

-
الفئات الثلاث الناجية
قبل أن أتحدّث عن الفئات الناجية هناك حديث للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر سؤال الشباب عنه في كّل بلد أزورها ، أو يُوجهه الشباب لكلّ ضيف من الدعاة، إنّه حديث تنقسم أمتي ثلاثة وسبعون قسماَ " [رواه أبو داود ولم يروه البخاري ومسلم ] وأول الحديث تنقسم اليهود سبعين قسماَ ، وتنقسم النصارى اثنين وسبعين قسماَ ، وتنقسم أمّتي إلى ثلاثة وسبعين قسماَ ، كلّها في النار إلا واحدة . كلّ جماعة تربّي أتباعها على أنّها هي الطائفة الناجية وغيرها في النار .
وهذه هي الأحاديث كما هي مذكورة في مصادر السنة المعتمدة مع شروح الأئمة الأعلام لها.
1ـ [ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحْمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً].
الحديث رواه ابن ماجة في السنن رقم الحديث رواه ابن ماجة في السنن :3981 باب الفتن كتاب افتراق الأمم
2ـ [ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ.]..
الحديث رواه ابن ماجة في السنن رقم الحديث :3982 باب الفتن كتاب افتراق الأمم.
شرح سنن ابن ماجه للسندي
قَوْله ( وَتَفْتَرِق أُمَّتِي ): قَالُوا الْمُرَاد أُمَّة الْإِجَابَة وَهُمْ أَهْل الْقِبْلَة فَإِنَّ اِسْم الْأُمَّة مُضَافًا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَادَر مِنْهُ أُمَّة الْإِجَابَة وَالْمُرَاد تَفَرُّقهمْ فِي الْأُصُول وَالْعَقَائِد لَا الْفُرُوع وَالْعَمَلِيَّات
قَوْله ( فَوَاحِدَة فِي الْجَنَّة ): وَبَقِيَّة الْفِرَق فِي النَّار كَمَا جَاءَ قِيلَ إِنْ أُرِيدَ الْخُلُود فِيهَا فَهُوَ خِلَاف الْإِجْمَاع فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّار وَإِنْ أُرِيدَ مُجَرَّد الدُّخُول فِيهَا فَهُوَ مُشْتَرَك بَيْن الْفِرَق إِذْ مَا مِنْ فِرْقَة إِلَّا بَعْضهمْ عُصَاة وَالْقَوْل بِأَنَّ مَعْصِيَة الْفِرْقَة النَّاجِيَة مُطْلَقًا مَغْفُور بَعِيد أُجِيب بِأَنَّ الْمَرَادّ أَنَّهُمْ فِي النَّار لِأَجْلِ اِخْتِلَاف الْعَقَائِد فَمَعْنَى وَوَاحِدَة فِي الْجَنَّة أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّار لِأَجْلِ اِخْتِلَاف الْعَقَائِد أَوْ الْمُرَاد بِكَوْنِهِمْ فِي النَّار طُول مُكْثهمْ فِيهَا وَبِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّة أَنْ لَا لَا يَطُول مُكْثهمْ فِي النَّار وَعَبَّرَ عَنْهُ بِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّة تَرْغِيبًا فِي تَصْحِيح الْعَقَائِد وَأَنَّهُ يَلْزَم أَنْ لَا يُعْفَى عَنْ الْبِدْعَة الِاعْتِقَادِيَّة كَمَا لَا يُعْفَى عَنْ الشِّرْك إِذْ لَوْ تَحَقَّقَ الْعَفْو عَنْ الْبِدْعَة فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَم دُخُول كُلّ الْفِرْقَة الْمُبْتَدِعَة فِي النَّار فَضْلًا عَنْ طُول مُكْثهمْ إِذْ هُوَ مُخَالِف لِقَوْلِهِ { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذُلّك لِمَنْ يَشَاء } أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَا يُدْخِلهُمْ النَّار مِنْ الْعَقَائِد الرَّدِيئَة وَيَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الْغَالِب فِي تِلْكَ الْفِرَق دُخُول النَّار فَيَنْدَفِع الْإِشْكَال مِنْ أَصْله.
قَوْله ( قَالَ الْجَمَاعَة ): أَيْ الْمُوَافِقُونَ لِجَمَاعَةِ الصَّحَابَة الْآخِذُونَ بِعَقَائِدِهِمْ الْمُتَمَسِّكُونَ بِرَأْيِهِمْ وَفِي الزَّوَائِد إِسْنَاد حَدِيث عَوْف اِبْن مَالِك فِيهِ مَقَال وَرَاشِد بْن سَعْد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم صَدُوق وَعَبَّاد بْن يُوسُف لَمْ يُخَرِّج لَهُ أَحَد سِوَى اِبْن مَاجَهْ وَلَيْسَ لَهُ عِنْده سِوَى هَذَا الْحَدِيث قَالَ اِبْن هَدْي رَوَى أَحَادِيث تَفَرَّدَ بِهَا وَذَكَره اِبْن حِبَّانَ فِي الثِّقَات وَبَاقِي رِجَال الْإِسْنَاد ثِقَات .
وفي سنن الترمذي
[ حَدَّثَنَاالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَىعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍوعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً.
وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.].رواه الترمذي في سننه حديث رقم2564 كتاب الإيمان عن رسول الله باب ما جاء في افتراق هذه الأمة.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قَوْلُهُ : ( تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوْ اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً).
شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي , وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي : وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى
اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ .
( وَالنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ ):أَيْ أَنَّهُمْ أَيْضًا تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً.
( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ): الْمُرَادُ مِنْ أُمَّتِي الْإِجَابَةُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي : كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً , وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ وَقَعَ .
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا أَلَّفَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ كِتَابًا قَالَ فِيهِ : قَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ , وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَفِي مُوَالَاةِ الصَّحَابَةِ , وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ ; لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ وَلَا تَفْسِيقٍ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ , فَيَرْجِعُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي اِفْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاخْتِلَافِ . وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَأَتْبَاعِهِ , ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَقُ الضَّالَّةُ اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ , اِنْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ):
أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ , وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ , وَأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ : اِفْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ,
وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً , فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَن أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ , قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : الْجَمَاعَةُ . وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ, أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِيهِ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ اِفْتَرَقُوا عَلَى اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً , وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ): وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ , وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ .
سنن أبي داوود
[ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً َتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً].حديث رقم الحديث : 3980. كتاب الفتن.
عون المعبود شرح سنن أبي داود
( اِفْتَرَقَتْ الْيَهُود إِلَخْ ): هَذَا مِنْ مُعْجِزَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب وَقَعَ .
قَالَ الْعَلْقَمِيّ : قَالَ شَيْخنَا أَلَّفَ الْإِمَام أَبُو مَنْصُور عَبْد الْقَاهِر بْن طَاهِر التَّمِيمِيّ فِي شَرْح هَذَا الْحَدِيث كِتَابًا قَالَ فِيهِ قَدْ عَلِمَ أَصْحَاب الْمُقَاوَلَات أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَة الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوع الْفِقْه مِنْ أَبْوَاب الْحَلَال وَالْحَرَام وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْل الْحَقّ فِي أُصُول التَّوْحِيد , وَفِي تَقْدِير الْخَيْر وَالشَّرّ وَفِي شُرُوط النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة وَفِي مُوَالَاة الصَّحَابَة وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَاب لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِخِلَافِ النَّوْع الْأَوَّل فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْر تَكْفِير وَلَا تَفْسِيق لِلْمُخَالِفِ فِيهِ فَيَرْجِع تَأْوِيل الْحَدِيث فِي اِفْتِرَاق الْأُمَّة إِلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الِاخْتِلَاف وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِر أَيَّام الصَّحَابَة خِلَاف الْقَدَرِيَّة مِنْ مَعْبَد الْجُهَنِيّ وَأَتْبَاعه , ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَاف بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَق الضَّالَّة اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَالثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة وَهِيَ الْفِرْقَة النَّاجِيَة اِنْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِير .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ , وَحَدِيث اِبْن مَاجَهْ مُخْتَصَر , وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .
تعليقات الحافظ ابن قيم الجوزية
ذَكَرَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه أَحَادِيث الْبَاب وَزَادَ : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَرْفَعهُ " لَيَأْتِيَنّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل , حَذْو النَّعْل بِالنَّعْلِ , حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمّه عَلَانِيَة لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَع ذَلِكَ , وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّة , وَتَفْتَرِق أُمَّتِي عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ مِلَّة , كُلّهمْ فِي النَّار إِلَّا مِلَّة وَاحِدَة , قَالُوا : مَنْ هِيَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " قَالَ التِّرْمِذِيّ , حَدِيث حَسَن غَرِيب مُفَسَّر لَا نَعْرِفهُ مِثْل هَذَا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه , وَفِيهِ الْأَفْرِيقِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , وَقَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ سَعْد , وَعَوْف بْن مَالِك , وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو . وَحَدِيث عَوْف - الَّذِي أَشَارَ التِّرْمِذِيّ إِلَيْهِ : هُوَ حَدِيث نُعَيْم بْن حَمَّاد عَنْ عِيسَى بْن يُونُس عَنْ جَرِير بْن عُثْمَان عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْف - وَهُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ نُعَيْم لِأَجْلِهِ .
وَفِي الْبَاب أَيْضًا حَدِيث أَنَس بْن مَالِك يَرْفَعهُ " أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل تَفَرَّقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة , كُلّهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة قَالَ : وَهِيَ الْجَمَاعَة " رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزَارِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَزِيد الرِّقَاشِيّ عَنْ أَنَس , وَرَوَاهُ اِبْن وَهْب عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث عَنْ عَبْد اللَّه بْن غَزْوَانَ عَنْ عَمْرو بْن سَعْد عَنْ يَزِيد . أﻫ.
وأحب أن أسأل الشباب .
لو قلت لهم إن الطالب الأوّل أخطأ سبعين خطأ والثاني أخطأ اثنين وسبعين خطأ، والثالث أخطأ ثلاثة وسبعين خطأ، فأيّ الثلاثة أسوأ ؟ لا شك أن الأكثر فرقة هو الأبعد عن الصراط .
من أجل هذا لا بد أن نعرف من هي الأمّة التي تفترق ثلاثاَ وسبعين فرقة قبل أن ننشغل بالبحث عن الفرقة الوحيدة الناجية .
أمّة الإجابة أم أمّة التبليغ ؟
1ـ كلمة " أمّة محمد " تستعمل ويراد بها أمّة الإجابة لدعوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراد بها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله، والكتب التي أنزلت من قبل فورثت هدى الجميع .
وهذه الأمّة توحّدت في الأرض يوم وحّدت ربّها في السماء، وقد حفظها الله من الاختلاف الذي ابتلت به الأمم السابقة ...
يقول الله تعالى:[ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ{253}] البقرة 253.
هذه أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي استجابت والخلافات فيها لا تخرج من الدين ولا توصل للنار .
2ـ أمّا أمّة التبليغ فحجمها حجم كل البشر الذين أرسل الله إليهم محمداَ ، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعثه الله لكلّ العالمين، هي أمّة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضاَ لأن الله أوجب علينا أن نبلغهم دعوته ، ولكنّهم رفضوا دعوته واختلفوا ثلاثاَ وسبعين فرقة ، والمراد من العدد الكثرة والمبالغة . وليس العدد الحسابي ، وهذا موجود في اللغة والقرآن . وقد سميت هذه الأمة بمجتمع الإيّات ـ جمع إيَّة ـ" أعنى يهوديّة نصرانية ، شيوعيّة ، وجوديّة ، بهائيّة ، قديانيّة ، ألف " إيّة " تختلف فيما بينها وتتفق على عدائها للإسلام، بهذا نفهم أن أمّة الإجابة ناجية .
وأمّة الإجابة الناجية ثلاث طوائف حددهم القرآن .
الطائفة الأولى المهاجرون :
جاء هذا في سورة الحشر، يقول الله سبحانه وتعالى:
[ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{8}] الحشر: 8 .
وجاء بعدهم الفرقة الناجية الثانية إنهم الأنصار .وختمت الآية الكريمة بقولة تعالى:
[وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{9}] الحشر:9.
بقى الذين جاءوا من بعدهم.. يقول سبحانه وتعالى:
[ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{10}] الحشر: 10 .
طوائف ثلاث ناجية
ثم جاء في الآية التي بعدها الحديث عن النفاق..
يقول سبحانه وتعالى:
[ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{11}]. الحشر:11.
وآخر الآية [وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] ...فالذي ليس مهاجراَ ولا أنصارياَ فليكن محباَ لهم . وليحذر من النفاق والترتيب نفسه جاء في سورة التوبة..
ويقول سبحانه وتعالى:
[ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{100}] التوبة:100...ثم بعد ذلك تكلّم عن المنافقين:
[ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ{101}] التوبة :101
إلى هنا ينتهي كلام القرآن عن الطوائف الثلاث في السورتين ، ومجموع آيات القرآن، يكمّل بعضها بعضاَ ويفسره .
وفي سورة الأنفال اثبت القرآن أن هؤلاء الطوائف الثلاثة هم المؤمنون حقاَ .يقول سبحانه وتعالى:
[وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{74}] الأنفال :74 ..
فماذا بعد في الآيات الكريمات ؟..
في سورة الحشر بعد أن تكلّم عن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أتبع الحديث عنهم بالحديث عن المنافقين:[ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا] الحشر11 .
والترتيب نفسه للآيات في سورة التوبة ، فبعد أن تحدّث القرآن عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وعن قوله تعالى رضي الله عنهم وتكلم وعن رضاهم عنه آية 100التوبة ، ثم تكلّم عن المنافقين:
قال عنهم:[ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ]التوبة 101 .
فسفينة النجاة في القرآن قاصرة على الطوائف الثلاثة ، وبعدهم يأتي الحديث عن النفاق..
1ـ المهاجرون..قال عنهم:[ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ]..
2ـ الأنصار.. قال عنهم:[ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] ..
3ـ التابعون لهم بإحسان..قال الله عنهم:[ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ] التوبة :100 إلى يوم الدين شهد القرآن بتبعيتّهم للناجين.
والقرآن الكريم يتحدث عن الفئة الثالثة في سورة الأنفال فيقول:
[ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{75}]الأنفال 75 ..
فالناجون ثلاثة، لا أعرف في سفينة القرآن مكاناَ لغيرهم فكن معهم.
وقال تعالى عنهم جميعاً:
[ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{100}] التوبة:100 .
فمن أحب قوماَ حشر معهم . فمع أيّ جماعة من الثلاثة كنت فأنت ناجي .
القرآن وثيقة ويشهد لهم
هل الذين شهد القرآن لهم في حياتهم كأبي بكر الذي سماه القرآن " أُوْلُوا الْفَضْلِ " في سورة النور بإجماع المفسرين ، لأنّ الآية نزلت في مقام الحديث عن براءة عائشة هل بعد شهادة القرآن شهادة ؟..[ وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{22}] النور:22 ..
لقد قال القرآن هذا وهو يعلم على أيّ شيء سيموت أبوبكر رضي الله تعالى عنه.
المهم أن نسأل هؤلاء : هل يؤمنون بأن هذا القرآن منزل من عند الله سبحانه وتعالى أم لا ؟.
وعمر رضي الله تعالى عنه .. الذي كان القرآن ينزل مؤيداَ رأيه حتى لو خالف رأي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يمتلئ رحمة ، ويقدمها على كل حلّ آخر .
إن الأمور الكبيرة تحتاج مع الرحمة إلى حكمة عمر وكم يفرح الأستاذ بنبوغ تلميذه – فعمر امتداد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر آمن بالنبي محمد ، بينما آمن أبوبكر بمحمد النبي – كما قال عبقري عصره عباس محمود العقاد. والفارق بين المنهجين كبير محمد النبي أو النبي محمد .
ورأى عمر في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رئيس المنافقين معروف حيث كان عمر يطلب من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يصلي عليه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : إن الله خيّرني ولم ينهني حتى نزل القرآن بالنهي الصريح موافقاَ رأي عمر رضي الله تعالى عنه .
ورأى عمر في شهداء بدر معروف ..
فهل يريدون أن نربي أبناءنا على كره هؤلاء العظماء ؟..فإذا حدث هذا، فماذا بقي لأبنائنا من قدوة ؟..
أن صحفياَ في بلد عربي يطلب من المثقفين أن يحاكموا أبا بكر لأنه حارب المرتدّين عن الإسلام وهم في رأيه أحرار الفكر.
وهذا الصحفي لماذا لم يكن من أحرار الفكر؟ هل يخاف من أبي بكر جديد ؟ أقول له : أطمئن .
لحساب من كان يعمل الخلفاء الأربعة ؟ ..
إن أحد الذين باعوا أنفسهم في سوء الرقيق سمعته على الانترنت يقول : هل الجنة ( زريبة ) حتى يدخلها هؤلاء العشرة الذين بشرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة ؟
أقول له اطمئن : سيدخل الجنة من يؤمن بأن الدولارات تبيح المحذورات " ومن مات من أجل الدولارات مات شهيداَ . أسأل أن يعيدك لدينك وعقلك . وأن يعالج الفقر النفسي الذي جعلهم يدافعون في قضية خاسرة . وعندهم " أكل الخبز فنون " والذين اشتروه يعلمون أنّه كاذب ولسانه كمن يدفع أكثر .
إن مدح القرآن لصحابة النبي وثيقة وقع عليها ربّ العالمين ..
فهل كان سبحانه وتعالى يعلم ما سيموتون عليه أم لا ؟.. إن الله عز وجل فرّق في القرآن بين المشركين الذين سيمتد عمرهم حتى يدخلوا في الإسلام وبين الذين سيموتون على الكفر .
خذ خالد بن الوليد مثلاً..
هو سبب هزيمة المسلمين في أحد، ومع ذلك لم ينزل فيه وعيد، بينما نزل وعيد شديد في أبيه الوليد بسبب كلمة قالها في القرآن [ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً* وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً* ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً* سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً* إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ*سَأُصْلِيهِ سَقَرَ*] المدثر:11-26
وأبو سفيان حارب الإسلام واحداَ وعشرين عاماَ، حاربه محلياَ وعشائرياَ ودولياَ ومع ذلك لم ينزل فيه وعيد بالنار، بينما نزل في أخته وزوجها:
[ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ* ]المسد:1ـ5 .
فمن يمكنه أن يردّ شهادة الله لأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمد رسول الله والذين معه :[ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً{29}] الفتح: 29 .
وفي السورة نفسها :[ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً{18}] الفتح: 18.
هل هناك قوة في الأرض يمكنها أن تلغي هذا الرضوان ؟
إن سببها أنه قد أشيع أن عثمان قد قتلته قريش . فالسماء والأرض أعطت البيعة على القتال ، والسماء أهدتهم الرضوان .
أخي القارئ الكريم . لا تجعل من نفسك قاضياَ في هذه القصة واتركهم جميعاَ لله [ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ{36}] الزمر: 36.
إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : يأتي يوم القيامة على القاضي العادل ساعة يتمنى لو لم يحكم بين اثنين في ثمرة .
القاضي عادل...
والتركة تمرة...
فكيف أحكم بين أمّة هي خير أمّة أخرجت للناس ؟...
والسنة وثيقة أخرى ..
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لا تسبّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباَ ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه " رواه أحمد 3/13
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " رواه البخاري..
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتي السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة أمتي فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون " ( رواه مسلم 4/129 )..
فوجود الصحابة حصن للأخلاق إن عقيدتنا مبينة على الحُبّ لله ولنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللصحابة إكراما للذين باعوا دنياهم لله ، فرضى الله عنهم ، وشهد القرآن لهم ، وشهادة القرآن وثيقة باقية ما بقى القرآن .
ومرّة ثانية مع أحاديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرسول يحذّر من سبّ صحابته رضي الله عنهم .
عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله الله في أصحابي . الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، من أحبّهم فبحبي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن أذاهم فقد أذاني ، ومن أذاني فقد أذي الله ، ومن أذى الله فيوشك أن يأخذه "
( رواه الترمذي جـ5/696 ، والأمدى في مسنده 4/87)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لعن الله من سب أصحابي " ( الطبراني في الأوسط 7/115 ).
وهذا ما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجموع أصحابه .
أما ما ثبت في مجموعات منهم فجاء قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأنصار لا يحبّهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبّهم أحبّه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله " بخاري ومسلم .
أعود فأذكرّ القارئ الكريم بأن أمة الاستجابة ناجية إن شاء الله، ومجموع آيات القرآن في سورة الحشر وفي سورة التوبة والأنفال تؤكّد أن المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان وحُبّ رضي الله عنهم ورضوا عنه . والآية التي بعد هذه الآيات ليست من باب المصادفة أن تتكلم عن النفاق ، فالذي ليس من الفرق الثلاثة منافق وليس من العيب أن يجهل بعضنا هذه الحقائق من قرآن وسنة ، فما يجهله أكثرنا عن الإسلام أضعاف أضعاف ما نعرف ولكن العيب أن يضلّ أحدنا على علم ، فيبدّل نعمة الله من العلم جهلاَ ، ومن الحبّ كرها .
هدانا الله إلى سواء الصراط ، وجمعنا مع السلف الصالح على قوله تعالى:[ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{10}] الحشر:10 .
وسلام على آل بيت النبي وأصحابه والمحبين لهم وكلنا في خدمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة السعيد شويل في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 17-03-2008, 09:15 PM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 19-01-2008, 11:26 PM
-
بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 25-09-2005, 04:35 PM
-
بواسطة مـــحـــمـــود المــــصــــري في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 25-09-2005, 04:35 PM
-
بواسطة جنة الفردوس في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 01-01-1970, 03:00 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات