يقول صاحب السؤال الموجه للشيخ احمد ديدات (رحمه الله)
هل يتفضل السيد ديدات بتوضيح عقيدة التثليث المسيحية ولو إلى حد ما ؟
اجابة العلامة ديدات: قبل أن أتحدث عن تطور فكرة التثليث أرجو أن اشكر الله أن أنقذ رقبتى . لقد كنتُ طلبتُ من باستر استانلى أن يأتى من الانجيل ، والإنجيل بيده ، خلال عشرة دقائق ، بجملة واحدة يقول فيها عيسى : ((انا إله)) أو يقول فيها عيسى للناس : ((اعبدونى)) . ولم يستطيع باستر استانلى أن يأتى بهذا الذى راهنت عليه برقبتى . واشكر الله أن أنقذ رقبتى.
وبموجب فكرة التثليث يعتقد بعض الناس أن الله هو الآب والابن والروح القدس . وهم يعتقدون أن الآب إله ، والابن إله ، والروح القدس إله ، ولكنهم ليسو ثلاثة آلهة ، بل هم الثلاثة ، إله واحد .
وانا اسأل الناس الذين يعرفون اللغة الإنجليزية ما إذا كان من المعقول أن تقول : " هذا شخص . وهذا شخص ثان . وهذا شخص ثالث . وهؤلاء الأشخاص الثلاثة ليسوا ثلاثة اشخاص ، ولكنهم شخص واحد" ؟
هل من المعقول أن تقول بالإنجليزية : ((ثلاثة أشخاص شخص واحد)).
لا يُعقل . اللغة إلإنجليزية ذاتها لا تجيز ذلك . ايةُ لغةٍ هذه التى يتكلمون ؟ إنها ليست لغة إنجليزية تلك اللغة التى يتكلمونها . انها لغة شيطانية تلك التى يتحدثونها . شخصٌ وشخصٌ وشخص . ولكنهم ليسوا ثلاثة اشخاص . بل هم شخص واحد . ولو كنتم ثلاثة اشخاص ، وتزعمون أنكم شخص واحد ، وقتل أحدكم نَفسًا بغير حق ، هل نشنق الآخريْن ؟ لم لا ؟ ها انتم أولاء ترون أننا حقا بصدد اشخاص مختلفين يتمايز الواحد منهم بالضرورة عن الآخر .
ان لكل واحد منكم أنتم الثلاثة ، لكل واحد منكم شخصيته فى الذهن . للآب صورة ذهنية ، وللابن صورة ذهنية و للروح القدس تصور ذهنى ، وعندما تقولون باسم الآب ، يكون لديكم تصور ذهنىٌّ مُّعَيَّنٌ للآب . وانتم تتصورونه شيخا أبيض اللحية فى اعياد الميلاد ، وعندما تقولون باسم الابن ، يكون عندكم تصوُّر ذهنى مُعَيَّن للابن . وانتم ترسمونه فى لوحاتكم شابا وسيما ، هو فى نظركم ملك الملوك . عيناه لونهما أزرق . شعره لونه أصفر . اسكندنافى المظهر ، له أنف متميز كأنف اليهود . انظروا إلى صُورِه التى تخيلتموها له مُعلقة على الجدران . إنها صورة شاب وسيم فى مقتبل العمر . أزرق العينين . وسترون رسم ((هالة من النور)) حول راسه . هالة من النور مرسومة فى الهواء فوق راسه .
هل قال الانجيل ذلك ؟ من أين حصلتم على هذا التصور ؟ هل قال الانجيل إنه توجد ((هالة من النور)) حول راس يسوع ؟ أنتم تدركون أن فى هذه المسألة برمجة .
لو طلبتم منا أن نؤمن بأية اقوال ، يكون المسيح عيسى ابن مريم قد قالها بحق فإننا نقبل ذلك ، ولكننا لا نستطيع أن نقبل ذلك التثليث الذىلم يقل به المسيح عيسى ابن مريم على الاطلاق . ولم نعد وحدنا الذين نقول ذلك . ان علماء المسيحية أنفسهم قد ازالوا شعار التثليث هذا من الجملة السابعة من الاصحاح الخامس من رسالة يوحنا الأولى ، وهى الجملة التى كانت تتضمن شعار التثليث المسيحى إذ كانت تقول : (( فإن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد)) وجاء علماء المسيحية أنفسهم وقالوا إن تعبير ((الآب والكلمة والروح القدس هؤلاء الثلاثة هم واحد)) إنما هو تزييف أُدخِلَ على الانجيل ، وليس موجودا باية اصول قديمة للإنجيل ، وقرر علماء المسيحية انفسهم حذف هذه الزيادة الدالة على أن الاب والكلمة والروح القدس هم واحد . واصبحت الجملة السابعة المشار اليها بالطبعات المنقحة من الانجيل تحوى اربع كلمات إنجليزية فقط وتقول : ((يوجد ثلاثة شهود)) (1 يو 5 : 7).
ان تعبير (( الاب والكلمة والروح القدس هم واحد )) قد تم حذفه من الانجيل باعتبار انه كان تزييفا (فبريكيشن).
لماذا حذفوا الشعار الدال على التثليث من الانجيل فى الموضع المشار اليه ؟
حذفوه لأنه كان من صياغة بعض رجال الدين القساوسة فى القرن السادس الميلادى . لقد كانوا يكتبونه كملاحظة بالهامش . وعندما ارد المعنيون بطباعة الإنجيل أدخلوا الملحوظة فى السياق . لقد زحفت الملحوظة لتدخل ضمن النص الذى كانت الملحوظة موجودة بهامشه . إن عيسى نفسه لم يناد بالتثليث . ويخبرنا متى فى إنجيله أن أحد الشباب ساله يا سيد ، ايها المعلم الصالح ، وكلمة المعلم ، رجل الدين ، تعنى بالعبرية (( رابى)) قال له ياربى ((اى صلاح أعمل لتكون لى الحياة البدية )) ؟ فقال له عيسى عليه السلام : (( لماذا تدعونى صالحا ، ليس أحد صالح إلا (واحد) هو ((الله)) (متى 19 : 16 – 17 ) .وقالها العلاَّمة ديدات بالفاظ عبرية ، اعاد ما يقابل ردَّ سيدنا عيسى على صاحب السؤال باللغة العبرية ، ليؤكد أن سيدنا عيسى فى حقيقة الأمر إنما نادى ودعا غلى عبادة إله ((واحد)) هو الله . لقد نادى سيدنا عيسى دون ريب بوحدانية الله كما نادى بها سيدنا موسى قبل ثلثمائة عام لمولد السيد المسيح عليه السلام . أن سيدنا عيسى عليه السلام لم يناد إطلاقا بعبادة الآب والابن والروح القدس . لقد نادى بوحدانية الله كما نادى بها سيدنا موسى من قبل . ولذلك لا يوجد شىء اسمه التثليث فى اقوال سيدنا عيسى عليه السلام أو الإنجيل الذى أنزله الله على عيسى المسيح عليه السلام .
انتهي للشيخ احمد ديدات رحمه الله
ملاحظات المترجم :
لا يجرؤ احد البتة أن يزعم أن الحذف لم يتم ، أو أن الزيادة لم تكن موجودة من الاصل بالانجيل . ويستطيع من يشاء أن يقارن صفحة 390 من النسخة العربية من العهد الجديد بصفحة 306 من العهد الجديد طبعة كولينز .

(سواء كان يوحنا هو الذى صاغ شعار التثليث بانجيله أو دسه آخرون عليه ، فان السبب فى جنوح علماء المسيحية إلى حذف شعار التثليث من هذه الجملة السابعة من الاصحاح الخامس برسالة يوحنا الأولى يرجع إلى أن الأنجيل يشفعها بجملة تالية لها مباشرة تقول : (( والذين يشهدون فى الارض هم ثلاثة الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم فى الواحد )) (1 يو 5: 8) . ولقد فطن علماء المسيحية إلى انك لا تستطيع أن تطلق على الجزء ما تطلقه على الكل فى الواقع الفعلى . ليس الدم إنسان على سبيل المثال . وهكذا جاء المثال هادَما للتثليث بدل أن يثبته ، ولذلك قرر علماء المسيحية حذف شعار التثليث حتى لا يبرهن المثال على زيف الشعار . وعلى كل حال ، لقد حذف علماء المسيحية انفسهم شعار التثليث بالموضع المشار اليه ))


(1) لننظر الى جهورية إيطاليا أو إلى جهورية فرنسا أو إلى مملكة السويد : هل يمكن أن يوجد ثلاثة ملوك لمملكة واحدة ؟ هل يمكن أن يوجد ثلاثة رؤساء جمهورية لجمهورية واحدة ؟ لم يشهد البشر ذلك الحدث التاريخى الفريد بعد . و لا يمكن أن يتم ذلك إلا لو انفصلت أجزاء المملكة إلى ممالك أو ثلاث جمهوريات كل منها مستقلة تمام الاستقلال عن الاخرى .