

-
نظرا لإحجام الكثير وعدم الصبر على القراءة ، بالرغم من أهمية الموضوع فى تكوين رؤية المؤمنين لدينهم ، فقد اقتطعت جزءا صغيرا من مقالة (لا نسخ فى القرآن) أعلاه ، للدكتور العلوانى ، لعلها تكون فاتحا للشهية ليقرأ المقالة المهتمون .
خطورة القول بوقوع نسخ في القرآن
قضية نسخ بعض آيات القرآن الكريم قضية يرفضها القرآن الكريم ولا يستسيغها الحس العلمي الذي بناه القرآن المجيد في عقول وقلوب وأنفس المسلمين، وهي من الأمور المعقَّدة تماما التي أخذت مدى في العقل الإنسانيّ قبل الإسلام، وكانت موضع نقاش واختلاف وأخذ ورد وفي فترات تاريخيَّة كثيرة، وما من دين من الأديان السماويَّة والوضعيَّة إلا واجه هذه المشكلة بشكل أو بآخر؛ ذلك لأنَّ قدرات البشر وطاقاتهم في عمليات إنزال القيم الدينية على واقع الحياة قدرات محدودة يشوبها القصور في كثير من الأحيان، ولذلك يختلف الناس وينقسمون إلى فرق في مواقفهم من أصول الأديان، فهناك من يعمد إلى التأويل بقراءات بشريَّة ليكون قادرا على إيجاد حالة التوافق والانسجام بين ما يريده الدين الذي يتديَّن به وبين الواقع وإمكاناته والإنسان نفسه وطاقاته واحتياجاته وما إلى ذلك، وأحيانا يلجأ إلى إيقاف العمل بالنّص، وإيجاد مسوغات لذلك الإيقاف لا تجعل منه متمردا على ما جاء دينه به، ومن ذلك دعوى النسخ.
فدعوى النسخ قد أسيء استعمالها وفهمها وتفسيرها لدى أمم سابقة كثيرة؛ فاليهود حينما جاءهم عيسى بالبينات ورفضوه وأكدوا أنه ليس المقصود ببشارات موسى وأنبيائهم قبله، قالوا: إنَّ شريعتنا ثابتة، وديانتنا دائمة ومؤبَّدة، ولسنا بحاجة إلى أيّ تغيير أو التصديق برسالة المسيح وبما أنزل إليه، يعني أنَّنا لا نقبل فكرة النسخ ولا نقر بأنَّ رسالة موسى وما جاء به رسالة منسوخة، وطرحوا فكرة "البَدَاءِ" وقالوا: إنَّه يزعم أنَّ الله أرسله، وكأنَّ الله قد بدا له أن يرسل نبيا من بعد موسى، ولدينا ما يؤكد أنَّه لن يأتي بعد موسى نبيٌّ عدا المسايا، وصفات المسايا لا تنطبق -حسب زعمهم- على السيد المسيح، حيث إنَّهم درجوا على إنكار من يأتيهم بعد رسول قد جاءهم، والقرآن الكريم أشار إلى هذا، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولا} (غافر: 34)، فكلما هلك رسول قالوا: لن يبعث الله من بعده رسولاً، ولذلك درجوا على قتل الأنبياء وإنكار نبوَّاتهم ظنا منهم أنَّهم بذلك يحافظون على الثبات، وإن كان أحبارهم قد أعطوا لأنفسهم في بعض مراحل حياتهم حق التغيير والنسخ، وحرَّفوا بعض النصوص وغيَّروا فيها واستبدلوها بسواها وغيَّروا أحكاما كثيرة واردة في التوراة ومنه الحكم في رجم الزناة(44).
ومع أنَّهم استوطنوا الجزيرة العربية قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلَّم- بسبعة قرون انتظارًا لبعثته، وخالطوا العرب وحملوا أسماءهم وانتموا إلى قبائلهم طمعا في أن يكون النبيُّ الخاتم من أبنائهم، ولكنهم حين جاءهم من كانوا ينتظرون بالبينات تنكروا له وأنكروه وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم -كما فعلوا مع السيد المسيح قبله- وحاولوا اغتياله وقتله مرات عديدة، وموَّلوا كثيرا من حملات المشركين ضدَّه، وكانت حجتهم في رفض الاعتراف بنبوته عليه السلام أنَّ شريعتهم ثابتة، ودينهم كامل، وأنَّ الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يغيِّر رأيه ويرسل بعد موسى رسولا ينزل عليه شريعة تغاير شريعة موسى، وكما وضع قارئهم كفه على النّص القائل بوجوب رجم الزناة في التوراة، وهو "الشيخ والشيخة إذا زنيا..."، فقد غيّروا في صفات خاتم النبيين في توراتهم وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وعملوا كل ما استطاعوه لينزعوا عن الشريعة الإسلاميَّة العالميَّة النازلة على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلَّم- صفاتها الواردة في سورة الأعراف }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأٌّغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (الأعراف: 157) وفي مقدمتها التخفيف والرحمة وإزالة الإصر والأغلال ليؤكدوا بذلك أنّه -عليه الصلاة والسلام- ليس هو المقصود ببشائر التوراة وتشبثوا بنفي النسخ.
وفي إطار الجدل الذي أثاره الكلاميُّون لإثبات ورود النسخ، وأنَّ النسخ خاصَّة من خواصّ الشرائع، دخلت فكرة النسخ إلى العقل المسلم، وصارت تتردَّد على بعض الألسن، وحملتها روايات دخلها الكثير من الإسرائيليّات والثقافة الشفويَّة لتجعل من النسخ وسيلة لهدم حجَّة اليهود في رفض الإيمان بالمسيح أولا ثم برسول الله محمد -صلى الله عليه وآله وسلَّم- ثانيا، فتحول بعد ذلك إلى سلاح وجِّه إلى العقل المسلم ذاته وارتدَّ إليه، وإذا ببعض العلماء يتبنَّون فكرة النسخ ويدخلونها إلى تفاصيل شريعة القرآن وبيانها في سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- ظنًًّا منهم أن القول بالنسخ سوف يحمل اليهود على التسليم بنبوّة ورسالة رسول الله -صلى الله علية وآله وسلَّم- وحين وجد الفقهاء -خاصَّة- في النسخ سهولة في التخلُّص من عمليَّات التعارض الموهوم بين النصوص خاصَّة في مجال السنَّة النَّبويَّة المطهرة التي لا شك أنَّها قد وقع فيها النسخ؛ لأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- كان يتحرك في واقع له خصائصه وطرائقه في الاستجابة إلى النّص والتفاعل معه، ولذلك كثر في سنن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- ما يمكن اعتباره نسخا في المعاني اللُّغوية التي وردت بها أحاديث مثل قوله: "نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عن لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاثٍ فَأَمْسِكُوا ما بَدَا لَكُمْ"(45)، ومنه نهيه عن أكل الحمر الأهلية(46) خوفا من أن تحدث أزمة في المواصلات.
فهو عليه الصلاة والسلام -وكان يتحرك في ذلك الواقع بقيم القرآن منزِّلا لها في ثنايا الواقع متابعا ردود فعل ذلك الواقع وطرائقه في استقبال آيات القرآن الكريم- كان يلاحظ - صلوات الله عليه وهو الرءوف الرحيم الحريص على أن يجنِّب أمته أيَّ عنت- الأولويَّات والمقاصد والمآلات وسائر الجوانب التربويَّة بحكمته وبما يوحى إليه ليمكّن للقرآن عقيدة وشريعة ونظم حياة في واقع الأمة المؤمنة.
وهنا عندما حصلت عمليَّة الخلط والمزج بين الكتاب والسنة- لأسباب كثيرة تناولناها في دراستنا عن السنَّة النَّبويَّة المطهرة وعلاقتها بالقرآن الكريم- فمن الطبيعي أن يختلط لدى البعض موضوع النسخ فينقل من دائرة السنَّة النَّبويَّة إلى دائرة القرآن الكريم، وهنا برزت هذه الإشكاليّة بشكلها الحادّ.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الوهاب ; 15-11-2007 الساعة 07:26 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة الزبير بن العوام في المنتدى قسم الأطفال
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 17-11-2009, 10:57 AM
-
بواسطة أبا ياسر المصري في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 22-04-2009, 09:27 AM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-03-2007, 08:57 PM
-
بواسطة الليزر في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 23-06-2006, 09:12 PM
-
بواسطة ali9 في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 29-06-2005, 09:09 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات