العالم الشهيد أبو أنس الشامي

[

ذكرت الأنباء مؤخراً خبر استشهاد «أبي أنس الشامي» على أرض العراق، حيث قصفت السيارة التي كان فيها مع بعض إخوانه المجاهدين، في منطقة «أبي غريب» في بغداد، وكان قصفها بصاروخ أمريكي، وذلك يوم الجمعة 17/9، مما أدى الى استشهاد الشيخ المجاهد(1).

لم نفاجأ باستشهاده، بل كنا نتوقع ذلك في كل يوم، ولكننا تأثرنا وحزنا، لأننا فارقنا ذلك العالم المجاهد، ونحزن لفراق العلماء المجاهدين من أمثاله.

«أبو أنس الشامي» هو العالم الأديب المجاهد «عمر يوسف جمعة»، وكنيته ولقبه صحيحان، فله ابن اسمه «أنس» وبه كان يكنى، وهو شامي، لأنه من إحدى مدن فلسطين المغتصبة، وهو من مواليد سنة 1969، وقد تلقى دراسته الجامعية الرسمية في الجامعة الاسلامية في المدينة.

وقد عرفت مدينة «صويلح» الشيخ «أبا أنس» عالماً فاضلاً، من أفاضل علمائها العاملين، حيث عمل إماماً وخطيباً لمسجد «مراد»، في حي الارسال في المدينة مدة طويلة.

أحبه أهل صويلح الصالحون، لما وجدوا عنده من علم وفضل وحسن خلق وسلوك، ومحبة هؤلاء الصالحين له إشارة الى محبة الله له، لأن الصالحين لا يحبون الا صالحاً مثلهم. وقد قرر هذه الحقيقة الايمانية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث اخبرنا انه اذا أحب الله شخصاً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، فيحبه الصالحون في الأرض!

عرفنا العالم الزاهد المجاهد «أبا أنس» في صويلح. لقد كان عالماً بحق متمكناً من علمه، في مختلف جوانب العلم الشرعي، من فقه وأصول وعقيدة، وتفسير وحديث، ولغة وتاريخ، ولم يُحَصِّل هذا العلم الغزير من دراسته الجامعية، فالجامعات في هذا الزمان لا تعطي علماً، إنما تعطي علامات وشهادات و«كرتونات»، وتخرج اشخاصاً أميين جاهلين، إلا من رحم الله من طلبة العلم الجادين الباحثين الصادقين!!

لقد حصّل أبو أنس علمه من مجالسته للعلماء الربانيين في السعودية، ومن دراساته ومطالعاته ودأبه وجديته.. كان لا يتوقف عن طلب العلم، ومطالعة الكتب، وبحث المسائل. اهتم بوقته فصرفه للتعلم والتعليم، واهتم بمواهبه فوظفها لخدمة العلم، وتعامل مع العلم بملكة ووعي وبصيرة وحافظة.

وكان ربانياً معلماً، ومرشداً موجهاً، حريصاً على تعليم طلبة العلم، وقد عرفه الشباب المتعطشون للعلم، فتوافدوا على مسجد «مراد» في صويلح، وجلسوا في حلقات علمية بين يديه يعلمهم «المتون الشرعية» المختلفة، في الفقه والأصول والعقيدة، ويتخرجون من عنده طلبة علم ربانيين.

كان أبو أنس زاهداً في الدنيا، عازفاً عن زينتها، مقبلاً على الله، صادقاً في الالتزام بشرعه. كما كان «متواضعاً».. عافاه الله من الأمراض التي تصيب بعض «العلماء» في أيامنا، من التكبر والفخر، والمباهاة والاختيال، ومن التكالب على الدنيا والحرص على المراكز والمناصب والوظائف، و«طول اللسان» على الآخرين، واستباحة غيبة العلماء والدعاة والمجاهدين، و«التزلف» الى المسؤولين.

لا تجد «أبا أنس» الا في عمل، يتقرب به الى الله، إما عابد، أو ذاكر، أو متعلم، أو معلم، أو داعية، أو موجه، أو متحرك لدينه، أو مجاهد في سبيل الله، وكان يطلب مني إعطاء الدروس في مسجد مراد في صويلح، كما كان يطلب ذلك من الدكتور محمد أبو فارس وغيره.

لقد جمع أبو أنس في شخصيته بين خطوط ثلاثة أساسية: الربانية، والسلفية، والحركية. فكان «ربانياً» مقبلاً على الله، وكان «سلفياً» ملتزماً بالكتاب والسنة، وفهم سلف الأمة، وكان «حركياً» متحركاً لخدمة الإسلام، وتعليم الشباب، ومواجهة أعداء الإسلام، وجهادهم جهاداً كبيراً.

آلمه احتلال الأمريكان للعراق، وافتقدناه بعد الاحتلال الامريكي، وإذا به قد توجه الى العراق ليجاهد أعداء الله.. وبث رسائله الجهادية العديدة من أرض المعركة على «الانترنت» وتابعها الشباب الصادقون في مختلف الاقطار، وبقي مرابطاً مجاهداً حتى ختم الله له حياته بالشهادة إن شاء الله، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.. هذه شهادة حق نقدمها للعالم المجاهد الشهيد أبي أنس الشامي، نتقرب بها الى الله، لأن محبة العلماء الشهداء واجبة، نعتز بها وندخرها عند الله.


[عن جريدة السبيل / العدد 560 | السبت؛ 2 / تشرين الأول / 2004م]


--------------------------------------------------------------------------------

1) اصدرت جماعة التوحيد والجهاد بالعراق بياناًً، بينت فيه ان الشيخ أبا أنس رحمه الله قتل في هجوم شنته الجماعة على سجن أبي غريب لتحرير أسرى المسلمين، لا كما نقلت وسائل الإعلام من انه قتل بصاروخ أمريكي أصاب السيارة التي كان يستقلها برفقة نفر من المجاهدين [منبر التوحيد والجهاد].