المراجعات الفكرية ووسائل الإعلام


مدخل وتعليق:

المدخل

1 ـ في صباح الاثنين (29/9/2003م).. تم الإفراج عن (كرم زهدي) ، ومعه ألف عضو من أعضاء جماعته المقدر عددها بـ خمسين ألف، منهم 14 ألفاً في السجون، ومعه أيضاً أحد شيوخ الجماعة ويدعى (ممدوح على يوسف) الذي كان يقضى فترة العقوبة (12 عاماً) في قضية قتل رئيس مجلس الشعب المصري السابق د0 رفعت المحجوب !!.
وحين تم ذلك الإفراج لم يكن الأمر عادياً وكان يوماً فارقاً 00 لماذا ؟.

أولاً : يأتي الإفراج ليمثل بادرة ايجابية من الدولة للرد على سلسلة التحولات أو ما أسماه البعض بـ (التوبة السياسية) للجماعة عن منهج القتل والعنف والتكفير الذي ميز خطابها ، وسلوكها السياسي في الفترة السابقة لعام 1997 ذلك العام أعلنت فيه مبادرتها لإيقاف العنف من طرف واحد (5/6/1997) 00 كان أعضاء وقادة هذه الجماعة ينتظرون (إجابة) على سؤالهم ، الذي تمثل في تحولاتهم الجادة لإيقاف العنف ووضع مشروع فكرى وثائقي من 5 كتب منهم ثلاثة باسم تصحيح المفاهيم : المراجعات صدروا عام 2002 واثنان صدرا فور خروج كرم زهدي من السجن وهما (تفجيرات الرياض الأحكام والآثار وكتاب نهر الذكريات المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية) هذا فضلاً عن عدة حوارات داخلية ، أو مع الصحف (خاصة المصور ورئيس تحريرها نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد القريب من الأجهزة الرسمية) وكانت (الإجابة) هي الإفراج أوائل سبتمبر / أيلول عن ألف عضو (عادى) ثم تلاه في نهاية الشهر الإفراج عن اثنين من القادة هما (كرم) و(ممدوح) مع ألف عضو جديد ممن انتهت مدة اعتقالهم 0

ثانياً : من المتوقع أن يمثل هذا اليوم (29/9/2003) بداية جديدة في تاريخ الجماعة الإسلامية ، حيث الأمر في تقديرنا لن يقف عند حدود الإفراج عن كرم زهدي وممدوح يوسف ، بل سيتعداه – في تقديرنا – إلى باقي أعضاء مجلس شورى الجماعة (أو مَّن يسموا بالشيوخ التاريخيين) وهم [ أسامة حافظ – فؤاد الدواليبى – عاصم عبد الواحد – عصام الدين دربالة – ناجح إبراهيم – على الشريف – عبود الزمر – طارق الزمر ] ، فضلاً عن عدة مئات من القيادات الوسيطة والعادية ، والتي انتهت مدة أحكامها ، ولكنها معتقلة وفق قانون الطوارئ الذي يبيح (الاعتقال) دون محاكمة ودون إفراج حتى لو حكم القضاء بذلك ، مع خروج زهدي نتوقع أن تكر السبحة الأمنية لتخرج حباتها المعتقلة تباعاً في الأيام القادمة 0

ثالثاً : يأتي الإفراج عن كرم زهدي ليمثل علامة مهمة في طريقة التعامل الأمني / السياسي مع الجماعة فـ (كرم زهدي) كان معروفاً بتشدده بل بدوره التاريخي في الجماعة فهو قائد معركة أسيوط الشهيرة التي واكبت عملية اغتيال السادات (6/10/1981) وهى معركة سقط فيها 181 ضابطاً وجندياً من الشرطة بين قتيل وجريح وحين عجزت وزارة الداخلية عن إخمادها تم استقدام قوات الجيش التي نجحت في ذلك وتم اعتقال (كرم زهدي) والذي كان يخطط مع رفاقه للاستيلاء على الحكم من خلال تحرك عسكري مباشر من أسيوط (الجنوب) في نفس الوقت الذي يتحرك فيه رفاقه (محمد عبد السلام فرج – عبود الزمر وجماعتهم في الشمال) فور قيام خالد الاسلامبولي باغتيال السادات في ساحة العرض العسكري في الواحدة ظهر الثلاثاء 1981 إلا أن المعالجة الأمنية والمواجهة المسلحة كانت في غير صالحهم وألقى القبض على كرم زهدي وحكم عليه بـ 20 عاماً قضاها كاملة ، إلا انه ظل بالمعتقل عامين إضافيين وفق أحكام قانون الطوارئ الذي يطبق في مصر منذ 1981 ولايزال !!.
2ـ وفي يوم الأربعاء 17/12/1428 ھ - الموافق26/12/2007 م..نشرت وكالات الأنباء الخبر التالي..الجزيرة للأخبار :
(آخر تحديث) الساعة 1:04 (مكة المكرمة)، 22:04 (جرينتش)..
الأربعاء 17/12/1428 ھ - الموافق26/12/2007 م

اتفاق ضمني في مصر لإطلاق جميع معتقلي تنظيم الجهاد


أقرت السلطات الأمنية المصرية اتفاقا ضمنيا مع قيادات فصائل تنظيم الجهاد داخل السجون يقضي بالإفراج عن عشرة إلى خمسة عشر معتقلا منهم يوميا.
وقالت مصادر مطلعة إن الإفراج بدأ بعد عيد الأضحى المبارك مباشرة بإطلاق سراح 250 من قيادات وكوادر التنظيم.
ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى إطلاق سراح جميع عناصر تنظيم الجهاد المسجونين والذين يقدر عددهم بنحو أربعة آلاف بحلول شهر مارس/آذار المقبل، لكن الاتفاق لا يشمل من صدرت في حقهم أحكام بالإعدام أو المؤبد.
وكان مراسل الجزيرة في القاهرة ذكر الأحد الماضي أن الإفراج عن قيادات تنظيم الجهاد من السجون جاء بعد موافقتهم على المراجعات الفكرية والتخلي عن العنف.
وقالت مصادر قانونية للجزيرة حينها إن من بين المفرج عنهم هشام أباظة وشريف هزاع الذي اتهمته الولايات المتحدة في وقت سابق بأنه خليفة الزرقاوي في قيادة تنظيم القاعدة في العراق.

والغريب أنه بعد المراجعات الفكرية والتخلي عن العنف من قبل الجماعة وصل الأمر إلى أن عبود الزمر قد تقدم لترشيح نفسه لرياسة الجمهورية..
اقرأ الخبر المنشور في جريدة الشرق الأوسط على العنوان التالي:
http://www.asharqalawsat.com/details...article=306362 في حوارها مع الأستاذ ممدوح إسماعيل الأمين العام لرابطة المحامين الإسلاميين ومحامي عبود الزمر الذي رشح نفسه لرئاسة الجمهورية من خلف أسوار السجن حيث يقول :
(وحول برنامج الزمر للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية قال إنه « يتضمن عددا من الإصلاحات على المستويين السياسي والاقتصادي، تعبر عن الوسطية والاعتدال في إطار مرجعية إسلامية للمشكلات المعاصرة من خلال خمسين نقطة تدعو لتفعيل المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية ووقف العمل بكافة القوانين واللوائح التي تتعارض معها، وإيجاد حكومة منتخبة تلبي متطلبات التغيير التي يحتاجها المجتمع بما لا يخل بمبدأ العدل والمساواة والحرية وتكافؤ الفرص، وإدارة شؤون البلاد من خلال نظام برلماني منتخب يمثل السلطة التشريعية، وحكومة تفويض مسئولة أمام البرلمان وسلطة قضائية مستقلة ويعد الزمر في حال نجاحه بإلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين وإلغاء الإحالة إلى المحاكمات العسكرية وتعويض المتضررين عما لحق بهم من أضرار وتحقيق حد الكفاية للمواطنين وكذلك صياغة العقلية المصرية ثقافيا وفق الأهداف العليا للبلاد حفاظا على الهوية والذات الحضارية». )أھ. هذا هي الأخبار..فماذا عن التعليق عليها؟..

التعليق


يعلق الدكتور رفعت سيد أحمد (كاتب وباحث مصري – معد موسوعة وثائق الجماعات الإسلامية في مصر – مجلدان – الناشر: رياض الريس – لندن)0على قرار الإفراج الأول في (29/9/2003) بقوله :

إن الإفراج عن (القائد) أو(الأمير) يعنى أن (الملف) انتقل من حيزه (الأمني) إلى حيزه (السياسي)، وأن ثمة وعى وفهم قد طرأ على طريقة التعاطي الحكومي المصري مع هذه الجماعة، وان الأمر قد لا يقف عند حدود الإفراج ، بل سيتعداه إلى حيث السماح لهم بالعمل الاجتماعي (شبه السياسي) أو (الدعوى) المنضبط وفق معايير وضوابط سياسية مرسومة سلفاً0
وهذا الانتقال من (الأمني) إلى (السياسي) يأتي بعد إعلان (مبارك) في خطابه الأخير أمام المؤتمر السنوي للحزب الحاكم 28/9/2003عن نيته للإصلاح السياسي وتوسيع مساحة الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ويأتي أيضاً بعد أن اقتنعت القيادة السياسية للدولة أن المعالجات الأمنية لوحدها مع هذه (الجماعة) أو غيرها لم تعد مجدية وانه لابد من إعطائها (ضوء) ما في نهاية النفق، وإلا انقلب الأمر برمته إلى دورة جديدة من العنف والعنف المضاد.
إلا أن المثير للانتباه هنا هو أن الإفراج عن كرم زهدي وأعضاء الجماعة الإسلامية يأتي في أجواء تبدو معاكسة، ومضادة حيث الولايات المتحدة تصم كل ما هو إسلامي بالإرهاب وحيث غالب دول المنطقة تعانى هشاشة في الرؤى، والمواقف، وتبعية (بكماء) ـ إن جاز التوصيف ـ لكل ما تريده واشنطن، وحيث يزداد الحديث عن (القاعدة)،وبن لادن، والظواهري في أجواء مشحونة بالعداء لهم ولمن يوصف بأنه عن (جماعة) أو(حركة) إسلامية بما في ذلك تلك التي تدافع عن أرضها ضد الاحتلال وتقاوم وفق مشروع للتحرر الوطني (مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين)، في هذه الأجواء المعاكسة يأتي الإفراج عن قادة الجماعة الإسلامية المصرية وأعضاءها، وكأن الحكومة المصرية بشقيها (الأمني)) والسياسي) تسير عكس اتجاه الريح 0

فهل هذا الصحيح ؟ • في تقديرنا أن هذا غير صحيح فالإفراج عن قادة الجماعة وأعضاءها يأتي تلبية لـ (حاجة) مصرية خاصة ، ولقناعة رسمية بصدق تحولاتهم عن العنف ورغبتهم في العمل السلمي ؛ قبل أن يكون استجابة لاتجاهات هذه الريح أو تلك، وربما كان الموقف الرسمي هذا هو استباق ذكى لتفريغ تربة العنف من بذورها، وتجفيف، أكثر حنكة لمنابعه، تجفيف، ربما مل لغة القوة والسلاح والإرهاب الرسمي، واستبدلها بلغة أخرى أكثر فاعلية وتأثيراً ، وهو في ذلك يسير - في الفلسفة العامة - مع الريح (العالمية) وليس ضدها، يسير معها وان اختلفت الأساليب والطرق ! وفى رأى آخر هو (يسايرها) بتحصين نفسه من الداخل بدلاً من فتح جبهة واسعة من العنف، جربها فلم يقبض سوى عصف الريح، تحصين من الداخل بالاحتواء بديلاً عن الإقصاء والإلغاء بالدم 0

لكن 00 المفارقة الأهم هنا تأتى في أن الإفراج عن كرم زهدي – أمير(الجماعة) وألفين من أعضائها يأتي في نفس التوقيت تقريباً الذي يتم فيه تقديم قرابة الثلاثين عنصراً قيادياً من جماعة الإخوان المسلمين (الشهيرة بالاعتدال وعدم ممارسة العنف منذ نصف قرن تقريباً !!) إلى المحاكم العسكرية بتهمة العمل ضمن تنظيم سرى محظور (اسمه الإخوان المسلمين) وكان آخر هؤلاء (د0 جمال حشمت عضو مجلس الشعب السابق – د0 إبراهيم الزعفراني أمين نقابة الأطباء بالإسكندرية – مهندس على عبد الفتاح القيادي الإخواني البارز وغيرهم) 0

•المفارقة : تتمثل في الإفراج عن (متطرفين – وفقاً للوصف الأمني) أعلنوا التوبة عن تطرفهم وغلوهم، واعتقال (معتدلين) وزجهم إلى نفس السجن (ليمان طره) بل ربما وضعهم في نفس الزنازين التي كان يجلس فيه بالأمس كرم زهدي وجماعته ؟.

