

-
الجر للمجاورة (( إلى الأخ الحبيب متى بوي ))
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أنا في أشد حالاتي خجلا وأسفا لتأخري في إجابة سؤال الأستاذ والأخ الحبيب : (( متى بوي )) لأني وعدته أن أضع الإجابة يوم السبت وتأخرت عن موعدي .
وسبب تأخري هو مرض البرد الذي أصابني فأجهدني ولولا ذلك ما تأخرت عن أستاذي وأخي لحظة واحدة .
فأرجو أن يقبل عذري وأن يسامحني كما أرجو منكم جميعكم المسامحة والمغفرة .
غفر الله لي ولكم
: وكان سؤال الأستاذ متى بوي عن الجر بالمجاورة
وجاء بمثال وهو : هذا جحر ضب خرب
فأقول بادئا
بحمد الله ومصليا على النبي وآله وصحبه
: ومما جرى نعتًا على غير وجهِ الكلامِ : " هذا جحر ضب خرب " ، فالوجه الرفع ، وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم . وهو القياس ؛ لأن الخرب نعت الجحر والجحر رَفْعٌ ، ولكن بعض العرب يجره وليس بنعت للضب ، ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب ، فجروه لأنه نكرة كالضب ، ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضب ، ولأنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد.
ألا ترى أنك تقول : هذا حب رمان . فإذا كان لك قلت : هذا حب رماني ، فأضفت الرمان إليك ، وليس لك الرمان إنما لك الحب .
ومثل ذلك : هذه ثلاثة أثوابك . فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رمان ، تقول : هذا جحر ضبي ، وليس لك الضب إنما لك جحر ضب ، فلم يمنعك ذلك من أن قلت : جحر ضبي ، والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد ، فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب . ومع هذا أنهم أتبعوا الجر كما أتبعوا الكسر الكسر ، نحو قولهم : بهم وبدارهم . وما أشبه هذا < الكتاب لسيبويه > .
/////////////
في الحمل على اللفظ والمعنى للمجاورة
العرب تفعل ذلك فتقول : هذا جحر ضب خرب . والخرب نعت الجحر لا نعت الضب ، ولكن الجوار حمل عليه .
كما قال امرؤ القيس (( من الطويل )) :
كان ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
فالمزمل نعت للشيخ لا نعت البجاد ، وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار ، وكما قال الآخر من (( مجزوء الكامل )) :
يا ليت شيخك قد غدا ... متقلدًا سيفًا رمحا
والرمح لا يتقلد، وإنما قال ذلك لمجاروته السيف . وفي القرآن الكريم : { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } ، لا يقال : أجمعت الشركاء، وإنما يقال : جمعت شركائي وأجمعت أمري ، وإنما قال ذلك للمجاورة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجعن مأزورات غير مأجورات " . وأصلها موزورات من الوزر، ولكن أجراها مجرى المأجورات للمجاورة بينهما ، وكقوله : بالغدايا والعشايا ، ولا يقال : الغدايا إذا أُفْرِدَت عن العشايا ؛ لأنها الغدوات . والعامة تقول : جاء البرد والأكسية ، والأكسية لا تجيء ؛ ولكن للجوار حق في كلام العرب . < فقه اللغة للثعالبي >
/////
القاعدة الثانية
أن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره
كقول بعضهم : هذا جُحرُ ضبٍّ خربٍ بالجر ، والأكثر الرفع ، وقال :
كبيرُ أناسٍ في بِجادٍ مُزمَّلِ
وقيل به في : { وحُورٍ عينٍ } فيمن جرهما ؛ فإن العطف على { ولدانٌ مخلدون } لا على { أكواب وأباريق } إذ ليس المعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور، وقيل: العطف على { جنات } وكأنه قيل : المقربون في جنات وفاكهةٍ ولحمِ طيور وحور ، وقيل : على أكوابٍ باعتبار المعنى ، إذ معنى { يطوف عليهم ولدانٌ مخلدون بأكواب }: ينعمون بأكواب.
وقيل في : { وأرْجُلِكُم } بالخفض: إنه عطف على { أيديكم } لا على {رءوسكم }، إذ الأرجل مغسولة لا ممسوحة ، ولكنه خفض لمجاورة رءوسكم والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلاً كما مثلنا ، وفي التوكيد نادرًا كقوله :
يا صاح بلِّغْ ذوي الزّوجاتِ كلِّهِمُ ... أن ليس وصلٌ إذا انحلتْ عُرا الذَّنَبِ
قال الفراء : أنشدنيه أبو الجراح بخفض كلهم ، فقلت له : هلاّ قلت : كلَّهم - يعني النصب - فقال: هو خير من الذي قلته أنا . ثم استنشدته إياه ، فأنشدنيه بالخفض. ولا يكون في النسق؛ لأن العاطف يمنع من التجاور، وقال الزمخشري: لما كانت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصبّ الماء عليها كانت مظنة الإسراف المذموم شرعًا، فعُطفت على الممسوح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل : { إلى الكعبين } فجيء بالغاية إماطةً لظن من يظن أنها ممسوحة، لأن المسح لم تُضرَبْ له غاية في الشريعة، انتهى.
تنبيه
أنكر السيرافي وابن جني الخفْض على الجوار، وتأوّلا قولهم : خرِبٍ ، بالجر على أنه صفة لضب .
ثم قال السيرافي : الأصل خربٍ الجُحرُ منه ، بتنوين خرب ورفع الجحر ، ثم حذف الضمير للعلم به ، وحُوِّل الإسناد إلى ضمير الضب، وخفض الجحر كما تقول مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ بالإضافة، والأصل حسنٍ الوجهُ منه، ثم أتى بضمير الجحر مكانه لتقدم ذكره فاستتر.
وقال ابن جني: الأصل خرِبٍ جُحرُه، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر .
ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له، وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أُمِنَ اللبس، وقولُ السيرافي : إن هذا مثل مررت برجلٍ قائمٍ أبواه لا قاعديْنِ : مردود ؛ لأن ذلك إنما يجوز في الوصف الثاني دون الأول على ما سيأتي .
ومن ذلك قولهم : هنأني ومَرأني ، والأصل أمرأني ، وقولهم : هو رجسٌ نجسٌ ، بكسر النون وسكون الجيم ، والأصل نَجِسٌ بفتحة فكسرة ، كذا قالوا ، وإنما يتم هذا أنْ لو كانوا لا يقولون هنا نجسٌ بفتحة فكسرة ، وحينئذ فيكون محل الاستشهاد إنما هو الالتزام للتناسب ، وأما إذا لم يلتزم فهذا جائز بدون تقدم رجس، إذ يقال فعلٌ بكسرة فسكون في كل فعِلٍ بفتحة فكسرة ، نحو: كتفٍ ولبنٍ ونبقٍ ، وقولهم : أخذَهُ ما قدُم وما حدُثَ ، بضم دال حدث، وقراءة جماعة : { سلاسِلاً وأغلالاً } بصرف سلاسل ، وفي الحديث : ارْجِعن مأزُوراتٍ غير مأجوراتٍ والأصل موْزورات بالواو ؛ لأنه من الوزْر ، وقراءة أبي حيّة : { يؤقِنون } بالهمزة ، وقوله :
أحَبُ المؤقِدينَ إليّ مُؤسى ... وجَعْدةُ، إذْ أضاءهما الوقودُ
بهمز المؤقدين ومؤسى ، على إعطاء الواو المجاورة للضمة حكم الواو المضمومة ، فهمزت كما قيل في وجوه : أُجوه، وفي وُقِّتت : أقِّتتْ ، ومن ذلك قولهم في صُوَّم صُيَّم، حملاً على قولهم في عُصوٍّ عِصيٍّ ، وكان أبو علي ينشد في مثل ذلك :
قد يُؤخذُ الجارُ بجرمِ الجارِ
< مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام >
وما العز إلا عز من عز بالتقى
وما الفضل إلا فضل ذي الفضل والدين
وفي الله ما أغنى وفي الله ما كفى
وفي الصبر عما فاتني ما يسليني
وعندي من التسليم لله والرضى
إذا عرض المكروه لي ما يعزيني
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة khaled faried في المنتدى منتدى المناظرات
مشاركات: 7
آخر مشاركة: 13-07-2008, 07:57 PM
-
بواسطة kholio5 في المنتدى منتدى الأسرة والمجتمع
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 09-04-2007, 09:47 AM
-
بواسطة الفيتوري في المنتدى منتدى الشكاوى والإقتراحات
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 15-01-2007, 01:38 PM
-
بواسطة احمد العربى في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 05-10-2005, 03:56 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات