
-
ومما قاله الإمام البيهقي في هذا المقام: "ولولا ثبوت الحجة بالسنة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته بعد تعليمه من شهده أمر دينهم: "ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع"73.
هذا... وإذا كانت شبهة الروافض والزنادقة في رد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم زاعمين الاكتفاء بالقرآن ما تقدم ذكره من موقفهم العدائي من الصحابة فما حجة القرآنيين الجدد؟ فليس لهم شبهة تذكر إلا ما كان من حب الظهور، ولو على حساب الكفر برسول الله، أو مجرد التقليد الأعمى، أو ما كان من عداء كامن للإسلام لم يمكن إظهاره إلا في هذه الصورة، ومهما يكن من أمرهم فإن القرآنيين الجدد أصل مذهبهم راجع إلى ما كان عليه غلاة الروافض.
وقد عرفت شبهتهم فبئس التابع والمتبوع أو المُقَلِّد والمُقَلَّد.
وبعد أن ذكر الإمام السيوطي في رسالته (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) شبهتهم تلك قال مستهجناً لها ومستقبحاً: "ما كنت أستحل حكايتها لولا ما دعت إليه الضرورة من بيان أصل هذا الرأي الفاسد الذي كان الناس في راحة منه من أعصار إلى أن قال: وقد كان أهل هذا الرأي موجودين بكثرة في زمن الأئمة الأربعة، وتصدى الأئمة وأصحابهم للرد عليهم في دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم"74.
ثم ساق من نصوص كلامهم الشيء الكثير في الرسالة المذكورة، ولابن خزيمة كلام نفيس في هذا المعنى75.
وبعد: فدعوى الاكتفاء بالقرآن ومحاولة الاستغناء عن السنة إنما تعني الاستغناء عن الإسلام، أي تعني (الكفر) بأسلوب ملتو غير صريح لأمر مّا، فأصحاب هذه الفكرة لا حظّ لهم في الإسلام ما لم يراجعوا الإسلام من جديد.
وبعد أن استعرضنا أدلة من الكتاب والسنة وأقوال بعض أهل العلم في أن السنة صنو القرآن، ولا يفرق بينهما، فلنناقش هؤلاء الزاعمين عقلياً ومن واقع حياة المسلمين في عباداتهم ومعاملاتهم، فهل يمكنهم الاكتفاء بالقرآن دون أن يجدوا أنفسهم مضطرين لمراجعة السنة في كثير من عباداتهم ومعاملاتهم حيث يجدون في السنة تفصيل ما أجمل في القرآن وما أكثره، وتقييد ما أطلق وعمم فيه.
بل ربما وجدوا أحكاماً جديدة هم بحاجة إليها لم يرد ذكرها في القرآن كما يجدون بعض الصفات الإلهية جاءت بها السنة ولم يرد لها ذكر في القرآن، إن الواقع الذي يعيشه المسلمون يجيب على هذا التساؤل وفي القرآن آيات يأمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس القرآن الذي أنزل عليه إذ يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}76، ويقول سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}77، ويقول سبحانه آمراً لاتباعه وحاثاً لهم على طاعته: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}78، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}79.
وهذه الأوامر القرآنية والتوجيهات الإلهية تشير إلى أن هناك بياناً يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن على أتباعه طاعته، وأن يأخذوا ما يأتي به ويأمرهم به، وعليهم أن ينتهوا عما ينهاهم عنه، لأن طاعته من طاعة الله عز وجل، ولأنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}.
وإذا أردنا أن نسوق أمثلة للأحكام التي أشرنا إليها لوجدنا الشيء الكثير منها: أن الصلاة للأحكام التي أشرنا إليها لوجدنا الشيء الكثير منها: أن الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، جاءت في القرآن مجملة هكذا: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ}، فيا ترى كيف يقيم القرآنيون الصلاة؟! فسوف لا يجدون صفة الصلاة وكيفيتها، وبيان عدد ركعاتها ومحل الجهر والسر فيها، وغير ذلك من هيئات الصلاة إلا في السنة الفعلية أو القولية، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى هذا المعنى: "صلوا كما رأيتموني أصلي"80.
ولو تركنا الكلام في الصلاة، وانتقلنا إلى الزكاة لوجدنا القرآن قد أجمل أمر الزكاة كما أجمل أمر الصلاة، إذ نجد القرآن يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}81، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}82، لتقوم السنة ببيان الأموال التي تجب فيها الزكاة، وبيان أنصبة الزكاة، والمقدار المأخوذ من كل نصاب على اختلاف الأموال، وهكذا نجد في باب الصيام أحكاماً لم ترد في القرآن، وبينتها السنة، منها: حكم من أتى امرأته في نهار رمضان وهو صائم ما الذي يجب عليه؟ ومن أكل في رمضان أو شرب ناسياً ماذا يصنع؟ هل يتم صيامه أو يفطر؟
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة وا إسلاماه في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 06-08-2008, 03:27 PM
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 24-06-2008, 08:45 PM
-
بواسطة ABQ في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 7
آخر مشاركة: 05-03-2007, 02:13 AM
-
بواسطة احمد العربى في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 12-01-2007, 04:50 PM
-
بواسطة حوده هاك في المنتدى الفقه وأصوله
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 18-11-2006, 07:35 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات