وســيبقى الإســـلام هو الــدين الأوفــى



ا0د/ كارم السيد غنيم

بسم الله الرحمن الرحيم : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(سورة العلق).

000 هذه هي الآيات الأولى التي نزلت على قلب رسول الله r، وهى آيات تأمر بأهم مفاتيح الحضارة ، تأمر بالعلم ، والقراءة والقلم ، والقراءة هنا عظيمة المبنى شاملة المعنى ، تتسع لكتابة الكتابين ، كتاب الله المسطور ، وهو القرآن المجيد ، وكتاب المنظور ، وهو الكون المديد 000

· الحضارة الإسلامية 000بين الازدهار والانحسار:

لما كانت المناسبة الآن غير مخصصة لتفصيل الظروف والمقومات التي قامت عليها الحضارة الإسلامية ، وتطورها ، وازدهارها ، وإنجازاتها ، فإنه باختصار يؤكد المؤرخون والمتخصصون ، من الشرق والغرب ، أن الحضارة الإسلامية هى أطول حضارة في تاريخ البشرية ، فلقد امتدت زمانيا إلى ما يقرب من ألف سنة ، وامتدت مكانيا من الصين شرقا إلى الأندلس ( إسبانيا ) غربا 000 حضارة نقل أصحابها ما وجدوه مفيدا في الحضارات السابقة (كاليونانية والفارسية والهندية والصينية ) 000 وفتح العرب المسلمون أمما فاقتهم علما وصناعة وثقافة وإدارة ، فنظروا إلى إبداعاتهم نظر المؤمن إلى ( الحكمة ) التي هى ضالته ، عليه أن يلتمسها في كل مكان ، وتحت أي ظرف 000 وهكذا ، صهر العرب المسلمون الفاتحون كل ما استوعبوه ، وأنتجوا حضارة ساحقة قدموها للعالم ، وصفها العلماء بأنها (حضارة القمة ) ، حضارة شاملة ، في كل نواحي العمران والتقدم 000في جميع مجالات العلوم الطبيعية والفلسفية والزراعية والصناعية والطبية 000

ويذكر المؤرخون ، أيضا ، أن العديد من رجال الحضارة الغربية تعلموا على أيدي المسلمين الفاتحين في أوربا ، في معاهدهم ومدارسهم ومكاتبهم ، أخذوا عن ابن سينا والبيروني والخوارزمي والرازي والمسعودي والغزالي وابن الهيثم وابن حيان وابن النفيس وابن خلدون 000 ولعل كتب سجريد هونكه ، وجورج سارتون ، وجوستاف لوبون ، وغيرهم من علماء الغرب ، تثبت هذا وتقيم الدليل على صدقه 000

إن الحضارة كالكائن الحي ، لها دورة حياة ، بل إن الحضارة في التاريخ تمر بدورات، والسنة الكونية فيها أن تغيب شمسها عن مكان وتشرق على مكان آخر 000 فكان أن دب النزاع بين زعماء المسلمين ، وفرض الحجر على حرية الفكر، وأغلق باب الاجتهاد ، فسقطت بغداد شرقا في أيدي المغول ، وسقطت قرطبة غربا في أيدي الأسبان ، وهكذا شهد القرنان : الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ، أفول نجم الحضارة الإسلامية ، وبزوغ نجم الحضارة الغربية في أوربا 000!!

ولا يستطيع باحث نزيه ، في تاريخ الحضارات البشرية ، أن ينكر انفتاح النهضة الأوروبية في القرون الوسطى المظلمة على الحضارة العربية الإسلامية ، والدارس لهذا الموضوع يجد في الحضارة العربية الإسلامية خصوصيات أساسية لم يأخذ بها الغرب ، وإنما أخذ الغرب ما رآه عوامل ضرورية لإنشاء نهضته ، أو حضارته ، الحديثة 0 أخذت أوربا ما عند المسلمين في العلوم الطبيعية والعلوم الطبية وسبل النقل المواصلات وطرق الصناعة والتجارة وفنون الحرب والقتال 000 كما أخذوا نظرياتهم واختراعاتهم وأفكارهم وطوروها في مجالات الفلك والكيمياء والفيزياء والميكانيكا وغيرها 000 لكنهم لم يأخذوا خصائص تلك الحضارة الإسلامية ، كخاصية ( التوحيد ) ، وخاصية ( الوسطية ) ، وخاصية ( التدين ) ، وخاصية ( نظام الخـــلافة الإسلامية ) 000 كما أن أوربا التقطت ما يناسبها من بعض العلوم الإنسانية عند المسلمين ، ما يخدم أيدلوجيتها وتوجهاتها 000

وقامت الحضارة الغربية ، وبنت في قيامها على كثير من إنجازات الحضارة الإسلامية(1) ، لكن الغرب أرادوا لحضارتهم ألا تكون حضارة قيمية تستمد مادتها الحية من الدين ، فكانت الحضارة الغربية حضارة لا دينية ، حضارة جعلت الإنسان مبدءا وغاية ، وهذه مفارقة من مفارقات هذه الحضارة الشوهاء ، أو العوراء ، التي وصفها بعض أبنائها من المفكرين المرموقين ، مثل ( روجيه دي باسكيه ) بأنها ( عبثية ) ، فقدت الحياة فيها معناها ، لأنها حضارة تنادى منذ أمد بعيد بأن ( العــالم لا يكون مـــتدينا ، والمــــتدين لا يكون عـــالما ) 000إنها حضــــارة صنعت لنفسها ديانة ثالوثها يتألف من ( العلم ، والتقنية ، والمال )(2) 0

· " التنوير " الأوروبي والإقلاع عن الدين :

لقد أطبق على أوربا ظلام دامس من القـــــرن الخامس الميلادي إلى القـــــرن العاشر

الميلادي ، وكانت هجمية هذا العهد أعنى من همجية العهد القديم 000وعاش القسس والرهبان بأوروبا في هذه الفترات عيشة بعيدة عن روح المسيحية وقيمها ، فأخذوا في قمع من يخالفهم ، واستحوذ عليهم الجشع وحب المال ، وانتشرت بينهم الرذائل الأخلاقية ، ودسوا في كتبهم الدينية معلومات دنيوية ، وأضافوا إليها معارف من عند أنفسهم ، وكانوا يبيعون المناصب الدينية ويؤجرون أرض الجنة بالصكوك وتذاكر الغفران 000 واستمر الحال هكذا فاتسعت الهوة بين رجال الدين ورجال العلم ، واستشرى الصراع بين العلم والدين ، ووقفت المؤسسات الكنسية في وجــه العلم ، وأخذت في اضطهاد العلماء ، وأنشأت محاكم التفتيش التي حكمت على ثلاثمائة ألف ، وأحرقت منهم اثنين وثلاثين ألفا أحياء ، منهم العالم جاليليو ، على سبيل المثال 000

فكان رد الفعل ، إذ قاد العلماء الثورة ضـــد الكنيسة ورجالهم ، وانتصروا في حملتهم هذه ، وغرسوا في نفوس الناس مناهضة الدين للعلم ، وأنهما ضدان لا يتصلان ، فاتجهوا جميعا ـ علماء وعامة ـ إلى المادية ، وتركوا الدين ، وعدوا هذا العصر ( عصر التنوير ) ، أي : عصر إنارة عقول الناس وإخراجهم من جاهلية رجال الدين وظلام فكرهم 000 وهـكذا كان ( التنوير الأوربي ) حركة عقلية علمية دعت إلى تحرير الحضارة من سلطان الكنيسة ودعت إلى تحرير العقول من قيود المفاهيم الموروثة ، بل ومن قيود رجال الدين 00!!

وكان القرن الثامن عشر الميلادي هو ( عصر التنوير ) في أوربا ، برغم وجود إرهاصات لظهوره بدء من القرن الخامس عشر وحتى القرن التاسع عشر ، الذي كانوا يسمونه ( عصر ديكارت والديكارتبين ) 0 وكان من مؤسسي ورواد حركة التنوير الأوروبية وزعمـــائها : فولتير ( مؤلف كتاب " القـــانون الطبيعي " ) ، كانط ( مؤلف كتاب " الدين وحدود العقل " ) 0 ولــيم جـــودين ( مؤلف كتاب " العـــدالة السياسية " ) ، دارويـــن ( مــؤلف كتاب " أصل الأنواع " ) ، وكذلك دي كوندرسيت ( Condorcet)، وفرنسيس بيكون ، وغيرهم 000

وكان للتنوير الأوربي فلسفة ، بل فلسفات ، منها على سبيل المثال : فلسفة نيتشه ، الذي زعم أن الله قد مات ، وأن الإنسان الأعلى ( Superman )ينبغي أن يحل محله ، وألف كتابه : " فلسفة التنوير " 000 ومن الفلسفات ، أيضا ، فلسفة كارل كاركس ( اليهودي ) الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب ، ودعي إلى الشيوعية 000 وفلسفة دوركايم الذي طــرح نظرية ( العقل الجماعي ) ، وتجمع فلسفته بين حيوانية الإنسان وماديته 000 وفلسفة فرويد (اليهودي ) الذي اعتبر اللذة الجنسية الدافع الأساسي في الظواهر الإنسانية 000 وفلسفة جان بول سارتر ، الذي دعا إلى الوجودية والإلحاد 000!!

وكان لهذا ( التنوير الأوربي ) منتقدوه ، قديما وحديثا ، ومن أبرزهم الفيلسوف الألماني تيودور أدورنو ( Teodor Adorno )، وكهايمر ، اللذان اشتركا في وضع كتاب " جدل التنوير " ( Dialectic of Enlightenment)في النصف الثاني من القرن العشرين ، وقد نقدا التنوير من خلال نقدهما لأعمال الفلاسفة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ومن خلال أسئلة طرحاها حول بنية العقل المعاصر 000 وإن كانت الحضارة المعاصرة نتيجة لفلسفة التنوير التي اقتصرت على الأبعاد العلمية والتكنولوجية للعقل واستبعدت الأبعاد الأخرى له 0

وهنا ، في الوطن العربي ، ظهر كتاب ومفكرون في القرن العشرين الميلادي ، وصفوا أنفسهم ، أو وصفهم غيرهم ، بــ ( جيل التنوير )0 أو ( رواد التنوير ) ، أو (التنويريين ) ، وكانت للحملة الفرنسية على مصر في القرن التاسع عشر الميلادي ، وللغزاة الآخرين الذين احتلوا أجزاء واسعة من البلاد العربية ردحا من الزمن ، دور كبير في تشكيل عقول هذا النفر من الكتاب والمفكرين ، الذين رموا كل متدين بالجمود ، ووصفوه بالتخلف ، ونعتوه بالرجعية 0 الذين نشروا أفكار داروين ، فرويد ، كارل ماركس ، وغيرهم من زعماء ( التنوير الأوربي ) ، الذين دعوا إلى العامية بدلاً من العربية ، 000 فهل كان هؤلاء فعلا رواد التنوير ( الحديث ) في العالم العربي ، أم كانوا دمي في أيدي الغرب ، و ( تجار شنطة) ثقافية جلبوا معهم إلى أرض الإسلام مذاهب هدامة ؟!!

لنعد إلى الينابيع الأصلية ، ونسأل : ماذا عن ( التنوير ) في الإسلام ، وهل كان ظهور الإسلام ظهورا لعصر التنوير الحقيقي في العالم ، وهل هناك روادا للتنوير من المســلمين الأوائل ، وهل تأثرت أوربا بالتنوير الإسلامي في تأسيسها لحركة التنوير بها ، 000 ثم ما هى أبعاد تصدير التنوير الأوربي إلى العالم الإســـلامي ومخاطره ، وهل يرتبط التـــنوير بالعلمانية ( فصل الدين عن الدولة وتحديد إقامته في دور العبادة ) ، سواء في النشأة والتاريخ ، أم في الفكر والأيدولوجية ، وهل استفاد الفكر العربي المعاصر من مناقشات الغرب ونقده للتنوير هناك ؟؟؟ هذا وذاك ، من المسائل والجوانب 000 وعموما ، فالموضوع كبير ، ونعد بالكتابة فيه ، وحتى نلتقي على صفحات لقاء قادم ـ إن شاء الله ـ ندعو القراء إلى الإطلاع على مؤلفات بعض المفكرين المسلمين في هذا المجال ، ونرشح لهم مؤلفات الدكتور/ محمود حمدي زقزوق ، والدكتور/ محمد عمارة ، والدكتور/ محمد السيد الجليند ، والدكتور/ محمد محمد حسين ، والأستاذ/ أنور الجندي 0

· حضارة الحروب وقهر الشعوب :

ظل الاتحاد السوفيتي هو العدو الأول للغرب ـ وخصوصا الغرب الأمريكي ـ من عام مم 1947 م إلى عام 1990م ، ثم دارت الدائرة على هذا ( الخطر الأحمر ) ـ كما يسميه الغرب ـ وانهار في عام 1990م ، وتفتتت هذه الإمبراطورية الضخمة إلى مجموعــة من الدول والدويلات ، وانتهى بذلك عصر " الحرب البادرة " 000 فوجدت الولايات المتحدة الأمريكية ، وأتباعها ومن يدورون في فلكها من دول أوربا ، نفسها بلا عدو تمارس الصراع ضده وتطور عدتها وآلاتها لمهاجمته ، فأوعز نفر من كبار المفكرين الاستراتيجيين هناك إلى أصحاب القرار باتخاذ الإسلام جبهة صالحة لتصويب آليات الصراع نحوها ، واعتباره ( الخطر الأحمر ـ بحسب تعبيرهم ) وذلك للحفاظ على تماسك واندفاع الحضارة الغربية ضد هذا ( الزحف الإسلامي ) ، وخصوصاً بعدما نما الإسلام في أوربا ، وظهرت فيه دويلات تحمل اسم الإسلام ، كما تزايدت أعداد المسلمين في الولايات المتحدة ، سواء المهتدين من أهـــــلها ، أم النازحين إليها من خارجها 000وأصبح من الحاقدين من يحذر حكام أوروبا من الانتشار المتزايد للإسلام حتى أنهم يتوقعون أنه في عام 2040 م ستكون أوروبا قارة إسلامية 000!!

وظهرت فكرة ( صراع الحضارات ) ، أو نظرية ( صدام الحضارات ) ، وخصوصاً الصراع الحتمي بين الإسلام كحضارة وبين الحضارة الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة 0 وروجت لهذه الفكرة مجموعة من المستشرقين والمؤرخين والمفكرين المشبوهين بارتباطاتهم بالدوائر الصهيونية العنصرية ، ومن أبرزهم المؤرخ اليهودي برنارد لويس ( Bernard Lewis )الذي روج لهذه الفكرة بمقال نشره في مجلة Atlantic Monthlyـ عدد سبتمبر 1990م 0 ثم سار على دربه ونسج على منواله المؤرخ اليهودي الأمريكي صموئيل هنتنجتون ( Samuel Huntington ) في مقالة نشرها في مجلة Forein Affairs عام 1993م ، ثم طورها ووضع لها كتابا حمل نفس العنوان : " صدام الحضارات " ( The Clash of Civilizations ) ونشرته دار Simon & Schuster في نيوريورك ، عام 1996م(3) 000 وهو الكتاب الذي تنـــاولته أجهزة الإعلام في الدول الغربية ، ومنها الولايات المتحدة ، بالشرح والتحليل وتســليط الأضواء عليه بشكل مــكثف ، منذ ظهرت طبعته الأولى 0

ونشر هذا المفكر الإستراتيجي نفسه مقالة بعنوان ( القوة العظمى الوحيدة ) في عدد مارس 1999م من مجلة Forein Affairs، أوضح فيها تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية لدول العالم وفقا لدرجة تمسكها بالمعايير الأمريكية ، وفرض العقوبات على من لا يلتزم منها بهذه المعاييرها في مختلف المسائل والأمور ، وتستخدم في قمع هذه الدول الرافضة للمعايير الأمريكية أداتين هما : العقوبات الاقتصادية ، والتدخل العسكري 000

وإذا كان هنتنجتون يتحدث في كتابه المشبوه عن ثماني حضارات في العالم الآن ، فإنه ركز على حتمية الصدام بين الحضارة الغربية والحضارة الإســـلامية ، وهو صراع قائم ـ حسب زعمه ـ وسيصبح أكثر خطرا على الحضارة الغربية ، أما الصراع بين الحضارات الأخرى والحضارة الغربية فهو ضعيف ولا يستحق الاكتراث ، فإنه يندرج في محور من المحاور الرئيسية للصراع الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة ( التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه ) ، إلى جانب محاور أخرى هى : " حروب التجارة " ، وخصوصاً بين الولايات المتحدة واليابان ، وأوروبا الغربية ، ثم الصين ، و " الحروب العرقية " ، وخصوصاً في الجمهوريات السابقة التي كان الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا يتشكلان منها ، وكذلك الدول الآفلة في قارة أفريقيا ، و" تجدد الحرب الباردة " ، وخصوصاً تلك التي تضم روسيا أو الصين 000

وهناك تفنيد وانتقادات شديدة لكتاب هنتنجتون ( صراع الحضارات ) ، كتبها وتحدث بها ونشرها العديد من العلماء والمفكرين في دول العالم 000 ولقد أخطأ هنتنجتون أخطاء ذريعة في أشـــياء كثيرة ، أخطأ في تصنيفه للحضارة الغربية استناداً إلى معيارين فقط هما : الجغرافيا والدين 000 لقد أخطأ في إطلاق مصطلح ( الحضارة الغربية ) وكأنه مصطلح ضــارب في القدم ، والحقيقة أنه لم يظهر إلا في أوائل القرن العشرين الميلادي ، وأخطأ في حصر الحضارات في ترجيح الصراع في الفترة المقبلة بين الثقافات أو الحضارات ، بدلا من الدول والحكومات والقوى التقليدية المعروفة ، كما أخطأ في تمجيده للحضارة الغربية واعتبارها قمة رشد البشرية ، وأخطأ في تأكيده لأحاديتها فيما تبقى من تاريخ للبشر 000

هذا التاريخ الذي انتهى بزعم مفكر أمريكي ياباني هو فرانسيس فوكوياما ( Francis Fokoyama ، فطرح نظريته ، أو فكرته ، حول ( نهاية التاريخ ) ، وهو يختلف مع كل من لويس ، هنتنجتون ، ودانيال بايبس ( Danial Pipes ) في ديمومة الصراع ، لأنه يرى أن هذا الصراع كان قائماً بالفعل بين هذه الحضارات ، ثم انتهى الآن لصالح الحضارة الغربية ، بعد وصول البشرية إلى المرحلة الأخيرة من اكتمالها ، أي بعد وصولها إلى النموذج الأوحــد ، وهو الحضارة الغربية 000 ولقد انتهت زعامة العالم إلى هذه الحضارة ، لذا وجب على جميع شعوب الأرض أن تنطاع لها ، فتاريخ البشرية إذن قد انتهى هكذا في زعم هذا الأحمق !! فطرح نظريته العنصرية المريضة في صيف 1989م بمقال نشره في مجلة National Interest ، وإن كان قد سبقه بها هيجل بقوله : ( إن تاريخ العالم يتجه من الشرق إلى الغرب ، لأن أوروبا هى نهاية التاريــــخ عــــلى نحو مطلق ، كما كانت آســـيا هى بدايته 000 ) 0

إن الحضارة الغربية المعاصرة تنطوي على ســـلبيات كثيرة أدت إلى وقوع حربين عالميتين ، قتل فيها أكثر من مائة مليون إنسان ، سلبيات سعت إلى بث بذور النزاع والصراع في أرجاء العالم ، وطمس ( هوية الآخر ) ، وأوربته أو أمركته ، ومحاولة إبادة الحضـــارات الأخرى ، وفرض ( نظام عالمي جديد ) على دول العــــالم وبلدانه ، برغـــم أن ( التعددية ) سنة كونية ، وأن ( التمايز الحضاري ) ـ بحسب تعبير د/ محمد عمارة ـ سنة إنسانية !!

· من الذي دفع للزمار (4) :

هذا هو عنوان كتاب وضعته المؤلفة / فرانسيس ستونور سوندرز ، ونشر في أواخر تسعينات القرن العشرين الميلادي ، وقد شرحت في مقدمته الصعوبات الكثيرة التي واجهت في جمع الوثائق التي تمثل عصب الكتاب ومادته والأساسية ، وخصوصاً العراقيل التي وضعتها جهاز سي 0 أي 0 إيه ( CIA )ـ المخابرات الأمريكية ـ وهو ما جعلها تستعين بما هو متوفر في مكتبات مثل : تاميمنت ، جوزيف رجنشتاين ، الأرشيفات الوطنية ، جون كنيدي ، وهى مكتبات موجودة في أماكن متفرقة بالولايات المتحدة ، كما استعانت بما هو موجود في مكتب السجلات العامة بلندن ، ومكتبة جامعة ريدنج ، إضافة إلى إجراء العديد من المقابلات 000

وعــبر ستة وعشـــــرين فصلاً كان الشغل الشـــــاغل للمؤلفة هو توضيح ما شـــنته أل ( سي 0أي 0إيه ) من حملة مكثفة ومتصاعدة على الجـــبهة الثقافية في زمــن ( الحرب الباردة ) ، فحولت عدداً من أبرز أنصار حرية الثقافة إلى أدوات يجرى التلاعب بها من جانب جهاز المخابرات الأمريكية ، سواء بعلمهم أو من وراء ظهورهم ، وسواء أحبوا ذلك أم كرهوه 000

هكذا توضح فرانسيس ستونور سوندرز كيف تسلل جهاز المخابرات الأمريكية إلى كل ركن في المعمار الثقافي العالمي ، وكيف قامت المنظمات والمؤسسات " الخيرية " التي تتخذها واجهة لنشاطها في هذا المجال ، والتي تحولت إلى قنوات تتدفق أموالها عبرها 000 قامت بعقد المؤتمرات وتنظيم المعارض والإشراف على الحفلات الفنية ونقل فرق الأوركسترا في مختلف أرجاء العالم ، ودعمت مشروعات باهظة التكاليف للنشر والترجمة ، ودفعت بعناصر تابعة لها إلى دعم صحف ومجلات في أوروبا وغيرها من أرجاء العالم ، وإلى تغطية خسائرها 000 وبضوح ، وبلا مواربة ، وبالدليل المقنع ، تقدم المؤلفة أسماء : آرثر كوستلر ، ملفين لاسكي ، توم برادن ، نيكولاس نابوكوف ، ومايكل جوسيلسون ، باعتبارها في مقدمة حشد هائل من نظرائهم الذين أداروا هذه الحملة ، وقاموا بإغواء المساهمين فيها ، واجتذابهم ، من فنانين وكتاب وحررين وأدباء 0

وعلى سبيل المثال ، أدار مايكل جوسيسلون ( عميل المخابرات الأمريكية ) " مؤتمر الحرية الثقافية " في الفترة 1950 إلى 1967م ، انطلاقا من مكاتب في 25 دولة ، وقام بتشغيل العشرات من الكوادر ، وأصدر ما يزيد على عشرين مجلة بارزة ، وأقام العديد من المعارض والحفلات الفنية ، ونظم مؤتمرات دولية كبيرة ، وقدم المنح والجوائز ، 000إلخ ، وشكل هذا كله السلاح السري لأمريكا في زمن ( الحرب الباردة ) ، وكانت له آثار بالغة الخطورة ربما لا تزال تمتد حتى اليوم 000

هذا ، وقد ركزت المؤلفة في كتابها على ما دار في أوروبا ، ولم تهتم بما دار في حملة جهاز المخابرات الأمريكية ( سي 0أي 0إيه )أثناء الحرب الباردة في البلدان العالم العربي ، الذي كانت مجلة ( الحوار ) ـ الصادرة باللغة العربية ـ من أدواتها 0 كما أن قناة "الحرة" وغيرها من القنوات الفضائية المنسوبة إلى العراق بعد اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية لأراضيها منذ عام 1993 م وحتى كتابة هذه السطور000 وكلها أقامته المخابرات الأمريكية وتنفق عليه لتخدم به سياستها في منطقة الشرق الأوسط ، وتمهد به لإعادة تخطيط المنطقة فيما أسماه الساسة الأمريكيون منذ سنوات قليلة " الشرق الأوسط الكبير" ، ثم عدلوا إلى تسميته إلى " الشرق الأوسط الجديد" ـ كما يتكرر في أحاديث وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس خلال عام 1427 هـ / 2006 م000 الشرق الأوسط الجديد الذي تمارس فيه إسرائيل التسلط والهيمنة على دول المنطقة 000 تأمر هذا وتنهي ذاك000 وتحدد لكل دولة ما تنتجه من براميل النفط يوميا ، وما تسمح به من أعداد للسائحين القادمين من الشرق والغرب 000الشرق الأوسط الجديد الذي تنوب فيه إسرائيل عن الولايات المتحدة الأمريكية في السيادة على مقدرات شعوب المنطقة من خلال التحكم في حكوماتهم000

"الشرق الوسط الجديد" الذي تريده أمريكا وإسرائيل خاليا من المقاومة الإسلامية لهما في أنحائه ، ولذلك فلابد من تدمير المقاومة الإسلامية في فلسطين بتصفية حركة حماس ، والتخلص من المقاومة الإسلامية في لبنان بسحق حزب الله000 أما حركة حماس التي وصلت إلى سدة الحكم من خلال انتخابات نزيهة، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل يدبران لاغتيالها وإسقاطها وتصفية قياداتها بالقتل والسجن وما شابه ذلك ، وأما حزب الله فقد شنت الولايات المتحدة وأنابت عنها إسرائيل حربا برية وبحرية وجوية ابتداء ون يوم 23 يوليو 2006 م واستمرت هذه الحرب إلى الساعة الثامنة صباح الإثنين 14 أغسطس 2006 م بحسب قرار مجلس الأمن رقم 1701 ، وهى الحرب التي لم تحقق الولايات المتحدة ـ وربيبتها إسرائيل ـ الهدف منها ، إذ لم ينهزم حزب الله ولم يتدمر 000 بل الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية هو لبنان ، فقد دمرت الطائرات والدبابات والمدفعية الإسرائيلية الجسور والطرق والمنشآت والمرافق والبنى التحتية في هذه الدولة ، وهو ما يتكلف إصلاحه ستة مليارات من الدولارات ، كما قتلت مئات المدنيين وعشرات المقاومين ، وأصابت المئات من الأطفال والشيوخ والنساء بإصابات بالغة ، وشردت أكثر من مليون لبناني بعد أن هدمت بيوتهم ودمرت منازلهم 000

هذه هى إسرائيل التي هزمت ثلاث دول عربية خلال ستة أيام فقط في عام 1967 م ، لم تستطع أن تهزم حزبا واحدا في لبنان هو "حزب الله" ، بل تكبدت الكثير من الخسائر البشرية والمادية على أيدي رجال هذه المقاومة الإسلامية اللبنانية 000 !! وزعماؤها الآن يراجعون أنفسهم ويبحثون في أسباب هزيمتهم على أيدي مجموعة من فرق المقاومة ، بالرغم من انتصارها على العديد من الجيوش النظامية من قبل 000وهكذا يبدو أن الشرق الأوسط الجــــديد الذي خططت له أمريكا وإســــرائيل ، وأعلنت عنه كونداليزا رايس ( وزيرة الخارجـــية الأمريكية ) لن يتحقق ـ على الأقل في الوقت الحالي 000 !!

الإسلاموفوبيا والعنصرية البغيضة :

صدرت عشرات الكتب ، ونشرت مئات المقالات ، في أوروبا وأمريكا لتبين الخطر الذي يتهدد الحضارة الغربية ، وهى حملة يقودها فوكوياما ، هنتنجتون ولويس وبابيس وغيرهم من الحاقدين السفهاء ، الذين يتطاول البعض منهم على الإسلام ، كدين وعقيدة وشريعة ، بعدما حقروا المسلمين والعرب كمجتمعات وشعوب ، ونذكر من أراذلـهم ذلك الكاتب اليميني الفرنسي ( جان كلو بارو ) وصنوه الصـــحفي المشهور ( جان فرانسـوا روفيل ) ، وهو كثيرا ما يســـب ( الزحف الإسلامي ) الذي يهدد ـ في نظره ـ قيام واستقرار ( النظام العالمي الجديد ) ـ أي العولمة الأمريكية ، أو أمركة العالم 0 كما إن هناك قطاعاً كبيرا من الأكاديميين الغربيين والصحفيين ومعدي البرامج ، لا يزالوا يروجون لفكرة ( صراع الحضارات ) التي تجسد العالم الإسلامي في صورة ( إمبراطورية الشر ) التي تهدد الحضارة الغربية 00!!

إن تحالف بعض الدول في أوربا مع أمريكا ، والسير في ركابها والائتمار بأمرها ، في كل أعمال القتل والإبادة التي تتعرض لها بعض شعوب العالم في مطلع الألفية الميلادية الثالثة ، إنما يأتي من تعبئة أفكار الساسة ضد ( الخطر الإسلامي ) المزعوم 000ولقد قامت وسائل الإعلام المختلفة خلال العقود الأخيرة بشحذ هذا الحال والتحضير لذلك التوجه ، سواء بنشر الكتب ، مثل " المسلمون قـــادمون " ، " التطرف يأتي من الصـــحراء والإبداع يأتي من الغابات " ، وغيرها مما كتب حول ما يسمى ( القنبلة الإسلامية ) 000 إضافة إلى الأحاديث المرئية والمقالات الصحفية والبحوث الأكاديمية ، التي تحاول تصوير الإسلام على أنه خطر يزحف نحو الغرب ، وتنذر بسريانه في ربوع أوروبا وأنحاء أمريكا ، حتى بلغ من تحذير بعض الكتاب الحاقدين والجاهلين أن قدر لأوروبا تحولها بأكملها إلى الإسلام بمجئ عام 2040 م 0 ولعل من الكتب ، أيضاً ، ما نراه تحت عناوين مثل : " جــذور الكــــره والغيظ الإســــلامي " ، " تحدي التطرف الإسلامي " , " الأصولية الإسلامية والتحديث " ، 000إلخ 0

ولقد تصاعدت هذه الحملة المستمرة ، وتأجج أوارها ، والتهب سعارها ، في أعقاب الهجوم العنيف ـ غير المسبوق ـ على رموز التفوق التجاري ( مبنى مركز التجارة العالمي ) ، والهيمنة العسكرية ( مبنى البنتاجون ) في الولايات المتحدة الأمريكية ، في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ، والذي سماه حكام الولايات المتحدة " أيلول الأسود " ، فقرأنا ـ على سبيل المثال ـ في مجلة نيويزويك بتاريخ 25/21/2001م قول صاحب ( نظرية صراع الحضارات ) : إن بذور هذا الصراع قد باتت منثورة ، مع إعلان ابن لادن الجهاد ضد الأمريكيين ، ووصول ما سماه : " زمن حروب المسلمين " إلى أمريكا ، وهو بقوله هذا يحاول إثبات نظريته سيئة السمعة 000

كما أننا رأينا ولمسنا وعايشنا ذلك السيل العارم من ردود الأفعال الغاضبة والعدوانية تجاه العرب والمسلمين ، ردود أفعال تكشف عن أن ميراث ( الحروب الصليبية ) ما يزال يحكم مشاعر قطاع كبير من الناس ( حكاماً ومحكومين ) في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، حتى سمعنا الرئيس الأمريكي / جورج دبليو بوش يعلن القيام بحملة صليبية ، وإن كان قد تراجع عن هذه المقولة بحجة أنها ( زلة لسان ) وقعت منه ، ولكنه ناقض نفسه على الصعيد العالمي فقام بهجوم ساحق دمر به شعب أفغانستان المسكين ، وقد وصف الأفغــــان هذا الهجوم الغاشـــم بأنه ( حملة صليبية ) على بلادهم(5) ، ولا يزال هذا الهجوم العدواني الأمريكي الأوروبي يجتاح أراضي أفغانستان حتى تاريخ كتابة هذه السطور ، بحجة البحث عن أسامة بن لادن ورجال حركة أو حكومة طالبان السابقة ، في الكهوف والمغارات والجبال 00!! وبعد أفغانستان جاء دور العراق ، فاجتاحته الولايات المتحدة الأمريكية بذريعة إخفاء صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تضرب إسرائيل ـ وهى الدويلة الغاصبة لأرض فلسطين ـ فدمرت كل ثمين وغال ، ومحت آثار التاريخ العريق للعراق الشقيق ، ولا تزال الولايات المتحدة تعاني من المستنقع الذي أسقطت نفسها فيه , أي العراق !! وفي هذه الأيام من شهر رجب (1427 هـ ) أغسطس (2006 م) تجتاح الولايات المتحدة لبنان وتنوب عنها في ذلك دويلة الكيان الصهيوني إسرائيل 000 وهكذا تتوالى حلقات مسلسل الاجتياح الأمريكي لدول منطقة الشرق الأوسط ( الكبير ) لبلوغ الأطماع الأمريكية، وتحقيق الأحلام الإسرائيلية 000!! وهكذا يكون الشكل الجديد " للحروب الصليبية " على العالم العربي والعالم الإسلامي 000 !!

وإذا نسينا فلن ننسى ذلك المسئول الإيطالي الذي زعم منذ سنوات قليلة بأن المسلمين لم يقدموا للعالم شيئاً من علم أو حضارة ، وأن الإسلام لم يعد قادراً على مواكبة ركب الحضارة المعاصرة 00!! ونحن لا نرد على هذا الجاهل ، أو الحاقد ، بمقالات أو بحوث أو شهادات من بني جنسه وأهله وعشيرته ، الذين يشهدون للإسلام ويعترفون بدوره الحضاري الريادي في تاريخ البشرية ، بل نذكره فقط بدخول العديد من العلماء والساسة والمفكرين البارزين والدبلوماسيين المرموقين ، الإسلام ، طواعية وعن قناعة 000 نذكر منهم ـ على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ موريس بوكاي ، روجيه جارودي ( من فرنسا ) ، وفي ألمانيا تأثر عدد كبير من العلماء والمفكرين والساسة بالإسلام ، فمنهم من اعتنقه ، ومنهم من ظل على دينه ، برغم حبه للإسلام وإعجابه به دور ودراسته له 0 نذكر منهم الفيلسوف ( جوته ) الذي درس علوم القرآن الـكريم ، وعميدة الاستشراق الألماني ( آنا ماري شميل ) التي تخصصت في الدراسات الإسلامية ، وحصلت على جوائز عالمية في هذا ، ومنهم الدكتور/ مراد ( ألفريد ) هوفمان الذي كان يعمل سفيراً لبلاده في المغرب ، وقد درس الإسلام كثيراً في سبتمبر 1980م ، وألف مجموعة من الكتب لشرح جوانب السمو الأخلاقي والروحي في الإسلام وكذلك الجوانب الحضارية السامية فيه ، وكيف أنه الدين الوحيد الذي يمكنه انتشال البشرية من أوحالها الحالية ، والسفير الإنجليزي جال إيتون 000إلخ

كما نذكر هذا المسئول الإيطالي الحاقد المزور بإسلام سفيرين إيطاليين في المملكة العربية السعودية ، واحدا بعد الآخر ، أولهما ( ماريو سيكيالويا ) ، وقد عمل سفيراً لبلاده في السعودية خلال عامي 94 / 1995م ، وثانيهما هو ( توركواتي كارديلي ) السفير الإيطالي في عام 2001 م في السعودية ، وقد أعلن إسلامه في شهر نوفمبر 2001م 0

ونذكر هذا المسئول الإيطالي الذي لم يصل إلى منصب رئيس وزراء إيطاليا إلا بشراء أصوات الناخبين وبإدارة معاركه الانتخابية بشركاته وقنواته الإعلامية 000 نذكره ، أيضاً ، بالوزير جوشيرو كومياما ( وزير المواصلات الياباني ) الذي اعتنق الإسلام وأسمى نفسه ( محمد كومياما ) ، والدكتورة / إيفادى ميروفتش ( الأستاذة بجامعة السربون ) التي دخلت في الإسلام ، وقالت : إن أوروبا الآن بعد أربعة عشر قرناً من الهجرة النبوية بدأت تستكشف الإسلام وتفهمه ، ليس عن طريق السياسة أو العقلية الاستعمارية أو الجدلية ، وإنما عن طريق الفكرة الإسلامية ذاتها ، اكتشاف المجهول لديهم 000

ونذكر هذا المسئول الإيطالي الجاهل بالتاريخ والجغرافيا ، أيضاً ، بالمفكر الفرنسي البارز روجيه جارودي ـ الذي أشرنا إليه من قبل ـ وقد اعتنق الإسلام في عام 1982م ، وله أقوال مشهورة في مجموعة الكتب التي وضعها عن الإسلام ، وكيف أنه ربط العلم بالدين ، والعمل بالإيمان ، وجعل التقدم الحضاري يسير صعداً نحو الله 000

ونذكر هذا المسئول الإيطالي الجاهل بالحضارات البشرية ، بالدكتور/ جرينيه الذي أسلم ، وقال : لقد تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية ، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على هذه المعارف الحديثة ، فأسلمت 000 ونذكره بـ رينيه جينو ( أحمد يحيى ) ، لورد / هيدلى ، ايتان دينيه ، سجريد هونكه 000ونذكره بـ ليوبولد وايس ( محمد أسد ) ، بروفسور / ليمون ، سير / شارلز إدوارد هاملتون ، على بنوست ، ومستر / ميليما 000 وغيرهم من العلماء والمفكرين في أوروبا وغيرها من قارات العالم ، الذين أسلم بعضهم وظل البعض الآخر على دينه ، لكنه قال كلمة الحق في إنصاف الإسلام 000

هكذا يعيش الغرب ، منذ مدة طويلة ، مفتونا بتقدمه العلمي وازدهاره التكنولوجي ، يعيش في شعور بالغطرسة والخيلاء طالما أنه يمتلك القوة المادية والآلة الحربية ، يعيش في أقصى درجات النرجسية ، والسادية ، وفرض النماذج السياسية والأنظمة الاقتصادية والأنماط الثقافية ، بل وحتى أطر القيم الأخلاقية ، ويسعى لفرض كل هذا وذاك على شعوب العالم ، كبديل كلي لما هو موجود من قيم وسياسة واقتصاد وثقافة وحضارة عند الشعوب ، وهو يستخدم لتحقيق هدفه هذا كافة وسائل الترغيب والترهيب ، يستخدم استراتيجيات متنوعة ، كالخطاب المزدوج ، والاحتواء الثقافي ، والفتح المعلوماتي ، والضغط السياسي ، وتعطيل التواصل الحضاري ، وحفز آليات الإعلام لترويج هذه الأفكار 000 وجدير بالذكر أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، وفي دول أخرى في العالم ، يحاول بكل الوسائل أن يضلل أفراد الشعوب التي يمارس نشاطه فيها ، ويستخدم سلاح العصر الحديث ، وهو الإعلام ، بعد الاقتصاد ، سلاحاً يقلبون به الحقائق ويزينون به الباطل ، ســـلاحاً يمـــنعون به وصــول حقائق الإسلام إلى شعوب تلك الدول 000

· انهيار الحضارة الغربية 000 وحتمية النهاية التاريخية:

إن حضارة الغرب تعيش حالة من الازدواجية بين الأهداف المعلنة ، وبين ما يمارسه الإنسان الغربي ، الذي قسم العالم إلى ( مركز ) و ( أطراف ) ـ بحسب تعبير المفكر المسلم الدكتور/ محمد عمارة 0 أما ( المركز ) فهو الغرب ، بيده الثروة والقرار والمعــلومات 0 وأمـــا ( الأطراف ) فهى دول العالم التي أراد الغرب لها إلا أن تكون أسواقا استهلاكية لمنتجاته ، وحقل تجـــارب لآلياته ومعداته الحربية ومخـــترعاته العسكرية 000 دول مغلوبة على أمرها ، تستهلك ما يصدره لها الغرب من ماديات لفرض عولمته ( Globalization )البغيضة على مجتمعاتها ، وينفث في أصـولها سمومه التي تودي بحياتها في نهــــاية المطــــاف 000تلك هى ( العولمة الغربية ) ، أو بالأحـــرى : (العولمة الأمريكية ) ، التي تسعى إلى صب العالم أجمع في قالب واحد هو قالب الحضارة الغربية المفنية في عصرنا الحاضر ، اقتصاديا وسياسياً وإعلامياً وثقافياً ، على امتداد رقعة (القرية الكونية ) الممتدة عبر ( لا جغرافية ) القارات الخمس 000

وبالرغم من هذا الزخم المادي والزهو والخيلاء ، التي يظهر بها أصحاب هذه الحضارة المادية ، فإن الدراسة الواعية لمجتمعاتها ، ورصد المتغيرات الاجتماعية على أيدي مفكريها ، يثبت وجود عوامل انهيارها فيها ، فأصبحت تتآكل اليوم ، وهى في طريقها إلى مصيرها المحتوم ، وهو السقوط والانهيار ، لتفسح المجال أمام دورة جديدة من دورت الحضارة البشرية ـ بحسب ما توصل إليه المفكر المسلم مالك بن نبي ـ 000 ولعل المسلمين بثرواتهم الطبيعية والبشرية ، وبعقيدتهم ، وبمجدهم الحضاري القديم ، أجدر البشر على اغتنام الفرصة الآن 000

أرنولد توينبي ، أستاذ التاريخ في أكسفورد ، وصاحب نظرية ( التحدي والاستجابة ) ، حيث تتم الاستجابة البشرية للتحديات المفروضة على الجماعة في وقت ما : ( فتقوم الحضارات البشرية وقتما ينطلق التحدي الإيجابي أمام الظروف المحيطة بالجماعة ليكون ثمة استجابة مؤثرة تتجاوز تلك التحديات ، وربما تضيف إليها ) 000 وبقدر ما يحيط بالأمة ، أو الجماعة ، من تحديات ، بقدر ما تتحفز إرادتها للرد الإيجابي والاستجابة الصحيحة حين تتوفر فيها خصائصها الحيوية 0 وعلى العكس من ذلك ، فإنها تندثر روحيا وثقافيا حين لا تتحرك استجابتها للخروج من خطر التحديات ، فيكون مصيرها التآكل ، فالتمزق والهوان ، وهو ما يراه توينبي واضحا في الحضارة الغربية المعاصرة000

إن اعتراف العقل الغربي بضياعه وتضييعه للآدمية الغربية لهو خير وسيلة لوصف النهاية الحتمية لهذه الحضارة 0 وهناك العديد من الشهود على هذه الحتمية التاريخية ، نذكر منها كـتب " الغثيان " ـ جان سارتر ، " العقل في منتهى حدود الاحتمال " ـ ولز ، " حفارو القبور " ـ روجيه جارودي ، " تدهور الغرب " ـ شبنجلر ، " سقوط الحضارة " ، " اللامنتمي " ـ كولن ولسون ، " أزمة العالم المعاصر " ـ رينيه جينون 0

يرى كل من شبنجلر وكولن ولسون أن الحضارة الغربية متدهورة ، وأن أعراض تدهورها تتمثل في ( الفلسفة التجريدية ) التي تحول البشر إلى أقزام ، ومادية اليوم علامة على تصلب شرايينها 0 ويرى شبنجلر عدم وجود مهرب من هذه النهاية الحتمية ، فالغرب الآن في آخر مراحل التدهور ، وليس هناك احتمال لظهور ( دين جديد ) أو فلسفة جديدة ، لأن ترسة الغرب ( منهوكة ميتافيزيقيا ) 000 ويرى رينيه جينون أن الدورة التاريخـية الحالية للحضـــارة ( الإنسانية ) قد دخلت العصر المظلم الذي يطلق عليه اسم : كالي يوجا ( Kali Yuga )في الديانة الهندوسية 000

وذهب كل من برنارد شو ، وأرنولد توينبي إلى أن الحضارات تسقط في اللحظة التي تكون فيها قوة الإنسان أشد من قوة الدين 0 إلا أن نوابغ الغرب اللامنتمين الذين يمثلون أعراض الحضارة الآيلة للسقوط ـ في نظر ويلسون ـ يرفضون أية فكرة دينية ، ذلك لأن اللامنتمى يميل إلى التعبير عن نفسه بمصطلحات وجودية ، ولا يهمه التمييز بين الروح والجسد ، كما أنه يرفض التفكير الديني أو الفلسفي 000. إن سبب رفض اللامنتمى الغربي للدين هو ـ في الحقيقة ـ رفض للمسيحية ، لا أكثر ، لأنها الوحيدة التي تمثل الدين عنده 0 وعلى سبيل المثال ، فلقد هاجم نيتشه ـ ولم يكن الوحيد في ذلك ـ المسيحية بكل قواه ، وذلك لوجود أخطاء جوهرية فيها ، كما رآها 000 وأصيب نيتشه بالجنون لأنه لم يعرف طريق العودة إلى نفسه ، لا من خلال مسيحيته ولا من خلال عقله الذي فقده في نهاية المطاف 000 وأما رينيه جينون فقد أنقذ نفسه من الأحوال المتدهورة لآدمية اللامنتمى الغربي ، وذلك باعتناقه للإسلام ، وقد عاش بقية أيامه في القاهرة باسمه الإسلامي ( أحمد يحيي ) إلى أن مات ودفن بها 000

صدر كتاب ( فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي ) في ترجمته العربية عام 2000م ، لمؤلفه المؤرخ الأكاديمي / آثر هيرمان ، وقد أشاد مراجع الترجمة د / رمضان بسطاويسي بهذا الكتاب ، ونصح العرب أن يقرأوه ، لأنه يضعهم أما حقيقة الدول الغربية وأمريكا ومصيرها ، التي يعانون سياستها حتى اللحظة 0

ولقد ناقش المؤلف آثر هيرمان في فصول كتابه المتوالية آراء العديد من المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد وغيرهم 0 نذكر منهم ـ على سبيل المثال ـ : هيزيود ، سوفوكليس ، تيرجوت ، فيخته ، جينون جوزيف ، آرثر دو جويينو ،000 ، حتى وصل إلى الفصل الرابع ، ليناقش فيه فضية الانحلال بوصفها نهاية الليبرالية الغربية ( وهو يقصد الحضارة الغربية ) ، واستند في ذلك إلى أطروحات عدد من المفكرين والمتخصصين ، وعلى رأسهم الطبيب الإيطالي ( سيزار لومبروزو ) الذي أكد في عام 1870م ، أن الأوربــيين ( لم يعودوا قادرين جسمانيا على الاحتفاظ بمتطلبات الحياة المتحضرة ) 0

وفي الجزء الثاني من الكتاب ذاته ، تحدث المؤلف عما كان سائداً من اعتقاد ، في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي ، بأن أمريكا هى أرض المستقبل ، بل أنيط بها حمل رسالة تخليصية لبقية العالم 0 و ( إمبراطورية الحرية ) هو الاسم الذي كان يطلق عليها ، إشارة إلى رسالة نشر الفضيلة والسيادة الشعبية التي أنيط بها حملها العلم 000 ومنذ ذلك التاريخ ، والكثير يتوقع الصعود الأمريكي الهائل إلى القمة ، وقبل أن يتحقق هذا أعلن ( جي 0 كيو ، آدمز ) في عام 1785م ، بعد أن تبدد أمله في أن يحافظ الأمريكيون على فضائلهم واستقلالهم : ( إن الأمريكيون لم يكونوا أبداً أهلا لفضيلة رفيعة ) 0 واعترف بغبائه لأنه قال فيما سبق من حياته : ( إنهم سيصبحون أفضل من غيرهم ) مؤكداً أن أمريكا محكوم عليها بالهلاك 000

وتتوالى فصول الكتاب ، ويناقش المؤلف آراء كثير من العلماء والمفكرين ، من أنحاء متفرقة من العالم ، نذكر منهم ـ على سبيل المثال : آدمزش ، جاكوبي ، هنري آدمز ، دوبوا ، أوزوالد شبنجلر ، إدوارد سعيد ، اليجا بول ( أو اليجا محمد ـ بعد إسلامه ) 000 حتى وصول إلى الفصل الذي ألقى فيه الضوء على ( شبنجلر ) في كتابه الشهير " أفول الغرب" 0 كما ناقش فكر المؤرخ البريطاني الشهير ( توينبى ) الذي حـــدد لاضمحلال الحضــــارة الغــــربية ثلاث مراحل 0

كما أن توينبي تنبأ بقيام الولايات المتحدة كحضارة جديدة ، فإنه رأى ـ مثل غيره من المفكرين الأوربيين ـ أنها تمثل الجانب المظلم للغرب الحديث نفسه 0 وبقدر ما اعتبر الشيوعية هرطقة غربية ، وصحف منزوعة من العهد القديم ، اعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أخطر قوتين استعماريتين في عالم الحرب الباردة ( التي امتدت من النهاية الحرب العالمية الثانية إلى مطلع التسعينات حين انفرط عقد الاتحاد السوفيتي )0 ومكمن الخطر فيهما ـ كما يقول توينبي ـ ليس لأنهما قوتان عسكريتان فقط ، بل لأنهما تمثلان ـ أيضا ـ غربا منحلا 0 وشدد توينبي على أن أعمال الولايات المتحدة وإسرائيل في لاوس ، وفيتنام ، وفلسطين ، ليست مجرد جرائم ، بل جرائم ومفارقة تاريخية أخلاقية في الوقت نفسه 0

وذهب توينبي إلى أن انتصار إسرائيل في حربها ضد العرب دليل أكيد على التفسخ الأخلاقي ، وهو ـ أي توينبي ـ من بين قلة من فلاسفة الغرب ومفكريه الذين وصفوا احتلال إسرائيل للأراضي العــــربية بأنه عمل شـــــــرير وغير إنســــاني ، ووزان ذلك باحتلال ألمانيا

لتشيكوسلوفاكيا وبولندا ، وقال : ( إن الإسرائيليين أسوأ من النازيين ) 0

وفي الفصل العاشر يتناول المؤلف أطروحات سارتر ، فوكو ، وفانون ، وهو يشرح آراء ومواقف سارتر التي كانت تعد " الأمريكية " الخطر الحقيقي على أوروبا كمرحلة أخيرة للقيم البرجوازية الغربية 0 وذهب سارتر ـ الذي كان على عداء واضح مع الهيمنة الأمريكية ـ إلى أن الفـــيتناميين كانوا يقـــاتلون نيــــابة عن كل البشر ، وأن الأمريكيين يقاتلون ضد كل البشر 00!!

وينقل المؤلف آراء ( نعوم تشوميسكي )(6) الذي يرى أمريكا ( تديرها القوى التآمرية الخبيثة للرأسمالية الكبيرة ) ، أقامت إمبراطورية شاسعة بالتحالف مع المصالح الرأسمالية العالمية من خلال " دول إرهابية " في أمريكا اللاتينية ، وأعمال عـــنف تؤدي إلى " إبادة جماعية " في آسيا والشرق الأوسط 0 ويسوى تشوميسكي بين ألمانيا النازية في الداخل ، والاحتفاظ بشبكة عالمية من القوة والإرهاب الوحشي 0 ويقول تشوميسكي : إن الإمبراطورية الأمريكية مؤسسة محكوم عليها بالفناء 000

بالاستناد إلى آراء كل من نعوم تشومسكي ، بارنتي ، بارنت ، وريتشارد سلوتكن ، فإن الثقافة الأمريكية تمجد العنف ، والاستعمار ، والإبادة الجماعية 0 وقد فصل المؤلف ( آثر هيرمان ) في ممارسات الولايات المتحدة الشريرة للرأسمالية والقمع التكنولوجي ، وقيامها على ليبرالية مفلسة غذتها نزعة استهلاكية مستغلة ، وتورطها بحقد وإهانة جميع الأقليات 000

· يقظة الضمير بعد المزيد من التفكير :

كثيرة هى المؤلفات التي أثبت فيها أصحابها من الغرب بعض جوانب العظمة في الدين الإسلامي ، وإنصاف الحضارة الإسلامية التي كانت من أهم القواعد التي أرست عليها أوروبا ، والغرب عموماً ، حضارتها الحالية ، لكننا اختصاراً نشـــير إلى ثلاثة من زعماء أوروبا ، الأحياء ، اثنان من ألمانيا والثالث من بريطانيا 0

في مطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي ، ظهر كتاب ( توكيد الذات الأوربية : آفاق القرن الحادي والعشرين ) للمستشار الألماني / هيلموت شميت ، يوضح فيه مساهمة الثقافة الإسلامية العربية في روافد الثقافة الأوربية ، وضرورة الإسلام ، أو بالأحرى : الحضارة العربية ، في تطور أوروبا مستقبلاً 0 وقد أفرد لهذه النقطة عشر صفحات في كتابه ( الذي يقع 255صفحة ) ، وهو يقول في ختام معالجة هذه النقطة : ( خلال القرن الجديد سيصبح الجوار الجديد مع الإسلام أحد الشروط الأساسية لتأكيد الذات الأوربية والحفاظ عليها ، ومن المحتمل أن يعتمد إحلال السلام والاستقرار في أوروبا على هذا الشرط 000

في حفل تكريم المستشرقة الألمانية ( آنا ماري شــــميل ) وتســــليمها جائزة الســـلام من ( رابطة الكتاب الألمان ) ، في 10/1/1995م ، لمناصرتها الفكر الإسلامي ، ودعوتها إلى فهمه وتغيير الصورة الشوهاء التي شكلها الإعلام الأوربي عن الإسلام والمسلمين ، ألقى الرئيس الألماني ( رومان هوتسوج ) كلمة دعى فيها إلى أهمية فهم الإسلام فهماً صحيحاً ، وأشاد فيها بالتنوير الإسلامي الذي حفظ للغرب ـ قبل ستة أو سبعة قرون ـ أجزاء عظيمة من التراث القديم 000

وقال الرئيس الألماني : هو يجوز لنا أن نصنف المسلمين الأتقياء مع ( الأصوليين الإرهابيين ) فقط لمجرد افتقادنا نحن للإحساس السليم تجاه استهزاء بالمشاعر الدينية للآخرين ، أو لكوننا لم نعد قادرين على التعبير عن هذا الإحساس السليم 000 !! وفي الختام دعى الرئيس الألماني إلى فهم الإسلام فهماً صحيحاً لتحديد موقف آخر منه غير الموقف الذي بنى على الجهل به 0

ألقى الأمير تشارلز ( ولى عهد بريطانيا ) خطاباً في قسم الدراسات الإسلامية بإحدى الجامعات البريطانية في بدايات النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين الميلادي ، تحدث فيه عن جوانب في علاقة الغرب بالإسلام 0 ودعى إلى ضرورة التعاون بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ، وأهمية التواصل فيما بينهما ، ونبذ ما تركته الحروب الصليبية في العالم الإسلامي من آثار سيئة لا تزال متبقية في النفوس ، وأشار إلى وجود نقاط اتفاق بين الإسلام والغرب أكثر من وجود نقاط اختلاف فيما بينهما 000 وانتقد الصورة الشوهاء التي يروجها البعض ، فيقول : ( 000 والكثيرون في الغرب يرون الإسلام على أنه حرب أهلية دامية في الشرق الأوسط ، وأصولية إسلامية 000إن حكمنا قد شابه التشوه لاعتبار أن التطرف هو القاعدة 000 ويظن الكثيرون أن أحكام الشريعة غير عادلة ، ولكن ينبغي أن نتدارس تطبيقاتها قبل أن نصدر أحكاماً 000إن هناك عدداً من الدول الإسلامية أعطت حق التصويت للمرأة في نفس الوقت مع أوروبا ، كما أن النساء المسلمات لا يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية ) 0

ولم يتوقف إنصاف الأمير تشارلز للإسلام عند هذا الحد ، بل أكد فضل الإسلام والحضارة الإسلامية على أوروبا في نهضتها الحديثة ، وقال بصراحة :( كثير من السمات التى تفخر بها أوروبا الحديثة جاءت إلينا من الأندلس 000 إن الإسلام جزء من ماضينا ومن حاضرنا ) 0 وأخذ الأمير في خطابه يلح على الحوار بين الإسلام ( يقصد المسلمين ) والغرب 0 ويوضح أهمية اتسام هذا الحوار بالصبر ، ويقول : ( لكن ذلك يتطلب جهدا ًشاقاً لكي يفهم بعضنا الآخر ، ولكي نتمكن من إبعاد شبح الخوف والتشكك)0

كما دعى الأمير تشارلز في كلمة ألقاها في مؤتمر سنوي للخارجية البريطانية بمـــركز " ويلتون بارك " بلندن ، في عام 1997م ، دعى رجال الدين من بني جنسه ، وكذلك خبراء الاقتصاد ، إلى الاستعانة بالمسلمين في حماية القيم لدى الصغار ، وقال : ( في كل أنحاء العالم يمكننا أن نجد من يريد تعلم الإنجليزية ، لكننا هنا في الغرب نحتاج إلى التعلم على أيدي مدرسين مسلمين كيف نتدبر الأمور مرة أخرى ، بقلوبنا لا بعقولنا فقط ) 0 كما أردف قائلاً : ( إننا في الغرب يمكننا الاستفادة من الرسالة الإسلامية في اكتشاف جذور مفاهيمنا الحالية التي ندين فيها للقيم الإسلامية التي تحترم الطبيعية الثابتة للقوانين الطبيعية ) 0