عدد الصحابة وذكر المكثرين منهم في الرواية

إن حصر الصحابة رضوان الله تعالى عنهم بالعد والإحصاء متعذر لتفرقهم في البلدان ولأنهم كثرة بالغة ومن حدهم من العلماء فإنه من باب التقريب فقد روى البخاري ومسلم أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه
‏ عن غزوة تبوك والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان (سنن أبي داود 178 ومسلم 801).
هذا وقد وردت بعض الروايات تذكر عدد الصحابة في بعض المشاهد والغزوات روى أحمد

"‏حَدَّثَنَا ‏عَبْدُ الرَّزَّاقِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَعْمَرٍ ‏ ‏قَالَ قَالَ ‏ ‏الزُّهْرِيُّ ‏ ‏فَأَخْبَرَنِي ‏ ‏عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ‏ ‏عَنِ ‏‏ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏ أَنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنْ ‏‏ الْمَدِينَةِ ‏‏ مَعَهُ عَشْرَةُ آلَافٍ مِنْقال ذا قَلْقَلَ الله أنيابَه هذا قول الزنادقة ومَنْ يُحْصِى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه قيل يا أبا زرعة هؤلاء أين كانوا وسمعوا منه قال أهل المدينة وأهل مكة ومَنْ بينهما والأعراب ومَنْ شهد معه حجة الوداع .

ومن هذا يتبين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون ولم يكونوا رضوان الله تعالى عنهم على درجة واحدة من العلم بالسنة والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانوا متفاوتين لأن منهم المتفرغ الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه في معظم أوقاته كأنس وأبى هريرة رضى الله عنهما.

ومنهم من له مَاشِيَتُه في البادية أو تجارته في الأسواق وفى ذلك يقول مسروق بن الأجدع التابعي الجليل جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ فالإخاذ يَرْوِى الرجل والإخاذ يَرْوِى الرجلين والإخاذ يَرْوِى المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم " (الإخاذ هو بقايا ماء المطر).

وقد أُلِّفَ في الصحابة رضوان الله تعالى عنهم كتب كثيرة تناولت أحوالهم وعلمهم وحصر ابن الأثير في كتابه أُسْد الغابة وهو من أوسع ما ألف في الصحابة رضوان الله تعالى عنهم نحو سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسين صحابيا ويُذكر أن الرواة من الصحابة الذين بلغتنا مروياتُهم ألف وثمانمائة صحابي على وجه التقريب ، وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم سبعة من الصحابة لكل منهم أكثر من ألف حديث وأحد عشر صحابيا لكل منهم أكثر من مائتي حديث وواحد وعشرون صحابيا لكل واحد منهم أكثر من مائة حديث وأما أصحاب العشرات فكثيرون يقربون من المائة وأما من له عشرة أحاديث أو أقل من ذلك فهم فوق المائة وهناك نحو ثلاثمائة صحابي روى كل واحد منهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا.

ومع هذه الكثرة الكاثرة من الصحابة ومروياتهم إلا أنه قد أكثرت طائفة منهم رواية الحديث واشتهروا بذلك:

1ـ فمنهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ( ت 59 ه‍ ) وقد اشتهر بكنيته حتى غلبت على اسمه وهو من أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لكثرة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجرأته في السؤال وحبه للعلم ومذاكرته لحديث الرسول الكريم في كل حين وفرصة وقد روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثة آلاف وتسعمائة وسبعة وخمسين حديثا وفيها مكرر كثير باللفظ والمعنى وروى له الإمام بقى بن مخلد في مسنده خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا وله في الصحيحين خمسمائة وسبعة عشر حديثا اتفقا على ثلاثمائة وستة وعشرين حديثا وانفرد البخاري منها بثلاثة وتسعين حديثا ومسلم بثمانية وتسعين حديثا وكانت وفاته بالمدينة حيث دفن بالبقيع وصلى عليه أكابر الصحابة كابن عمر وأبى سعيد الخدري.

2ـ ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب(ت 73 ه‍ ) وقد اشتهر رضي الله تعالى عنه عنه بحرصه على إتباع السنة والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله وبلغت مروياته ألفين وستمائة وثلاثين حديثا أخرج له الشيخان البخاري ومسلم مائتين وثمانين حديثا اتفقا على مائة وثمانية وستين حديثا وانفرد البخاري بواحد وثمانين حديثا ومسلم بواحد وثلاثين حديثا وكانت وفاته بمكة المكرمة .

3ـ ومنهم الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري رضي الله تعالى عنه (ت 93 ه‍ ) وهبته أمه أم سُلَيْم بنت مِلْحَان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله في خدمته وأقام على ذلك عشر سنين فشاهد أنس ما لم يشاهد غيره وبلغت مروياته ألفين ومائتين وستة وثمانين حديثا وأخرج له الشيخان ثلاثمائة وثمانية عشر حديثا واتفقا على مائة وثمانية وستين حديثا منها وانفرد البخاري بثمانين حديثا ومسلم بسبعين حديثا وكانت وفاته في البصرة وهو آخر من توفى بالبصرة من الصحابة.

4ـ ومنهم الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنهما كانت ذكية فطنة يرجع إليها الفضل في نقل كثير من الأحكام المتعلقة بالنساء وكانت من أعلم الناس بالقرآن والحلال والحرام والشعر والنسب وقد روى عنها جماعة من أكابر الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبلغت مروياتها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث لها في الصحيحين ثلاثمائة وستة عشر حديثا اتفق الشيخان على مائة وأربعة وتسعين حديثا منها وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثا ومسلم بثمانية وستين حديثا وكانت وفاتها بالمدينة ودفنت بالبقيع.

5ـ ومنهم الصحابي الجليل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه (ت 86 ه‍ ) ولد بالشعب حين حاصرت قريش بنى هاشم وكانت سنه عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة وكان لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له بالفقه والحكمة واختلاطه به أثر في تحمله الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ترجمان القرآن وحبر الأمة وكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال أنت لها ولأمثالها وبلغت مروياته ألفا وستمائة وستين حديثا أخرج له الشيخان منها مائتين وأربعة وثلاثين حديثا اتفقا على خمسة وسبعين حديثا منها وانفرد البخاري بمائة وعشرة أحاديث ومسلم بتسعة وأربعين حديثا وقد كفَّ بصره في آخر أيامه وكانت وفاته بالطائف وصلى عليه محمد ابن الحنفية .

6ـ ومنهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله تعالى عنه (ت 78 ه‍ ) مفتى المدينة في زمانه كان مع من شهد العقبة في السبعين من الأنصار شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد إلا غزوتي بدر وأحد فإن أباه خَلَّفه على إخوته وكان مجتهدًا في طلب الحديث وتحصيله وبلغت مروياته ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا روى له الشيخان منها مائتين أثنى عشر حديثا اتفقا على ستين حديثا منها وانفرد البخاري بستة وعشرين حديثا ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا وله منسك صغير في الحج أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .