لبابا بنديكت السادس عشر ??

الكاتب والباحث : علاء عريبى

بدأ معاركه بالمسلمين وانتهى بالأرثوذكسي والبروتستانت

بنديكت السادس عشر يعود بالمسيحية إلى سنوات الهرطقة

اضطهدوا كنيسة الإسكندرية بسبب طبيعة المسيح وأخذوا لقب البابا عن الأقباط

علامات استفهام كثيرة تثار حول شخص وفكر ونية بابا الفاتيكان الحالي بنديكت السادس عشر ، هل جاء موجها لإيقاع العالم في فتنة مذهبية ودينية ؟ ، هل جاء لتهميش الديانات والمذاهب غير المتوافقة مع السياسات العالمية ؟ ، هل يقصد الفتنة الدينية والعرقية أم أن كلاماته عشوائية ؟ ، لما يهاجم ويجرح ويكفر بابا الفاتيكان أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى ؟

منذ عدة شهور ألقى محاضرة في ألمانيا" قال فيها أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالشر وأن الإسلام انتشر بحد السيف ، وثار المسلمون وخرجت المظهرات فى جميع الدول الإسلامية ، مطالبة باعتذار سريع من البابا لإهانته الإسلام والرسول الكريم وسائر المسلمين ، وأخذت كلمات وأقواله على أنها بداية لفتح جبهة عداء مع المسلمين ، الشهر الماضي فوجىء العالم اجمع بنفس الرجل يهاجم المذاهب المسيحية الأخرى ، حيث صدرت وثيقة كنسية عن مجمع العقيدة والإيمان بالفاتيكان ‏,‏ أكدت أن الكنائس الأرثوذكسية معيبة‏,‏ وأن الكنائس البروتستانتية ليست كنائس حقيقية‏ ,‏ حيث أنها لا تعترف بالخلافة الرسولية ولا بالرسامة الكهنوتية‏,‏ مشيرة إلي أن الحقيقة الإيمانية الوحيدة موجودة في الكنيسة الكاثوليكية‏ ،‏ كما أكدت الوثيقة من جديد التفرد اللاهوتي لكنيسة روما واولوياتها بالنسبة للمسيحيين حول العالم‏.‏

وقد جاءت الوثيقة تحت عنوان إجابة تساؤلات حول بعض جوانب العقيدة الكاثوليكية‏,‏ وهي موقعة من قبل رئيس مجمع العقيدة والإيمان الكاردينال ويليام ليفادا ، والسكرتير المونسينيو أنجلو أماتو‏,‏ بتاريخ‏29‏ يونيو الماضي‏,‏ الذي يوافق ذكري الاحتفال بعيد القديسين بطرس وبولس ‏,‏ كما أشارت الوثيقة إلي أن بابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر قد صادق عليها‏,‏ وأمر بنشرها لتوضيح بعض جوانب النقاشات اللاهوتية التي وردت تأكيدا لدستور نور الأمم المنبثق عن المجمع الفاتيكاني الثاني‏1962‏ ـ‏1965,‏ الذي أكد أن كنيسة المسيح تقوم في الكنسية الكاثوليكية‏.‏

وجاء في الوثيقة أيضا‏,‏ أن الكنائس البروتستانية ليست كنائس حقيقية ، ولا تتعدي كونها مجتمعات كنسية‏ ,‏ ولذلك فهي لا تحوي سبل الخلاص ‏,‏ علي حد تعبير البيان‏ ، وأكد الوثيقة أنّ المسيح أسس »كنيسة واحدة« على الأرض يمكن اعتبارها كنيسته »بالكامل«، وهي الكنيسة الكاثوليكية وحدها، لا الكنيستين الأرثوذكسية أو البروتستانتية، مشدداً على أنّ الكنيسة الكاثوليكية في روما تمثل وحدها »استمرارية تاريخية« و»ديمومة العناصر التي أرساها المسيح«، بينما لا تعترف الكنائس الأخرى »بأولية القديس بطرس« في رئاسة الكنيسة التي استمرت في روما ، في حين اعتبر الفاتيكان أن الكنائس الأرثوذكسية كنائس لأنها تعترف بالخلافة الرسولية والرسامة الكهنوتية ‏,‏ مشيرا إلي أنها تتمتع بالعديد من عناصر الحقيقة والخلاص ‏,‏ إلا أنها تفتقر إلي الاعتراف بأولوية البابا المطلقة وسمت ذلك بأنه جرح يؤذي طائفة الأرثوذكس .

وهذه الوثيقة بالطبع أثارت حفيظة أصحاب المذاهب المسيحية الأخرى ، وأعلنت

الطائفة الإنجيلية فى مصر والشرق الأوسط برئاسة القس الدكتور صفوت البياضى ، رفضها لوثيقة الفاتيكان التي أصدرها البابا بينيدكت السادس عشر، وقال القس البياضى في بيان للكنيسة الإنجيلية "إن الكنيسة هي جسد المسيح الولد الكثير الأعضاء الذي يتميز بالتعددية والاحترام المتبادل ، وقبول الآخر، وأن الخلاص هو عطية الله للإنسان ولا تستطيع كنيسة ما أن تمنحه أو تمنعه وأن المحبة هي الطريق الأفضل الذي يجمع ويوحد ويبتعد عن التفتت والشقاق".

وفى حوار أجرى مع البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في جريدة الأهرام ، قال عن الوثيقة :

أنا عرفت بهذه الوثيقة ‏,‏ وأنا في نيويورك في طريق عودتي للقاهرة‏,‏ وقالوا لي إنه نشر في الاسوشيتدبرس مقال عن هذا الموضوع‏ ,‏ وقرأت نسخة منه وعرفت ما فيها‏,‏ وعرفت أن بابا الفاتيكان بندكت اعتمدها في‏29‏ يونيو الماضي‏,‏ وشعرت بأن الرجل يكسب أعداء في كل مرة‏ ,‏ ففي تصريحاته الأولي قبل أشهر خسر المسلمين جميعا‏,‏ وعندما سافر إلي تركيا بعد هذه التصريحات لم يكن مرحبا به‏ ,‏ بل رفض كثيرون مقابلته وفرضت علي تحركاته حراسة مشددة جدا‏ ,‏ ثم في هذه المرة خسر كثيرا من الطوائف المسيحية لأنه بدأ يخطئ في المسيحيين أنفسهم ‏,‏ فعندما يقول إن البروتستانت والانجليكانيين ليسوا كنائس وإنما مجرد‏Comunities))‏ أي جماعات فهذا يجعل الانجليكان لا يحبونه ، وهم تحت رئاسة كنيسة كانتربري ولهم فروع في أمريكا وأوروبا وإفريقيا ومناطق أخري كثيرة ‏,‏ والبروتستانت أيضا‏,‏ غالبية أمريكا بروتستانت‏,‏ فلماذا يخسر كل هؤلاء وأنا متعجب لهذه التصريحات التي تسبب خسائر في مشاعر الناس‏ .

وأضاف البابا شنودة قائلا : ونحن لسنا ضد اعتزاز الكاثوليك بكنيستهم‏,‏ لكن ليس معني ذلك أن كل كنيسة لا تنضم إليهم هي ليست كنيسة‏,‏ فقد قالوا في هذه الوثيقة إن الارثوذكس كنائس حقيقية لكنها‏Defeetive))‏ معيبة أو تعاني من نقصان لأنها لا تؤمن برئاسة البابا يقصدون بابا الفاتيكان ‏,‏ ورئاسة بابا الفاتيكان لكل كنائس العالم لاتتفق مع تعاليم المسيح نفسه‏,‏ لأن تلاميذ المسيح تصارعوا بينهم وبين أنفسهم بسبب من يكون فيهم الأول‏,‏ فالمسيح قال لهم من أراد فيكم أن يكون أولا فليكن آخر الكل ,‏ ومن أراد أن يكون سيدا فليكن عبدا وخادما للكل ، ففكرة أن يكون واحدا مسيطرا علي الكل فكره المسيح نفسه لم يوافق عليها‏,‏ لكن الكاثوليك يريدون أن يقولوا إن بطرس الرسول أحد تلاميذ المسيح هو رئيس الرسل ‏,‏ وان بطرس أسس كنيسة روما‏,‏ وبذلك تصبح روما رئيسة الكنائس ‏,‏ والكتاب المقدس لا يقول إطلاقا أن بطرس أسس كنيسة روما إطلاقا‏ ,‏ الواضح في الكتاب المقدس أن الذي أسس كنيسة روما هو بولس الرسول ‏,‏ وآخر سفر أعمال الرسل يقال فيها أن بولس أسس كنيسة روما‏,‏ وبولس في رسالته لكنيسة روما قال أنا وضعت مبدأ لنفسي أنني لا اكرز‏(‏ أبشر‏)‏ حيث يعرف اسم المسيح ، فإذن عندما ذهب إلي روما لم يكن يعرف اسم المسيح‏ ,‏ وبالتالي هو الذي أسس كنيسة روما ، لأنه أول من بدأ الكرازة أو التبشير باسم المسيح هناك‏.‏

مريم أم المسيح أم هي أم الله

كلمات البابا هذه ووثيقته التي تجرح في إيمان المذاهب الأخرى يعيدنا إلى الجذور التاريخية للخلافات بين المسيحيين ، وانقسامهم إلى عدة كنائس ، ففى عام 431 بعد الميلاد كان مجمع أفسس الأول ، وبحث هذا المجمع مقولة نسطور بطريرك القسطنطينية ، الذي قال فيها : إن العذراء مريم هي أم المسيح وليست أم الله ، وكان يعنى من مقولته ان المسيح لم يكن هو الله حال الحبل به ، وأنه كان إنسانا أو إلها بالتبادل حسب صياغة الدكتور سليم نجيب فى الأقباط عبر العصور ، وفى المجمع المسكونى الرابع ، مجمع أفسس الثانى عام 449 م ، الذى دا إليه امبراطور بيزنطة تيودور الثانى ، وترأسه ديسقوروس البطريرك الخامس والعشرون للإسكندرية ، تم مناقشة مقولة " أوطاخى " التى قال فيها : أن لا هوت المسيح امتص ناسوته كما يمتص المحيط قطرة من الخل ، بعدها انعقد المجمع المسكونى الخامس فى خلقيدونية عام 451 م ، وقد دعا إليه بابا روما ليون الأول ، وكانت مهمة ذلك المجمع تتمثل في إعادة النظر فيما وقع فى مجمع أفسس ، وكذلك فحص مسألة تقدم أسقف روما على غيره من الأساقفة ، وفيه تم استبعاد بطريرك كنيسة الإسكندرية ديسقورس ، واتهمته روما بمساندة هرطقة اوطاخى ، وفى المجمع عرفوا المسيح بأنه شخص له طبيعتان ، إحداهما إلهية والأخرى إنسانية ، ورفض بطريرك الإسكندرية هذا التعريف ، وأكد وحدة المسيح معرفا إياه بأن له طبيعة واحدة تتألف من أقنومين الواحد لاهوت والأخر ناسوت ، وكلاهما متحدان بغير اختلاط ولا امتزاج او تغيير ، وتم نفى ديسقوروس إلى جزيرة فى آسيا الصغرى ، وأيامها كانت مصر تحت السيادة البيزنطية ، فسعى الحكام إلى فرض بطاركة بيزنطيين على مصر ، سموا بالمالكانيين ، نسبة إلى انهم من قبل الملك وهو الذى فرضهم على الكنيسة المصرية ، إضافة إلى ذلك إن بعض البطاركة كانوا أيضا حكاما للإسكندرية ، وكان هذا سببا إضافيا لعدم قبول الكنيسة المصرية لهم ، ومنذ يومها حدث انفصال الكنيسة المصرية عن كنيستي بيزنطة وروما .

وقد ترتب على هذا الخلاف السياسي واللاهوتي اللفظي سلسلة من الإضطهادات للمسيحيين المصريين ، نحن في غنى عن ذكرها في هذا الصدد ، لكن نشير إلى ان الكنيسة المصرية نجحت بعد انفصالها عن كنيسة روما في إن تحافظ على مكانتها فى وتنقل بأمانة تعاليم المسيح التي تسلمتها عبر قرون .

والذي لا يعرفه الكثير من المسيحيين والمسلمين في بلدان العالم ، ان لقب البابا، الذي يخلع على أساقفة الإكليروس ، في الأصل مصريا ن ويرجع اللقب إلى البطريرك القبطى الثالث عشر هيراكليس ( القرن الثالث الميلادى ) ، ويرجع اللفظ إلى اللغة القبطية ، وكان يطلق بصفة منتظمة على أساقفة الإسكندرية ، وظل يطلق عليهم حتى اليوم ، وكان استخدامه في البداية قاصرا على تسمية أسقف الإسكندرية ، وبعد ثلاثة قرون من استخدامه فى مصر ، وحوالي في القرن السادس من الميلاد ، بدأ استخدام هذا اللقب فى روما ، وتحدد بصفة نهائية فى القرن الثامن ، حيث صادق جريجورى السابع على استخدامه كلقب لرئيس الكنيسة بروما .

وبعد نزاع دام خمسة عشر قرنا بين روما والإسكندرية ، أعترف قداسة بابا روما بولس السادس ، وقداسة بابا الإسكندرية شنودة الثالث ، بتماثل إيمانهما فى سر تجسد الكلمة ، وقد أعلن عن هذا الاتفاق فى الفاتيكان بمجمع نيقية فى 10 مايو 1973 .

والغريب بعد هذا الإعلان يأتي بنديكت السادس عشر ، ويصدق على الوثيقة التى تجرح فى الكنائس الأخرى ، وتؤكد ان إيمانها معيب ، وهو ما يعيد بنا لعلامات الاستفهام التي بدأنا بها المقال : لماذا ؟ ، وهل يقصد بنديكت إثارة فتنة دينية ومذهبية ؟ ، هل ينفذ أجندة سياسية ؟ ، هل يرد العودة بالمسيحيين إلى سنوات الهرطقات والاضطهاد والقتل ؟


http://ok.hedayah.net/print.asp?EgyxpID=46420