اثر المعتقدات البابلية على التوراة
شبكة البصرةإياد محمود حسينإن قدر الشعب العراقي قديما وحديثا إنهم يعيشون فى بقعة يجاورها شذاذ الأفاق شرقا ، قطاع الطرق شمالا، وسراق التراث والحضارة غربا، وهذه صنعتهم وديدنهم على مر التاريخ ، منذ إن وجدوا والى إن ينتهي مصير العالم بيد الرحمن . وهذه الحقيقة لايمكن إخفاؤها ، والشمس لأتغطى بغربال . فقد خلق أجدادنا العراقيون القدماء من التراث العميق حضارة عظيمة على ارض الرافدين) مابين النهرين (بقي مصونا فى تربة وطننا ، وكأنهم كانوا يدركون إن زمنا ماسيأتى والأدعياء ينسبون هذا التراث العظيم لأنفسهم ، ويدعون انه من قريحتهم . لقد اعتاد جل المؤرخين الغربيين وأحبار اليهود وأرباب الفكر والسياسة مدى قرون طويلة وحتى ألان على اعتبار كتاب العهد القديم التوراة مصدرا تاريخيا لا يعتريه شك ينهلون منه كل ما يتعلق بالتاريخ القديم لليهود دون تمحيص او تحقيق او بحث لاى مما ورد فيه من أحداث تاريخية بعناصرها) أماكن وتواريخ وأسماء (إن جميع أحبار اليهود وأرباب الفكر والسياسة يتفاخرون بأمجاد أجدادهم اليهود , ومفاخرهم تملاْ المجلدات بالحديث عن القيم الحضارية والثقافية والروحية التي كانت لبنى اسرائيل . فاليهود يدعون إن التوراة من قريحتهم وفكرهم ، بوحي من الله ، وإنهم صاحب الفضل الديني الأول على البشرية ، وحتى راحت الشعوب المخدوعة تصدق هذا الكلام المعسول ، وتدين لهم وتسجد لهذا التراث المغشوش ، إلى إن كان القرن التاسع عشر حينما بدأت التنقيبات الأثرية في منطقة مابين النهرين تكشف الحقائق ، والتزوير الفضيع الذي مارسوه بني اسرائيل بحق التراث البابلي الاشورى القديم ، وثبت بالدليل القاطع إن شعب لا يملك تراثا لايمكن إن ينسب لنفسه التراث . وتبين للناس إن ماهو موجود بين دفتي التوراة ماهو إلا سرقة مفضوحة من تراث بلاد بين النهرين .
فمثلا قول يعقوب كلاتزكين) اليهودية نظام اخلاقى ومثل أعلى للعدالة الاجتماعية (فى الواقع إن جميع المفكرين اليهود وما ينشرونه على الملاء من مؤلفات ، يؤكدون بإصرار عجيب إن اليهود يتميزون بصفات أخلاقية أزلية ، خصتهم بها العناية الإلهية دون غيرهم . ويزعمون إن التراث الخلقي للبشرية كلها ينبع من اليهودية , وان الله اختارهم من دون سائر الشعوب , وأوكل إليهم تربية الأمم على تعاليمهم وأخلاقهم . اما الكاتبة اليهودية ترودفايس روزمارين فتعتبر فى كتابها ** البقاء اليهودي ** حيث تقول) إن اليهود شعب فريد وحسبهم أنهم أعطوا الغرب كل ما لديه من معتقدات دينية ومثل عليا خلقية , وإنهم ساهموا فى رفد الحضارة الإنسانية بالأدب والأخلاق المميزة للحضارة اليهودية (وعن الأخلاق المميزة للحضارة اليهودية تحدث فرويد قائلا) لقد توصل هذا الشعب إلى إعلاء شأن القيم الفكرية والأخلاقية عظيم الإعلاء (هكذا يتحدث اليهود عن فضل اليهودية فى تزويد العالم بالحقائق والتعاليم الأخلاقية والفضائل الإنسانية , والقيم النبيلة , ويزعمون إن لهم رسالة أخلاقية عالمية . ولكي نكشف للقاري زيف ادعاء بنى اسرائيل بالأمجاد اليهودية , وطبيعة هذه الأمجاد والأخلاق ودلالاتها, علينا الرجوع نحو مصادرها الاولى وأصولها القديمة , وتراثها الأول. واول هذا التراث هو التوراة . والتوراة هي الكتاب المقدس الأول لدى اليهود .
ولكن من خلال دراسة التاريخ اعتمادا على مصادر قديمة اخرى ثبت الشك فى المصداقية التاريخية للروايات المقدسة بدلا من تأكيدها . وقد ظهر عدد من الكتاب والباحثين والمؤرخين الغربيين يتخلون عن الافتراضات التاريخية المسبقة التي فرضها التفسير الديني اليهودي للتاريخ ، اعتمادا على كتاب التوراة. وهذا البروفيسور اليهودي زئيف هرتزوج اعترف بان حكايات كتاب العهد القديم عن أباء شعب اسرائيل واستيطانهم لمصر والخروج منها والسكن فى ارض فلسطين أكدت انه لم يكن هناك اى شيء لليهود على الإطلاق ، ليس لديهم حضارة ، لم يقدموا للإنسانية شيئا يذكر. لقد اقتبسوا كل شيء من الحضارات الأخرى . فى عام 1869 اكتشف الباحث اوبرت رقيات كثيرة مكتوبة بلغة يبدو إنها ليست آشورية ولا بابلية ولا كلدانية ، وبعد البحث توصل إلى إن هذه الرقيمات تدل على وجود شعب قديم فى وادى الرافدين ، أقدم من البابليين والاكدين هي التي مهدت للحضارات التالية ، وعندما سمع الباحث اليهودي جوزيف هاليفى كلام اوبرت صرخ بوجهه مؤكدا) إن لاشعب غير الشعب السامي قد بنى حضارات العراق ، وان اللغة السومرية هذه مجرد اختراع مصطنع قام به الساميون أنفسهم لأغراض سرية وكهنوتية (بينما الوقائع تثبت حقا إن الشعب السومري وباقي الشعوب السامية التي هاجرت من جزيرة العرب ، هي التي بنت الحضارات. وكانت حضارة وادى الرافدين من سومر وبا بل الأثر الواضح والكبير فى تأليف التوراة ، حيث احتوت أسفار التوراة وسفر التكوين على وجه الخصوص على كثير من المعتقدات التي ترجع إلى أصول سو مرية وبابلية إلى الحد الذي دفع عالم الآثار الالمانى فريدريك ديلبج Friedrich Deltych إلى القول فى محاضرته بعنوان) بابل والتوراة (بان سفر التكوين غارق فى ذنوب الانتحال، ويمكن إرجاع هذه الثاثيرات عن طريقين. الاولى عن طريق الآباء الأوائل حيث إن إبراهيم كان أصلا من اور الكلدانيين وكذلك لوط ، إن هؤلاء المهاجرين الأوائل جلبوا معهم متاعا حضاريا كبيرا من ارض مولدهم يتضمن كثيرا من التفاصيل التي هي ألان فى الإصحاحات الاولى من سفر التكوين. ويرى بعض الباحثين من اليهود إن وجود أوجه متشابهة بين النصوص السومرية البابلية والتوراتية إنما هو دليل على عمق الروابط بين النتاج الحضاري الرافدينى التوراتى. فاذا كان الآباء الأوائل جاؤا فعلا من وادى الرافدين ، كما تؤكد ذلك التوراة مرارا ، فلا نتوقع منهم إلا أن يكونوا على علم بنتاج موطنهم الاصلى . ولذلك فان وجود مادة مستوردة فى سفر التكوين إنما هو فى رأيهم) برهان على أصالة اشتقاقها وليس على كونها سرقة نكراء (أن ماهو موجود بين دفتي التوراة ماهو إلا سرقة مفضوحة من تراث بلاد بين النهرين . واول السرقات هو سفر التكوين ، فنجد قصص الطوفان موجودة فى تراث العراق القديم ، فقصة التكوين الفصلان الأول والثاني موجودان بالكامل فى قصة اينوماايليش البابلية التي تحكى لنا خلقه العالم وتقسيمه ، كيف أخذه اليهود ، وغيروا بعضا من جوانبها وجعلوها سفرا فى كتبهم . وقصة الطوفان مأخوذة بالنص والفكرة من قصة ملحمة كلكامش . وكلمة يهوه هو اله بابلي قديم كانت عبادته متروكة حينما كان اليهود فى سبي بابل ، فاستلطفوا الاسم وجعلوه إلها لهم . يهوه كان الإله ابا وانو وانليل ومردوخ فى بابل وأشور فى نينوى . وقصة ادم وحواء موجودة فى تراث العراق القديم ، وقد رسمت على الأختام الاسطوانية ، وحتى قصور الملوك فى بابل نجد هناك صور فى جداريات القصور : رجل جالس وأمامه امرأة وبينهما شجرة وراء الشجرة حية منتصبة .
وحتى الحكيم احيقار فى التوراة الذي هو فى الحقيقة وزير الملك الآشوري سرجون وسنحاريب ، الذي كتب حكمته باللغة الآرامية الآشورية ، وأصبحت الأسفار مثل الأمثال بكامله ، وسفر يشوع بن تراب ، وسفر الحكمة مأخوذ نصوصها من حكمة احيقار الآشوري . وقد اكتشفت فى مصر ** جزيرة الفيلة ** نسخة كانت متواجدة منذ القرن الخامس قبل الميلاد ، وبعد ترجمتها تبين إنها بالذات سفر الأمثال . كان اليهود يتشدقون انه لم يكتب احد قبلهم الحكمة . اما إذا أتينا إلى سفر نشيد الإنشاد الذي ينسب إلى سليمان ، ففي واقع الحال أن سليمان لم يخط فى عهده سطرا واحدا ، وهذه القصيدة هي قصيدة الزواج المقدس فى بابل ، كانت تقرأ فى الزواج المقدس من قبل كهنة بابل . ولو نعمل مقارنة فنضع النصين الواحد إزاء الأخر لنجد مدى ما اقتبسه او سرقه اليهود من هذه القصيدة . وقصة طوبيا نراها ايضا إنها قصة احيقار بالذات . ويدعي اليهود أن احيقار هو ابن عم طوبيا ، وفى واقع الحال انه آشوري عاش فى بلاط سنحاريب واسر حدون ، وليس له أية صلة قربى مع طوبيا ، ويحرف اسمه إلى عقيقار وهو احيقار . وقد جاء ذكره فى القرأن الكريم بأسم لقمان الحكيم . وقد ذكر كاسيدوفسكي) عند العلماء والباحثين أن الكهنة لم يستطيعوا أن يكونوا منطقيين في عملهم التحريري والتحريضي هذا ، فقد تركوا في النصوص التوراتية من التفصيلات التي اعطتها صلة وثيقة مع ثقافة الرافدين . ويصل للقول : لقد كانت ثقافات السومريين والاكاديين والآشوريين والبابليين هي الاصول القديمة لتلك التفصيلات ( .
ظل بنو اسرائيل فترة استيطانهم القصيرة فى ارض كنعان ** فلسطين ** قبائل رحل , لم تستطع يوم من الأيام أن تكون لها كيانا موحدا مما ينطبق عليه معنى الأمة بالمفهوم الاجتماعي , لقد عاشوا حياة فوضوية وفتن فى مابين بعضهم البعض . وقد حالت حياتهم القبلية دون الوحدة والخضوع لزعامة معينة . وكل الذي عرفوه هو نظام القبلي , ومن هنا عجزوا عن المساهمة فى اى شيء فى مضمار الحضارة ولم يقدموا اى أبداع . عاش بنو اسرائيل فى ظروف فقد فى ظلها الأمن والاستقرار -العاملان اللذان يعتبران من اهم عوامل الأخذ بأسباب الحضارة- ولذلك ظلوا على هامش الحضارة , ولم يجاوزا طبائع الرعاة , ولم يملكوا أيا من المقومات الأساسية لكيان حضاري مستقل , فكانوا منذ عهد موسى يمثلون جماعة رعاة يرتكز كيانها الرعوي على الدين . وكان حكامهم فى اغلب الحالات كهنة . والكيان الذي أقاموه لفترة وجيزة لا تتجاوز القرن لم يقم على أساس أصيل بثقافته ولغته وتقاليده لأنهم لم يملكوا اى تراث خاص بهم , ومعظم ما مارسوه من لغة وثقافة مقتبس من الكنعانيين سكان فلسطين الاصليين . وهذه الجماعات البدوية التي لعب الترحال دورا هاما فى حياتها لم تترك اى بصمة حضارية او عمرانية عندما سكنت فلسطين , فلم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة , ولا اى شيء تقوم به حضارة . ولم يأتوا أبدا بأي مساهمة مهما صغرت او قلت فى حقل المعارف الإنسانية وفى تقدم الحضارة . ولم يجاوزوا قط مرحلة الجماعات شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ كما ذكر ذلك غوستاف لوبون فى كتابه الحضارات الاولى . وباختصار لم يكن لبنو اسرائيل حضارة فى فلسطين بالرغم من التسامح الذي أبدته الشعوب الكنعانية تجاه اليهود , فقد ظلوا يصرون على عزل أنفسهم عن جميع المجتمعات الفلسطينية , وظلوا متجمدين فى تقاليد أفقدتهم المقدرة على مسايرة مقتضيات التطور والحضارة . فى وقت كانت الشعوب الكنعانية قد وصلت إلى حالة عالية من الحضارة والتقدم والاستقرار قبل وجود بنى اسرائيل بعدة ألاف من السنين . ففي الجزء الجنوبي الغربي من سوريا ** فلسطين ** بدأت الحضارة النطوفية - نسبة إلى وادى النطوف فى شمال غربي القدس - مع بداية العصر الحجري الوسيط 12000 قبل الميلاد . ولقد حاول الكنعانيون الذين كانت أبوابهم مفتوحة لجميع الأفكار والمعتقدات حاولوا بتسامحهم وانفتاحهم أن يحتضنوا جماعة بنى اسرائيل , ويصيروا معهم شعبا واحدا , ولكن اليهود ابوا الاندماج وظلوا يصرون على عزل أنفسهم عن جميع المجتمعات فى سوريا وفلسطين
ولايمكن لكل باحث فى شؤون بني اسرائيل وتاريخهم الطويل أن ينكر أن السبي البابلي الأخير قد اثر على التفكير الديني لهم بعد اختلاطهم مع سكان بابل الاصليين. وعن طريق هذا الاتصال انتقلت بواسطتها تلك المعتقدات الدينية البابلية وتحولت فى التوراة. أن الأسباب الكامنة وراء سبي اليهود يعود لطبعهم ، لأنهم لا يعيشون إلا وسط الفتن والنفاق والحسد والسرقة والنصب والاحتيال ، مما حدا لدولة أشور أن تكون لهم دوما بالمرصاد . وفى الأخير ضاق نبوخذ نصر بهم ذرعا فأجلاهم من فلسطين إلى بابل ، لكي يكونوا تحت نظره . وقد سبوا الاشوريين اليهود مرتين ، ولكن لم تذكر هاتان المرتان كالسبي البابلي ، فالسبي الأول كان عام 718 قبل الميلاد ، والسبي الثاني على عهد أشور بانيبال عام 668 قبل الميلاد . اما السبي الكبير الذي سمي بالسبي البابلي فكان عام 585 قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر . وحينما قدم اليهود إلى بابل ، ووجدوا هذه الحضارة وهذا الفكر العظيم والتقدم والرقي خجلوا من أنفسهم وهم البدو الحفاة العراة الذين لا يملكون من الحضارة شيئا ، وكما نعلم أن من طبيعة اليهودي أن يحقد ويحسد وينتقم ، فقد تداولوا بينهم كيف نقضي على هذه الحضارة ، وكيف نطمس معالمها وأثارها ؟ فتأمروا مع قورش الفارسي الذي سموه بالمخلص لأنه أعادهم إلى أورشليم ثانية . وكان وجود العبرانيين أنفسهم فى بابل أثناء الأسر البابلي. له الأثر الكبير فى اقتباس الحضارة البابلية , وقد حدث هذا الأسر البابلي مرتين خلال حكم الملك البابلي نبوخذنصر الثاني عام 605-562 قبل الميلاد فقد كان له الأثر الأعظم فى تعرف العبرانيين عن كثب على حضارة بلاد وادى الرافدين . ففي عام 597 قبل الميلاد سقطت أورشليم بأيدي القوات البابلية ، وتم نقل جميع العبرانيين إلى بابل أسرى ومعهم النبي حزقيال. ونصب نبوخذ نصر صدقيا حاكما على العبرانيين ، وقد بقى الأخير سنين عديدة على ولائه للملك البابلي ، لكنه فى نهاية الأمر أعلن ثورته ضد السادة البابلية ، مما دفع بابل إلى تجهيز حملة عسكرية فرضت الحصار على مدينة أورشليم ، وانتهى الأمر بسقوطها وتهديمها ومعبدها وأسوارها ، ونقل حوالى 50000 شخصا إلى بابل ، وقد حدث ذلك عام 568 قبل الميلاد وهو ما يعرف بالأسر البابلي الثاني . وكان لهؤلاء العبرانيين وهم فى الأسر الدور الأكبر فى تكوين الديانة اليهودية المعروفة ألان. اذ استمر كهنتهم بممارسة شعائرهم الدينية وكتابة اهم فصول التوراة . ويجمع أكثر الباحثون على أن الديانة اليهودية قد ولدت أثناء الأسر فى بابل ، وخاصة الأسفار الاولى التي تبدأ بها التوراة . ومما لاشك فيه انه كان لأحبار اليهود الدور الاساسى فى تدوين هذه الأسفار ، حيث انه كانت لهم معرفة واسعة با لنصوص السومرية والبابلية ، وكان الأسر البابلي فرصة ثمينة لهم ، حيث مكنتهم من الإطلاع مباشرة على الوثائق المسمارية المدونة با للغة السومرية والبابلية ، والخاصة بخلق الكون والإنسان والموت والثواب والعقاب والخير والشر.
وبعد رجوعهم من الأسر البابلي قام عزرا بتأليف التنبؤات وإعطائها طابع المصداقية , ويفتخر معتنقي اليهودية بأن تنبوءات التوراة أثبتت صدق وعد الله , وتحقق وعده . نقرأ فى التوراة) سيف على الكلدانيين يقول الرب وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكمائها , حر على مياهها فتنشف لأنها ارض منحوتات هي , وبالأصنام تجن . لذلك تسكن وحوش القفر مع بنات أوى , وتسكن فيها رعال النعام ولا تسكن بعد إلى الأبد ولا تعمر إلى دور فدور , كقلب الله سدوم وعمورة لا يسكن هناك إنسان (ارميا 50-35 . لقد انذر الله بأنها ستصير كالصحراء , فهل تمت هذه النبوءة ؟ أن بابل مثل باقي المدن التاريخية القديمة فى المنطقة , اندثرت جميعها طبعا , وأصبحت خراب فى خراب واثار سياحية فلا حاجة أن تنطبق عليها التنبوءات , ولكن بابل ألان ليست بقعة واسعة من الخرائب الخالية من السكان , بل تقع بقربها مدينة الحلة , وهى عامرة بالسكان العرب المسلمين , وزاهرة بأشجار النخيل , والبساتين الواقعة على ضاف نهر الفرات .
وسوف نشرح هنا اهم القضايا الدينية التي اقتبسها العبرانيين من الفكر الديني البابلي.

1- خلق الكون والإنسان
لقد أثبتت الوثائق التي اكتشفت وترجمت حتى ألان بان السومريين كانوا قد أطالوا التأمل فى الطبيعة ، وفكروا فى منشأ الكون وكيفية قيامه وتدبره. وهناك دلائل وإثباتات تشير إلى أن مفكري السومريين كانوا فى الإلف الثالث قبل الميلاد قد وضعوا قواعد للكونيات ومعتقداتهم الدينية . ، وقد اعتقد السومريين بأن اهم وحدتين يتركب منها الكون هما السماء والأرض - إن كي - وانه هناك مادة اخرى بين السماء وارض أطلقوا عليها اسم - ليل - ومعناها هواء نفس روح ، ومن خصائص هذه المادة هي الحركة والانتشار . ويعتقدون أن الأجرام السماوية كالشمس والقمر والكواكب والنجوم كلها مصنوعة من مادة هذا الغلاف ليل ، وان السماء والأرض محاطان من كل الجهات ببحر خضم لانهاية له ، وان الكون ثابت فى هذا الخضم . وهكذا استنتج السومريين أن مبدأ الكون الأول هو هذا البحر العظيم الذي ولد الكون السماء والأرض ، وبينهما الهواء ، الغلاف الجوى . ويقولون انه بعد انفصال السماء عن الارض وتكون الأجرام السماوية وجدت الحياة على الارض .
وقد ألف السومريون والبابليون أساطير وقصص عديدة تتناول موضوع خلق الكون والإنسان ، وخاصة ملحمة جلجامش وانكيدو ، حيث تحتوى هذه الملحمة عن انفصال السماء عن الارض على يد الإله انليل بعد أن كانتا كتلة واحدة . حيث أن فكرة السومريين بخصوص خلق الكون قائمة على أن فى البدء كانت مياه البحر حيث كانوا يتصورون أن المياه هذه كانت أزلية طالما لايوجد ما يشير فى النصوص المسمارية إلى أصلها او مولدها ، ومن مياه البحر الأزلية هذه ولد جبل كوني يمثل السماء والأرض متحدين ، ونتيجة لاتحاد السماء والأرض ولد اله الهواء انليل ، وان هذا الإله انليل فصل السماء عن الارض ، محمل أبوه السماء ، وحمل هو الارض . وبعد أن تم فصل السماء عن الارض ، وتم خلق الكواكب والنجوم ، ظهرت معالم الحياة على الارض .
وكذلك فقد كان خلق الإنسان واحدا من المواضيع التي تناولتها الأساطير السومرية والبابلية والتوراة على حد سواء . وفى الديانة البابلية تعد الخليقة وقصة الطوفان من المراجع الأساسية عن موضوع خلق الإنسان ، حيث يذكر فى المؤلفات المسمارية ، أن الإنسان خلق من طين ودم حسب المعتقدات البابلية ، أن خلق الإنسان لم يكن غاية فى حد ذاتها او نتيجة مكملة لبقية مراحل خلق الكون ، وإنما حدث بسبب العناء الذي أصاب الالهه من جراء العمل فى الارض ، فقررت أن تخلق بديلا عنها يحمل المشقة . وان الإنسان خلق من اجل أن يكد ويكدح فى الارض ، لكي يريح الالهه من عناء العمل وليقدم لها الطعام . أن خلق الكون فى معتقدات السومريين والبابليين له ما يوازيه فى بداية الإصحاح الأول من سفر التكوين ، حيث تعتبر التوراة أن المياه اصل الوجود ، وان السماء والأرض خلقتا بعد عملية فصل أيضا) بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد ( . اما عن خلق الإنسان فالرواية تتطابق على أن الإنسان ) جبل ترابا من الارض ( وكذلك أن الهدف الذي من اجله خلق الإنسان فى النصوص المسمارية ، هو لكي يحمل التعب والكد عن الالهه ، فى سبيل إعمار الارض ، فان مصيره فى التوراة كان مشابها لهذا تماما اذ ذكر فى التوراة ) يعمل الارض التي اخذ منها ( اى يكدح ويتعب فيها.

2- محاربة قوى الشر
أن خلق الكون بموجب معتقدات سكان بلاد وادى الرافدين لم يتحقق بهدوء وسلام ، وإنما جاء بعد حرب صعبة وطاحنة خاضتها قوة تمثل الآلهة الفتية ضد قوى اخرى حاقدة تمثل الآلهة القديمة. وحسب معتقداتهم الدينية فأن الحرب كانت معروفة قبل أن يخلق الكون والإنسان ، وأنها قديمة قدم الالهه نفسها . وتعطينا قصة الخليقة البابلية صورة واضحة عن الأسلحة التي أوجدتها الآلهة فى حربها بعضها مع البعض الأخر، ومعظمها يتكون من حيوانات أسطورية ضخمة ومرعبة ، مثل الثعابين الخبيثة والتنانين العملاقة الطائرة والرياح المدمرة . ومن ابرز نقاط الصراع فى قصة الخليقة البابلية يتمثل فى أن تيامة وجندها هم عنصر الشر فى حين يمثل مردوخ عنصر الخير او الشر بنفس الوقت . وتسمى المياه الأزلية المالحة فى البابلية تيامة بمعنى البحر ، وقد صورتها قصة الخليقة البابلية بمخلوق ضخم ومرعب له قوى خارقة ، حيث جندت تيامة فى حربها ضد مردوخ بمخلوقات ضخمة ومرعبة ، وهى التنانين الطائرة والثعابين الضخمة ، فى حين اتخذ مردوخ من الرياح والعواصف المدمرة أسلحة له.
وفى الميثولوجيا السومرية مثلا ينتصر انكى **سيد الارض ** عل تنين العماء كور. وفى الميثولوجيا البابلية ينتصر مردوخ ** السيد العظيم ** اى الله على تنين العماء, وينظم الكون. وكذلك فعل أشور ** السيد ** فى الميثولوجيا الآشورية. وفى الميثولوجيا الكنعانية مثل عماء البدء بالحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة لوياثان الملتوية الهاربة قتلها البعل ** السيد ** قبل القيام بعملية التكوين وتنظيم الوجود. وحين بدأ أحبار اليهود بوضع تاريخهم وكتابته فى التوراة فى العهد السبي البابلي , اقتبسوا من البابليين والكنعانيين من جملة ما اقتبسوا قصة التكوين والخليقة. وكان من الطبيعي أن ينسبوا دور قتل تنين العماء إلى يهوه . وقد جاء فى وصف محرري التوراة لتنين العماء ** لوياثان ** بتعابير تشبه إلى حد بعيد التعابير التي وردت فى وصف تنين العماء فى التراثين البابلي الكنعانى , ويمكن إثبات اقتباسهم لهذه التعابير , ما ورد فى سفر أيوب - 41 من وصف لتنين العماء , وهى شبيهة بنصوص ملحمة التكوين والخليقة البابلية .
كل هذه الأساطير البابلية امتزجت فى إسفار التوراة ، وأصبح لها صدى كبير فيه ، حيث يحارب الرب قوى الشر المتمثلة با لتنانين والثعابين ، وحيث يرد ذكر البحر بصفته مصدرا لهذه القوى الشريرة ، وذكر التغلب عليه وإسكات امواجة على يد الرب ، على غرار ما حصل لتيامة على يد الإله مردوخ فى قصة الخليقة البابلية وكمثال على ذلك نقتبس فيما يلي فقرات من بعض إسفار العهد القديم ) فى ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية المتلوية ويقتل التنين الذي فى البحر ( اشعيا ) والله ملكي منذ القدم فاعل الخلاص فى وسط الارض أنت شققت البحر بقوتك كسرت رؤوس التنانين على المياه أنت رضغت رؤوس لوياثان جعلته طعاما لأهل الشعب لأهل البرية ( مزامير.

3- جنة عدن
ذكرت النصوص السومرية التي نقشت على الطين في الألف الثالث قبل الميلاد ، والتي سميت بعد ذلك بالألواح السومرية المكتشفة في وادي الرافدين ، بأن الجنة الأبدية ، بلا خطيئة ولا أمراض ولا أوجاع ولا شيخوخة هي جنة سلام وصحة ومياه وافرة ، ونعتتها أساطيرهم بالطهر والنقاء . وحتى البابليون والكنعانيون عبروا عنها بالحياة الأبدية . وجاء الوصف في النص السومري كما يلي:
ذلك المكان الطاهر ذلك المكان أكثر لمعانا
الغراب لا ينعق في دلمون
الأسد لا يفترس الذئب لا ينهش الحمل
ومريض العين يقول أنا لست مريض بالعين
والذي يشكو من وجع الرأس يقول أنا لااشكو من وجع الرأس
والمراة العجوز تقول أنا لست عجوزا
المغني لا يطلق نواحا
إن أول ذكر لدلمون في تلك النصوص كان نص لمؤسس سلالة لكش الأولى في العصر السومري القديم الذي ذكر نقل سفن دلمون الكبيرةله الخشب كجزية من بلاد أجنبية . وتتحدث الاسطورة عن اتصال الإله انكي بزوجته في دلمون ، ثم أمره الإله اوتو **اله الشمس ** إن يملاء الجزيرة بالماء العذب ، فكان له مااراد فتحولت الجزيرة إلى جنة خضراء مليئة بالحقول . وفي ملحمة كلكامش ، وفي أسطورة الطوفان السومرية أطلق اسم ارض العبور على دلمون ، وجعلت الجزيرة مقر **اوتونا بيشتم ** بطل الطوفان السومري الذي منحته الإله الخلود بعد الطوفان . وهكذا يكون البطل السومري كاكامش قد شق طريقه عبر الخليج ومن ارض سومر قاصدا دلمون في البحرين حيث قابل اوتونا بيشتم الذي قص عليه إخبار الطوفان . فأوتنابشيتم بطل الطوفان البابلي فتش عنها . وجلجامش ملك أوروك , ترك مجده وثار على مظاهر المجد والعظمة والسلطان , واثر البحث عن حياة أبدية , وفى صدره إيمان عميق راسخ رسوخ الجبال بأن سعيه الروحي لابد أن يقوده إلى حياة أبدية هي وراء هذا العالم المادي الشرير . وقد عرف بنتيجة تطوافه أن الحياة الأبدية التي ينشدها ليست فى هذا العالم , بينما كانت **الجنة المفقودة ** فى مفهوم بنى اسرائيل , جنة أرضية مادية بحتة سواء أكانت هذه الجنة هي ارض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا , ام كانت جنة عدن بأنهارها الأربعة : دجلة والفرات والنيل والنهر الهندي المقدس.
كانت البحرين في الخليج العربي تعتبر هي دلمون ، فقد اظهرت الحفريات والتنقيبات في البحرين حقيقة تاريخية إن كثرة المدافن فيها جعل منها اكبر مقبرة قديمة معروفة لحد ألان في العالم ، وهذا مايؤكد على حقيقة اقتناع السومريين بأن ارض دلمون هي ارض الفردوس ، ولهذا السبب اتخذ رجل الطوفان السومري اوتونا بيشتم وهو نوح عليه السلام نوح من دلمون ** البحرين ** مقرا له بعد الطوفان .
لقد كشفت التنقيبات والاكتشافات فى بلاد الرافدين على أهمية التراث الروحي والثقافي الذي خلفته لنا الأجيال الغابرة ، وهذه الاكتشافات ألقت الأضواء على خلفية المعلومات الواردة فى كتاب العهد القديم ، وجعل العلماء على ثقة بأن ما ورد فى الكتابات العبرية لم يكن جديدا او منقطعا عما سبقه ، وان جذوره موجودة فى المكان والزمان اللذين يكتنفانه ويقول الكاتب اليهودي صامويل نوح كريمر , S.N.Kramer فى كتابه التاريخ يبدأ من سومر , وهو من احد اهم المصادر المعرفية فى حضارات الرافدين , وبين إنجازاته الهامة تبيان العديد من الاصول الثقافية السومرية والاكادية للديانة العبرية . ) إن التراث السومري واضح الأثر فى العهد القديم وان هذا التراث لم ينتقل مباشرة إلى العبريين لأنه كان قد انتهى منذ أمد طويل قبل ظهور العبريين إلى الوجود . لقد انتقل التراث السومري إلى العبريين بواسطة الكنعانيين وهم سكان فلسطين الاصليين قبل إن يستولى عليها العبريين حيث إن السومريين كانوا قد اثروا تأثيرا كبيرا فى الكنعانيين وخير مثال على التناظر القائم بين التراث السومري والعهد القديم هو ذلك الذي ورد فى الحكاية الميثولوجية السومرية المعروفة باسم انكى ونينهورساج ، تلك الحكاية التي وردت فى قصيدة تتكون من 278 سطرا ، مكتوبة على لوح طيني موجود فى متحف جامعة بنسلفاني ( ومضمون تلك الحكاية حول مدينة دلمون بلد نقى طاهر بلد الحياة الذي لا يعرف السقم والموت ، حيث أصبحت دلمون بذلك جنة سماوية تزهو ببساتينها المحملة بالأثمار ومروجها الخضر . يذكر سفر التكوين فى الإصحاحين الثاني والثالث تفاصيل عن جنة عدن وأنهارها ، وان معظم هذه المسائل جذور سومرية بابلية ، وان هذه الكلمة جاءت من الكلمة السومرية عدن بمعنى السهل الاراضى الزراعية السهلة. ولاشك فى إن التوراة تفترض ضمنيا إن جنة عدن كانت تقع فى جنوبي وادى الرافدين ، اى فى سومر. وقد ذكر فى النسخة السومرية لقصة الطوفان ، إن الالهه عندما منحت الخلود لرجل الطوفان مقابل إنقاذه نسل البشر من الفناء ، قد اسكنه فى بلد على البحر فى الشرق فى دلمون . وان السومريين تصوروها جنة با لفعل ، فهى ارض مطهرة مشرقة حيث إن الالهه اهتم برعايتها فجلب إليها المياه العذبة والحلوة . واهم من هذا وذاك فقد كانت دلمون ارض السلام والطمأنينة ، وهى ارض لا يعرف سكانها المرض والشيخوخة ، وبا لتالى فأنها كانت ارض الخلود. إن هذه الصورة للجنة السومرية فى دلمون لها انعكاسها فى سفر اشعيا فى التوراة ، الذي نقراء فيه على غرار ما نجده فى الأسطورة السومرية ، عن انتشار السلم والطمأنينة فى الارض حتى بين جنس الحيوان ) فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسن معا وصبى صغير يسوقها والبقر والدابة ترعيان تربض اولادهما معا والأسد كالبقر يأكل تينا ... الخ ( . هذه هي الصورة الأشد وضوحا لجنة عدن كما ورد فى الإصحاحات الاولى لاشعيا , فأنه يأخذ الرواية السومرية غير عابىء إن يكشف أمره احد ليصنع منها عصرا ذهبيا يؤكد إن البشر حتى الاغيار منهم سيتمتعون فيه بملذات ونعم لا توصف ، فى ظل حكم صهيون البطل المنقذ المسيح المنتظر اشعيا 11-1-5 . ولعل من ابرز المظاهر الأساسية للجنة كما تصفها التوراة ، وجود الأنهار وشجرة المعرفة وشجرة الحياة. وان الماء يعتبر مصدرا ورمزا للحياة. وعند مقارنة هذه الحكاية السومرية بما ورد فى العهد القديم نجد.
1- إن فكرة وجود الفردوس السماوي مقر الآلهة إنما هي فكرة سومرية ، وان دلمون نفسها أصبحت ارض الحياة والخلود لدى البابليين الذين استولوا على الحكم بعدئذ . وانه من المحتمل إن يكون الفردوس الذي تحدثت عنه الكتابات العبرية ، والذي وصف بجنة عدن التي تجرى منها انهار الدنيا الأربعة وبضمنها دجلة والفرات هذه الجنة هي نفسها فردوس السومريين الذي غدا بعدهم فردوس البابليين.
2- هناك فى القصيدة ايضا وصف لري البلاد بواسطة اله الشمس ، من ماء مجلوب من الارض ، وهذا يذكرنا بما جاء فى العهد القديم الإصحاح الثاني السطر السادس ) ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقى كل وجه الارض ( .
3- وهناك جانب أخر بين الحكاية السومرية وما جاء فى التوراة ، حيث إن الحكاية السومرية تصف ضلع انكى المريضة والتي خلقت لإعادة هذا الضلع إلى الحياة ، تحمل اسما سومريا يتعلق بأسم حواء ام البشر ، وفى ذلك ما يشير إلى المقولة الواردة فى العهد القديم ، والتي تتحدث عن خلق حواء من ضلع ادم.
كما قلنا سابقا , إن انعدام الأيمان بالآخرة هو موروث ثقافي سومرى - اكادى عزز تعلق السومريين قبل العبريين بالحياة الدنيا . ومن هنا نجد إن السومريين كما يقول كريمر ) تشبثوا بالحياة بقوة غير معهودة , ولم يبهجوا القلب او يواسوا الروح بأمل الحياة فى الجنة , بل إنهم عشقوا الحياة , وواكب عشقهم هذا إضفاء قيمة عليا على أسباب الرفاهية المادية ( كذلك امن البابليون والكنعانيون الذين اقتبس العبريون ثقافتهم , والذين لم يجدوا بدورهم فى عقيدة الخلود ما تبتهج له النفس . ويلاحظ يورانت فى كتابه قصة الحضارة ) إن الدين السومري البابلي كان دينا ارضيا عمليا . فاذا صلى البابلي لم يكن يطلب فى صلاته ثوابا فى الجنة , بل كان يطلب متسعا فى الارض ( والأرض هي الفردوس العبري الموعود , ومشروع الإله العبري وشعبه بنى اسرائيل .
ولم يحفل اليهود بفكرتي القيامة والخلود , ولم تدخل هاتان الفكرتان فى تقليدهم الديني , ويذكر جاك ليندسى Jack Lindsay فى كتابه التاريخ القصير للثقافة ) إن العبريين قاربوا فكرة القيامة وانبعاث الجسد للمرة الاولى فى القرن الثاني قبل الميلاد , وتمت المقاربة تحت وطأة الشعور بالهزيمة وذل الشتات من جهة , وتحت تأثير الديانة الزرادشتية التي أخذت اليهودية بمفهوم نهاية العالم , والعصر الخلاصى , والقيامة والحساب , وظهور عالم طاهر من جهة ثانية . وهذا المفهوم كان فى أساس أراء اليهود عن القيامة ( . اما برتراند رسل فيذكر إن اليهودية اشتركت مع المسيحية فى تأكيد فكرة العالم الأخر فى الدنيا , وهى من الأفكار الافلاطونية الجديدة فى الأصل . واول من قارب الفكرتين هو الفيلسوف فيلون فى القرن الميلادي الأول . وجاء فى موسوعة تاريخ الحضارات العام بالفرنسية , إن فكرتي القيامة والدنيوية عند العبريين ( لم تخرجا عن إطار النظريات التي لم تصادف تأييدا جماعيا ولا تأييدا رسميا ) . اما سومبارت Sombart فيقول فى كتابه اليهود والرأسمالية الحديثة فى كيفية تأول اليهود لفكرة البعث والحياة الأخرى ) إن اليهود فسروا القيامة من الموت على الشكل الذي يتوافق مع نزعتهم الدنيوية بحيث حصروا حق الحياة الأخرى بالأتقياء الصالحين الذين يجزون بالثروة فى الحياة الدنيا . ولم كان النجاح والإثراء فى هذه الدنيا هما بالنسبة لليهودي برهانا يقينيا على إن حياة الإنسان الدنيوية هي حياة مرضية من الله , فالنتيجة المنطقية التي تترتب على هذه القناعة هي إن الآخرة ستكون من نصيب الناجين والأثرياء فى الحياة الدنيا .
واللافت للانتباه إن القران الكريم قد انتقد يهود الجزيرة , ويشك فى إيمانهم باليوم الآخرة , وهدفهم فى الحياة هو تعلقهم بالحياة الدنيا وخوفهم من الموت دليلا على كفرهم بالآخرة ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين , ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين , ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود احدهم لو يعمر ألف سنة ( سورة البقرة 94-96
وهذا البحث ايضا منقول

يتبع

رفقه بغدادي