9. التعريف بصفة استطالة صوت الضاد اللسانية

قال صاحب القاموس المحيط الاستطالة لغة : امتدّ , ومن معاني الاستطالة أيضا : ارتفع وتفضل , ويقال أربى الربا الاستطالة في عرض الناس أي اسْتِحْقارُهم ، والتَّرَفُّع عليهم ، والوَقيعةُ فيهم . _ ويقال _ واسْتِطالَةُ البَرْقِ إلى وسَطِ السماءِ من غيرِ أن يأخُذَ يميناً وشمال. وفي لسان العرب : ً لاسْتِطالة على الناس إِذا هو رَفَع رأْسَه ورأَى أَنّ له عليهم فَضْلاً في القَدْر. وفي اصطلاح اللغويين والقراء : تعددت التعاريف في ذلك بين مصيب وبين من جانبه الصواب وسوف أذكر الراجح على ما قرره العلماء المتقدمون من اللغويين والمجودين وهو أنه (( امتداد اللسان عند النطق بالضاد من أقصى حافته حتى يصطدم منتهى طرف الحافة للثة العليا ) وهناك فرق بين امتداد اللسان وامتداد الصوت وبعضهم يفهم أن الاستطالة معناها : امتداد الصوت إلى مالا نهاية ، وفي بعض الكتب ( الاستطالة : امتداد الصوت ) وذلك لا يصح لأن امتداد الصوت لا يخص الضاد قال الجعبري في شرحه على الشاطبية باب مخارج الحروف : (( فرق بين المستطيل والممدود بأن المستطيل جرى في مخرجه ، والممدود جرى في نفسه .. )) اهـ وتوضيح هذا أن المستطيل جرى في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه والراجح التعريف الأول أما الثاني الذي ذكر في بعض الكتب .هذا ما لا نتكلف الرد عليه فقد كفانا الجعبري رحمه الله الرد عليه .

وقال أبو عمرو الداني في كتابه التحديد في الإتقان والتجويد باب الضاد ( المستطيل حرف واحد وهو الضاد : استطال في الفم حتى اتصل بمخرج اللام ) اهـ وقال مكي في الرعاية في تعريفه لصفة استطالة الضاد اللسانية ص 46 ( .....الحرف المستطيل وهو ( الضاد ) سميت بذلك لأنها استطالت على الفم عند النطق بها , حتى اتصلت بمخرج اللام , وذلك لما اجتمع فيها من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء فقويت بذلك واستطالت في الخروج من مخرجها حتى اتصلت باللام لقرب مخرج اللام من مخرجها) اهـ وقال ابن الجزري في التمهيد ص 58 ( والحرف المستطيل وهو الضاد سميت بذلك لأنها استطالت عن الفم عند النطق بها حتى اتصلت بمحرج اللام وذلك لما فيها من القوة ....واستطالت في الخروج من مخرجها وقال رحمه الله في كتابه النشر في القراءات العشر ( والحرف المستطيل هو الضاد لأنه استطال عن الفهم عند النطق به حتى اتصل بمخرج اللام وذلك لما فيه من القوة بالجهر والإطباق والاستعلاء ) اهـ وقال أيضا في المقدمة الجزري (والضاد باستطالة ومخرج ميز من الظاء ) اهـ. وعرفها ابن الوجيه الواسطي في كتابه الكنز في القراءات العشر وهذا الشيخ مجاز من ابن الجزري ونص خط الإجازة التي كتبها ابن الجزري بيده موجودة في نهاية كتابه المخطوط قال ص 40 عن الاستطالة ( ..... الاستطالة والمستطيل حرف واحد وهو الضاد سمى بذلك لأنه : استطال ما فيه من القوة بسبب الجهر والإطباق والاستعلاء فأدرك مخرج اللام ) اهـ
وقال شارح نونية السخاوي الشيخ الإمام حسن بن قاسم النحوي في تعريفه لصفة الاستطالة ص 109 .... ( والضاد حرف مستطيل استطال في مخرجه وامتد صوته حتى اتصل بمخرج اللام ) اهـ فقوله (استطال في مخرجه ) هو تعريف الاستطالة وقوله (وامتد صوته ) هو تعريف رخاوة الضاد .وقال ابن الجزري رحمه الله : والضاد باستطالة ومخرج ميز ... وقال أبو شامة رحمه الله في كتابه إبراز المعاني عند شرحة لهذا البيت من الشاطبية :

وَمُنْحَرِفٌ لاَمٌ وَرَاءٌ وَكُرِّرَتْ كَمَا الْمُسْتَطِيلُ الضَّادُ لَيْسَ بِأَغْفَلاَ
....... قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا أي معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد..) اهـ قلت والأولى أن يقال الاستطالة عمل اللسان ورخاوته عمل الصوت .وفي كتاب مدخل لعلوم العربية عرف علماء الأصوات الاستطالة بقوله ص 79 (( : أن يستطيل مخرج الصوت ويتصل بمخرج آخر وذلك وصف ينطبق على الضاد القديمة الرخوة التي تخرج من جانب اللسان وبين ما يليه من الأجزاء من يمين اللسان أو من شماله أو من الجانبين والأكثر من اليمين ، وهذا هو المخرج القديم للضاد كان يستطيل حتى يتصل بمخرج اللام الجانبية ولذلك وصفت بالاستطالة ونطقها بعض الأفارقة لاما أما الآن فقد تطور نطقها إلى مفخم الدال . ) اهـ. وذكر عبد الوهاب القرطبي في كتابه الموضح في التجوي ( ت461 هـ) بقوله ( وفي الضاد استعلاء واستطالة وجهر وإطباق يجب مراعاته فيها وتوفيره عليها سيما في ما يشتبه لفظه مثل

)الضَّالِّينَ)(الشعراء: من الآية86) و ) الظَّانِّينَ)(الفتح: من الآية6) و) ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ)(الاسراء: من الآية67) و )ى ظَلَّ وَجْهُهُ )(النحل: من الآية58) و ) أَضْلَلْنَ كَثِيراً)(ابراهيم: من الآية36) و ) فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ )(الشورى: من الآية33) و ) نَاضِرَةٌ)(القيامة: من الآية22) )إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23) وكذلك في مثل ) ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ )(التوبة: من الآية118) و ) وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)(هود: من الآية12) لئلا يشتبه بقوله )فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا )(الطلاق: من الآية9) ) ذَائِقَةُ الْمَوْت)(آل عمران: من الآية185)

لافتراقهما في المعنى وإن تقاربا في اللفظ ) اهـ وقال ابن الجزري في النشر ج 1 ص 219 عن الاستطالة ( والضاد: تنفرد بالاستطالة. وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله. فإن ألسنة الناس فيه مختلفة. وقل من يحسنه فمنهم من يخرجه ظاء. ومنهم من يمزجه بالذال. ومنهم من يجعله لاماً مفخمة، ومنهم من يشمه الزاي. وكل ذلك لا يجوز. والحديث المشهور على الألسنة "أنا أنصح من نطق بالضاد" لا اصل له ولا يصح. فليحذر من قلبه إلى الظاء لاسيما فيما يشتبه بلفظه نحو:

( ضَلَّ مَنْ تَدْعُون)(الإسراء: من الآية67) ، يشتبه بقوله: ) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا)(النحل: من الآية58) ، وليعمل الرياضة في أحكام لفظه خصوصاً إذا جاوره ظاء نحو: ) أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(الشرح: من الآية3) ، ) يَعَضُّ الظَّالِم)(الفرقان: من الآية27) . أو حرف مفخم نحو: ) أَرْضِ اللَّهِ )(لأعراف: من الآية73) ، أو حرف يجانس ما يشبهه نحو: ) الْأَرْضِ ذَهَباً)(آل عمران: من الآية91). وكذا إذا سكن وأتى بعده حرف إطباق نحو: )ِ فَمَنِ اضْطُرّ)(النحل: من الآية115). أو غيره نحو : ) أَفَضْتُمْ)(النور: من الآية14) ، )وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ )(الشعراء: من الآية215) ، وفي تضليل.) اهـ

وكما يلاحظ من كلام علماء الأصوات أن العرب المعاصرون لا ينطقون بالضاد الفصيحة البتة بل ينطقون مفخم الدال وهذا واقع بالفعل وسمعته من البعض وخصوصا ممن يتصدر لمحراب الصلاة ولذا الواجب على الجميع أن يتعلموا كيفية التلفظ بالضاد العربية القديمة التي كان ينطق بها العرب في وقت نزول القرآن والطريق الموصل لهذه الضاد الفصيحة شيوخ الأداء المجازيين المتصل سندهم بالنبي صلى الله عليه وسلم فعندهم بركة العلم والسند وحسن التلقي فعلى الجميع الحرص على التعليم على يد هؤلاء .

أما من ناحية كيفية حدوث الاستطالة في الفم فيجب أن تعلم أن الاستطالة من الصفات المحسنة ولكن يتضح صوتها كاملا حين سكون الضاد فعند التلفظ بالضاد الساكنة ينطبق اللسان كله على غار الحنك الأعلى انطباقا كاملا تاما فبسبب هذا العمل ينضغط هواء الصوت خلف مخرج الضاد فتحت هذا الضغط يندفع اللسان للأمام قليلا حتى يتصل بمنطقة اللثة وليس كما قالت الدكتورة سعاد عبد الحميد في كتابها تيسر الرحمن في تجويد القرآن عند تعريفها لعمل الاستطالة ص 96 بقولها عن عمل اللسان في الاستطالة ( وتحت تأثير هذا الضغط يندفع اللسان إلى الأمام قليلا حتى يصل إلى الثنايا العليا ...) اهـ

وكان الأولى بها أن تقول إلى أصول الثنايا العليا أو اللثة العليا بدل الثنايا العليا فلو اصطدم رأس اللسان بالثنايا العليا لتولد صوت الظاء . وهذا الكتاب ( تيسير الرحمن في تجويد القرآن ) عليه ملاحظات كثيرة فسوف أنشرها على الموقع حماية لجانب الصوت القرآني من إضافات بعض علماء العصر وليتهم اكتفوا بالنقل عن الأئمة المعتبرين القدماء أفضل من الخلل الذي يُقَعِّدون له في بعض كتب التجويد الحديثة . وإلى الله المشتكى فيمن نصبوا أنفسهم مُقَعِّدون لقواعد التجويد من بعض علماء هذا العصر وليتهم يعلموا أن قواعد التجويد مستقرة ولا تقبل الزيادة مثلها مثل قواعد النحو والصرف لكن الملاحظ من خلال استقرائي لكتب التجويد الحديثة أن قواعد النحو والصرف مستقرة وقواعد التجويد ما زالت في تطوير وتجديد فبالله عليكم من الأولى له أن تستقر قواعده القرآن أم قواعد النحو والصرف فمثلا لو جاء رجل لعلماء اللغة العربية وقال لهم نريد نصب الفاعل لأقاموا الدنيا وأقعدوها عليه . وهناك من يأتي ويقول بترك فرجة في الإقلاب فمن أين لهم هذه القاعدة التي لا تعرف إلا من خلال كتب المحدثين . فلماذا لا نرجع لكلام الأئمة المعتبرين الأوائل في هذا الدرب فهم عرب فصحاء قعدوا للصوت القرآني كما تلقوا فرحم الله الجميع.

ويمكن أن نستنتج مما سبق أن المقصود بالاستطالة هو اتساع مخرج حرف الضاد أي أن ما يأخذه الحرف المستطيل من مساحة اللسان أكبر مما يأخذه الحرف غير المستطيل.