

-
بشرية رسل الله
من آفة البشرية ، تقديس الرسل والرجال الصالحين إلى الحد الذى يصل إلى عبادتهم وإقامة التماثيل لهم ، وما الوثنية إلا من هذا النتاج . لذلك حرص القرآن الكريم على أن يوضح لنا ، وللإنسانية جمعاء ، أن الرسل هم بشر مثلنا يسرى عليهم ما يسرى علينا من ضعف فى بعض الأوقات ، ولكن رعاية الله لهم وهم المخلَصِين ، ترعاهم وتسدد خطاهم ليبلغوا رسالتهم للناس . كما أن ذكر هذه المواقف فى القرآن الكريم ، هى حتى لا نضل كما ضل من سبقونا من النصارى ، بل ممن كانوا قبلهم ، فعبادة الأنبياء موغلة فى تاريخ البشرية ، حتى أن الله سبحانه وتعالى ذكر ذلك فى القرأن الكريم :::
"وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "
والأمثلة التى ذكرها القرآن كثيرة ، حتى نعيش مع الأنبياء ونشعر بأنهم بشر ، بالطبع مصطفون ، ومعصومون ، ولكن لا يمكن أن يصلوا إلى مرتبة الألوهية ، وذلك حتى لا نضل .
فبالنسبة لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، هذا ما جاء بخصوصه :::
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .......... "
فهو يتساءل سؤالا فطريا نتيجة عدم إحاطة البشر بقدرة الله سبحانه وتعالى ، ومحدودية تصورهم لهذه القدرة .
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ
وهنا توضيح لعاطفة الأبوة ، والأمل فى أن يغفر الله سبحانه كفر أبيه . وهذا ما كان مع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالنسبة للمنافقين ، إلى أن أمره الله بألا يستغفر لهم ولا يقم على قبر أحدهم . كذلك هذه الآية ، التى قالها سيدنا إبراهيم لقومه ليتاح له هدم الأصنام ، فهى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أحد الأحاديث ، أنها من الثلاث كذبات التى ذكرها سيدنا إبراهيم :::
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ
أما عن سيدنا موسى ، عليه الصلاة والسلام ، فقد استبد به الغضب فى سبيل الله ، ولكنه "وَأَلْقَى الألْوَاحَ" التى تعتبر كالقرآن الكريم لدينا نحن المسلمين .
وكذلك :::
"وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ...... " ،لأنه يسمع صوت الله سبحانه وتعالى ، فيطمع فى الزيادة من هذه البركة فيطلب النظر إليه .
أما قصة سيدنا يونس ، فهى مسرودة فى القرآن الكريم ، لنعلم أن الرسل بشر ، يسرى عليهم ما يسرى علينا .
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {139} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {140} فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ {141} فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ {142} فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ {143} لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {144} فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ {145}
وهاهو سيدنا لوط ، عليه السلام ، فى لحظة ضعف ، ينسى أنه يأوى إلى ركن شديد ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذى يحفظه من قومه ، فيقول :::
قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ
وكذلك يريد أن ينقذ الموقف ، دفاعا عن ضيوفه ، فيقول :::
قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
وها هو سيدنا نوح عليه السلام ، يدعو على قومه بالهلاك من غضبه عليهم ، وهذا شعور بشرى ، حينما يصل المرء إلى الضيق :::
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً {26} إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً {27}
ولم يستثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ذكر بشريته ، وهو المراد من ذكر الآيات الخاصة بالرسل السابقين ، حتى لا يعبده قومه كما فعل النصارى بسيدنا عيسى عليه السلام :::
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {67} لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {68}
أما عن سيدنا يوسف ، عليه السلام ، فهذا موقفه من امرأة العزيز :::
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ
ولو أن البعض يفسر الهم بعدة طرق ليخرج سيدنا يوسف من بشريته ، ولكن الآية القرآنية واضحة ، لولا أن رأى برهان ربه ، فكان ذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ، وذلك لأنه من عباد الله المخلصين، أى أنه لولا هذه الرؤية لوقع فى السوء والفحشاء . وهذا الموقف يحسب لسيدنا يوسف ، فهمه بامرأة العزير ، يجعله فى أضعف موقف يقف فيه الإنسان ، وحينما يتذكر ربه فى هذا الموقف ويثنيه ذلك عن فعل الفاحشة ، فذلك من قوة الإيمان والخشية لله .
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى {66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى {67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى {68}
وهنا موقف لسيدنا موسى عليه السلام يبين ضعفه البشرى ، فهو مرسل من عند الله سبحانه وتعالى ، ولكنه حينما رأى ألاعيب السحرة ، تغشته بشريته فأوجس فى نفسه خيفة ، فثبته الله العليم بضعف الإنسان .
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {75}
وهنا أنصع دليل على بشرية سيدنا عيسى فمنذ أن كان جنينا فى بطن أمه فهو يعتمد فى نموه على الطعام الذى هو نتاج الأرض وذلك لأنه من تراب يحتاج للتراب ليعيش ، فكيف يكون إلاها ؟
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الوهاب ; 14-08-2007 الساعة 07:00 AM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابو طه في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 06-03-2009, 08:22 PM
-
بواسطة حاشجيات في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 21-12-2008, 05:29 PM
-
بواسطة mreagle في المنتدى منتدى الشكاوى والإقتراحات
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 04-01-2007, 05:51 AM
-
بواسطة alwanat في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 16-05-2006, 01:42 PM
-
بواسطة محمد سليم في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-03-2006, 07:46 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات