سنعتمد ان شاء الله فى دراستنا لأنجيل مرقس على ايراد تعريف لمرقس الذى ينسب له الانجيل ثم نستعرض التقليد الكنسى الذى يعتمد عليه المسيحييون لنسبة هذا الانجيل له ثم نقوم بدراسة هذا التقليد دراسة نقدية وبعد ذلك سنتعرض بصورة مختصرة لبعض الزيادات النصية على الانجيل معتمدين فى ذلك على اقوال علماء المخطوطات .

من هو مرقس :
وهو "يوحنا الملقب مرقس" ابن مريم، المرأة المسيحية التي اجتمع في بيتها المؤمنون الأوائل الكثيرون للصلاة بلجاجة إلى الله من أجل بطرس (أع 12: 5و 12). ويبدو أنها كانت أرمل (قد توفي زوجها) حيث يقول لوقا البشير إن بطرس بعد نجاته بمعجزة من السجناء جاء "إلي بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس" (أع 12: 12). وكان بيتها من الاتساع ليجتمع فيه "الكثيرون"، كما كان له دهليز، وبه "جارية اسمها رودا" (أع 12: 13)، مما يدل علي أن مريم أم يوحنا مرقس كانت ذات ثراء وشخصية بارزة في الكنيسة في أورشليم في ذلك الوقت.
وكان اسمه اليهودي "يوحنا" وهو في العبرية "يوحانان" (1 أخ 3: 15، إرميا 40: 8)، ومعناه "الله حنَّان". أما مرقس فاسمه الروماني. وهناك كثيرون في العهد الجديد ممن كان لهم اسمان: عبري ويوناني مثل سمعان الملقب بطرس (مت 4: 18، أع 10: 18)، أو عبري وروماني، مثل" يوسف الملقب يوستس" (أع 1: 23). وقد يدل اسمه اليوناني "مرقس" علي أنه كانت له خلفية يونانية، فقد كان خاله(وقيل ابن عمه) برنابا "لاوياً قبرسي الجنس" (أع 4: 36، كو 4: 10). ولعل موطن أسرة يوحنا مرقس الأول كان في قبرس، ثم هاجرت اسرته إلي أورشليم .(1)
ويقول متى المسكين خلافا لما سبق أن موطن عائلة مرقس الأول فى مقاطعة الخمس المدن الغربية وهى فى إقليم برقة بليبيا الآن على وجه التحديد بمدينة كيرين وهو المسماة بمدينة القيروان .(2)
وتزعم الكنيسة القبطية أن مرقس هذا هو الذى كان يجتمع المسيح وحواريوه فى منزله فى الغرفة العليا منه , وتزعم أنه هو الإنسان الذى كان يحمل جرة الماء كما هو مذكور فى "مرقس 14:13 فارسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا الى المدينة فيلاقيكما انسان حامل جرة ماء.اتبعاه". وأنه هو الشاب الذى تبع يسوع لما ألقى عليه القبض فى ضيعة جثسيماني من قبل اليهود :" مر 14:51 وتبعه شاب لابسا ازارا على عريه فامسكه الشبان".(3)
غير أن هذا كله مجرد دعاوى عارية عن الدليل , وغيرهم لا يقول بذلك ففى العادة النساء فقط هن الاتى يحملن جرار الماء وليس الرجال ,والكلمة اليونانية المستخدمة فى النص على كل حال تعنى شخص وليس ذكر بالضرورة , فهذا يرجح أن حامل الجرة كان إمرأة وليس ( يوحنا مرقس ) .
وكذلك نقرأ فى لوقا 22:
10 فقال لهما اذا دخلتما المدينة يستقبلكما انسان حامل جرة ماء.اتبعاه الى البيت حيث يدخل
11 وقولا لرب البيت يقول لك المعلّم اين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي.
12 فذاك يريكما عليّة كبيرة مفروشة.هناك اعدا.
وهذا أيضا يرجح أن حامل الجرة ليس رجلا وأن رب البيت المذكور هو زوج المرأة التى اتبعاها وصاحب المنزل الذى اجتمع فيه يسوع وتلاميذه فى الغرفة العليا منه.
ويقول جون جيـل :
and say ye to the good man of the house;
the owner, and master of it, who might be Nicodemus, or Joseph of Arimathea, or some man of note and wealth in Jerusalem, that might have some knowledge of Christ, and faith in him, though he did not openly profess him; since by only saying what follows, he would at once, as he did, direct them to a suitable and convenient room
رب البيت أو صاحب البيت من الممكن أن يكون نيقوديموس أو يوسف الرامى أو أحد المهمين وذوى اليسار فى فلسطين , ........ (4)
أما بالنسبة لكونه أحد الرسل السبعين الذين أرسلهم المسيح فهذا لا يثبت فأول مصدر يذكر ذلك هو كتاب تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين ( أواخر القرن العاشر الميلادى ) . (5)
وتعلق دائرة المعارف الكاثوليكية على ذلك التقليد المتاخر بالقول :
in Eusebius, "Hist. eccl.", III, xxxix) says, on the authority of "the elder", that Mark neither heard the Lord nor followed Him (oute gar ekouse tou kurion oute parekoluthesen auto), and the same statement is made in the Dialogue of Adamantius (fourth century, Leipzig, 1901, p. 8), by Eusebius ("Demonst. Evang.", III, v), by St. Jerome ("In Matth."), by St. Augustine ("De Consens. Evang."), and is suggested by the Muratorian Fragment. Later tradition, however, makes Mark one of the seventy-two disciples, and St. Epiphanius (circa 315-402) ("Hær", li, 6) says he was one of those who withdrew from Christ (John 6:67).
بابياس ( بداية القرن الثانى ) بناءا على إفادة يوحنا الشيخ يقول أن مرقس لم يعاين المسيح ولا اتبعه , ويقول بذلك كل من يوسابيوس وجيروم وأغسطينوس غير أن تقليد متأخر يجعل منه أحد الرسل السبعين , وابيفانيوس فى القرن الرابع الميلادى قال انه احد الذين انفضوا عن المسيح كما هو مذكور فى يوحنا ( 6 : 67 ) . (6)
اضافة الى هذا تجدر الاشارة الى ان التقليد الكنسى القائل بوجود صلة بين مرقس والكنيسة القبطية بالاسكندرية هو بدوره تقليد متأخر , يعود للقرن الرابع الميلادى واول من قال به جيروم فيعلق الاب متى المسكين بعد ان اورد كلاما لجيروم بالقول " والنقطة الجديدة الوحيدة أن مرقس كان أول أسقف على الإسكندرية وهذا التقليد نسمعه لأول مرة هنا من جيروم ( 342 ـ 420 ) لأنه غير مذكور فى أى من السابقين لا فى بابياس ولا أكليمندس مع أنه اسكندرى ولاحتى أوريجانوس الذى تربى فى المدرسة التى أنشأها مرقس " . (7)
فنلاحظ هنا ان اباء كنيسة الاسكندرية واعلامها لم يذكروا اى صلة بين مرقس وبين كنيستهم ,وهذا بالفعل من الامور التى تثير الشكوك حول هذا الزعم بوجود صلة بين مرقس والكنيسة فى الاسكندرية .

التقليد الكنسى :
أ- مرقس كتب تعاليم بطرس الشفوية :
يقول يوسابيوس القيصرى : على أننا الآن نضيف لكلماته السابق اقتباسها ذلك التقليد الذى يقدمه ( أى ببياس Papias ) عن مرقس كاتب الإنجيل فى الكلمات التالية : (( هذا ما يقوله الشيخ ( يوحنا John the Elder ) أيضا : إن مرقس إذ كان هو مترجم بطرس كتب بدقة كل ما تذكره وإن كان ما رواه من أقوال المسيح وأفعاله لم يروه بترتيب . وذلك لأنه لم ير المسيح ولا صحبه غير أنه فيما بعد كما قلت اتبع بطرس الذى جعل تعاليمه موافقة لإحتياجات مستمعيه دون أن يعمد إلى أن يجعل أحاديث الرب نسق متساوق وبذلك فإن مرقس لم يقترف خطأ إذ دون على هذا الوجه ما تذكره لأنه كان حريصا على شىء واحد هو ألا يغفل شيئا مما سمعه ولا يثبت شيئا زائفا فى إفاداته )).هذا ما دونه ببياس فيما يتعلق بمرقس .(8)
ونستطيع ان نستخلص من كلام يوسابيوس نقلا عن ببياس ان مرقس كان تابعا لبطرس وانه سجل كل ما سمعه من بطرس , وان كان ببياس هنا يحاول ان يبرر مدى الاضطراب الذى يحويه انجيل مرقس بخصوص حياة المسيح وتعاليمه ويتلمس له العذر بانه كتبها تبعا لأحتياجات مستمعيه كما انه لم يرى المسيح .
وينقل الاب متى المسكين عن ايريناوس قوله الوارد فى كتابه ضد الهراطقة
(Against Heresies 3.1.1) يقول الأب متى المسكين: جاء ذكر إنجيل ق. مرقس فى كتابته ( أى إيرناوس ) عن الإنجيل , بعد أن ذكر أن إنجيل القديس متى كتب أثناء ما كان القديسان بطرس وبولس على قيد الحياة يبشران بالإنجيل وينشئان كنيسة روما , هكذا :[ وبعد أن استشهد كلاهما ( أى بطرس وبولس ) , قام تلميذ بطرس والمترجم لينقل لنا كتابة الأمور التى بشر بها بطرس . ] (9)
ويقول متى المسكين نقلا عن أكليمندس:[ حينما أكمل بطرس كرازته فى روما جهارا وأعلن الإنجيل بالروح فالحاضرون وكانوا كثيرين ترجوا مرقس لكونه مرافقا لبطرس مدة طويلة ويذكر كل ما قاله أن يسجل لهم كلماته ومرقس عمل هذا وسلم إنجيله إلى الذين ترجوه وعندما علم بطرس بذلك لم يتحمس فى ممانعة ذلك ولاهو شجع العمل . (10)

وتقول دائرة المعارف الكتابية :
Epiphanius--Cyprus, circa 350 AD--(Haer., 41):
"But immediately after Matthew, Mark, having become a follower (akolouthos) of the holy Peter in Rome, is entrusted in the putting forth of a gospel. Having completed his work, he was sent by the holy Peter into the country of the Egyptians."
Jerome--East and West, circa 350 AD--(De vir. illustr., viii):
"Mark, disciple and interpreter of Peter, at the request of the brethren in Rome, wrote a brief Gospel in accordance with what he had heard Peter narrating. When Peter heard it he approved and authorized it to be read in the churches."
Also xi:
"Accordingly he had Titus as interpreter just as the blessed Peter had Mark whose Gospel was composed, Peter narrating and Mark writing."
Preface Commentary on Matthew:
"The second is Mark, interpreter of the apostle Peter, and first bishop of the Alexandrian church; who did not himself see the Lord Jesus, but accurately, rather than in order, narrated those of His deeds, which he had heard his teacher preaching

ويقول إبيـفانيوس من قبرص (حوالى 350م): "وبعد متى مباشرة، إذ أصبح مرقس من تابعى القديس بطرس فى روما، أوكلت إليه كتابة إنجيل، وإذ أكمل عمله، أرسله القديس بطرس إلى مصر".
ويضيف جيروم ( حوالى 350م ) : "أن مرقس- تلميذ بطرس ومترجمه- كتب بناء على طلب الإخوة فى رومية إنجيلاً مختصراً طبقا لما كان قد سمع بطرس يرويه. وعندما بلغ بطرس ذلك ، أقرَّه وأمر أن يُقرأ فى الكنائس". كما ذكر أيضاً: " ... فقد كان لديه تيطس مترجماً، تماماً كما أن بطرس المبارك كان له مرقس مترجماً، والذى صُنِّف إنجيله ، فقد كان بطرس يروى ومرقس يسجل". وفى مقدمة تفسيره لإنجيل متى : "والثاني هو مرقس، مترجم الرسول بطرس وأول أسقف لكنيسة الإسكندرية، الذى لم ير الرب يسوع بنفسه، ولكنه سجل بكل دقة – دون ترتيب – أعماله التى سمع معلمه يكرز بها". (11)
ونرى ان التقليد بكل وضوح يقر بان مرقس انما سجل تعاليم بطرس الشفوية التى كرز بها بطرس فى روما .
ب- تاريخ كتابة مرقس لأنجيله :
اذا رجعنا الى التقليد السابق ذكره والذى نقله متى المسكين عن اكليمندس , نجد ان الانجيل كتب فى حياة بطرس الذى لم يبد اى ممانعة ولا تحمس حتى للعمل , ويتفق ما قاله اكليمندس مع ما نقلته دائرة المعارف الكتابية عن ابيفانيوس الذى جعل كتابة الانجيل فى حياة بطرس ايضا , ولا يخالف هذا التقليد سوى ما نقله متى المسكين عن ايريناوس من كون كتابة الانجيل كانت لاحقة لأستشهاد كلا من بطرس وبولس , لكن هناك رأيان للتوفيق بين القولين المتعارضين لأريناوس من ناحية و قول جيروم وابيفانيوس واوريجانوس و كليمندس السكندرى من ناحية اخرى , الرأى الاول يتجه للقول بأنه كلام ايريناوس يعنى ان الانجيل كتب فى حياة بطرس لكنه لم ينشر الا بعد موته , والرأى الاخر والاصوب يرى ان هناك خطأ فى ترجمة الكلمة اليونانية ekdosin الى الموت , فهى تعنى السجن او الاستسلام او الرحيل , وعليه فقد ذهب Christopherson (1570 AD) و Grabe و Mill وآخرين الى القول بأن اريناوس لم يتكلم عن موت بطرس انما تكلم عن رحيله عن روما للقيام برحلة تبشيرية اخرى .(12)
وبالتالى نستطيع ان نقول ان التقليد الذى ينسب لمرقس انجيل انما يجعل كتابته قبل موت بطرس , وبطرس هذا مات فى حوالى العام 64 م وعليه فان كتابة الانجيل سابقة لهذا التاريخ .(13)
ج- المكان الذى صدر منه الانجيل :
مما سبق واوردنا من التقليد نستطيع ان ترى بوضوع كامل ان الانجيل انما صدر من روما , وهذا الرأى هو ما ذهب اليه علماء الكتاب المقدس .
يقول نينهام Nineham:
of all the places suggested Rome has been by far the most popular, and, so far as the evidence permits of any conclusion, it is perhaps the most likely. The Gospel of Mark was clearly intended for a church consisting largely of Gentile members (see e.g. 7:3f., 11:13, 12:42), and one which had known, or was expecting, persecution for faith (cf. 8:34-38, 10:38f., 13:9-13); all this is compatible with Roman origin, and if the Gospel circulated from the beginning with the authority of the Roman church it is easier to explain how it so soon won an authoritative position."
من بين الأماكن المقترحة فإن روما إلى حـد ما هى الأكثر شهرة وبقدر ما تسمح به الأدلة التى بين أيدينا من استنتاج فهى ربما الأكثر احتمالا ( كمان لتحرير الإنجيل وإصداره ) . فإنجيل مرقس مُوَجَّه كما هو واضح لكنيسة تتكون فى معظمها من أعضاء أمميين ( من غير اليهود) , ولشخص عاين أو قاسى ويلات الإضطهاد أو كان متحسبا لوقوعه فى سبيل الإيمان . وهذا كله يرجح كفة روما كمكان لصدور الإنجيل وإذا كان حقا منذ البداية تم تداول هذا الإنجيل تحت عباءة الكنيسة الرومانية فهذا يجعل من السهل تفسير الصبغة الرسمية التى حظى بها ذلك الإنجيل فى فترة وجيزة من تاريخ صدوره . (14)
ويقول ى. ج. جودسبيـد E. J. Goodspeed :
. Its place of composition was certainly Rome.[1] It must have been written after the Jewish War of A.D. 66-70; compare 13:14-20
مكان تصنيفه ( أى إنجيل مرقس ) كان بالتأكيد روما ولابد أنه كتب بعد الحرب اليهودية مابين عامى 66ـ70 م.(15)
ويقول رجينـالد فولـر Reginald Fuller :
Irenaeus' statement that Mk was written in Rome has been widely accepted by modern scholars (e.g. Streeter).
إفادة إيرناوس ( آنفة الذكر ) بأن إنجيل مرقس دوِّن فى رومـا نالت قبولا واسعا من قبل العلماء فى عصرنا الحديث ( على سبيل المثال " ستريـتر" ) .(16)
فمما سبق , وبغض الطرف عن نسبة التقليد الكنسى تدوين الإنجيل لمرقس , يتضح أن الإنجيل المنسوب إلى مرقس مَنـْشَؤه هو روما كما يعضده التقليد الكنسى .
ونستطيع ان نلخص ما يقول به التقليد الكنسى بخصوص نسبة الانجيل الى مرقس فى نقاط هى :
أولا : ان بطرس ذهب الى روما وكرز بها
ثانيا : ان مرقس كان تلميذا لبطرس
ثالثا : ان مرقس سجل تعاليم بطرس الشفوية فى روما
رابعا : ان مرقس كتب انجيله قبل عام 64 م