

-
الرد على الروايات الواردة في دعوى اللحن في القرآن وتفنيدها
وردت بعض روايات مسندة إلى السيدة عائشة - رضى الله عنها - والى عثمان - رضى الله عنه - ، والى سعيد بن جبير ، تفيد هذه الروايات أن فى القرآن المتواتر الذى نتعبد الله به لحناً هو من ت
الرد على الروايات الواردة في دعوى اللحن في القرآن وتفنيدها
وردت بعض روايات مسندة إلى السيدة عائشة - رضى الله عنها - والى عثمان - رضى الله عنه - ، والى سعيد بن جبير ، تفيد هذه الروايات أن فى القرآن المتواتر الذى نتعبد الله به لحناً هو من تصرف كتاب الوحى ، ومع ذلك فقد تلقته الأمة بالقبول على ما فيه من لحن ظاهر باعتراف أفاضل الصحابة ، وهذه هى الآثار التى وردت فى ذلك:
1- أخرج أبو عبيد فى فضائل القرآن عن أبى معاوية عن هشام بن عروة عن ابيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى ((إنّ هذان لساحران)) وعن قوله تعالى: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)) وعن قوله تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)) فقالت: يا ابن أختى ، هذا عمل الكتاب أخطأوا فى الكتاب ا.هـ
أى أن هذا الخطأ هو من عمل كتاب الوحى أثناء كتابة هذه الآيات.
2- وأخرج أبو عبيد أيضاً عن عثمان - رضى الله عنه - أنه لما كتبت المصاحف عرضت عليه ، فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها ، فإن العرب ستغيرها - أو قال - ستعربها بألسنتها.
3- وعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ (والمقيمين الصلاة) ويقول: هو من لحن الكتاب.
الرد على الشبهة
نحن هنا أمام شبهة من وجهين:
أحدهما: آثار يجب نقدها والرد عليها وتوجيهها على فرض صحتها.
وثانيهما: كلمات من القرآن الكريم فى جمل ادعى أنها خالفت قواعد العربية فما وجهها؟
أولاً : فيما يتعلق بالآثار:
أ- بالنسبة للإسناد الأول الذى نقل عن طريق عائشة -رضى الله عنها -جاء فى الإتقان: إنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وفى هذا الحكم نظر حيث إن أبا عبيد رواه عن أبى معاوية الضرير ، واسمه: محمد بن خازم التميمي.
وثق العلماء حديثه عن الأعمش ، فقال وكيع: ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبى معاوية. وكذا قال ابن معين وغيره.
لكنهم عابوا أحاديثه عن غير الأعمش وقالوا: إنها مضطربة ، فقال ابن خراش: هو فى الأعمش ثقة وفى عيره فيه اضطراب.
وصرح الإمام أحمد بأن أحاديثه عن هشام بن عروة بالذات فيها اضطراب.
وقد اعتمد البخارى روايته عن الأعمش واحتج بها وأما روايته عن هشام بن عروة ، فلم يذكرها إلا فى المتابعات لا فى الأصول. ( ينظر: تهذيب التهذيب لابن حجر - 9/137 وما بعدها ، هدى السارى - 2/192.)
وهذا يسقط الرواية من أساسها ، ويجعلها غير صالحة للاحتجاج ، فكيف القول بأنها على شرط الشيخين ؟!!
ب- وأما بالنسبة للأثرين الآخرين فقد قال السيوطى: هى مشكلة جداً. ثم أضاف : كيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون فى الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللُّد؟ ثم كيف يظن بهم ثانياً فى القرآن الذى تلقوه من النبى -صلى الله عليه وسلم - كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ؟
ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته ؟
ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه ؟
ثم كيف يظن بعثمان - رضى الله عنه - أنه ينهى عن تغييره ؟
ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مروى بالتواتر خلفاً عن سلف؟
هذا ما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادةً.
ثم علق - أى السيوطى - على الرواية المنقولة عن عثمان -رضى الله عنه - بقوله: إن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأن عثمان جعل - المصحف الذى جمعه - إماماً للناس يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها؟
فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ ثم إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً ، ولكن كتب عدة مصاحف ، فإن قيل: إن اللحن وقع فيها جميعاً فبعيد اتفاقها على ذلك ، أو فى بعضها ، فهو اعتراف بصحة البعض. ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان فى مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف مختلفة قط إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن.
ج- هذه الروايات تخالف المتواتر عن عثمان -رضى الله عنه - فى نسخ المصاحف ، وجمع القرآن من الدقة والتحرى ونهاية التثبت ، بل يردها ما أخرجه أبو عبيد نفسه عن عبدالله بن هانئ البربرى مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف ، فأرسلنى بكتف شاه إلى أبى بن كعب فيها (لم يتسن) وفيها (لا تبديل للخلق) وفيها (فأمهل الكافرين) قال: فدعا بالدواء فمحى أحد اللامين فكتب (لخلق الله) ومحا فأمهل وكتب (فمهّل) وكتب (لم يتسنه) ألحق فيها الهاء.
كيف يتفق ما جاء فى الرواية التى نقدناها ، مع هذه الرواية الثانية التى تصف عثمان - رضى الله عنه - بالدقة فى مراجعة ما كان يكتبه النساخ وتصحيح ما كانوا يخطئون فيه وأنه لم يترك هذه الأخطاء لتقيمها العرب كما تقول الرواية الواهية.
د - وعلى فرض صحة هذه الآثار ، فكلمة "لحن" فيها لا يقصد بها المعنى المعروف للحن وهو الخروج على قواعد النحو ، وإنما يعنى بها كما يقول العلماء: القراءة واللغة والوجه ، كما ورد عن عمر قوله: أبى اقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه - أى قراءته -.
ويذكر السيوطى أن قول عثمان - إن صح - فإنما ينصرف إلى كلمات كتبت على هيئة مخصوصة ، ورسم معين يخالف النطق مثل (لا اذبحنه) فى سورة النمل (آية:21) ، ومثل (بأييد) فى سورة الذاريات (آية:47) فإنها كتبت بياءين.
يقول السيوطى: فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً. فهذا معنى قول عثمان - رضى الله عنه - إن به لحناً ستقيمه العرب بألسنتها ، فهو أشبه بالتنبيه إلى ضرورة أن يؤخذ القرآن الكريم عن طريق التلقين والمشافهة ، بواسطة شيخ ، وألا يكون الاعتماد فقط على كتابة المصحف ، فإنه كتب على هيئة مخصوصة تخالف النطق فى أكثر الأحيان.
ثانياً: ما يتعلق بالآيات التى وردت فى الروايات وتوجيهها
الآية الأولى:
قال تعالى: ((إنّ هذان لساحران)) بتشديد نون "إنّ" وهى قراءة أهل المدينة والكوفة ، وهى قراءة سبعية متواترة عن الأئمة.
وقال الطبرى: هى قراءة عامة الأمصار
قال بعض النحاة فى - جراءة -: هذه القراءة خالفت القاعدة فى نصب "إن" ولا شك أن هذا من اللحن.
الرد عليهم:
يرد على القائلين بذلك بأن القراءة متواترة فلا يجوز ردها ولا تضعيفها بوجه من وجوه النحو لها فى غيره محمل ، فمن المقرر أن من ضوابط قبول القراءة موافقة اللغة العربية ولو بوجه ، ولا يشترط الموافقة من جميع الوجوه. وقد سبق تقرير ذلك.
وفيما يتعلق بهذه القراءة التى معنا وجهت بما يلى:
1- قيل: إنها وافقت لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد ، فإن الألف عندهم تلزم المثنى رفعاً ، ونصباً وجراً ، فيقولون : جاء الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان.
وجاء فى الشعر:
وأن أباها وأبا أباها
قد بلغا فى المجد غايتاها
وعلى القاعدة المعروفة : أبا أبيها ، وغايتيها.
وجاء أيضاً:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساقا لناباه الشجاع لصمما
وهذا الوجه من أقوى الوجوه التى تحمل عليها القراءة.
2- وقيل: إن "إن" حرف جواب بمعنى نعم ، وعليه فما بعدها مبتدأ وخبر.
وقد جاء فى الشعر العربى ما يفيد مجيئها بمعنى نعم. ومنه قول القائل:
بكر العواذل فى الصبو
ويقلن شيب قد علا
ح يلمننى وألومهنه
ك وقد كبرت فقلت إنه
أى : قلت : نعم.
وقد تناقل المفسرون وجوهاً أخرى يمكن أن تحمل عليها هذه القراءة غير أنهم فى النهاية ، رجحوا حملها على الوجه الأول الذى سلف ذكره.
الآية الثانية:
قال تعالى: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)) وهو جزء آية من سورة النساء وهى قوله تعالى: ((لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً))
والشاهد فى هذه الآية قوله : (والمقيمين الصلاة) حيث جاء منصوباً بين مرفوعين هما قوله (والمؤمنون) وقوله (والمؤتون الزكاة)
هكذا اعترض على هذه الآية فادعى أن فيها لحناً وخطأً نحوياً ، وإلا لتلقف المشركون هذا الخطأ لأنهم عرب خلص ، وهم يومئذٍ يتربصون بالقرآن بغية أن يجدوا فيه مغمزاً أو مطعناً ، ولكن ذلك لم يحدث فدل على أنه لا لحن فيه.
هذا وقد وجّه النصب فى (المقيمين الصلاة) بما يلى:
1- قيل: إن النصب فيه على المدح ، والناصب فعل مضمر تقديره أمدح ، أو أخص المقيمين الصلاة. والعلة بيان فضل الصلاة ومزيتها.
يقول أحد الباحثين: النصب على المدح أو العناية لا يأتى فى الكلام البليغ إلا لنكتة ، والنكتة هنا هى إظهار مزية الصلاة ، كما أن تغيير الإعراب فى كلمة بين أمثالها ، ينبه الذهن إلى وجوب التأمل فيها ويهدى إلى التفكير لاستخراج مزيتها وهو من أركان البلاغة …… ونظيره فى النطق أن يغير المتكلم جرس صوته ، وكيفية أدائه للكلمة التى يريد تنبيه المخاطب لها كرفع الصوت أو خفضه أو مده بها.
2- وقيل: إن الياء فى (المقيمين) للخفض ، لا للنصب عطفاً على الضمير المجرور فى (منهم) أى لكن الراسخون فى العلم منهم ومن المقيمين. وقيل: بل عطفاً على الضمير المجرور فى (إليك) أى يؤمنون بما أنزل إليك والى المقيمين الصلاة وهم الأنبياء. أو عطفاً على الكاف فى (قبلك) أى من قبلك ومن قبل المقيمين الصلاة وهم الأنبياء.
والأرجح الأول ، وهو الذى اعتمده سيبويه حيث قال فى كتابه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك "والمقيمين الصلاة" وأنشد شاهداً.
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم
الطاعنين ولما يطعنوا أحداً
إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
والقائلون لمن دار تخليها
الآية الثالثة:
قال تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً …………))
الشاهد قوله ( والصابئون ) حيث رفع فى مقام نصب لعطفه على اسم "إن" وهذا خطأ فى النحو عند من لم يفقهوا إلا أنه معطوف على اسم "إن" فكان ينبغى أن يأتى منصوباً ليواكب ما عطف عليه.
ونقول: اللفظ لا لحن فيه كما ادعوا ، ولكنهم عجزوا عن توجيه الرفع ، وتوجيهه سهل إذ له عدة أوجه هى:
1- أن يكون قوله ( الصابئون ) مرفوعاً بالابتداء ، والواو قبله للاستئناف ، والخبر محذوفاً ، والنية به التأخير عما فى حيّز (إن) من اسمها وخبرها.
كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكهم كذا والصابئون كذلك. وقد رجح ذلك سيبويه وأنشد له شاهداً:
ألا فاعلموا أنا وأنتم
بغاة ما بقينا على شقاق
أى : فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك.
وإذا كان (الصابئون ) النية به التأخير ، فلابد من حكمة تعلل تقديمه فى الذكر ، والعلة هنا التنبيه إلى أن الصابئين أشد إيغالاً فى الضلالة ، وعمقاً فى الغواية ، حيث لا عقيدة لهم ثابتة كالذين آمنوا وكأهل الكتاب ، ولكنهم - كما يذكر ابن القيم - يتخيرون من سائر ديانات العالم بعض شعائرها ، ويتركون البعض ولم يقيدوا أنفسهم بجملة دين معين وتفصيله.
وهذا الوجه أقوى الوجوه ، وأرجح ما تحمل عليه الآية الشريفة.
2- وقيل: إن الواو عاطفة والصابئون معطوف على موضع اسم (إن) لأنه قبل دخول (إن) كان فى موضع رفع وهذا مذهب الكسائى والفراء.
3- وروى عن الكسائى أيضاً أنه مرفوع عطفاً على الضمير المرفوع فى قوله (هادوا).
4- وقيل: (إن) هنا بمعنى نعم ، أى حرف جواب وما بعده مرفوع بالابتداء ، وعليه فالصابئون معطوف على ما قبله. والأرجح الأول كما سبق القول بذلك.
وبعد ، فهذه هى الآيات الثلاث التى وردت فى رواية عائشة - رضى الله عنه - ، وقد بان توجيهها وظهر لنا أن لها أكثر من وجه فى العربية ، فكيف يدعى بعد ذلك أن فيها أخطاء نحوية؟ وأختم بكلام نفيس لابن الحاجب حول اجتراء النحاة على بعض القراءات وادعاء أن الصورة التى جاءت عليها غير جائزة من جهة العربية.
صرف كتاب الوحى ، ومع ذلك فقد تلقته الأمة بالقبول على ما فيه من لحن ظاهر باعتراف أفاضل الصحابة ، وهذه هى الآثار التى وردت فى ذلك:
1- أخرج أبو عبيد فى فضائل القرآن عن أبى معاوية عن هشام بن عروة عن ابيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى ((إنّ هذان لساحران)) وعن قوله تعالى: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)) وعن قوله تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)) فقالت: يا ابن أختى ، هذا عمل الكتاب أخطأوا فى الكتاب ا.هـ
أى أن هذا الخطأ هو من عمل كتاب الوحى أثناء كتابة هذه الآيات.
2- وأخرج أبو عبيد أيضاً عن عثمان - رضى الله عنه - أنه لما كتبت المصاحف عرضت عليه ، فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها ، فإن العرب ستغيرها - أو قال - ستعربها بألسنتها.
3- وعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ (والمقيمين الصلاة) ويقول: هو من لحن الكتاب.
الرد على الشبهة
نحن هنا أمام شبهة من وجهين:
أحدهما: آثار يجب نقدها والرد عليها وتوجيهها على فرض صحتها.
وثانيهما: كلمات من القرآن الكريم فى جمل ادعى أنها خالفت قواعد العربية فما وجهها؟
أولاً : فيما يتعلق بالآثار:
أ- بالنسبة للإسناد الأول الذى نقل عن طريق عائشة -رضى الله عنها -جاء فى الإتقان: إنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وفى هذا الحكم نظر حيث إن أبا عبيد رواه عن أبى معاوية الضرير ، واسمه: محمد بن خازم التميمي.
وثق العلماء حديثه عن الأعمش ، فقال وكيع: ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبى معاوية. وكذا قال ابن معين وغيره.
لكنهم عابوا أحاديثه عن غير الأعمش وقالوا: إنها مضطربة ، فقال ابن خراش: هو فى الأعمش ثقة وفى عيره فيه اضطراب.
وصرح الإمام أحمد بأن أحاديثه عن هشام بن عروة بالذات فيها اضطراب.
وقد اعتمد البخارى روايته عن الأعمش واحتج بها وأما روايته عن هشام بن عروة ، فلم يذكرها إلا فى المتابعات لا فى الأصول. ( ينظر: تهذيب التهذيب لابن حجر - 9/137 وما بعدها ، هدى السارى - 2/192.)
وهذا يسقط الرواية من أساسها ، ويجعلها غير صالحة للاحتجاج ، فكيف القول بأنها على شرط الشيخين ؟!!
ب- وأما بالنسبة للأثرين الآخرين فقد قال السيوطى: هى مشكلة جداً. ثم أضاف : كيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون فى الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللُّد؟ ثم كيف يظن بهم ثانياً فى القرآن الذى تلقوه من النبى -صلى الله عليه وسلم - كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ؟
ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته ؟
ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه ؟
ثم كيف يظن بعثمان - رضى الله عنه - أنه ينهى عن تغييره ؟
ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مروى بالتواتر خلفاً عن سلف؟
هذا ما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادةً.
ثم علق - أى السيوطى - على الرواية المنقولة عن عثمان -رضى الله عنه - بقوله: إن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأن عثمان جعل - المصحف الذى جمعه - إماماً للناس يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها؟
فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ ثم إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً ، ولكن كتب عدة مصاحف ، فإن قيل: إن اللحن وقع فيها جميعاً فبعيد اتفاقها على ذلك ، أو فى بعضها ، فهو اعتراف بصحة البعض. ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان فى مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف مختلفة قط إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن.
ج- هذه الروايات تخالف المتواتر عن عثمان -رضى الله عنه - فى نسخ المصاحف ، وجمع القرآن من الدقة والتحرى ونهاية التثبت ، بل يردها ما أخرجه أبو عبيد نفسه عن عبدالله بن هانئ البربرى مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف ، فأرسلنى بكتف شاه إلى أبى بن كعب فيها (لم يتسن) وفيها (لا تبديل للخلق) وفيها (فأمهل الكافرين) قال: فدعا بالدواء فمحى أحد اللامين فكتب (لخلق الله) ومحا فأمهل وكتب (فمهّل) وكتب (لم يتسنه) ألحق فيها الهاء.
كيف يتفق ما جاء فى الرواية التى نقدناها ، مع هذه الرواية الثانية التى تصف عثمان - رضى الله عنه - بالدقة فى مراجعة ما كان يكتبه النساخ وتصحيح ما كانوا يخطئون فيه وأنه لم يترك هذه الأخطاء لتقيمها العرب كما تقول الرواية الواهية.
د - وعلى فرض صحة هذه الآثار ، فكلمة "لحن" فيها لا يقصد بها المعنى المعروف للحن وهو الخروج على قواعد النحو ، وإنما يعنى بها كما يقول العلماء: القراءة واللغة والوجه ، كما ورد عن عمر قوله: أبى اقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه - أى قراءته -.
ويذكر السيوطى أن قول عثمان - إن صح - فإنما ينصرف إلى كلمات كتبت على هيئة مخصوصة ، ورسم معين يخالف النطق مثل (لا اذبحنه) فى سورة النمل (آية:21) ، ومثل (بأييد) فى سورة الذاريات (آية:47) فإنها كتبت بياءين.
يقول السيوطى: فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً. فهذا معنى قول عثمان - رضى الله عنه - إن به لحناً ستقيمه العرب بألسنتها ، فهو أشبه بالتنبيه إلى ضرورة أن يؤخذ القرآن الكريم عن طريق التلقين والمشافهة ، بواسطة شيخ ، وألا يكون الاعتماد فقط على كتابة المصحف ، فإنه كتب على هيئة مخصوصة تخالف النطق فى أكثر الأحيان.
ثانياً: ما يتعلق بالآيات التى وردت فى الروايات وتوجيهها
الآية الأولى:
قال تعالى: ((إنّ هذان لساحران)) بتشديد نون "إنّ" وهى قراءة أهل المدينة والكوفة ، وهى قراءة سبعية متواترة عن الأئمة.
وقال الطبرى: هى قراءة عامة الأمصار
قال بعض النحاة فى - جراءة -: هذه القراءة خالفت القاعدة فى نصب "إن" ولا شك أن هذا من اللحن.
الرد عليهم:
يرد على القائلين بذلك بأن القراءة متواترة فلا يجوز ردها ولا تضعيفها بوجه من وجوه النحو لها فى غيره محمل ، فمن المقرر أن من ضوابط قبول القراءة موافقة اللغة العربية ولو بوجه ، ولا يشترط الموافقة من جميع الوجوه. وقد سبق تقرير ذلك.
وفيما يتعلق بهذه القراءة التى معنا وجهت بما يلى:
1- قيل: إنها وافقت لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد ، فإن الألف عندهم تلزم المثنى رفعاً ، ونصباً وجراً ، فيقولون : جاء الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان.
وجاء فى الشعر:
وأن أباها وأبا أباها
قد بلغا فى المجد غايتاها
وعلى القاعدة المعروفة : أبا أبيها ، وغايتيها.
وجاء أيضاً:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساقا لناباه الشجاع لصمما
وهذا الوجه من أقوى الوجوه التى تحمل عليها القراءة.
2- وقيل: إن "إن" حرف جواب بمعنى نعم ، وعليه فما بعدها مبتدأ وخبر.
وقد جاء فى الشعر العربى ما يفيد مجيئها بمعنى نعم. ومنه قول القائل:
بكر العواذل فى الصبو
ويقلن شيب قد علا
ح يلمننى وألومهنه
ك وقد كبرت فقلت إنه
أى : قلت : نعم.
وقد تناقل المفسرون وجوهاً أخرى يمكن أن تحمل عليها هذه القراءة غير أنهم فى النهاية ، رجحوا حملها على الوجه الأول الذى سلف ذكره.
الآية الثانية:
قال تعالى: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)) وهو جزء آية من سورة النساء وهى قوله تعالى: ((لكن الراسخون فى العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً))
والشاهد فى هذه الآية قوله : (والمقيمين الصلاة) حيث جاء منصوباً بين مرفوعين هما قوله (والمؤمنون) وقوله (والمؤتون الزكاة)
هكذا اعترض على هذه الآية فادعى أن فيها لحناً وخطأً نحوياً ، وإلا لتلقف المشركون هذا الخطأ لأنهم عرب خلص ، وهم يومئذٍ يتربصون بالقرآن بغية أن يجدوا فيه مغمزاً أو مطعناً ، ولكن ذلك لم يحدث فدل على أنه لا لحن فيه.
هذا وقد وجّه النصب فى (المقيمين الصلاة) بما يلى:
1- قيل: إن النصب فيه على المدح ، والناصب فعل مضمر تقديره أمدح ، أو أخص المقيمين الصلاة. والعلة بيان فضل الصلاة ومزيتها.
يقول أحد الباحثين: النصب على المدح أو العناية لا يأتى فى الكلام البليغ إلا لنكتة ، والنكتة هنا هى إظهار مزية الصلاة ، كما أن تغيير الإعراب فى كلمة بين أمثالها ، ينبه الذهن إلى وجوب التأمل فيها ويهدى إلى التفكير لاستخراج مزيتها وهو من أركان البلاغة …… ونظيره فى النطق أن يغير المتكلم جرس صوته ، وكيفية أدائه للكلمة التى يريد تنبيه المخاطب لها كرفع الصوت أو خفضه أو مده بها.
2- وقيل: إن الياء فى (المقيمين) للخفض ، لا للنصب عطفاً على الضمير المجرور فى (منهم) أى لكن الراسخون فى العلم منهم ومن المقيمين. وقيل: بل عطفاً على الضمير المجرور فى (إليك) أى يؤمنون بما أنزل إليك والى المقيمين الصلاة وهم الأنبياء. أو عطفاً على الكاف فى (قبلك) أى من قبلك ومن قبل المقيمين الصلاة وهم الأنبياء.
والأرجح الأول ، وهو الذى اعتمده سيبويه حيث قال فى كتابه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك "والمقيمين الصلاة" وأنشد شاهداً.
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم
الطاعنين ولما يطعنوا أحداً
إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
والقائلون لمن دار تخليها
الآية الثالثة:
قال تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً …………))
الشاهد قوله ( والصابئون ) حيث رفع فى مقام نصب لعطفه على اسم "إن" وهذا خطأ فى النحو عند من لم يفقهوا إلا أنه معطوف على اسم "إن" فكان ينبغى أن يأتى منصوباً ليواكب ما عطف عليه.
ونقول: اللفظ لا لحن فيه كما ادعوا ، ولكنهم عجزوا عن توجيه الرفع ، وتوجيهه سهل إذ له عدة أوجه هى:
1- أن يكون قوله ( الصابئون ) مرفوعاً بالابتداء ، والواو قبله للاستئناف ، والخبر محذوفاً ، والنية به التأخير عما فى حيّز (إن) من اسمها وخبرها.
كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكهم كذا والصابئون كذلك. وقد رجح ذلك سيبويه وأنشد له شاهداً:
ألا فاعلموا أنا وأنتم
بغاة ما بقينا على شقاق
أى : فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك.
وإذا كان (الصابئون ) النية به التأخير ، فلابد من حكمة تعلل تقديمه فى الذكر ، والعلة هنا التنبيه إلى أن الصابئين أشد إيغالاً فى الضلالة ، وعمقاً فى الغواية ، حيث لا عقيدة لهم ثابتة كالذين آمنوا وكأهل الكتاب ، ولكنهم - كما يذكر ابن القيم - يتخيرون من سائر ديانات العالم بعض شعائرها ، ويتركون البعض ولم يقيدوا أنفسهم بجملة دين معين وتفصيله.
وهذا الوجه أقوى الوجوه ، وأرجح ما تحمل عليه الآية الشريفة.
2- وقيل: إن الواو عاطفة والصابئون معطوف على موضع اسم (إن) لأنه قبل دخول (إن) كان فى موضع رفع وهذا مذهب الكسائى والفراء.
3- وروى عن الكسائى أيضاً أنه مرفوع عطفاً على الضمير المرفوع فى قوله (هادوا).
4- وقيل: (إن) هنا بمعنى نعم ، أى حرف جواب وما بعده مرفوع بالابتداء ، وعليه فالصابئون معطوف على ما قبله. والأرجح الأول كما سبق القول بذلك.
وبعد ، فهذه هى الآيات الثلاث التى وردت فى رواية عائشة - رضى الله عنه - ، وقد بان توجيهها وظهر لنا أن لها أكثر من وجه فى العربية ، فكيف يدعى بعد ذلك أن فيها أخطاء نحوية؟ وأختم بكلام نفيس لابن الحاجب حول اجتراء النحاة على بعض القراءات وادعاء أن الصورة التى جاءت عليها غير جائزة من جهة العربية.
منقول من الاخ بلال_41
المسلم حين تتكون لديه العقلية الاسلامية و النفسية الاسلامية يصبح مؤهلاً للجندية و القيادة في آن واحد ، جامعاً بين الرحمة و الشدة ، و الزهد و النعيم ، يفهم الحياة فهماً صحيحاً ، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها و ينال الآخرة بالسعي لها. و لذا لا تغلب عليه صفة من صفات عباد الدنيا ، و لا ياخذه الهوس الديني و لا التقشف الهندي ، و هو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، و في الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. و يجمع بين الامارة و الفقه ، و بين التجارة و السياسة. و أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه و بارئه. و لذلك تجده خاشعاً في صلاته ، معرضاً عن لغو القول ، مؤدياً لزكاته ، غاضاً لبصره ، حافظاً لأماناته ، و فياً بعهده ، منجزاً وعده ، مجاهداً في سبيل الله . هذا هو المسلم ، و هذا هو المؤمن ، و هذا هو الشخصية الاسلامية التي يكونها الاسلام و يجعل الانسان بها خير من بني الانسان. |
تابعونا احبتي بالله في ملتقى أهل التأويل
http://www.attaweel.com/vb
ملاحظة : مشاركاتي تعبر فقط عن رأيي .فان اصبت فبتوفيق من الله , وان اخطات فمني و من الشيطان
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة jesus_voice في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 54
آخر مشاركة: 28-11-2016, 05:05 PM
-
بواسطة kholio5 في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 27-10-2006, 11:26 PM
-
بواسطة المهتدي بالله في المنتدى الأدب والشعر
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 06-03-2006, 11:54 PM
-
بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 04-01-2006, 01:47 PM
-
بواسطة المهتدي بالله في المنتدى الأدب والشعر
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 17-05-2005, 12:26 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات