه أولئك الذين عاشوا في مثل هذه المجتمعات واندثروا هو اعتقادهم بأنهم سيملكون النعم الدنيوية إلى الأبد, وماصنعوه من أبنية سوف تجعلهم مخلدين إلى الأبد، وهذا الوهم نراه واضحاً في يومنا هذا، فالملاحظ أن الإنسان يحاول أن يجعل ذكراه تعيش إلى الأبد بقيامه بعمل مختلف الآثار الفنية لترسيخ هذه الفكرة, والقسم الآخر منهم من يضحي بالكثير كي يقوم بجمع المزيد من الأموال ظناً منه أنها ستعود عليهم بالفوائد الكبيرة.

وهؤلاء قد تجاوزوا الذين سبقوهم من قبل لما أبدوه من الزيغ والضلال وحتى عدم اكتراثهم لجميع أنواع الإنذارات التي أرسلها الله تعالى لهم ليكفوا عن ما هم عليه. ولكن هناك حقيقة مهمة جدا ً يجب على هؤلاء الأشخاص أن لاينسوها, وهي أخذ عبرة خلفتها شواهد وآثار عظيمة لمجتمعات وجدت من قبل ثم اندثرت فلم يبق في هذه الدنيا أحد منهم مخلدا. والذين سعوا إلى تخليد ذكراهم قبل موتهم في هذه الدنيا بما قام به من أعمال وما تركه من آثار لم تجلب لأجسامهم المتآكلة أي منفعة تذكر, ولكن بقايا الآثار الموجودة تمثل عبرة للذين يريدون أن يستخلصوا العبر والدروس من هذه الدنيا, ولكي لا ينسوا ويتذكروا ما سيحل بهم من عذاب إلهي أليم. ولهذا فإن الله تعالى من خلال هذه الأمثلة ينذر الذين يتعلقون برغبة شديدة بهذه الدنيا. ومما لاشك فيه أن الذين يتدبرون ويأخذون الدروس من هذه الحوادث سيعلمون أن الله تعالى قد أوجد هذه الحوادث, وأنه قادر في أي لحظة أن يمتحن البشر بإرسال أشد أنواع العذاب. إن الدنيا هي فقط مكان الاختبار والامتحان. فالذي يؤدي هذا الامتحان حسب ما يطلب منه فإنه سيكون رابحا. أما الذين يرون هذه الدنيا دار بقاء، فإنهم سيواجهون خسارة مماثلة كما هو الحال بالنسبة للأقوام التي مر ذكر أحوالها في الأمثلة السابقة. وهذا بالتأكيد ناتج عما جنته أيديهم وأنهم في الآخرة سيحاسبون على ما اقترفته أيديهم وماقاموا به من الأعمال ولاشك أن الله تعالى هو الذي يعرف المحسن من المخطئ


.