ولسوف نناقش ما جاء في " وثيقة رابطة الدفاع اليهودية " .
وعندما نناقش "حجج" ودعاوى هذا المأفون لعنة الله عليه حول قضية القدس، يجب أن نتجرد من منطق صاحب الحق الذي يخاطب ذاته، فنتحدث بالمنطق الموضوعي العلمي الذي يفند " حجج " الخصوم، بمنطق هؤلاء الخصوم، وبلغة العلم وعقلانية الفكر وليس بالعواطف، أو حتى بمأثوراتنا الدينية الخاصة والتي لا يؤمن بها الآخرون.
فإذا قالوا: لقد عاش وحكم في القدس داود وسليمان عليهما السلام وفيها بنى سليمان هيكلاً لليهود، فسنقول لهم : نعم !! لكن هذا لا يقيم علاقة بين اليهودية والقدس، وذلك لعديد من الأسباب التاريخية والمنطقية والواقعية منها:
1 . أن داود وسليمان – بمنطق اليهود واليهودية – هم من " الملوك " وليسوا من " الرسل والأنبياء " ومن ثم فإقامتهم في القدس وعلاقتهم بها هي علاقة الاستيلاء السياسي والحربي ، وليست علاقة دينية بين القدس وبين اليهود كدين .
2 . وأن علاقة داود وسليمان بالقدس، كانت ـ بالنسبة لعمر القدس، الذي يبلغ الآن ستة آلاف عام ـ علاقة عارضة وطارئة، وسريعة الزوال، فهي قد بدأت في القرن العاشر قبل الميلاد، بعد أن كان عمر القدس قد بلغ قبل الميلاد بأربعة آلاف عام ولم تدم العلاقة بين داود وسليمان، بل وبين كل العبرانيين وبين القدس وفلسطين أكثر من 415 عاماً .
فهل يؤسس ذلك لليهود حقاً " وطنيا وسياسيا وسياديا " دائماً في القدس وفلسطين ؟.
لقد أقام العرب المسلمون وحكموا في الأندلس ثمانية قرون، وبنوا فيها المساجد التي لا تزال قائمة حتى الآن، فهل يرتب ذلك لهم في إسبانيا والبرتغال حقوقاً ( وطنية .. وسياسية .. وسيادية ) ؟.
ولقد أقام الإسكندر المقدوني ( 256 – 324 ق.م. ) في مصر وغيرها من بلاد الشرق مدنا ومعابد وإمبراطورية دام حكمها وحكم خلفائه فيها قرابة العشرة قرون ـ من القرن الرابع قبل الميلاد إلى الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي ـ فهل يرتب ذلك للشعب المقدوني أو الإغريقي أو الروماني ـ أو لهم جميعاً ـ في مصر والمشرق حقوقاً ( وطنية .. وسيادية .. وسياسية ) ؟.
وقبل الإسكندر دخلت كثير من بلاد الشرق تحت حكم" قمبيز" (529 – 521 ق.م.)الفارسي، وفيها بني المعابد والهياكل والقلاع .
وقبل " قمبيز " حكم الفراعنة – قرونا متطاولة – أغلب هذه الأقطار، وأقاموا فيها المعابد وتركوا فيها الآثار، فهل يطالب أهل مصر، أو أهل فارس بالسيادة الوطنية والسياسية على تلك البلاد ؟؟ ...
ومن المناسب هنا أن أنقل من كتاب " اليهود تاريخ وعقيدة " للدكتور كامل سعفان ص 116، 117 هذا الحوار الذي دار بين المستشرق اليهودي " ليوبولد فايس " الذي أسلم وتسمى باسم " محمد أسد " وبين " حاييم وايزمان " رئيس المنظمة الصهيونية .
يقول الدكتور سعفان:
( التقيا – أي ليوبولد فايس وحاييم وايزمان – في بيت صديق يهودي أيضا بفلسطين ، سنة 1922 قبل أن يسلم " فايس " بأربع سنوات .
قال فايس : كيف تأملون أن تجعلوا من فلسطين وطنا لكم في وجه مقاومة عنيفة من العرب الذين هم على أي حال أكثرية أهل البلاد ؟.
هز الزعيم الصهيوني كتفيه وأجاب بجفاء، إننا نتوقع ألا يكونوا أكثرية في سنين قلائل .
قال فايس : بغض النظـر عن الصعوبات السياسية التي قد تنجم عن مقاومة العرب ، ألا تجد في نفسك اهتماماً بالناحية الإنسانية والخلقية في هذه القضية ؟ ألا ترى في طرد أناس من بلادهم – التي لم يزالوا يسكنونها منذ القدم – فعلاً خاطئا من جانبكم ؟.
أجاب وايزمان: لكنها بلادنا نحن ، وإننا لا نعدو بذلك استرداد ما كان أخذ منا بغير وجه حق.
قال فايس : غير أنكم ما زلتم بعيدين عن فلسطين طوال ألفي سنة تقريباً ، وقبل ذلك كانت مدة حكمكم للبلاد أقل من خمسمائة سنة ، لم تشملها كلها إلا في فترة وجيزة ، أقلا ترى أن العرب يحق لهم بهذا المنطق المطالبة بإسبانيا ، إذ حكموها سبعمائة سنة تقريباً ، ولم تدل دولتهم فيها نهائياً إلا منذ خمسمائة سنة فقط ؟.
هنا بدأ الدكتور وايزمان كأنما ضاق ذرعاً بصديقه فايس وقال : محال ، إنما غزا العرب إسبانيا ، ولم تكن موطنا لهم من قبل ، ولقد كان وجه الحق أن يخرجهم الإسبان منها ..
قال فايس : عفوك يا دكتور، يبدو لي أن هناك خطأ تاريخي إن العبرانيين على أي حال قدموا فلسطين غزاة أيضاً، ولقد توطن فيها لعصور خلت قبائل سامية كثيرة، منهم الآموريون والآدوميون والفلسطينيون والموآبيون والحيثيون وقد ظلت هذه القبائل مقيمة في فلسطين، حتى في أيام مملكتي إسرائيل ويهوذا ولم يزالوا كذلك إلى ما بعد طرد الرومان أسلافنا من هذه الديار، وهم أولاء يعمرونها حتى يومنا هذا، إن العرب الذين أقاموا في سوريا وفلسطين، بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، إنما كانوا أقلية ضئيلة في السكان أما البقية الذين يطلق عليهم (العرب السوريون) أو (الفلسطينيون) إنما هم في الحقيقة المستعربون من سكان البلاد (الأصليين) بمعنى أنهم توطنوا البلاد حتى من قبل العبرانيين .
لم يملك وايزمان – بعد هذا – إلا أن يبتسم ، وأدار بلباقة دفة الحديث إلى موضوعات أخرى ...) أ ﻫ.
وقد تفسر ابتسامة " وايزمان " بالسخرية من اتخاذ المنطق التاريخي وسيلة لدحض واقع يتحرك على الأرض العربية مزوداً بفأس وبندقية، وغدا تتحرك فيه أحدث الآلات الزراعية والصناعية والعسكرية ، وتصب فيه المعونات الأوروبية والأمريكية والمال العربي الذي يملأ خزائن أوربا وأمريكا.
وغداً يتحدث رئيس وزراء إسرائيل " ..... " – أي رئيس وزراء إسرائيل– عن إنشاء إمبراطورية إسرائيلية وتظل الحدود الإسرائيلية تتسع كما يقول سفر التكوين ( من نهر مصر إلى النهر الكبير ، نهر الفرات )..
ومن ثم لا يعلن دستور لهذه الدولة حتى يترك المجال مفتوحاً أمام التوسع اللانهائي، لأن الدستور الرسمي يتطلب رسماً دقيقاً للحدود.
كما تقول وثيقة " رابطة الدفاع اليهودية " :
" إن القدس هي أعظم مدينة دينية بالنسبة لليهود ".. ومن هذا المنطلق كانت القدس هي العاصمة الموحدة الأبدية لإسرائيل ..
والسؤال الآن، هل حقاً تمثل القدس أعظم مدينة بالنسبة لليهود كما تقول رابطة الدفاع اليهودية ؟ وهل هي شعار الوطن اليهودي كما يقول بابا الفاتيكان ؟ وهل هي الوطن الروحي لليهود كما يقول الكونجرس الأمريكي ؟وهل وهل وهل ... وماذا عن إسلامية القدس :
يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه " القدس بين اليهودية والإسلام " ص 30 – ص 34 :(... وبنفس هذا المنطق نناقش (الشبهة) التي تثيرها " وثيقة " رابطة الدفاع اليهودية والتي تشكل بها في قيام علاقة جديدة بين القدس وبين الإسلام ، ورسول الإسلام ، والثقافة الإسلامية .. وذلك عندما تقول :
" إن دور القدس في الإسلام يأتي في مرتبة ثالثة بعد مكة والمدينة .. والقدس ليست قبلة المسلمين في الصلاة، ولم تذكر باسمها مرة واحدة في القرآن ولا تذكر على الإطلاق في صلوات المسلمين، وهي ليست مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالأحداث التي جرت في حياة الرسول، ولم تتحول القدس في يوم من الأيام إلى مركز ثقافي إسلامي، أو عاصمة لدولة إسلامية "، وما جاء في آية سورة الإسراء:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{1}) الإسراء :1.
تقول عنه " وثيقة " رابطة الدفاع اليهودية إنه " مجرد تفسير أموي " لا يعني القدس، فلم يكن هناك يوم نزلت هذه الآية – سنة 621 م – مسجد في القدس اسمه ( المسجد الأقصى )، لأن هذا المسجد قد بني في العهد الأموي، تلك هي دعاوى اليهود التي تنفي وجود علاقة بين الإسلام وبين القدس وبين الثقافة الإسلامية والدولة الإسلامية وبين القدس ..
وفي الرد على هذه الدعاوى ، وتفنيدها.. نقول ـ المتحدث هو الدكتور عمارة ـ :
1ـ إذا كان الحديث النبوي الشريف يجعل القدس ثالث الحرمين – بعد مكة والمدينة – فإنه يجعلها أولى القبلتين ، أي يقدمها – في الترتيب التاريخي كقبلة للمسلمين – على مكة المكرمة والكعبة المشرفة ، لقد صلى إليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة عشر عاماً ، ثم توجه إلى الكعبة بالصلاة قبل وفاته بثماني سنوات .
ثم أن السنة النبوية قد جعلت القدس على قدم المساواة مع مكة والمدينة في الاختصاص بشد الرحال، أي السفر للصلاة في مساجدها الجامعة.. الحرم المكي..والحرم المدني..والحرم القدسي - فهي – القدس – المقدمة – تاريخياً – كقبلة إسلامية لصلاة المسلمين، وهي المساوية لمكة والمدينة في شد الرحال إليها للصلاة .. لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى .. ومسجدي هذا ) – رواه البخاري ومسلم .
2ـ وعبارة ( المسجد الأقصى ) في آية سورة الإسراء تعني " مدينة القدس " كل القدس ، ولا تعني " المسجد " بمعنى البناء المعماري " للجامع " ، فلم يكن هذا البناء – الجامع – قائما بالقدس سنة 621م ليلة الإسراء ، وكذلك عبارة (المسجد الحرام ) في هذه الآية ، تعنى مكة – كل مكة – ولا تقتصر على الكعبة والمسجد الحرام ، فرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما أسرى به لم يكن ساكنا ولا نائماً في المسجد الحرام (الجامع) وإنما كان في مكة ، فالإسراء به قد تم من ( المسجد الحرام) – أي مكة – إلى ( المسجد الأقصى ) – أي القدس – وفي ذلك دلالة على اعتبار القرآن كل مكة مسجداً حراماً – أي حرماً مكياً – وكل القدس مسجداً أقصى – أي حرماً قدسياً .
3ـ ويزكى هذه الحقيقة ويشهد لها وعليها وبها أن المسلمين ومنذ فجر الإسلام قد عاملوا القدس، كمكة معاملة الحرم الشريف، ومن مميزات وامتيازات الحرم في الإسلام تنزيهه بتحريم القتال وسفك الدماء فيه. وعندما فتح المسلمون – بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة سنة 8 ﻫ. حرصوا على فتحها سلماً دون قتال لأن الحرم لا يجوز فيه القتال وهم قد صنعوا ذلك مع القدس عندما فتحوها سنة 15ﻫ. (636م) فلقد حاصروها حتى صالح أهلها على فتحها سلماً وتفردت مكة والقدس بذلك دون جميع المدن التي فتحها المسلمون، وكما تسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الفتح، تفردت القدس – دون كل مدن الفتوحات الإسلامية – بأن استلامها كان من اختصاص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وليس من قبل قائد الجيش الفاتح، رغم أن هذا القائد كان هو أمين الأمة الإسلامية أبو عبيده بن الجراح .
هذا عن القدس ومكانتها بالنسبة لمكة والمدينة – ما زال المتحدث هو الدكتور محمد عمارة – وعن ذكرها في القرآن الكريم .
أما دعوى أن القدس لا تذكر في صلاة المسلمين ، فهي قد تهاوت عندما ثبت أن المراد بـ
(المسجد الأقصى) في سورة الإسراء – وهي التي يصلى بها المسلمون في صلواتهم على امتداد أقطار الأرض وأناء الليل وأطراف النهار – هو مدينة القدس الشريف كما أن آيات المعراج – في سورة النجم 13/18 – والتي يتعبد بها المسلمون في الصلاة وغير الصلاة إنما تذكرهم بالمعراج من القدس الشريف .
وإذا كان الإسراء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حدث من مكة إلى القدس ، وإذا كان معراجه قد تم من القدس ، فهل يجوز – بعد ذلك – أن تدعى " وثيقة " رابطة الدفاع اليهودية أن القدس " ليست مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالأحداث التي جرت في حياة الرسول " ؟ ! .
إن هذا الإسراء هو إحدى معجزات رسول الإسلام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتباط القدس بمكة في هذه المعجزة هو – بتعبير القرآن الكريم – آية من آيات الله ، كما أن المعراج من القدس، هو الآخر، إحدى معجزات الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكيف يكون وأين يكون الارتباط المباشر بحياة الرسول إذا لم يكن هذا هو الارتباط ؟! .
لكل ذلك، غدت الرابطة بين القدس ومكة عقيدة دينية إسلامية وآية تتلى في القرآن الكريم وترسل في الصلوات الإسلامية ، ومعجزة من معجزات الرسالة الإسلامية ، وواحدة من عقائد الجهاد الإسلامي، تحدث عنها صلاح الدين الأيوبي ( 532 – 589 ﻫ. / 1137-1193 م ) في رسالته إلى " ريتشارد قلب الأسد " ( 1189 – 1199م ) – إبان الحروب الصليبية – فقال عن القدس : " من القدس عرج نبينا إلى السماء، وفي القدس تجتمع الملائكة لا تفكر بأنه يمكن لنا أن نتخلى عنها أبداً كما لا يمكن بحال أن نتخلى عن حقوقنا فيها كأمة مسلمة ، ولن يمكنكم الله أن تشيدوا حجراً واحداً في هذه الأرض طالما استمر الجهاد " 10 ﻫ.
هذا هو مقام القدس في عقيدة الإسلام والمسلمين، وموقعها في التاريخ الإسلامي والتاريخ اليهودي ومكانتها في الدولة الإسلامية ..وعليه فإننا يجب أن نتعامل معها في هذا الطور من أطوار الصراع التاريخي حولها وعليها ، باعتبارها أكثر من قطعة أرض وأعظم من مدينة ، وأهم من عاصمة للدولة الفلسطينية وأخطر من كونها قلب الصراع العربي الصهيوني ، إنها كل ذلك وأكثر من ذلك، إنها جزء من عقيدة أمة يبلغ تعدادها ملياراً وثلث المليار، وليست مجرد قضية وطنية لثمانية ملايين من الفلسطينيين ولا مجرد مشكلة قومية لأقل من ثلاثمائة مليون عربي ، إنها عاصمة الأمة الإسلامية .. ومحور الصراع العربي الصهيوني ، وفوق كل ذلك ، إنها عقيدة إسلامية وحرم مقدس، والرباط بينها وبين الحرم المكي هو التجسيد لعقيدة وحدة دين الله التي جاء بها الإسلام فإسلامية القدس وإسلامية موقفنا في الصراع حولها يضيف للإمكانات الوطنية الفلسطينية والطاقات القومية العربية ولا ينتقص منها، بل إن هذه الإسلامية لقضية القدس هي في مصلحة سائر أصحاب المقدسات من سائر المتدينين بالديانات الأخرى .
وفي خطبته في ذكرى الإسراء والمعراج يقول الدكتور العلامة يوسف القرضاوي نقلاً عن كتاب " خطب الشيخ القرضاوي الجزء الأول إعداد الشيخ خالد السعد ص 200 ما نصه : (... وكذلك بقي لنا من الإسراء شيء مهم هو الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى .. ربط الله بينهما في كتابه في هذه الآية الكريمة التي بدئت بها سورة الإسراء ، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين ولا يفرط في واحد منهما فإنه إذا فرط في أحدهما أوشك أن يفرط في الآخر. إذا تركنا المسجد الأقصى تأخذه ( اليهود ) ويعبث به (اليهود) ويعمل على تهديمه (اليهود) ليقيموا مكانه (هيكل سليمان ) .
إذا فرطنا في المسجد الأقصى، فلا يبعد أن نفرط يوماً في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولليهود أطماع في المدينة المنورة، حيث كان هناك بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير.
لهم أطماع في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تستبعدوا شيئاً، كنا نستبعد ما وقع الآن.. حتى وقع .. كل ما نراه الآن ، كان عندنا قديماً شبه مستحيل ولكن الأجيال التي تنشأ اليوم على ما تراه ، أصبح هذا الأمر واقعاً عندها لا تستبعدوا شيئاً إذا نحن غفلنا وفرطنا.
ربط الله بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، حتى لا تهون عندنا حرمة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ، وإذا كان قد بارك حوله، فما بالكم بالمباركة له هو؟.. إذا كان ما حوله مباركاً ، الأرض التي حوله كلها مباركة ، أرض النبوات..أرض الذكريات.. وصفها الله في القرآن الكريم في جملة مواضع ، كما قال عز وجل في إبراهيم ( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ{71}) الأنبياء /71 .
إنها أرض النبوات الأرض التي رواها الصحابة والتابعون بدمائهم وسقط فيها الشهداء لا ينبغي للمسلمين أن يفرطوا فيها أو يضيعوها ..
مما نتعلمه من رحلة الإسراء والمعراج، أن الله قد ربط بين المسجدين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
المسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها كما جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه :
[ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ – أي للصلاة فيها قصداً كل المساجد بعد ذلك تتساوى – مَسْجِدِي هَذَا ـ أي مسجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ] حديث صحيح رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ، ورواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد ورواه ابن ماجه عن ابن عمرو.
فعلينا أيها المسلمون، أن نتذكر قضية المسجد الأقصى ولا ننساها، لا ينبغي أن يصبح الأمر الواقع مفروضاً علينا، ونتقبل هذا بهزيمة نفسية منكرة ويصبح اليهود سادة المسجد الأقصى وسادة أرض النبوات .
إن علينا أن نجاهد، حتى نسترد هذا المسجد، حتى نسترد القدس الشريف حتى نسترد الأرض التي بارك الله فيها للعالمين ، وهي أرض الإسلام وهي جزء من دار الإسلام ، ووطن الإسلام، لا يجوز لأحد أن يفرط فيه أو يبيعه أو يخونه.(كأنما الشيخ يشير إلى موقف السلطان عبد الحميد الثاني) حتى لو أن الفلسطينيين أنفسهم تخلوا عن هذا الوطن الإسلامي، عن هذه الأرض المقدسة ، لوجب على المسلمين أن يدافعوا عنها، لأن هذه الأرض المباركة ليست أرض الفلسطينيين وحدهم، ولا أرض الأردنيين وحدهم ولا أرض العرب وحدهم، ولا أرض المسلمين المعاصرين وحدهم بل هي أرض الإسلام أرض الأمة الإسلامية في مختلف أجيالها ، فلو أن هذا الجيل فرط ، أو ضيع أو خان، فإن الأجيال التالية ستلعنه ، وستحاول أن تتدارك ما فات ، ولا بد أن يأتي يوم يقاتل المسلمون فيه عن إيمان ويقين .
أكتفي بهذا القدر وللمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتابي [ زوال الدولة العبرانية حقيقة قرآنية ]..
على الروابط التالية: http://www.4shared.com/file/29475730...ified=8c80bf38
قالوا: القدس عاصمة أبدية موحدة لدولة إسرائيل.. فهل القدس مدينة أم مدن؟..
قبل الاحتلال البريطاني البغيض لفلسطين (سنة 1917م) لم تكن هناك سوى قدس واحدة، هي تلك التي تحيط بها أسوار سليمان القانوني التي بناها السلطان الكبير في منتصف القرن العاشر الهجري، إضافة إلى مجموعة من الأحياء أقامها العثمانيون خارج سور القدس في الشمال والشرق والجنوب، مثل حي الشيخ جراح في الشرق، وحي المسعودية في الشمال…
وفي أثناء الاحتلال البريطاني تلاعب المندوبون الساميون بالحدود البلدية للمدينة المباركة، فركَّز رسمهم لحدود بلدية القدس على التوسع جهة الغرب عدة كيلومترات حيث الكثافة السكانية لليهود أعلى، أما في الجنوب والشرق حيث السكان عرب فلم يتجاوز الامتداد بضع مئات من الأمتار، فمُنعت قرى عربية كبيرة من الدخول ضمن الحدود البلدية للقدس، وهي قرى: الطور ودير ياسين، وسلوان والعيسوية، والمالحة، وبيت صفافا وشُعفاط، ولَفتا، وعين كارم ..
هنا ظهرت القدس كمدن عدّة لا كمدينة مسلمة واحدة كما هو المعتاد :
فـ :
1ـ " القدس القديمة " أو العتيقة هي تلك الموجودة داخل سور سليمان القـانوني ومساحتها 8.71 دونم (الدونم = 1000م2)، وطول السور 4.20كم، وتقوم على أربعة جبال هي: جبل الموريا وجبل صهيون وجبل أكرا، وجبل بزيتا .
ويوجد الحرم القدسي الشريف في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبل الموريا.
2ـ و" القدس الشرقية " هي نفسها القدس القديمة مضافًا إليها الأحياء التي زادها المسلمون خارج السور، مثل حي الشيخ جراح، وحي باب الساهرة وحي وادي الجوز.
وقد ظهر هذا المصطلح مع احتدام الصراع بين المسلمين واليهود قبل قيام الكيان الصهيوني، فقد تركز العرب في شرق المدينة بأغلبية كبيرة ، في حين تركز اليهود بأغلبية ساحقة في غربها ، فسُمِّي القسم الشرقي بـ " القدس الشرقية "، وأُطلق على الجانب الغربي اسم "القدس الغربية " .
3ـ و" القدس الغربية "هي القدس الجديدة التي نشأت في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين ، لتستوعب الهجرات اليهودية المتتالية ، وقد اتسعت اتساعًا كبيرًا، وضمها البريطانيون إلى الحدود البلدية للقدس عام 1946م فصارت مساحة القدس كلها 19000كم2، أي أكثر من عشرين ضعفًا من القدس العتيقة .
4ـ و" القدس الموحدة "مصطلح يستعمله اليهود دلالة على القدسين معًا (الشرقية والغربية) لأن المدينة انقسمت عقب حرب سنة 1948م ، فسيطر الصهاينة على الجانب الغربي منها، واحتفظ الجيش الأردني بقيادة عبد الله التل ـ رحمه الله ـ بالجانب الشرقي وحين سيطر اليهود على القدس كلها يوم 7 يونيو سنة 1967م وحَّدوا المدينة وأصرّوا على فكرة "القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل"..!!.
5ـ و" القدس الكبرى " هي القدس الموسَّعة التي يحاول الصهاينة بها صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية ، فتبدو الأغلبية السكانية اليهودية كاسحة ، وتصبح مساحة الأرض التي يسيطر عليها العرب صغيرة جدًّا بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود.
ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة وفصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور، لإجبار العرب على معيشة صعبة تذوب هويتهم معها، أو يضطرون إلى الهجرة من بيوتهم وأوطانهم .
على أية حال ، فإن القدس بقديمها وجديدها، شرقها وغربها، مدينة عربية إسلامية، فاليهود حينما وسَّعوها لم يأتوا بأرض من عندهم، وإنما اقتطعوا التوسع من مناطق أخرى من فلسطين المحتلة، التي نزلوا بها ضيوفًا في زمن بعيد، وعاشوا أعزة ، ثم دار الزمن دورته، فعادوا يقولون: أورشليم هي بلدنا وبلد أجدادنا
!!.
المسجد الأقصى
إضافة إلى السور الذي يحيط بالقدس العتيقة هناك سور تاريخي آخر في المدينة هو سـور الحرم القدسي الواقع فوق جبل الموريا في الجنوب الشرقي للقدس العتيقة ، ويبلغ طول الضلع الغربي للسور 490م ، والشرقي 474م والشمالي 321م ، والجنوبي 283م ..
ويضم الحرم داخل أسواره لا بناءً واحدًا ، بل عددًا كبيرًا من الأبنية الإسلامية أشهرها قبة الصخرة .
والمصطلح التاريخي " المسجد الأقصى" إذا أُطلق مقصودًا به العموم (كما كان يفعل أسلافنا قبل قرون) ، فهو كل هذا الحرم القدسي الواقع داخل السور. ولذا فإن مسجد قبة الصخرة جزء من المسجد الأقصى، ومسجد عمر الذي بناه أمير المؤمنين عند فتح المدينة وجدّده "عبد الملك بن مروان " فيما بعد هو أيضًا جزء من المسجد الأقصى، وأهمية بيان هذه المسألة أنها تحدد البقعة التي يُضاعَف أجر الصلاة فيها، فيكون بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجدين الحرام والنبوي الشريف، فالمضاعفة تشمل أرض الحرم كلها، وليست خاصة بمسجد عمر ومسجد قبة الصخرة .
غير أن البعض يطلق اسم "المسجد الأقصى" على مسجد قبة الصخرة ذي القبة الذهبية اللامعة ويظن أُناس أن هذا خطأ "فادح"، ومحاولةٌ لتزوير تاريخ المسلمين وآثارهم، وما هو بالخطأ الفادح ولا شيء، فالذي يجيز أن نطلق على مسجد عمرـ وهو جزء من الحرم الأقصى ـ اسم "الأقصى" ، ليس له أن يمانع في إطلاق هذا الاسم على مسجد قبة الصخرة ـ وهو الآخر جزء من الحرم ـ وإن كان الأولى والأفضل أن نحتفظ لكل موضع من هذه الثلاثة باسمه ، حتى نعرف جيدًا الأحكام الشرعية ذات العلاقة بالمسجد المبارك.
ولكنه الخبث اليهودي الذي يحاول أن يثبت في الأذهان أن مسجد قبة الصخرة هو المسجد الأقصى فقط...
وأخيرًا هناك في القدس مسجد يُسمَّى "المسجد العمري"، يختلف تمامًا عن مسجد عمر الموجود ضمن أرض الحرم، فالثاني بناه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ أوائل القرن الأول الهجري، وجدده الأمويون والعباسيون ومَن بعدهم، وتبلغ مساحته الآن من الداخل أربعة آلاف وأربعمائة متر، وأما المسجد العمري، فقد بناه الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي سنة 569ﻫ في الموضع الذي صلَّى فيه عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَُ حين رفض أن يصلي داخل كنيسة القيامة .
تاريخ العرب في القدس
واليك بياناً تفصيلياً بالأمم التي حكمت القدس على مدى خمسة آلاف سنة :
- اليبوسيون والكنعانيون العرب 1250 سنة قبل الميلاد
- الـهــــــــكـسوس 150 سنة قبل الميلاد
الفلسطينيون 121 سنة قبل الميلاد
الفراعنة 200 سنة قبل الميلاد
الفلسطينيون 229 سنة قبل الميلاد
بنو إسرائيل 329 سنة قبل الميلاد
الآشوريون 8 سنة قبل الميلاد
بنو إسرائيل 126 سنة قبل الميلاد
البابليون 49 سنة قبل الميلاد
الفرس 206 سنة قبل الميلاد
اليونان 166 سنة قبل الميلاد
المكابيون 103 سنة قبل الميلاد
الرومان 398 سنة بعد الميلاد
البيزنطيون 389 سنة بعد الميلاد
الحكم الإسلامي 464 سنة بعد الميلاد
الصليبيون 88 سنة بعد الميلاد
الحكم الإسلامي 731 سنة بعد الميلاد
الإستعمار البريطاني 30 سنة بعد الميلاد
المجموع 4937 سنة
-
فلو جمعنا سنوات الحكم لأشهر الأمم لوجدناها كالتالي :
العرب والمسلمون 2445 سنة
بنو إسرائـــيل 455 سنة
الرومـــــان 398 سنة
الفلسطينيـــون 350 سنة
البيزنطـــيون 296 سنة
الفـــــرس 206 سنة
الفراعـــنة 200 سنة
الإجمــالــي 4350 سنة
إذن فالقدس عربية إسلامية وليست إسرائيلية أو رومانية أو بيزنطية أو فارسية أو فرعونية أو حتى( فلسطينية ).. فالعرب والمسلمون الذين دام حكمهم للقدس لمدة 2445 سنة يجد بنو إسرائيل والذين دام حكمهم فيها لمدة 455 سنة فقط أنهم أحق بها ـ أي القدس ـ منهم ـ أي العرب ـ وهاهي مدينة السلام في أيدي اليهود أحفاد القردة والخنازير.. والتي لم تشهد سلاماً أبداً إلا تحت الحكم الإسلامي.. ..
ومما لا شك فيه أن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تسعى في ظل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد إلى تحقيق جملة من أهدافها الذاتية في المنطقة العربية والإسلامية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال فرض الهيمنة والسيطرة الصهيونية وتوسيع نفوذها من خلال الاعتراف الفلسطيني والعربي والإسلامي بالدولة اليهودية والإقرار بوجودها على أنها حقيقة واقعة وجزء لا يتجزأ من منطقتنا ، مما يحمل في طياته العديد من التحديات والتي في مقدمتها التحدي الحضاري والاجتماعي والسياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي و .. تمزيق العالم العربي والإسلامي واستغلاله وإذلاله ..
ولهذا تهدف خطواتها العملية المتقدمة إلى إيصال أمتنا إلى حالة من الانهيار الكامل والشامل في مواجهة عدوها وذلك من خلال إجبارها على أن تعيش حالة الغيبوبة القسرية، أو ما يعرف ( بموت الدماغ ) حتى يصبح الورم السرطاني الخبيث الذي زرعته في منطقتنا جزءاً من جسمنا .. وفي ظل هذا الواقع ، فإن جميع الأحزاب السياسية والدينية في الدولة اليهودية اليوم متفقة حول موقفها من مدينة القدس بصفتها (عاصمة أبدية موحدة) لدولتهم ، كما يسعى العدو الصهيوني جاهداً إلى تقزيم قضية القدس وتمييعها بل وإخراجها من محتواها وإطارها الصحيح وذلك من خلال تحويل الأنظار عن موضع القدس، وإضعاف المطالبة بالحقوق الشرعية والثابتة في القدس بإيجاد الانقسامات داخل الصف العربي والإسلامي والتي تؤدي في محصلتها النهائية إلى تعزيز الخلافات الداخلية من جانب، وزيادة التقارب مع العدو من جانب آخر، وهذا ما أوضحه " اسحق رابين " في 28/7/1994م عندما عاد وأكد أن مدينة القدس هي العاصمة الأبدية لدولته، وأنها ستبقى كذلك (موحدة ) تحت السيطرة الصهيونية وسيادتها إلى ( الأبد ).
وقال: ولأن القدس تضم أماكن مقدسة إسلامية ومسيحية يجب أن تكون مفتوحة للزيارة ولممارسة الشعائر الدينية فيها، وعلى العالم الإسلامي أن يبت في (موضوع) إدارة مقدساتها.
وفي المقابل فحالة التفكك والتجزئة والتشرذم التي تعيشها تلك الدول والخلاف والمشاحنات بين بعض قادتها، قد انعكست سلباً على قضية القدس واكتفى البعض بالإعلان عن رغبته في إدارة المقدسات الإسلامية في القدس ورعايتها .
وهكذا نجح العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه تجاه قضية القدس عندما بدأت بعض الأطراف العربية تتشاجر قيادتها فيما بينها على فرو الدب قبل صيده ، وقامت بتقزيم قضية القدس إلى قضية (أماكن) مقدسة يقوم نزاع حول كيفية إدارتها، وفي ظل علاقات القوة غير المتكافئة بين القوى المنتصر، والضعيف المهزوم، فإن النظام العربي في مجمله ليس منقسماً وممزقاً فحسب، بل أنه قد أعلن بصورة علنية واضحة هزيمته عندما سلم بوجود العدو الصهيوني في قلبه واعترافه به، بل وتزاحمه ـ المنقطع النظير ـ للتقارب معه، وتسابقه لإقامة علاقات طبيعية مع ذلك المحتل الغاصب وبالتالي التعايش ـ أو الدعوة للتعايش ـ مع هذا الورم السرطاني، بدلاً من العمل على استئصاله وهذا بلا شك مخالف للفهم العلمي للتعامل مع مثل هذا المرض الخبيث .
وفي المقابل ماذا فعلت السلطة الفلسطينية ؟ ..
دع عنك الدول العربية؟..ماذا فعلت السلطة الفلسطينية؟..
هذا هو السؤال الخطأ ومن ثم فأي إجابة عليه ستكون بالمثل خطأ..
فالقدس يا أخواني مرة أخرى أعود وأكرر.. ليست مدينة فلسطينية ..إنها لم تكن في يوم من الأيام مدينة فلسطينية..ولم تكن في يوم من الأيام مدينة إسرائيلية..
أعود وأكرر ألف مرة:
ليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس...
وكما سبق ذكره، لا يمكن أن تستحيل القدس إلى أن تكون محض موقع وعاصمة، فهي ليست برلين يمكن أن تحل محلها بون في الضمير الألماني.. وهي ليست إستانبول يمكن أن تحل محلها أنقرة في الضمير التركي، ولكنها القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل. القدس بغير بديل.
كانت ومازالت مدينة عربية وبعد زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها.. أصبحت مدينة إسلامية عربية.. وهنا تكمن حقيقة الصراع ...
خرائط الانتشار الإسرائيلي أحرجت السلطة الفلسطينية :
على خلاف ما كان يراهن الجانب الفلسطيني.. فقد استثنت إسرائيل نهائيًا كل القرى المحيطة بالقدس من المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الثانية. فقد صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغَّر على الخرائط التي أعدها الجيش الإسرائيلي والمتعلقة بتحديد المناطق التي سيتم فيها إعادة الانتشار، ولم يتم إدراج بلدة (أبو ديس) أو أي قرية من قرى القدس في هذه المرحلة ليكون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ـ إيهود باراك ـ بذلك قد وفَّى بوعوده للجناح اليميني في حكومته.ولولا الحياء لأخبرتكم كيف كان سبيله للوصول لرئاسة الوزراء..وكل من له أدني إلمام بالسياسة يعرف كيف تم له ذلك..يكفي أن تعرف إنه شاذ جنسياً..
وفي المقابل .. فإن هذه الخطوة الإسرائيلية تعتبر انتكاسة كبيرة لموقف السلطة الفلسطينية التي برَّرت قبولها بخارطة الانتشار للمرحلة الثانية بالقول : إنها تلقت وعودًا من إسرائيل بأن يتم إشراكها في تحديد خارطة المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار. وقد بذل الرئيس الفلسطيني الراحل ـ ياسر عرفات ـ بشكل خاص جهودًا من أجل إقناع الولايات المتحدة لتكون ضمن المرحلة الثالثة لكن المفاجئ في موقف باراك المتشدد أنه جاء بخلاف مواقف العديد من الوزراء في حكومته ومن بينهم وزير العدل "يوسي بيلين" و"وحاييم رامون" اللذين قالا:
إن قبول الفلسطينيين بـ "أبو ديس" بديلاً عن القدس هو إنجاز كبير للحركة الصهيونية. وعلى الرغم من قرار الحكومة الإسرائيلية.. إلا أن رئيس الوفد الفلسطيني صائب عريقات تجاهل استئثار إسرائيل بمناطق حول القدس في المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار، ورأى أن الإنجاز يكمن في تنفيذ إسرائيل لإعادة الانتشار في 6.1% من مساحة الضفة الغربية، وأكتفى بالقول: إن الجانب الفلسطيني سيبحث مع الحكومة الإسرائيلية طبيعة المناطق التي ستتم فيها إعادة الانتشار على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية قد حددت بالفعل هذه المناطق.
وتؤكِّد المصادر الإسرائيلية أن باراك يعتقد أن تسليم "أبو ديس" للسلطة الفلسطينية لن يمس بموقف إسرائيل من إعادة الانتشار، بل إنه سيكون مؤثرًا في ترويج الصيغ التوفيقية لحل قضية القدس بما يحفظ الخطوط الثابتة للحل الدائم كما تراها إسرائيل، إلا أن باراك وعلى الرغم من هذه القناعة فقد خضع للأوساط اليمينية في ائتلافه الحاكم، وعلى الأخص حزب "إسرائيل بعليا" الذي يمثل المهاجرين الجدد، وحزب "المفدال" الذي يمثل المستوطنين اليهود، حيث أبلغ ممثلو هذين الحزبين باراك أن أي تغيير في وضع المناطق المحيطة بالقدس سينظر إليه كـ "تنازل عن السيادة الإسرائيلية على القدس".
ويعتقد المراقبون أنه بعد الإعلان عن خارطة المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار الثانية فإن باراك يعتزم الاحتفاظ بأبو ديس لتكون ورقة مساومة في المفاوضات على الحل الدائم.
المراقبون الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء يرون أن باراك يعتقد أن الجانب الفلسطيني لا يملك الكثير من الخيارات، وأنه لا مفر أمامه إلا القبول بمعايير إسرائيل في تحديد المناطق التي تتم فيها إعادة الانتشار.
ويذكر من جانب آخر أن إسرائيل مطالبة ـ حسب اتفاقية الخليل ـ بتنفيذ مرحلة ثالثة لإعادة الانتشار، وهذه المرحلة يجب أن تشمل جميع مناطق الضفة الغربية باستثناء المستوطنات والقدس والمواقع العسكرية، أي ما يقارب 90% من مناطق الضفة الغربية، إلا أن باراك أكد أثناء التفاوض على اتفاق شرم الشيخ أن إسرائيل لا يمكنها أن تنفذ المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار مطلقًا، ورفض أن يشمل الاتفاق أي تعهد إسرائيلي بتنفيذ هذه المرحلة.
وقال صائب عريقات : إن الجانب الفلسطيني لن يتنازل عن المطالبة بإعادة الانتشار الثالثة إلا أن المسئولين الإسرائيليين لا يأخذون الطلب الفلسطيني مأخذ الجد ، وكما يقول"عوديد عيران" ـ رئيس الوفد الإسرائيلي آنذاك - لمفاوضات الحل الدائم والانتقالي فإن إعادة الانتشار في 6.1% من الضفة الغربية التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية ستكون آخر مرحلة .
تنازلات كبيرة :
من جانب آخر .. يجمع الساسة الإسرائيليون والفلسطينيون والأمريكيون على وجود صعوبات كبيرة تعترض التوصل إلى اتفاق إطار حول التسوية الدائمة في العملية السلمية فما زالت الدعوات الأمريكية والإسرائيلية للتوصل إلى حلول وسط تلقى رفضًا فلسطينيًا؛ إذ يشعر الفلسطينيون أنهم هم الذين قدَّموا التنازلات على مدى السنوات الست الماضية بممارسة الضغوط الأمريكية عليهم وفرض هذه التنازلات على جانب دون الآخر .
فرئيس السلطة الفلسطينية السابق ـ ياسر عرفات ـ يصرح بأن المفاوضات المكثفة الجارية حاليًا تواجه العديد من الإشكالات ، واعتبر في حديث صحفي أنه لا فرق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي إيهود باراك وبين سلفه بنيامين نتنياهو سوى في " ليونة الكلام " .
وجاءت تصريحات عرفات هذه قبل لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ، وهو اللقاء الذي فشل تمامًا في تحقيق أهدافه. واعتبر المراقبون تصريحات عرفات دليلاً واضحًا على ما أدركه الرئيس الفلسطيني قبل اجتماعه مع باراك بأن المفاوضات بينهما ستكون صعبة ، بل وأعطت صورة قاتمة لما سينتج من لقاء القمة ، وبالطبع فإن إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك ومغادرة الوفد الفلسطيني مكان اللقاء في حاجز " إيرز " بسرعة لم يكونا سوى تأكيدين على إخفاق اللقاء الذي كان متوقعًا، بعد أن اطلع الجانب الفلسطيني على خرائط الانسحاب القادم التي أقرها مجلس الوزراء الإسرائيلي.
ويقول مفاوض فلسطيني : " إن المفاوضات التي تجري حاليًا غير مرضية ولا نستطيع القول : إن هناك مفاوضات جادة باستطاعتها أن تعطي للفلسطينيين شيئُا.. نحن نعرف جميعًا أن باراك عيَّنه على الجولان وعلى المسار السوري لاعتبارات عديدة ، ويرى باراك أن المسار الفلسطيني لم يعد مكلفًا لإسرائيل ؛ إذ أن الإدارة الأمريكية تضغط على الفلسطينيين، ولا تستطيع أن تضغط على سورية ولبنان لاعتبارات نعرفها " .. على حد قوله. وبالرغم من أن إسرائيل تدّعي أنها قدمت التنازلات من طرفها ، وأنها ترفض التنازل عن أمور تقول : إنها " أمنية " ، يقول الوزير في السلطة الفلسطينية حسن عصفور : إن" إسرائيل قد تجاهلت أن الفلسطينيين قدموا تنازلاً تاريخيًا يوم أن اعترفوا بإسرائيل على أرض فلسطين " ، ويؤكد أن التسوية السياسية لا تقوم على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط ؛ إذ يعتقد الإسرائيليون أن الضفة الغربية وقطاع غزة ما هما سوى جزء من المساومة التاريخية الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين . ويوضح عصفور أن هذا المنطق يعود بالذاكرة إلى بدايات الحوار مع الحكومات الإسرائيلية السابقة ؛ إذ أن الانطلاق من أن الضفة الغربية هي أرض المساومة سيجعل من المستحيل التوصل إلى حل مع حكومة تل أبيب ، وقال : " الموضوعات المطروحة على طاولة المفاوضات حساسة جداً " . ورغم كل هذا.. لا تزال الحكومة الإسرائيلية تطالب الفلسطينيين بالعمل على تقليص الفجوات بين الطرفين من خلال تقديم التنازلات، على أساس أن الجانب الإسرائيلي لا يرغب في أن تكون التنازلات من جانبهم فقط، بل هناك حاجة حلول وسط مؤلمة كي تتاح الفرصة لعقد قمة كامب ديفيد في الولايات المتحدة. ويعتبر الوزير في الحكومة الإسرائيلية حاييم رامون أن دولته لا يمكنها التنازل عن بعض القضايا المطروحة للنقاش مع الفلسطينيين وعلى الفلسطينيين أن يدركوا أن هناك قضايا لا يمكن أن تتنازل عنها لا سيما القضايا الأمنية حتى لو تمكنا من التوصل إلى اتفاق إطار في الولايات المتحدة.. حسب قوله .ويرى المحللون أنه لولا تنازلات الفلسطينيين التي حصلت عليها تل أبيب منذ بدء مفاوضات أوسلو حتى الآن وظهرت للعالم على أنها تقدم في مسيرة السلام الإسرائيلية العربية لما دخلت الدولة العبرية إلى الدول العربية في دبلوماسيتها وتجارتها. ويقول الوزير الفلسطيني حسن عصفور مذكراً بهذا: "بعد ستة أعوام من عملية السلام أصبحت إسرائيل بفضل الفلسطينيين طرفًا يُقبل في المنطقة العربية، وفي العالم الإسلامي.. ويستطيع الإسرائيلي اليوم أن يتحرك في الكثير من الدول العربية، وأن يحضر مؤتمرات إقليمية"، ويؤكد أن هذا كله لم يأتِ نتيجة لذكاء سياسة حكومات تل أبيب أو بلاغتها، بل هو فقط لأن العالم اعتقد أنها ستحقق السلام مع الفلسطيني ثم مع العربي الذي احتلت أرضه.. على حد قوله .
مما سبق وكما هو موثق ومعروف فقد نص اتفاق " أوسلو " بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على المرحلة الانتقالية في الضفة والقطاع ومدتها خمس سنوات تجري في السنة الثالثة منها مفاوضات الحل النهائي حول القضايا المؤجلة - الجوهرية - وفي مقدمتها القدس فقد تم تأجيل بحث قضية القدس ومسألة السيادة عليها نظراً لحساسية وضع المدينة كما زعم بشكل أساس وإنما بسبب رفض " إسرائيل " رفضا قاطعا طرح قضية القدس للمفاوضات فاعتبروها مؤجلة .
غير أن هذا التأجيل لم يطوق بقيود وشروط تمنع الحكومة الإسرائيلية من اتخاذ إجراءات تغير وضع المدينة وتخلق معطيات وحقائق تهويدية يصعب نقضها لاحقاً .
فمنذ أيام أوسلو والسياسات الإسرائيلية القمعية مستمرة ومتواصلة ضد الفلسطينيين في القدس، من عزل القدس عن الضفة الغربية ، وضع آلاف الناس من الاستمرار في حياتهم اليومية سواء في الذهاب إلى أعمالهم أو في زيارة بيوت العبادة أو حتى الصلاة في المسجد الأقصى ، أو في الالتحاق بالمعاهد التربوية ، وتعريض الحضور الفلسطيني في القدس الشرقية المتمثل في هيئاتها السياسية أو العلمية لمضايقات مستمرة منتظمة ، كما أن هناك محاولة مدبرة لمنعها من الاتصال بالعالم الخارجي، وكذلك المعاهد الفلسطينية فهي مهددة باستمرار بالإغلاق وبمحاولات إخضاعها للأنظمة الإسرائيلية.. إذن فماذا سيبقى للتباحث فيه تحت اسم محادثات الوضع النهائي . إذن ذلك هو السؤال الكبير..
هذا السؤال أوجهه لكل حكام العرب الذي سوف يحجون إلى البيت الأبيض بعد أيام قلائل من فترة انتهاء حكم الرئيس الأمريكي الحالي ـ جورج دبليو بوش ـ .. انه يحاول أن يقدم شيئاً يدخل به التاريخ مثل ما فعل سلفه بيل كلنتون قبل انتهاء فترة رياسته ولكنه فشل..
نعم لقد فشل على الرغم من كافة التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية كما رأينا..
ولسوف يفشل الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية ولسوف يعود الحكام العرب يجرون أذيال الخزي فعلام سيفاوضون؟..
ما الذي سيبقى من القدس للتباحث فيه أو عليه طالما أن الحكومة الإسرائيلية تمضى قدما بتطبيق مخططاتها وإجراءاتها التهودية المحمومة في أنحاء القدس، غير مكترثة أبداً لا باتفاق أوسلو ولا بكامب ديفيد ولا الواي ريفير ولا بالمشاعر والحقوق العربية الإسلامية والمسيحية في المدينة ولا بموقف وقرارات الشرعية الدولية .. وطالما أن الحكومة الإسرائيلية تعلن ليل نهار وبمنتهى الاستخفاف بأن القدس ليست للمفاوضات، وأنها غير مطروحة للمفاوضات وأنها ستبقى موحدة عاصمة إسرائيل إلى الأبد .
وطالما أن قاطرة الاستيطان والتهويد في القدس مستمرة بلا كوابح أو روادع وذلك حتى تحت مظلة عملية السلام المخادعة وبالتالي يمكن القول بأن السياسة الرسمية الإسرائيلية تتعامل استراتيجيا مع موضوع القدس في إطار مفاوضات السلام بوصفها يهودية وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية . فالقدس تتهود فما الحل وما العمل ؟! ..
أجيبوا يا كل حكام العرب.. قبل أن تحجوا إلى البيت الأبيض وولاية جورج ونكلر بوش على الانتهاء .
القدس في اتفاقيات السلام الإسرأمريكية ـ الفلسطينية
نتحدث أولاً :عن كلينتون ـ في نهاية رئاسته ـ وعرفات.
ثم نتحدث ثانياً:عن بوش ـ في نهاية رئاسته ـ وعباس.
أولاً: كلينتون ـ في نهاية رئاسته ـ وعرفات.قد يكون العنوان(القدس في اتفاقيات السلام الإسرأمريكية ـ الفلسطينية )غريباً بعض الشيء ولكنني قصدت من ورائه أن اتفاقيات السلام بين " إسرائيل " ومعها " أمريكيا " في جانب الأمر الذي جعلني اختار لهما اسما مشتركاً هو " الإسرأمريكية " والمفاوض الفلسطيني من جانب أخر .
1 ـ يتحدث المفاوض الفلسطيني عن تجسيد سيادة الدولة الفلسطينية بحدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس عملاً بالحق الفلسطيني وفق الشطر الأخير من قرار الأمم المتحدة 181 . وكأن عدوان 1967 قد أضفى الشرعية الدولية في عقلية المفاوض الفلسطيني على عدوان 1948 ، فما هو مفهوم الدولة في عقلية المفاوض الإسرائيلي ؟.
نبدأ القصة من بداياتها :
يقول الدكتور " نايف حواتمه " أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في كتابه : "فلسطين إلى أين " الفصل العاشر ما موجزه الآتي :
العام 1974 : جولدا مائير… زعيمة حزب العمل رئيسة الوزراء ، تعلن من على منبر الكنيست ( البرلمان ) الإسرائيلي إن :
" فلسطين كانت في الماضي ، أما اليوم فقد أصبحت " إسرائيل " والقسم الآخر" وتقصد بالقسم الآخر " الأردن " وتقول : " إن الشعب الفلسطيني كان في الماضي ، أما اليوم فجزء إسرائيلي والأخر لاجئ ، عليه أن يندمج في البلدان العربية ).
بهذا أجابت " جولدا مائير" رئيسة وزراء الدولة العبرية على البرنامج السياسي الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي أقره المجلس الوطني في يونيو 1974 والداعي إلى حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والدولة المستقلة وعودة اللاجئين على قاعدة ( تسوية سياسة شاملة ) عملاً بقرارات الشرعية الدولية .
تبنت " مائير " موقف حكومة حزب العمل بحيث أنها عملت :
أولاً : على إجماع الصف الإسرائيلي الصهيوني حينذاك من الوسط ويسار الوسط الصهيوني التوسعي ممثلاً بالحكومة والأغلبية البرلمانية, وفي الرأي العام إلى اليمين واليمين المتطرف الداعي لإسرائيل الكبرى بضم الضفة وقطاع غزة ممثلاً بأحزاب " الليكود و " المفدال " في صف المعارضة ..
ثانياً : غطرسة القوة التوسعية الصهيونية رغم زلزال حرب أكتوبر 1973 في المجتمع الإسرائيلي ..
ثالثاً : إنتاج حصاد نكبة 48 بإعلان دولة إسرائيل على 77% من أرض فلسطين الانتدابية واقتسام ما تبقى بين الأنظمة الإقطاعية العربية المجاورة بعملية تواطئية مع إسرائيل وبريطانيا المنتدبة على فلسطين وفق قرار عصبة الأمم المتحدة ..
رابعاً : عناد الصف الإسرائيلي التوسعي الصهيوني حكومة ومعارضة على رؤية النكبة الفلسطينية فقط .
وعليه ( فلسطين كانت في الماضي وشعبها كان في الماضي ) ورفض رؤية ( النكبة والمقاومة ، الاحتلال والانتفاضة ) وكل هذا بالضد من قرارات الجمعية العامة 273 (11مايو 1949) قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة وبالضد من قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن 237 ، 242 ، 252 لعام 1967 و338 بعد حرب أكتوبر 1973.
وخامساً : بَنَتْ " مائير " موقفها على تفكك جبهة أكتوبر1973 على خطوط الْتَمَاسْ وفي قلب الأرض المحتلة الفلسطينية والمصرية والسورية وتفكك جبهة الخطوط الخلفية العريضة ممثلة بجبهة سلاح النفط .
عام 1982 : " مناحم بيجن " :
زعيم حزب " الليكود " ورئيس الوزراء يعلن من على متاريس الغزو الشامل للبنان والمخيمات والمقاومة الفلسطينية وبيروت البطلة بقوله :
" الفلسطينيون حيوانات تمشى على قدمين، انتهينا منهم .. أنجزنا سلاماً لأربعين عاماً على حدودنا الشمالية " .. هكذا غطرسة القوة ..
" شارون " وزير دفاع العدو عام 1982 ورئيس وزراء إسرائيل عام 2001 زعيم المذابح من كفر قاسم إلى مخيمات قطاع غزة إلى صبرا وشاتيلا إلى تدنيس المسجد الأقصى بزيارته المشئومة في 28/9/2000 م يقول أثناء توليه وزارة الدفاع " سآتي بالقيادات الفلسطينية من بيروت وجنوب لبنان في شباك معلقة بطائرات الهليوكوبتر إلى شوارع تل أبيب " .
وها هو بعد توليه رئاسة الوزراء في 25/2/2001م وفي المؤتمر الصحفي العلني مع وزير الخارجية الأمريكي " كولن باول " في إسرائيل في نفس يوم توليه الرئاسة رسمياً أي في25/2/2001م يرفض الاعتراف بدولة فلسطين ويرفض إضفاء لقب رئيس السلطة الفلسطينية أو رئيس فلسطين على ياسر عرفات وينعته بوصفه القديم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي في نظر" شارون " لا تعنى سوى " الإرهاب " ولا ننسى أنه مهندس الاستيطان والمستعمرات اليهودية …
" رفائيل إيتان " رئيس أركان الغزو الشامل في 1982 نائب رئيس الوزراء 1996، 1999م يقول : ( الفلسطينيون صراصير سيختفون في عنق الزجاجة ) في إشارة لعمليات الغزو الشامل .. إنها نزعة الإبادة العنصرية العمياء .
عام 1993 : " اسحق شامير " زعيم الليكود رئيس الوزراء يقول :
يهودا والسامره - الضفة الفلسطينية - وغزة جزء من إسرائيل الكبرى )..
ويقول : (سنتفاوض مع العرب عشر سنوات بدون نتيجة ) و ( العرب اللاجئين عليهم أن يندمجوا في البلاد العربية ) .
وعليه كانت خطة شامير ( مايو 1989 ) للحكم الذاتي للسكان بدون أية سيادة على الأرض مع مواصلة زحف الاستيطان ( مقابل وقف الانتفاضة - آنذاك - ).
وعلى شروط " شامير" جاءت ورقة الدعوة الأمريكية للفريق الفلسطيني لمؤتمر مدريد وتمثيل محدود لسكان الضفة وقطاع غزة دون القدس ودون الشتات اللاجئ في الضفة والقدس والأردن ولبنان وسوريا والمهاجر الأجنبية .
وهاهي ذي السنوات العشر قد انتهت وبلغت سقفـها في 25/2/2001 يوم تولى " آرييل شارون " زعيم الليكود لرئاسة وزارة إسرائيل .
عام 1993 " اسحق رابين " و " شيمون بيريز " :
زعيم حزب العمل رئيس الوزراء ووزير الخارجية ،وصاحب اتفـاق أوسلو (1،2) والتداعيات هي " أرض متنازع عليها " بدلاً من كونها " أرضاً محتلةً " وفق قرارات الشرعية الدولية ، بالإضافة إلى زحف الاستيطان وبروز خرائط تشطير الضفة وقطاع غزة , وخرائط حدود جديدة إسرائيلية توسعية في الضفة والقطاع لضم وإلحاق 40 ، 50 في المائة بما فيها القدس الكبرى ( خرائط رابين ، بيريز ، ايهود باراك رئيس الأركان التي قدمها إلى رابين في مفاوضات أوسلو ، في طابا 1990 ) .
عام 1996 " بنيامين نتنياهو " : زعيم الليكود رئيس الوزراء يقول :
(لا وجود لقضية فلسطينية وهي فبركة عربية) ..
وفيما بعد نجد بروتوكول الخليل الذي شطر المدينة إلى فلسطينية عربية على 80% ومختلطة يهودية عربية على 20% عليها فقط400 مستوطن قدموا عام1986 من "بروكلين" الأمريكية وفتح قلب المدينة لنزيف لا يتوقف ، وبعده اتفاق " واي بلانتيشن" عام 1997 ولم ينفذ نتنياهو من النبضات الثلاث بإعادة الانتشار سوى الأولى بنسبة 1% فقط من المربع (ج) إلى المربع (أ) من مجموع النبضات الثلاث .
بينما نفذ فريق " أوسلو" الآخر ـ الوفد الفلسطيني ـ شروط " الواى" بإلغاء ميثاق منظمة التحرير ومرسوم منع التحريض على سياسات الدولة العبرية المعروفة شعبياً بمرسوم ( كم الأفواه الفلسطينية ) .
في عام 1999 ( مايو ) سقط رئيس وزراء " إسرائيل " بنيامين نتنياهو ومعه حزب الليكود وفاز " إيهود باراك" برياسة الوزارة وإسرائيل واحدة بمعنى اتحاد كافة الأحزاب المتنافرة (حزب العمل , غيشر ، ميماد ) تحت ضغط استعصار المفاوضات وتنفيذ " الواي " على المسار الفلسطيني الإسرائيلي وجموده الكامل على المسار " السوري واللبناني " وذلك على امتداد حكم " الليكود " بزعامة نتنياهو .
وفي برنامج "خطوط الأساس" الذي قدمته حكومة باراك وصادق عليه أغلبية الكنيست الجديد
( يوليو 1999) حددت حكومة باراك سياستها والمتمثلة في إطارات خريطة إسرائيل التوسعية الجديدة وخريطة الكيان ، الدولة الفلسطينية المنقوصة السيادة ، وبعدها أعلن باراك لاءاتـه الستة الشهيرة :
( لا لعـودة القدس الشـرقية للفـلسطينيين .. لا عودة لحدود يونيو 1967 .. لا عـودة للاجـئين .. لا لتفكـيك المستوطنـات .. لا جيش لفلسطين … لا لجيش أجنبي غرب نهر الأردن .. والقرار 242 لا ينطبق على الضفة والقطاع كما ينطبق على سيناء والأردن والجولان ) .
وبمرافقة هذه اللاءات يبني باراك طوابق سياسته الاستيطانية التوسعية التي فاقت وتيرة سياسة نتنياهو الاستيطانية فعطاءات البناء في ثمانية أشهر تجاوزت (6500) وحدة سكنية بينما لم تتجاوز (5000) وحدة سكنية على مساحة ثلاث سنوات من حكم نتنياهو.
وتوقيت عطاءات البناء تتزامن مع كل جولة من مفاوضات ( الوضع النهائي ) لتأكيد استمرار الاستيطان بالإضافة إلى أن مد الطرق الالتفافية بالتوازي مع استمرار المفاوضات يضع حكومة باراك في المربع المريح في الشارع اليميني الإسرائيلي وفي علاقاتها ـ أي الحكومة ـ الإقليمية والدولية .
والسلطة الفلسطينية تحني ظهرها في كل مرة بعد التهديدات بتعليق المفاوضات . وتعمل حكومة باراك على كل المحاور من تسريع تهويد القدس ( البناء في رأس العامود قلب القدس ومستوطنة جبل أبو غنيم لقفل دائرة التهويد حول القدس ) إلى تسمين وتوسيع 21 مستوطنة بنتها حكومات حزب العمل على طول غور الأردن تمهيداً لمشاريع ضم "الغور" بطولة وذلك للدولة العبرية وفي الحد الأدنى وضعها في مكانة أرض متنازع عليها بين السيادة الكاملة الإسرائيلية وحرمان الدولة الفلسطينية المنشودة من خط الحدود مع الأردن .
في المحاور الأخرى الخمسة تتحكم خطوط الأساس فيها كما هو حال محور الاستيطان في الضفة والقطاع والتهويد المتسارع في القدس الشرقية المحتلة عام 1967.
عشية قمة باراك - كلينتون في 11 /4/2000 حدد باراك الخطوط الحمراء في اجتماع مجلس الوزراء لطرحها على مائدة مباحثات قمة واشنطن .
تناولت خطوط الأساس التالـي :
1 ـ لا عودة إلى حدود 1967 .
2ـ القدس عاصمة أبديـة موحدة لدولة إسرائيل وكذلك مستوطنات "معالية ادوميم" و " جفعات زئيف " و " غيلو " و " راموت " المحيطة بالقدس، ولا توجد مصلحة إسرائيلية بضم 50 ألف فلسطيني إلى القدس، إشارة إلى بلدتي "أبو ديس" و"العيزرية" وقرية " السواحرة الشرقية ".
3ـ معظم المستوطنات في الضفة تكون تحت السيطرة الإسرائيلية .
4ـ ليس لإسرائيل مسئولية قانونية أو أخلاقية عن مشكلة اللاجئين لذلك لا ترى حل مشكلة اللاجئين داخل إسرائيل، فهذه مسئولية إقليمية ودولية بتوطين اللاجئين في البلاد العربية والبلاد الأخرى، وإسرائيل يمكن أن تساهم في الصندوق الدولي لتمويل عمليات التأهيل والتوطين .
5ـ عدم السماح بوجود جيش أجنبي في غربي نهر الأردن .
6ـ وبشأن إعلان دولة فلسطين، يمكن أن تتم بالاتفاق مع إسرائيل ولكن بلا حدود إلى حين الوصول إلى التسوية الدائمة، ومقابل هذا يتم ضم المستوطنات الكبرى ( 15% من الضفة لإسرائيل كما يشترط باراك) .
وبالتزامن مع قمة واشنطن أعلنت حكومة باراك عن عطاءات لشق 12 طريقاً التفافياً حول القدس عام 2000 ..
7ـ الاعتراف الفلسطيني بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل .
وبالطبع هذه العناوين معها ما يؤيدها من خرائط ومسودات و … و … الخ .
وفي 20 إبريل 2000 التقى الرئيس الفلسطيني الراحل" ياسر عرفات" والرئيس الأمريكي " بيل كلينتون " في واشنطن للتفاوض على لاءات بارك الستة ومدى قبول السلطة الفلسطينية لها لاسيما وأن هذه اللاءات مدعومة من الحكومة الأمريكية ، وتشير الإدارة الأمريكية إلى أن عرفات قدم مشروعاً ( مسودة ) لاتفاق الإطار من (12) بنداً :
بند (مدخل عام) وبند (إنهاء الصراع) وبند (المناطق) وبند (العلاقات مع إسرائيل) وبـند (علاقات خارجية) وبند (القدس) وبند (اللاجئين) وبند (المستوطنات) وبند (ترتيبات أمنية) وبند (علاقات اقتصادية) وبند (الحدود) وبند ( العلاقات مع أقطار الجوار) ..
والمشروع سري لم يتم بحثه أو عرضه على أي من المؤسسات الفلسطينية مثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، المجلس الفلسطيني التشريعي، أو المجلس المركزي أو على أي هيئة وطنية ائتلافية .
وتشير مصادر الإدارة الأمريكية بأن المشروع قد يؤثر على المرونة في قضايا الحدود ، اللاجئين، المستوطنات، لكن المرونة المطلوبة مقابل شرقي القدس مع بقاء القدس موحدة وعاصمة لدولتين .
وسبق مشروع ( مسودة ) اتفاق الإطار، أن تبادل فريقي أوسلوـ في مباحثات بولينج الجولة الثانية 16/4/2000 ـ وثائق هياكل لمشروعي اتفاق الإطار وتم الإعلان عن ذلك في حينه دون إعلان المشاريع للرأي العام في الجانبيين ، ودون إعلام المؤسسات المشتركة في منظمة التحرير والمجلس الفلسطيني للسلطة ذاتها.
وعليه تم الاتفاق في قمة كلينتون / باراك ( 10/4/2000 ) وقمة كلينتون / عرفات في واشنطن ( 20/4/2000) على أن تتحرك واشنطن بدور الوسيط ( لتجسير الهوات ) بين الطرفين ، وعليه عادت الإدارة الأمريكية إلى المشاركة المباشرة ( مفاوضات الوضع النهائي ) بدءاً من جولات 30/4 و 8/5/2000 وما بعدها .
ومعنى ( التجسير الأمريكي ) هنا أي تداعيات وتنازلات فلسطينية من جديد فهو " تجسير" بين خرائط باراك وحكومته الائتلافية وبين تراجع عن قرارات الشرعية الدولية الصادرة منذ 4 يونيو 1967 حتى يومنا هذا بشأن القدس: مثل ( حدود 4 يونيو، المستوطنات، اللاجئين والنازحين، إعلان الدولة الفلسطينية بأية حدود وأية عاصمة وأية سيادة وأية شروط وقيود في إطار التفاوض الثنائي والتجسير الأمريكي بين الثنائي ..
وفعلاً بدأ الرئيس الأمريكي بالمجسات على الجانبين ، سأل باراك عن (حدود السخاء مع عرفات )… وسأل عرفات عن المستوطنات والحدود والقدس واللاجئين .
ويكشف " سليم الزعنون " رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لصحيفة " الوطن " العمانية الصادرة في 30/10/2000 تفاصيل الحوار الضاغط الذي دار بين كلينتون وعرفات أثناء مفاوضات القمة الثلاثية في كامب ديفيد ، وقال :
إن كلينتون - رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك - حين عاد من مشاركته في قمة طوكيو للدول الصناعية ليجد " بارك " - رئيس وزراء إسرائيل - وياسر عرفات لم يتوصلا لأي اتفاق بعد جراء امتناع باراك عن التقاء عرفات وإصراره على قبول الجانب الفلسطيني بكامل شروطه ، تقدم بمشروع حل وسط بشأن القدس حاول أن يلزم الجانبين به . لم يذكر سليم الزعنون مشروع كلينتون حول القدس وإنما بادر بذكر تعليق ياسر عرفات عليه .
ومن المناسب ذكر مشروع كلينتون .
يعتمد مقترح الرئيس كلينتون اختصار قضية القدس في موقع المسجد الأقصى وحدة على أن يقسم المسجد الأقصى إلى أربعة أقسام :
1ـ قسم يضم مبنى المسجد فوق الأرض ، وهذا يخضع للسيادة الفلسطينية ..
2ـ قسم ثان يضم حائط المبكى ..
3ـ قسم ثالث يضم ساحة المسجد الأقصى ..
4ـ قسم رابع وأخير يضم الأرض تحت المسجد التي يزعم " الإسرائيليون " أن بها أساس الهيكل القديم والأقسام الثلاثة الأخيرة تخضع للسيادة الإسرائيلية .
أما باقي القدس الشرقية - القديمة - أما باقي المقدسات الإسلامية والمسيحية فلا حديث عنها أو حولها ، لأنها طبقاً للاقتراح الشيطاني أصبحت جزءاً من عاصمة إسرائيل الأبدية ، يجب ألا ينازعها في السيادة عليها أحد في الأرض أو في السماء .
أليست هذه صفقة أمريكية أو قل صفعة أمريكية قوية ليست لياسر عرفات وحده بل لكل العرب والمسلمين ؟! .
الصفعات المتلاحقة التي توجهها الإدارة والمجالس الأمريكية والسياسة الأمريكية للعرب والمصالح الأمريكية تتلاحق بوتيرة كفيلة بأن تحرك البراكين الأشد سكوناً وأقرب هذه الصفعات الأمريكية لنا تمثلت بالقرار الذي تبناه وأصدره مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء 25/10/2000 بأغلبية 365 صوتا مقابل 30 فقط وأدان فيه الفلسطينيين وحملهم مسئولية (العنف) في المناطق الفلسطينية ، بينما أعرب القرار عن ( تضامن الولايات المتحدة مع إسرائيل دولة وشعباً ) ، لا شك أن هذا القرار السافر ينم عن نهج عنصري موغل في العداء للعرب غير أنه ليس مفاجئاً ولا مستغربا , ذلك أن سجل السياسة الأمريكية تجاه العرب والقضايا والحقوق العربية حافل طافح بالقرارات والمواقف العدائية متعددة المكاييل بالغة الاستخفاف بالعرب واحتقارهم فعلى سبيل المثال وليس الحصر ، رصدنا بعض القرارات والمواقف الأمريكية خلال العقد الأخير ، ولسوف نعرض إليها في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
واشنطن، الولايات المتحدة (CNN) –
0900 (GMT+04:00) - 27/07/07
دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى عقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط، الخريف المقبل، في خطوة تهدف إلى إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معلنا في الوقت ذاته منح الفلسطينيين "الذين يواجهون لحظة اختيار" 190 مليون دولار في شكل مساعدات.
وقال إنه ومن أجل المساعدة في الترويج لآفاق السلام، ستقود وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مؤتمرا دوليا يشارك فيه الإسرائيليون والفلسطينيون ودول أخرى "تدعم حلا يستند إلى دولتين، ويرفض العنف ويعترف بحق إسرائيل في الوجود والالتزام بكل المعاهدات والمواثيق السابقة بين الطرفين."
وقال إن المؤتمر سينظر في التوصل إلى سبل خلاقة وفعالة لدعم مزيد من الإصلاح. كما سيوفرون دعما دبلوماسيا للطرفين في مناقشاتهما الثنائية والمفاوضات بما يمكّننا من التقدم نحو سبل ناجحة تفضي إلى دولة فلسطينية."
هذا هو الخبر كما تناقلته وكالات الأنباء
ولنا تعليق..
حمل الصورة من الملف المرفق هنا لأنني لا أعرف كيفية إدخال الصورة في المشاركة
تأتي دعوة بوش لعقد ما يسمى بالمؤتمر (الدولي للسلام)، في إطار الدعوات والإعلانات الموسمية التي عودتنا عليها إدارة بلاد العم سام فيما يخص القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وكافة قضايا المنطقة المتصلة ببعضها البعض بشكل عام... وغالبا ما تجيء هكذا دعوات لأغراض أمريكية مصلحية بالأساس، خدمة لتوجهاتها ولسياساتها الإقليمية والدولية .... وإذ تأتي هذه الدعوة اليوم، فبلا شك أن وراءها الكثير من المرامي والأبعاد، التي تصب بالنهاية في مسارات السياسة الأمريكية ودبلوماسيتها المتخبطة، جراء تخبط قواتها العسكرية على الأرض في العراق... الأمر الذي أنتج سياسة أمريكية متخبطة من الطراز الأول ..
فهي من جهة تحاول جاهدة أن تطلق فعلها السياسي الدبلوماسي خدمة لأهدافها في المنطقة عموما، ومن جهة أخرى تعاني سياستها من عقبات كانعكاس لتخبط آليتها العسكرية في العراق وعدم مقدرتها على تحقيق أهداف الغزوة الأطلسية التي قادتها جيوشها على العراق وأفغانستان في السنوات الأخيرة،الأمر الذي استدعى ويستدعي نشاطا محموما للفعل الدبلوماسي في محاولة لاختراق ما عجزت عن تحقيقه حتى الآن قواتها المسلحة وأساطيلها المرابطة في المنطقة، وعجز ربيبتها وحليفتها (إسرائيل) في تحقيق نوع من الاختراق العسكري لصالح المعسكر الأطلسي الأمريكي وأجنداته السياسية الإقليمية المترابطة والأهداف الدولية ككل على اعتبار أن المنطقة (الشرق أوسطية) هي البوابة الفعلية لنفاذ ما يمكننا أن نسميه بالسيطرة السياسية على مفاعل وتفاعلات التأثيرات الدولية للفعل السياسي الأممي..... ولا يمكن فهم دعوة بوش (للمؤتمر الدولي للسلام) إلا في هذا السياق.. ولعل هذا مفهوم وواضح المرامي والمعاني .. ولعل عقد هكذا مؤتمر ستحاول من خلاله إدارة بوش الإثبات أنها مازلت ممسكة بقواعد اللعبة السياسية في المنطقة وكونها اللاعب الأساسي فيها وان واشنطن ما زالت تملك مفاتيح الحلول وقرارات السلم والحرب إقليميا ودوليا، وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها.
ومما لاشك فيه أن رؤى الرئيس الأمريكي التي يطلقها بالمواسم لا تغدو كونها فقاعات صابون أو بالونات اختبار وفي أحسن الأحوال تكون جسورا لعبور مخطط سياسي أمريكي إسرائيلي نحو المنطقة... حيث غالبا ما تكون بوابات العبور عبر القضية الفلسطينية ومفرداتها للنفاذ إلى الساحة الإقليمية... وفي هذا السياق لابد من التذكير برؤية بوش لأطروحته المبادرتية حينما أعلن أن رؤيته للسلام في المنطقة تتمثل بضرورة قيام دولة فلسطينية .. حيث ظلت محل استهلاك إعلاني إعلامي أمريكي لفترة طويلة من الوقت وكان اللعب السياسي يتمحور حول تواريخ قيام هكذا دولة، وفي كل مرة وعند الاستحقاق التاريخي المعلن من قبل إدارة بوش نجد الكثير من التبريرات التي تسوقها لخلق تواريخ وحتى اشتراطات جديدة لنشوء وقيام الدولة الفلسطينية، ومع كل تجديد للتاريخ الموعود أو فرض شروط جديدة نجد الاستغلال الأمريكي يتجلى بالمنطقة حيث تجتهد سياسة الابتزاز بحق دول المنطقة على قاعدة أن ثمة دولة فلسطينية موعودة وفقا للرؤية الأمريكية..
وهكذا تتوالي الأساليب الأمريكية في المضي قدما بسياساتها القائمة على أساس خدمة المصالح العليا للدولة العبرية وتحقيق ما يمكن أن تعجز عنه تل أبيب ذاتها ....
وما الدعوة لمؤتمر السلام إلا جزء من فبركة الدعاية الأمريكية لسياسة البيت الأبيض اتجاه المنطقة، وهو مؤتمر حافل ومزروع بحقول الألغام وسيدور في نفق مسدود.
فالرئيس الأمريكي دعا لضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل، واستبعد البحث بقضايا القدس واللاجئين، واستبعد أطرافاً بارزة لها أراضٍ محتلة.
كما أن هذا المؤتمر يفتقر إلى أية آليات عملية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهو لن يقدم أفقاً سياسياً لحل شامل، حيث انه لا ينعقد على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. التي جاءت وتأتي لتخفض السقف السياسي العربي الرسمي ذاته...
وبرغم ذلك فهذه المبادرة لا تلقى الأذان الصاغية من الجانب الإسرائيلي والأمريكي... وبذلك فتلك المبادرة المسماة عربية ووفقا للسياسة الأمريكية لا تصلح لأن تشكل قاعدة انطلاقية للحل...
وعلى ضوء هذا التحليل اعتقد أن مؤتمر بوش إنما يهدف إلى إمكانية فتح النقاش والحوار للقضية الفلسطينية ما بين الجانب الفلسطيني الرسمي الضعيف بالظرف الراهن والإسرائيلي الأكثر ضعفا جراء تداعيات حرب يوليو بالعام الماضي على لبنان...
كما انه يجيء للالتفاف على المبادرة الفرنسية ـ الإيطالية ـ الإسبانية لعقد مؤتمر دولي للسلام، تشارك فيه جميع أطراف الصراع والكتل الدولية الكبرى والأمم المتحدة.
إن عقد (مؤتمر بوش للسلام) إنما يهدف إلى محاولة تعزيز الرؤية الأمريكية للمنطقة من خلال تعزيز سياسات المحاور وتقسيم الدول العربية ما بين معتدلة وأخرى متطرفة وتدعيم مواقف الرباعية المعتدلة والتي قد تصبح خماسية أو سداسية أيضا في وجه ما يسمى بقوى الممانعة والرفض العربية، مع العلم أن الكل العربي الرسمي قد وافق على أطروحة السلام مقابل التطبيع، وقد وافق على مد جسور الحوار والنقاش مع الجانب الإسرائيلي تحت شعار تفعيل المبادرة العربية وتم تشكل لجنة عربية رسمية لهذا الغرض، وبالتالي يكون التطبيع العربي الرسمي الإسرائيلي قد بدأ بالشكل الفعلي وفي ظل الرفض الإسرائيلي لكل الأطروحات العربية إلا فيما يخص تطبيع العلاقات ...
وتل أبيب لا تريد بالظرف الراهن أكثر من تواصل للمفاوضات واللقاءات وتحقيق ما يمكن تحقيقه على هوامش اللقاءات تلك والمتمثلة بخلق أجواء تطبيعية رسمية مع الأنظمة العربية على اعتبار أن اللجنة العربية المشكلة من قبل الأردن ومصر تمثل جامعة الدول العربية أولا وكافة الدول المنضوية في إطار القمة العربية الرسمية...
وبالتالي فإن دعوة بوش لمؤتمره الدولي إنما تأتي أولا لتعزز هذا المفهوم التطبيعي على قاعدة الحوار والنقاش والمفاوضات.... حيث أن الرباعية العربية المعتدلة ستكون حاضرة في هذا المؤتمر وهو ما تتوق إليه إدارة البيت الأبيض وبالتالي تل أبيب لخلق تواصل فعلي وعلني ومكشوف مع ما يسمى بالمحور العربي المعتدل..
فجوات بين الرغبة والقدرة ..والتطبيع قبل التوقيع
سألني صديق تعليقاً على «النتائج المتواضعة» التي حققتها زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس إلى فلسطين المحتلة «لماذا يصر بوش على عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط في أواسط نوفمبر 2007»، لا سيما بعد أن بات واضحاً أن المسؤولين الصهاينة، كأولمرت وليفني، حريصون على «خفض سقف توقعات رايس وتخفيف حماستها» ـ حسب صحيفة معاريف ـ(لأن الوقت لم يحن بعد للخوض في القضايا الشائكة ـ كقضيتي القدس واللاجئين ـ خصوصاً أن الرئيس الفلسطيني «أبو مازن» حسب المصادر الإسرائيلية غير قادر في ظل الانقسام الداخلي على تنفيذ أي اتفاق، وأن وضع أولمرت الداخلي لا يسمح له بتقديم ما يعتبره الإسرائيليون تنازلات في قضايا تعتبر بمثابة خطوط حمراء لهم. بل كما تردد مصادرهم بأن أكثر ما يمكن أن يخرج به المؤتمر المرتقب هو «وثيقة مبادئ جديدة تضاف إلى وثائق مماثلة» وقعها الطرفان الفلسطينيان في أوسلو وحدائق البيت الأبيض، وشرم الشيخ، وواي بلانتايشن، وفقدت مفعولها كله مع وقفة الرئيس ياسر عرفات في كامب ديفيد في مثل هذه الأيام قبل 7 سنوات.
ولقد بات واضحاً أيضا أن وزيرة خارجية تل أبيب اقترحت على نظيرتها الأميركية انه أمام الفجوات بين الرغبة والقدرة، «فليكرس المؤتمر مداولاته للشؤون الاقتصادية وملامح مؤسسات السلطة الفلسطينية وهيكلية أجهزتها الأمنية». قلت لصديقي : يبدو أن إدارة بوش في سنتها الأخيرة غارقة في لعبة «علاقات عامة» غبية في معظم القضايا الساخنة التي تواجهها، سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان أو حتى في (الملف النووي الإيراني)، فهي أيضا تعيش فجوة واسعة بين الرغبة والقدرة، وهي تدرك أيضا حدود «قدراتها» الإستراتيجية، لذلك ليس أمامها إلا أن توحي للرأي العام الأميركي، وخصوصاً «للمؤسسة الأميركية الحاكمة» بشقيها السياسي والعسكري، أنها بصدد(انجاز ما) في هذه القضية أو تلك، بهدف كسب الوقت وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية التي يحرص الرئيس بوش أن يخرج منها، ومن البيت الأبيض بالذات، بصورة الرئيس (العنيد)، الملتزم بقناعاته، المتمسك بأهدافه، خصوصاً بعد أن بات يدرك انه إذا كان لا يستطيع أن يخرج من ولايته في حكم الدولة الأقوى في العالم بصورة «المنتصر» أو الرئيس «الناجح في تحقيق أهدافه» فليخرج إذاً كرئيس لا يتراجع عن مواقفه وقناعاته.
ولعل ابلغ دليل على تواضع الرئيس بوش «المستجد» في تحديد أهدافه، التي تغيرت مرات كثيرة خلال سنوات ولايته، هو ما أعلنه في مؤتمر صحفي في 19/9/2007 في معايير النجاح في العراق تتمثل «بخفض نسبة العنف في العراق إلى مستوى مقبول» (كذا وبالحرف) «وبإنشاء حكومة قادرة على الاستمرار» (هل حكومة المالكي غير قادرة؟!) «وجيش عراقي يحفظ الاستقرار الداخلي وأمن الحدود» (أين ذهبت جهود أربع سنوات ونيف وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات لقيام هذا الجيش)، «وديمقراطية تتماشى مع الأسلوب العراقي وحليفه للولايات المتحدة ضد التطرف» (أي ديمقراطية المحاصصة والفتنة المذهبية، والاقتتال بين أبناء المذهب الواحد).
في لعبة العلاقات العامة هذه، تدرك إدارة بوش أنها أضعف من أن تلزم تل أبيب بصيغة للتسوية تكون معقولة ومقبولة للفلسطينيين، ومقنعة للعرب (هذا لو افترضنا جدلاً أن هذه الإدارة راغبة أصلا بهذه التسوية)، لكنها في الوقت ذاته أقوى من أن تترك للصراع بين الحق الفلسطيني والعربي والاغتصاب العنصري الصهيوني أن يأخذ مداه، فتتسع رقعة المقاومة وفعالياتها داخل فلسطين وعلى مستوى المنطقة.
وهي في العراق أيضا أضعف من أن تفرض سيطرتها ومخططاتها ومشاريعها على غير مستوى، ولكنها أيضا ما زالت تملك ـ حتى الآن ـ القوة التي تمنعها من الاستسلام تماما لإرادة الشعب العراقي.
وهي في لبنان وصولاً إلى سوريا، أضعف من أن تستطيع فرض مشيئتها وإملاءاتها، وقد حاولت ذلك خلال صيف عام 2006 عبر الحرب الإسرائيلية في لبنان، ولكنها في الوقت نفسه ما تزال مؤثرة، بفعل تحالفات محلية وإقليمية ودولية، إلى الحد الذي يمنع لبنان، ومعه سوريا، من العبور إلى شاطئ الأمان والاستقرار.
وفي إيران، ما زالت إدارة بوش ـ حتى الساعة ـ وبحكم مجموعة من القيود الداخلية والدولية، أعجز من أن تفرض على القيادة الإيرانية تصوراتها لمستقبل المشروع النووي، كما لمستقبل الدور الإقليمي لإيران، ولكنها في الوقت ذاته ما زالت قادرة على وضع القيادة الإيرانية في موضوع الدفاع عن النفس، وفي وضع المنطقة والعالم بأسره على أبواب احتمالات حرب مدمرة تدك استقرار الدول المجاورة لإيران امنياً وسياسياً، وتدك استقرار الدول البعيدة عنها نفطياً واقتصادياً.
باختصار، وبالمصطلحات الإستراتيجية الشائعة، يمكن القول إن إدارة بوش ما زالت تمتلك أوراقا «تكتيكية» متعددة، لكنها لم تعد تملك القدرات الإستراتيجية اللا محدودة التي بدا أنها تمتلكها بالفعل بعد انهيار المنظومة السوفيتية، واحتلال العراق وأفغانستان.
طبعاً حين تواجه الدول العظمى واقعاً كهذا، لن تستطيع أوراقها التكتيكية أن تعيد صياغة الموازين الإستراتيجية لصالحها، بل ستضطر تلك الدول، في النهاية، إلى سحب أوراقها التكتيكية تلك لصالح الواقع الاستراتيجي الحقيقي.
في ظل هذا الواقع الذي بات يقيد سياسات بوش ويحاصرها، داخل الولايات المتحدة وخارجها، لا يبقى لإدارة الرئيس العنيد سوى الاعتماد على أسلحة ثلاثة، مشتركة في مرمى نيرانها، متكاملة في تحقيق أهدافها.
السلاح الأول:
هو الحرب الإعلامية التي خصصت لها الإدارة الأميركية، منذ بدء الحرب على العراق، ميزانية ضخمة، وإدارة خاصة في البنتاجون، باسم دائرة «التضليل الإعلامي»، ثم ما لبثت أن غيرت اسمها دون انه تغير أهدافها.
إن هذه الحرب الإعلامية تنطلق من مبدأ إعلامي ونفسي بسيط يطور نظرية جوبلز النازي الشهيرة: )اكذب ثم اكذب ثم اكذب، فلا بد أن يصدق الناس بعض ما تقوله).
يقوم هذا المبدأ الإعلامي والنفسي على أن الحقيقة التي ترسخ في أذهان الناس ليست الحقيقة الحقيقية، بل هي الصورة التي ينجح الإعلام، وغيره، في رسمها لتلك الحقيقة، لذلك نرى حجب أخبار وحقائق وإبراز غيرها، كما نرى تحريفاً في الخبر ذاته إذا لم يكن بالإمكان حجبه، وتضخيماً لأخبار وأدوار وقوى وأشخاص وتحجيماً لأخبار وادوار وقوى وأشخاص.
أما السلاح الثاني:
فهو ما يسمى «بالعلاقات العامة» وقد باتت شركات «العلاقات العامة» كشركات «الأمن» الخاصة،مؤسسات ضخمة في عالم اليوم تسير موازية لوزارات الخارجية والأجهزة الدبلوماسية وللقوات المسلحة والأجهزة الأمنية النظامية.
في مجال (العلاقات العامة) مثلاً، ليس مهماً الوصول إلى نتيجة محددة بل القيام بحركة توحي بإمكان الوصول إلى هذه النتيجة، فعملية السلام مثلا، لا السلام، تصبح هي الهدف. وهذا ما لمسه العرب والعالم منذ أواخر الستينات حين انطلقت ما سمي اليوم «عملية السلام» في «الشرق الأوسط»، فإذا بنا بعد أربعة عقود نرى «السلام» يبتعد، وعملية «السلام» تلف أعناقنا، وتشل إرادتنا، وتهزأ بحقوقنا، وتنتج الانقسامات في صفوفنا، وتخفف من مسؤولية أعدائنا.
لهذا السلاح، وللسلاح المكمل له أي الإعلام، تبرز مهمتان متوازيتان أولاهما تسويق أصحابها، وفي هذه الحال المقصود تسويق الإدارة الأميركية، خصوصاً أمام الرأي العام الداخلي الذي تتعاظم اعتراضاته، وتتزايد انتقاداته، وتكثر تساؤلاته.
فما تعجز وسائل الإعلام الكبرى عن تسويقه من سياسات، وتغطيته من هزائم، تعمد حركة العلاقات العامة إلى معالجته، فتكثر الزيارات إلى المنطقة ،أو تتكاثر المبادرات التي تسعى الواحدة منها إلى طمس سابقتها وإدخالها دائرة النسيان، أو تتواصل التقارير المليئة بالتوصيات فإذا بالرأي العام الأميركي «أمام تقارير وتقارير فيما المطلوب قرار واحد.
أما المهمة الأخرى:
فهي المتصلة بالضحية أو بالضحايا (كما هو حالنا في المنطقة) حيث تجند وسائل الإعلام هذه، وحركات العلاقات العامة، كل طاقاتها لزرع بذور الفتنة داخل مجتمعنا، ولإطلاق موجات التفتيت والانقسام في أوطاننا، ولخلق فوضى «خلاقّة» (سميناها في مطلع عام 1991 بالفوضى العالمية المنظمة كبديل عن النظام العالمي الجديد).
فوراء كل صورة تبث على بعض المرئيات مشروع تحريض، ووراء كل مبادرة تطلق فتنة يتم التحضير لها، ووراء كل تشجيع لفريق محلي على آخر مشروع تحريض يبدأ بالكلام أولا ليصل إلى الدم بعد حين.
وهكذا نصل إلى السلاح الثالث وهو الفتنة والحروب والصراعات الأهلية، ونظرة سريعة إلى ما يجري في منطقتنا كافية لان تظهر حقيقة ما نشير إليه.
ولكن يبقى السؤال :
إلى متى ستبقى منطقتنا أسيرة هذه الأسلحة الثلاثة: تضليل وتجهيل في الإعلام، نفاق وكذب في العلاقات، وإمعان في تفتيت الأوطان وتمزيق المجتمعات؟..
الجواب بالطبع ليس صعبا، انه مرهون بوعينا لهذه الآليات، والتحرر من تأثيرها، وإدراك مخاطرها على الأمة وعلى الوطن، كما على الأطراف المتنازعة نفسها داخل الأوطان والأمم.
والآن ماذا لو كان الرئيس الراحل ياسر عرفات في خريف أنابوليس!!!..
كيف يواجه اجتماعاً يُحشر فيه بين التآمر والخداع والتسكين والمساومة، قي الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني اليوم انقساماً خطيراً يزيد من خطورته خريف عربي طاغٍ، فيما تزداد الخطورة خطورة كلما اقتربنا من الاجتماع الذي دعا إلى عقده، في أنابوليس، الرئيس الأمريكي بوش الذي وصفه في البداية بأنه "مؤتمر!"، ثم تدخل البيت الأبيض ليصوب الوصف، قائلاً إنه "لقاء دولي!"، ثم عاد مرة أخرى ليصفه بأنه مجرد "اجتماع!".
إنه اجتماع بلغ حد الغموض فيه إلى درجة أنْ لا شيءَ، حتى اللحظة مفهوم سوى أن مكان انعقاد الاجتماع هو مدينة أنابوليس في ولاية ميريلاند الأمريكية.
ماذا كان لأبي عمار أن يفعل في اجتماع أنابوليس لو كان حياً؟! ربما لم يكن هذا الاجتماع لينعقد من أصله..لماذا؟.. لخبرته الطويلة مع أكاذيب الإدارة الأمريكية..فهل استفاد سلفه من ذلك أم انه لا يفقه شيئاً عن قضيته أساساً؟.
سوف يسمع أبو عمار عن ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية أنها تهدف إلى اتخاذ خطوات ضرورية في اتجاه سلام دائم يستند على رؤية بوش في حل الدولتين، لكنه سرعان ما يعطي الرد، استناداً على ما خَبِرَه من كذب الولايات المتحدة وانعدام مصداقية رئيسها الذي تحدث عن رؤيته في حل الدولتين منذ بداية ولايته الثانية، أي منذ خمس سنوات كاملات انقضت كلها دون أن يخطو ولو خطوة واحدة نحو الوفاء بوعده، ثم جاء بعد خمس سنوات، حيث حل خريف أيامه السياسي، ليحقن الفلسطينيين بمسكن جديد، معطياً بذلك الانطباع بأنه ما يزال يتذكر ما كان قد وعد!..
لن يغيب عن ياسر عرفات الخداع الأمريكي والتضليل الإسرائيلي، الأمر الذي يدفعه – بكل تأكيد – إلى القول لكل من يحسن الظن بالولايات المتحدة وإسرائيل: "
يا خويا الجواب بيتفهم من عنوانه" و"اللي في الحلة يا خويا بتطلعه المغرفة"..!!! ..
ثوابت:
1ـ إذا كانت إسرائيل – وهي المعتدية والمحتلة – ليست في وارد التنازل عن أي من ثوابتها.
2ـ وإذا كان رئيس حكومتها يرى أن اجتماع أنابوليس ليس مؤتمراً للسلام، وليس بديلاً عن المفاوضات المباشرة، وأن اتفاق السلام مع الفلسطينيين ربما يحتاج إلى (أربعين عاماً!)، كما قال.
3ـ وإذا كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، ليفني، تقول: "لا أريد أن أرى لاجئاً فلسطينياً واحداً يعود إلى إسرائيل".
فيما ترفض في الوقت ذاته "تحديد جدول زمني للمفاوضات"، مدعومة في ذلك من بوش ووزيرة خارجيته رايس.
4ـ وإذا كانت اجتماعات عباس وأولمرت الثمانية، ثم اجتماعات قريع وليفني بهدف إنجاز وثيقة سياسية مشتركة تُطرح على اجتماع أنابوليس لم تُنجِِزْ حتى اللحظة شيئاً جراء إغراقها في التركيز على قضايا جانبية إجرائية في ذات الوقت الذي ظلت فيه إسرائيل تطالب الفلسطينيين بتطبيق ما عليهم من التزامات خارطة الطريق، دون أن تطبق هي ما عليها من التزامات مقابلة.
5ـ وإذا كانت إسرائيل هذه، هي ذاتها إسرائيل التي طلبت من منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بها دون أن تعترف هي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته.
6ـ وإذا كانت إسرائيل قد قامت باجتياح نابلس لتقطع على السلطة الوطنية الفلسطينية خطتها لفرض الأمن فيها، بعد موافقتها – في أعقاب مراوغات استمرت 6 أشهر – على إعادة انتشار بضع مئات من أفراد الأمن الفلسطيني، شريطة أن تكون نابلس تحت الحماية الفلسطينية نهاراً فيما تكون تحت السيطرة الإسرائيلية ليلاً.
7ـ وإذا كانت إسرائيل ترفض العرض الأمريكي بتغيير جزئي للواقع وإزالة لبعض البؤر الاستيطانية مقابل عدم طرح القضايا الجوهرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على اجتماع أنابوليس.
8ـ وإذا كان ليبرمان (إسرائيل بيتنا)، ويشاي (شاس) يهددان بالانسحاب من الائتلاف الحكومي وإسقاط الحكومة إذا قبلت البحث في القضايا الجوهرية مع الفلسطينيين في اجتماع أنابوليس.
9ـ وإذا كان أقصى ما يمكن أن يحصده الفلسطينيون من اجتماع أنابوليس هو الاتفاق على الاستمرار في التفاوض (لثلاثين أو أربعين عاماً!)، كما يقول أولمرت.
10ـ وإذا كان شامير قد توعد سابقاً بمفاوضة الفلسطينيين لعشرات السنين، ثم يأتي اليوم أولمرت ليقول إنه سيفاوض الفلسطينيين (ثلاثين سنة أو أربعين!).
فهل كان عرفات سينتظر ثلاثين سنة أخرى أو أربعين، وهو يفاوض الإسرائيليين، ضمن أفق لا نهاية له، ولا وضوح لمعالمه أو لنتائج العبور في متاهاته وغياهبه؟!.
11ـ وإذا كانت إسرائيل تطالب الفلسطينيين اليوم بالاعتراف بها "دولة يهودية ديمقراطية"، وهي التي لا تعترف للشعب الفلسطيني بأبسط حقوقه في تقرير مصيره وإقامة دولته.
12ـ وإذا كانت إسرائيل وأمريكا قد ظلتا ترفضان دوماً فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام، حتى أنهما رفضتا، على الفور، المبادرة الروسية التي أطلقها الرئيس الروسي بوتين في صيف عام 2005 لعقد مؤتمر دولي للسلام، في العاصمة الروسية موسكو، في خريف العام نفسه.
13ـ وإذا كانت خشية الشعب الفلسطيني كبيرة من أن يضع اجتماع أنابوليس حداً نهائياً لـ "الصراع العربي الإسرائيلي" ليُسْتَنهض عوضاً عنه "الصراع الفلسطيني الفلسطيني"، بغية التركيز على موضوع واحد هو الصراع بين شرعية هذا ولا شرعية ذاك، ترسيخاً للقطيعة وتعميقاً للانقسام.
14ـ وإذا كنا لا نملك ما يؤكد أو ما يشير إلى أن اجتماع أنابوليس يهدف إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية، و إلى البحث في بنودها الجوهرية كالقدس واللاجئين والاستيطان والحدود.
15ـ وإذا كانت القناعة الفلسطينية لم يعد يداخلها أدنى شك في أن حرص إدارة الرئيس بوش على المصلحة الإسرائيلية هو أكبر بكثير من حرصها على المصالح الأمريكية، وهو ما عبرت عنه دراسة هارفارد الشهيرة الصادرة في مارس 2006.
16ـ وإذا كان لدى الحكومة الفلسطينية ورئيس الدولة محمود عباس اقتناع كامل بأن إدارة بوش الحالية، تريد في نهاية أيامها – ومن خلال هذا الاجتماع الدولي – أن تقدم لإسرائيل ما لم تكن الإدارات الأمريكية السابقة قد قدمته.
17ـ وإذا كان أولمرت يؤكد، ويعيد التأكيد، على أن اجتماع أنابوليس سوف يستند – من بين ما يستند عليه من وثائق – على وثيقة الضمانات الأمريكية الشهيرة ذات اللاءات الكبيرة في وجه القدس واللاجئين والحدود، والتي سلمها بوش إلى شارون في واشنطن بتاريخ 14/4/2004، والتي وصفها دوف فايسجلاس، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بأنها "ذخيرة سياسية ملزمة"، ما يعني الحسم الإسرائيلي المسبق لثلاث قضايا رئيسية بارزة عبر ثلاث لاءات إسرائيلية الأصل أمريكية الاعتماد والدعم والتبني.
18ـ وإذا كانت تلك اللاءات الإسرائيلية الثلاث تقف سداً عازلاً يحجب مبادرة السلام العربية ويطغى عليها، بل ويقتلها في مهدها.
19ـ وإذا كنا الآن أمام انقسام فلسطيني خطير، ووسط خريف عربي مؤلم ومخجل.
20ـ وإذا كان اجتماع الخريف يكتنفه الكثير من الغموض، ما يدفع إلى عدم الاطمئنان إلى نتائجه، حيث لا جدول أعمال ولا جدول زمنياً ولا ضمانات، ولا تاريخ محدداً... ولا... ولا...
21ـ وإذا كان موعد انعقاد هذا الاجتماع الذي دعا إليه بوش منذ أربعة أشهر، وتحديداً منذ 16/7/2007، قد تغير مرات عديدة: من 15 و 16 نوفمبر إلى 20 و 21 نوفمبر إلى النصف الثاني منه، ثم إلى 26 منه، ثم جاءت رايس لتقول: إن لم ينعقد المؤتمر في 26 نوفمبر، فإن الخريف سيظل مستمراً حتى ديسمبر!..
22ـ وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يؤكد على أن ما تنتجه لقاءاته مع رئيس السلطة الفلسطينية لن يكون ملزماً لإسرائيل في أي حال.
23ـ وإذا كان أولمرت يقول إنه غير ملزم بأي جدول زمني لتنفيذ أي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين.
24ـ وإذا كان اجتماع أنابوليس يهدف – بالدرجة الأولى – إلى إحداث اختراق إسرائيلي للمحيط العربي عبر تطبيع مجاني.
25ـ وإذا كان بوش يريد من اجتماع الخريف أن يفرض على العرب التطبيع مع إسرائيل قبل السلام معها، حيث قال: " على الدول العربية أن تتابع "مبادرة السلام العربية" من خلال وضع حد لوهم عدم وجود إسرائيل وعدم الاعتراف بها، ووقف التحريض على الكراهية في إعلامهم الرسمي، وإرسال موفدين على مستوى الوزراء إليها".
26ـ وإذا كان الاجتماع يهدف إلى قسمة المعتدلين من العرب إلى قسمين: وسطيون معتدلون ومتشددون متطرفون، على الرغم من أن مبادرة السلام العربية قد أبانت على نحو لا يترك للشك مجالاً أن العرب جميعهم هم في معسكر الوسطية والاعتدال.
27ـ وإذا كانت إسرائيل قد رفضت المبادرة العربية للسلام التي تعطيها من الأمن والسلام ما لم تكن قد حلمت به.
28ـ وإذا كانت رايس قد قالت "إن الولايات المتحدة لن تضغط على إسرائيل"، ما يعني أن ضغطها سوف لن يصوب إلا على الفلسطينيين.
29ـ وإذا كانت رايس قد وصفت اجتماع أنابوليس بأنه "إجرائي".
30ـ وإذا كان الاجتماع يهدف على المستوى الفلسطيني تعميق القطيعة وترسيخ الانقسام الداخلي وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية بغية احتوائها والانقضاض على قرارها.
31ـ وإذا كانت إسرائيل قد أصدرت – وحتى قبل اجتماع أنابوليس – الأوامر لبناء مئات الوحدات الاستيطانية، كما تقوم بأعمال بناء متواصلة في 88 مستوطنة، وتخطط لتنفيذ مشروع سياحي متكامل تحت البلدة القديمة في القدس، كما تواصل عمليات الاجتياح، والاغتيال، ومصادرة الأراضي، وزيادة التسارع في بناء المستوطنات في الضفة وقي القدس تحديداً، حيث تم الاستيلاء حديثاً على 1100 دونم من أراضي أبو ديس، والإعلان عن الشروع رسمياً في بناء 3500 وحدة استيطانية في المنطقة E-1، والسماح ببناء 6100 وحدة سكنية استيطانية على أراضي الضفة، مع الاستمرار بمواصلة عمليات الفصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها، والاستمرار – بلا هوادة – في بناء جدار الفصل العنصري، والاحتفاظ بآلاف الأسرى، فضلاً عن أسرى جدد يتم اعتقالهم بما يزيد عن أولئك الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً وفوق كل ذلك، فقد تم حتى الآن إقامة 4 مستوطنات ضخمة حول القدس لتحيطها من جهاتها الأربع، والإعلان عن تسويق 2000 وحدة استيطانية، والمصادقة على الاستيطان في "حي اليمن" بسلوان، وإصدار أوامر عسكرية بالاستيلاء على 378 دونم في أراضي الطور والعيزرية وأبو ديس.
32ـ وإذا كان 61 عضو كنيست قد وقعوا على عريضة تقضي بعدم التنازل عن أي أرض في القدس.
33ـ وإذا كان شمعون بيرس يؤكد على أن الأماكن المقدسة ستبقى في أيدي الإسرائيليين لا محالة.
34ـ وإذا كان السفراء الأمريكيون الأربعة الذين عملوا في المنطقة العربية يقرؤون فشل اجتماع أنابوليس سلفاً، فيما الأمريكيون الثمانية برئاسة مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، زبيجينو بريجينسكي، قد أوضحوا في رسالة لبوش معالم فشل اجتماع أنابوليس ومخاطره.
35ـ وإذا كانت الثوابت الفلسطينية التي رسم حدودها ورسخها ياسر عرفات وجعل منها خطاً أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، قد باتت أمراً شديد الوضوح، لاسيما في قضايا القدس واللاجئين والدولة في حدود 67، فماذا كان عرفات فاعلاً لو كان حياً؟!!..
آخر الكلام:
لأن عرفات يعلم علم اليقين أن اجتماع الخريف في أنابوليس هو مصلحة أمريكية إسرائيلية مشتركة في المقام الأول، وأن الأمريكيين والإسرائيليين يهدفون من خلال هذا الاجتماع ـ
حتى وإن كان فاشلاً كما هو متوقع ـ إلى تحقيق كسب كبير على صعيد أجندتهم المشتركة،
فيما لا يتحقق أي كسب على صعيد حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولأن عرفات يملك من طول الخبرة وسعة الدِربة ما يؤكد له أنه لن يُكتب أي نجاح لأي عملية سياسية في ظل الانقسام الفلسطيني الحالي، ولأن عرفات يملك اليقين في أن الأمريكيين والإسرائيليين يسعون من خلال اجتماع أنابوليس إلى القفز عن حقوقنا، وتعميق القطيعة والانقسام بيننا، وتوسيع مساحة التطبيع العربي المجاني لصالحهم ضدنا.
فإن ياسر عرفات على الرغم من انه ( ومعه كل حكام العرب) قد حول القضية الفلسطينية من قضية إسلامية عالمية إلى قضية فلسطينية قومية وكأن القدس مدينة محلية وهي شأن فلسطيني بحت ويجب حله بمعرفة الفلسطينيين وحدهم ..
على الرغم من هذا كله وطبقاً لخبرته الواسعة مع الإدارات الأمريكية، فحتما لن يسير عكس الثوابت الفلسطينية التي عاش لها، وناضل طويلاً من أجلها، ودفع حياته رخيصة لقاء التمسك بها وعدم التنازل عنها.
فماذا لو كانت القضية إسلامية ..
أنظروا إلى السلطان عبد الحميد الثاني ماذا فعل..
في الحلقة القادمة سوف نطلعكم على الرسالة الوثيقة..
والحديث موصول بإذن الله تعالى..
القرارات والمواقف الأمريكية خلال العقد الأخير
رصدنا بعض القرارات والمواقف الأمريكية خلال العقد الأخير فكانت كما يلي :
1 ـ تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 24/3/1990 بالإجماع قراراً يعلن أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل ويجب أن تبقى كذلك .
2ـ وفي 24/4/1990 اتخذ مجلس النواب الأمريكي بأغلبية 378 صوتاً مقابل 34 صوتاً قرارا بـ ( الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ) .
3 ـ في 18/10/1990 طالب مجلس الشيوخ الأمريكي موسكو بفتح خط طيران مباشر مع تل أبيب لنقل المهاجرين اليهود .
4 ـ في 11/6/1997 تبنى مجلس النواب الأمريكي قراراً بتخصيص 100مليون دولار لبناء السفارة الأمريكية في القدس ، وصوت لصالح القرار 406 صوتاً مقابل 17صوتاً فقط .
5 ـ في 4/4/1998 وقع 81 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المائة على رسالة موجهة للرئيس " كلينتون " تطالبه بعدم ممارسة أي ضغط على ( إسرائيل ) لأن الحكومة الإسرائيلية نفذت التزاماتها وفقاً لاتفاقية أوسلو بينما أخل الفلسطينيون بهذه الالتزامات .
6ـ كل ذلك علاوة على سلسلة متصلة من استخدامات الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد كافة مقترحات القرارات التي تمس ( إسرائيل ) أو تدينها أو تحملها أية مسؤولية عن أي شيء.
7 ـ إضافة إلى الكم الهائل من القرارات والإجراءات والفيتوات التي اتخذتها ونفذتها الإدارة الأمريكية أيضا ضد العراق والسودان وليبيا .
فلماذا يا ترى نواجه نحن فلسطينيين وعرب ومسلمين مثل هذه السياسة الأمريكية المعادية حتى النخاع للأمة العربية والإسلامية ؟ فهل نحن يا ترى أمام إدارة صهيونية ؟! وأمام مجلس شيوخ ونواب أمريكيين أم صهيونيين ؟.أعتقد بقناعة راسخة وبالأرقام المحسوبة جيداً أن الكنيست الصهيوني لم يكن ليتخذ قرارات في القضايا المشار إليها بمثل هذه الأغلبية المتكررة لدى الأدلة والمجالس الأمريكية المتصهينة ، وحتى لو كانت قرارات الكنيست بالأغلبية الساحقة أو بالإجماع فهذه هويته وسياسته ووظيفته كمجلس صهيوني .
وأنقل هنا ما قاله "نواف الزرو" الصحفي المتخصص في الشئون الصهيونية في مقالة له تحت عنوان " عندما تكون واشنطن ونيويورك منطقتين محتلتين" نقتطف منها ما يلي :
" في مقالة قديمة له تحدث الصحفي الإسرائيلي ( أورى أفنيري ) رئيس تحرير مجلة (هعولام هزيه) العبرية سابقاً ، حول السياسة الأمريكية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي ، فكان ربما الوحيد في المجتمع السياسي الإسرائيلي الذي فضح حقيقة تلك السياسة ، حيث قال : ( إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تضغط على إسرائيل ، لأنها غير قادرة على ذلك بسبب مصالحها القومية المرتبطة بكل ما يتعلق بإسرائيل ) .
وأضاف أفنيري : ( من الناحية العملية فإن الولايات المتحدة تعتبر منطقة محتلة من قبل إسرائيل ، وهذا ليس احتلالا مباشراً مكشوفاً ، وحشياً وغبياً مثل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما هو احتلال محكم لا تجد له مثيلا ، أو شبيها أو أسوأ في الواقع العالمي، وربما ليس في تاريخ الشعوب ).
وأوضح أفنيري : ( أن مركز ثقل الاحتلال الإسرائيلي هو الكونجرس الأمريكي بمجلسيه اللذين يلعبان دوراً مركزياً في النظام السياسي الأمريكي، وبالتالي فإن السيطرة الإسرائيلية على الأجهزة صاحبة القرار في الولايات المتحدة مطلقة تقريباً, ويقول أفنيري : ( والحكم الإسرائيلي في نيويورك وواشنطن مستقر بصورة لا تقارن مع الحكم الإسرائيلي في غزة ورام الله ) .
لم يسجل التاريخ - ما زال الحديث لنواف الزرو ـ منذ نصف قرن من الزمن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية تجرأ على اتخاذ أي موقف ضد دولة الكيان الصهيوني ، ربما باستثناء " ايزنهاور " الذي تدخل إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956 وطالب قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من سيناء .
وبين ذلك العهد واليوم ، تكرست عملياً السياسة الأمريكية المنحازة لدولة الاحتلال والمعادية للأمة العربية ، ولعل غزو العدد الكبير من اليهود للإدارة الأمريكية ووزاراتها المختلفة يكرس أيضاً الصورة التي ذهب إليها أفنيري …
فالمصداقية الأمريكية تحطمت تماماً لدى أبسط المواطنين العرب ، والحيادية والنزاهة الأمريكية لم ولن تأتي ، والضغط الأمريكي لم ولن يأتي … والصراع سيبقى مفتوحاً مع دولة الاحتلال الصهيوني ، وليس أمام العرب من خيارات حقيقية سوى قدراتهم الذاتية والاعتماد على أنفسهم وتوظيف وتفعيل كافة الأوراق والأسلحة التي بحوزتهم بمنتهى المسؤولية التاريخية وأي شيء غير ذلك إنما هو هروب من المعركة الحقيقية وتخاذل مفجع عن القيام بتلك المسؤولية التاريخية ). انتهى الحديث .
8ـ وها هي ذي الإدارة الأمريكية بزعامة الرئيس الحالي جورج دبليو بوش محتلة بأكثر من18 مستشاراً رئيسياً.. والخارجية الأمريكية محتلة بوجود أكثر من24 سفيراً يهودياً متشدداً في دول العالم ، ووزارة الدفاع الأمريكية لا تتحرك ولا تقرر في الشأن الشرق أوسطي إلا بما يخدم التحالف الاستراتيجي والمصالح الإسرائيلية .
ومن عند النقطة الأخيرة أكمل حديثي وأعود لما هو مطروح علينا من الإدارة الأمريكية الإسرائيلية بشأن القدس والمطلوب موافقة سريعة على التنازل وتوقيع صك الإذعان قبل نفاد الوقت وفوات الأوان، وبالطبع لن نتحدث هنا جدياً عن الهذر التركي الذي يقترح تحويل المسجد الأقصى إلى متحف عالمي مفتوح …لقد بلغ الضغط الأمريكي ـ المباشر والغير مباشر ـ مداه على العرب وبلغ التراجع العربي أيضاً مداه، لولا ارتعاشات ضمير وخوف تاريخي تنتاب هذا الزعيم أو ذاك ، فيتراجع سريعاً عن خطوة كان قد وافق عليها بالأمس أو بالهمس .
وفي جرد الحساب الأخير نكتشف أن مائة عام من الصراع بين الحركة القومية الدينية الصهيونية ، وبين الحركة القومية العربية ، قد جرى اختصارها وابتسارها وتقزيمها إلى جزئيات صغيرة بل وهامشية أحيانا بعدما خضعنا للابتزاز ودخلنا المناقصات ، وقبلنا الضغوط وتخلينا عن كل مصادر المقاومة والرفض .
لقد بعنا فلسطين بقدسها، وقبلنا بقيام ( إسرائيل ) على أسنة الرماح الأوروبية الأمريكية، ثم رفضنا قرار التقسيم عام 1947 لنفقد ما تبقى من فلسطين عام 1967، وها نحن نفاوض ونساوم على شرائح مبعثرة من الأرض لنقيم عليها دولة تتحكم فيها إسرائيل براً وبحراً وجواً ثم ها نحن نفاوض على ما تبقى من القدس، فنقبل باختصارها من المدينة القديمة بكاملها إلى مبنى المسجد الأقصى فوق الأرض، بلا سيادة على أرضه وأساساته وساحته وحوائطه خصوصاً الغربية، تعبيراً عن تنازلات تاريخية من سيئ إلى أسوأ. من رفض قرار التقسيم عام 1947 إلى قبول كامب ديفيد عام 1978 ومن رفض كامب ديفيد إلى توقيع أوسلو 1993 - 1995 ومن أوسلو تناقصا إلى اتفاقيات الخليل وشرم الشيخ وواي ريفر، ومن التمرد على كامب ديفيد الثانية إلى قرب التوقيع في كامب ديفيد الثالثة، ومن السيادة الكاملة على القدس الشرقية إلى السيادة الغامضة باسم السيادة الإلهية على المسجد الأقصى …
ففي الوقت الذي انصرف العرب مسلمين ومسيحيين إلى مجرد التمسك بشعارات القدس لنا ، انكب الإسرائيليون على مدى الربع قرن الأخير، على إعادة تشكيل القدس بعد ضمها أثر عدوان 1967 , ولعل أهم ما فعلوه ليس فقط نقل العاصمة إليها وليس فرصة السيطرة الأمنية والدينية والبلدية على مجريات الحياة فيها ، لكن أهم ما فعلوه هو تغيير تركيبتها السكانية ليصبحوا هم الأغلبية بشرياً وواقعياً.
لقد كان عدد اليهود في القدس كلها عام 1914 هو 60 ألف يهودي فقط مقابل 70 ألف مسيحي، بينما كان عدد المسلمين نصف مليون، فإذا الوضع منذ عام 1967 حتى اليوم - 22/9/2007 - ينقلب رأساً على عقب ليصبح الإسرائيليون هم الأغلبية بعد ضم الشطر الغربي إلى القدس الشرقية وبعد محاصرة المدينة بسلسلة مركبة من المستوطنات الإسرائيلية هدفها تذويب الوجود العربي المسلم والمسيحي في بحر إسرائيلي يتيح لهم ترويج وتثبيت الإدعاء أنهم هم أصحاب المدينة العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل خصوصاً بعد حملات طرد العرب ومصادرة بيوتهم وممتلكاتهم وتحريم دخولهم المدينة أصلاً.
ولم يكن ذلك إلا ترجمة " للحلم الديني القومي " الذي أعاد بعثة تيودور هيرتزل الأب الروحي للحركة الصهيونية ، منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر والذي عبر عنه في كتابه الشهير ( الدولة اليهودية ) الصادر عام 1902 ، لقد اتفق هيرتزل ـ في البدايات المبكرة ـ مع رفيق حلمه البروفيسور ( شاتس ) على مخطط تحويل القدس تدريجياً إلى مركز الحركة الصهيونية آخذاً في الاعتبار الحساسية الدينية الإسلامية والمسيحية حتى لا يستنفرا العداء مبكراً ولذلك جاء اقتراح " السيادة الإلهية " على الأماكن المقدسة في القدس القديمة ، فخا معنوياً جذاباً ..
الآن .. بعد مائة عام تقريباً .. يعود مقترح السيادة الإلهية بعد تعديله وتنقيحه في ظل التغيرات التي حدثت وخصوصاً السيطرة الإسرائيلية على القدس وتوسيع محيطها وتعبئتها بمئات الآلاف من المستوطنين ، سيادة الله التي طرحها بعض المفكرين والباحثين الأمريكيين واليهود ، تعنى فقط مبنى المسجد الأقصى فوق الأرض ما عدا حائط البراق( حائط المبكى) على أن يبلع العرب الطعم فيرتفع العلم الفلسطيني فوق المسجد وكفى .
وهكذا جاء اقتراح الرئيس كلينتون والذي هدد به عرفات ما لم يقبل شروط باراك لكن عرفات واجه كلينتون - يقول سليم الزعنون - بقوله : " بأن هذا ليس حلا وسطا أمريكيا ، إنما هو مشروع إسرائيلي بالكامل سبق أن اطلع عليه أحد أعضاء الوفد الفلسطيني مع أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي " .
وحصل عرفات على نسخة منه, و بادر عرفات لإبرازها أمام كلينتون، الذي أُسقط في يده ، ويقول الزعنون أن هذه الواقعة تحديداً هي التي جعلت "ياسر عبد ربه" وزير الثقافة والإعلام الفلسطيني يقول في إحدى المناسبات " إن الذي يدير الأمور في كامب ديفيد عصابة أغلبها من اليهود يقومون بتضليل كلينتون نفسه، وإذا بالرئيس الأمريكي بعد أن فاجأه عرفات بنسخة من المشروع الإسرائيلي توقف عن الحديث برهة ثم قال لعرفات مفتعلاً لغة الناصح : إني أخشى عليك من الكونجرس بعد انتهاء ولايتي الذي قد يقرر العودة للتعامل معك بصفتك إرهابياً ، ويوقف عنك المساعدات بما في ذلك المساعدات التي سبق أن تقررت كما أنه قد يقرر نقل السفارة الإسرائيلية للقدس .
وأضاف كلينتون : لدى توجس بأن باراك سيعود إلى إسرائيل للعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع شارون ( وحينما أصبح شارون رئيساً للوزراء جعل من باراك وزيراً للحرب في حكومته اختاره شارون لينتقم من عرب فلسطين الذين لم يعطوه أصواتهم وأسقطوه أمام شارون، وهو الآن يشغل نفس المنصب في حكومة إيهود إولمرت ). الـذي سيتـولى تنفيذ مخطط الترانسفير ( التهجير ) القصرى لشعبكم إلى الخارج لتصبحوا غير قادرين على إطعامه ، كما سيمنع 130 ألف عامل فلسطيني من العمل داخل إسرائيل ، وسيمنع 30 ألف عامل وتاجر فلسطيني من حملة بطاقات V.I.B من حرية التنقل وكل هذا سيؤدي إلى اندلاع ثورة جوع من قبل الشعب الفلسطيني ضدك )..
ثم التقط الحديث " كينث " مدير الـ CIA قائلاً : يبدو أن عرفات لا يدرك أنه يعيش في منطقة يسهل فيها تغيير الشعوب والحدود .
رد عرفات على كينيث موجها حديثه لكلينتون قائلاً : ( يبدو أنه يوجد داخل وفدك من يريد المشاركة في جنازتي، وطلب من كلينتون أن يقول لكينيث وللإسرائيليين، أن الذي يفاوضكم الآن هو عاقل فلسطيني خبر الحرب النظامية والعصابية ، وآمن بالسلام وحصل هو ورابين ( رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ) و "بيريس " ـ رئيس وزراء إسـرائيل اللاحق ورئيس دولة إسرائيل الحالي ومهندس المفاعل النووي في ديمونه ـ على جائزة نوبل لسلام الشجعان ، وهذا هو الحل الوحيد لإعادة الهدوء للمنطقة (!؟)..
وأضاف عرفات : أخشى عليكم إن كنتم تراهنون على ما تبقى من حياتي أن يأتي إليكم ، بعد خمسين سنة، مجنون فلسطيني ( !!!!!! ) يقول لكم لست موافقاً على أوسلو أو على أي شيء آخر، وحقوق الشعب الفلسطيني هي المنصوص عليها في القرار181 (؟؟؟)..
عند هذا الحد ، أشاد كلينتون بشجاعة عرفات قائلاً :
( لقد أفهموني أن سقفك أقل من هذا) ـ يقصد بكلمة سقف أي حد المفاوضات أو مستواها ـ. واقترح تأجيل التفاوض حول قضية القدس لمدة عشر سنوات .
وعلى الرغم من أن حكومة باراك قد تركت لحكومة شارون تركة مفاجئة وهي الرقم العالي في بدايات البناء في المستوطنات منذ أن شغل شارون منصب وزير الإسكان عام 1992 قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو ، وحسب معطيات جمعها عضو الكنيست "موسى راز " من " ميرتس " مستنداً إلى وزارة البناء والإسكان في عام 2000 تم البدء ببناء 1943 وحدة سكنية في إطار البناء العام في المستوطنات ..
وللمقارنة: في عام 1993 تم بناء 408 وحدات سكنية فقط وفي عام1994 تم بناء 571 وحدة سكنية ، ومنذ عام 1995 طرأ ارتفاع في عدد الوحدات السكنية واستمر حتى الرقم القياسي 1943عام 2000 وأشار " راز " أن 25 في المائة فقط من البناء هو بناء عام ، وبهذا يكون البناء الفعلي في المناطق يشكل أربعة أضعاف هذه الأرقام ، ويتضح أيضاً من معطيات وزارة الإسكان حسب " راز " أنه حتى الآن ( 28/2/2001) تم بيع 632 وحدة سكنية فقط في مشروع جبل أبو غنيم من بين حوالي 2000 وحدة سكنية معروضة للبيع ..
على الرغم من هذا كله سقطت حكومة باراك ، لأنه تحت الضغط الأمريكي (!!!) سمح بتقسيم القدس إلى أربعة أقسام - كما سبق ذكره
قسم يضم مبنى المسجد الأقصى فوق الأرض وهذا يخضع للسيادة الفلسطينية
قسم ثان يضم حائط المبكى .
قسم ثالث يضم ساحة المسجد الأقصى .
قسم رابع وأخير يضم الأرض تحت المسجد الذي يزعم الإسرائيليون أن بها أساسات الهيكل القديم .
والأقسام الثلاثة الأخيرة تخضع للسيادة الإسرائيلية ، أما باقي القدس الشرقية ـ القديمة ـ أما باقي المقدسات الإسلامية والمسيحية فلا حديث عنها أو حولها لأنها جزء من عاصمة إسرائيل الأبدية ، فكيف يسمح باراك لنفسه أن يتنازل عن قسم يضم مبنى المسجد الأقصى المبنى فوق الهيكل والذي يجب أن يزال وحتما سوف يزال وإلى أن يزال فعلى حكومة باراك أن تزال …
المفضلات