إهدار أحكام القضاء

محمود سلطان : بتاريخ 7 - 3 - 2008

البعض تناول رفض البابا شنودة تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة المصرية باستخراج تصريح زواج للمسيحي المطلق من زوجته واعتباره "غير ملزم للبابا".. وكذلك رفض مدرسة "الراهبات الفرنسيسكانيات" الكاثوليكية تنفيذ حكم قضائي يلزمها بقبول الطالبات المحجبات.. البعض تناول هذا "الرفض" من منطلق "طائفي"، واستغلوه للإساءة للكنيسة ـ وللأقباط عموما ـ باعتباره تحديا للدولة وحملوا البابا مسئولية التعدي على أحكام القضاء وإهدارها.
والحال أن موقف الكنيسة الأرثوذكسية، ومدرسة "الراهبات الفرنسيسكانيات"، يعتبر فعلا تحديا للدولة، إذ جاء الرفض بشكل يفتقر إلى "اللياقة" سواء فيما يتعلق بـ"هيبة الدولة" أو فيما يتعلق بـ"هيبة القضاء".. غير أن الحكم ـ الخاص بالكنيسة ـ جاء فعلا صادما لتوقعاتها، سيما وأن المادة الثانية من الدستور"الخاصة بالشريعة"، تبسط مظلتها الحمائية على الأقليات الدينية، وتجيز ارتكاز منظومتها القانونية على مبدأ "التعدد القانوني" الذي يسمح للطوائف الدينية الاحتكام إلى شرائعها فيما يتعلق بالأحوال المدنية والشخصية، وهي على عكس الدولة العلمانية التي ترفض مثل هذا التعدد، بل إن "المادة الثانية " من الدستور تظل هي الضمانة الرئيسية للبابا شنودة وللكنيسة والتي تحفظ لهما حق الاستقلال تشريعيا في هذا الإطار على وجه التحديد، فيما تمتد مظلة القانون الجنائي للدولة على الجميع.
وسبق لي ـ أنا والمفكر القبطي الكبير د. رفيق حبيب ـ أن حذرنا بعض الأقباط من الاستسلام لحملة التغرير بهم ودفعهم للاصطفاف ومشاغبة الدولة والضغط عليها لإلغاء المادة الثانية من الدستور، إذ إن إلغائها يعني إلغاء لمبدأ "التعدد القانوني" الذي تجيزه الشريعة الإسلامية حفاظا على حقوق الأقليات الدينية في الدولة المسلمة.
على أية احال ربما يكون أمام الكنيسة جولة قضائية أخرى أملا في استرداد هذا الحق أمام منصة القضاء استنادا إلى هذا المبدأ الدستوري ، وإلى أن تجد حلا لمشكلة طلاق الأقباط، والتي خلفت آلاف الضحايا من الأسر القبطية، غير أنه من الإنصاف، القول إن الكنيسة ومدرسة الراهبات ليستا مسئولتين عن ظاهرة إهدار أحكام القضاء وحدهما، بل إن الدولة ذاتها هي التي أصلت للظاهرة عندما كانت تتلاعب بإجراءات التقاضي هربا من تنفيذ أحكام قضائية نهائية لصالح خصومها، ويكفي هنا التذكير بأن جريدة الشعب الناطقة بلسان حال حزب العمل ، صدر لصالحها أربعة عشر حكما قضائيا بعودتها، ومع ذلك رفض النظام تنفيذها، وكذلك فإن المئات من المعتقلين السياسيين صدر لصالحهم العشرات من الأحكام القضائية للإفراج عنهم، ومع ذلك ترفض وزارة الداخلية تلك الأحكام وتتجاهلها أو تتحايل عليها بإصدار مذكرات اعتقال جديدة بموجب قانون الطوارئ!
وإذا كانت الكنيسة ومدرسة الراهبات رفضتا تنفيذ أحكام قضائية، فإنه لا يحاسب عن ذلك إلا من استن هذه السنة التي أرست دولة "لي الذراع" حيث حلت فكرة "الاستقواء" بالدولة أو بالظروف الدولية الضاغطة محل القانون والقضاء.


http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=45640&Page=1&Part=5