• ترى ما دلالة هذا ؟ يرى البعض أن ذلك يمثل استخداماً من الدولة (للجماعة) كعصا غليظة قادمة في وجه الإخوان وتوسعهم السياسي وتهديدهم الديمقراطي !! (أي من خلال استثمارهم للآليات الديمقراطية المتاحة للوصول إلى الحكم) للوصول إلى السلطة 0
وأن ثنائية أو مفارقة (الإفراج) و(الاعتقال) تأتى في هذا السياق، إلا أن الأصوب هو أن الدولة لها فلسفة قديمة في تعاملها مع الإخوان لم تتغير، سواء بالإفراج عن كرم زهدي أو باعتقاله وتقوم على سياسة الضربات(الوقائية) المبكرة ، حين تضرب العناصر الفاعلة في الإخوان بشكل دوري لمنع تراكم القوة السياسية والنقابية بل والبرلمانية لديهم ، ضربات وقائية تنطلق من قناعة مؤداها أن أجهزة الدولة في مصر (الأمنية والسياسية) ترى في الإخوان المنافس الأبرز في ظل موات سياسي واضح لأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وهنا تأتى الخشية من تنامي (القوة) لدى الإخوان، ورغم أن هذه النظرة ، تعد قاصرة بمعايير السياسة، والإستراتيجية إلا أنها في تقديرنا ظلت – وربما ستظل – حاكمة لفترة طويلة لسلوك الدولة مع الإخوان، سواء كان كرم زهدي حاضراً أو غائباً، وان كان حضوره الفعلي في العمل العام (الدعوى أو السياسي أو الاجتماعي) سوف يلقى بظلاله الواضحة على مناطق عديدة في مصر، أبرزها فريق العلمانيين من سياسيين ومثقفين بنوا شرعية وجودهم على العداء مع تيارات الإسلام السياسي وتحديداً الجماعة وما تمثله، بل بتوا مكاسبهم السياسية التي حصلوا عليها من النظام السياسي (مقاعد في البرلمان ومجلس الشورى ورئاسة صحف ومجالس وهيئات وغيرها) عليها، أو على جماعة الإخوان وباقي قوى التيار الإسلامي، سواء من الأحزاب والهيئات الموجودة أو المجمدة (مثل حزب العمل) بل وعلى علاقة الدولة بالولايات المتحدة، وإسرائيل والمنظومة الدولية والإقليمية، خاصة إذا ما فكر كرم زهدي وجماعته أن ينقل قناعاته الجديدة والتي ذكرها في كتابهم الأول من سلسلة (تصحيح المفاهيم – الصادرة عام 2002) كتاب (مبادرة إنهاء العنف رؤية شرعية ونظرة واقعية) : من أن " المعركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وليس مع الداخل !! " أن ينقلها من بين دفتي كتب (المراجعات) إلى دفتي الشارع !!..

• على أية حال إن تكلم (كرم) 00 أو (صمت) فسيظل يوم (29/9/2003) يوماً، فارقاً في حياته 00 وحياة جماعته00 وما علينا سوى الانتظار لنرى حجم ونوعية (الفوارق) في هذا (اليوم) وما يليه !! . ..
المرجع: منبر مراجعات فكرية ـ موقع يعنى بالمراجعات الفكرية في سبيل وعي إسلامي ووحدة منهجية في القضايا المعاصرة.
بعنوان :ماذا بعد إطلاق أمير ( الجماعة ) في مصر .. دلالات ومستقبل (التوبة) السياسية للجماعة الإسلامية ـ بقلم / د. رفعت سيد أحمد.