بسم الله الرحمن الرحيم

الحجاب فريضة وكفى





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه



دأب جمهور الناس منذ اندلاع معركة "الحجاب" على تأسيس دفاعهم عنه على قواعد لا تمت لواقعه بصلة، ولا ترتبط بمعناه. فنرى الناس تبني دفاعها عن "الحجاب" على نظرية الحقّ والاختيار والحرية، مع أنه من وجهة نظر شرعية ليس بحقّ، وليس باختيار، إنما هو فريضة شرعية ألزمت كل بالغة مسلمة به أحبتّ أم كرهت.


حول نظرية الحقّ



يتقلب مفهوم الحقّ بين معان متنوعة تختلف باختلاف السياقات التي يرد فيها. والمراد من قول القائل: إن الحجاب حقّ للمرأة، أي أنّه ثابت مقرّر لها. ولكن، ما مصدر هذا الثبوت والتقرير، هل هو الشرع والقانون السماوي أم القانون الوضعي؟

لا شكّ أنّ مراد القائل متجه إلى تقرير هذا الحقّ وإثباته بموجب القانون الوضعي، وذلك لأمرين:

أولهما ، أن القائل يسعى لإلزام الخصم بما ألزم به نفسه، ويروم إدانته من فمه، وكأنه يقول له: إن كنت قد قررت أن اللباس يخضع لدائرة الحرية الشخصية، واعتبرته حقا يكفله الدستور والقانون، فإن الحجاب يندرج ضمن هذا التأطير للمسألة ويخضع لهذه الدائرة.


ثانيهما ، أن القائل يعلم أنّ الحجاب إذا نظر إليه من زاوية الحقّ الشرعي، فسيدرجه ضمن ما يسمى في عرف الفقهاء بحقّ العبد (أو الحقّ الشخصي) تمييزا له عن حقّ الله تعالى. ولما كان حقّ العبد مما يجوز فيه الإسقاط بالتنازل والعفو والإبراء والصلح، فإن هذا يقتضي تجويز إسقاط حقّ الحجاب بالتنازل عنه، وهذا لا يستقيم في عرف الشرع، ولا ينسجم مع مراده من الحجاب.

وعليه، فإن المراد بقول القائل: الحجاب حقّ للمرأة، ينحصر في الأمر الأوّل أي في إلزام الخصم بما ألزم به نفسه.


والرأي عندنا أن انتهاج هذا النهج في الدفاع عن الحجاب سيقودنا إلى الفشل الحتمي، وذلك لأسباب كثيرة نذكر منها ما يلي:



أولا: إنّ منع الحجاب في واقعه مبني على قرار سياسي، ولا علاقة له بالقانون إلا من حيث التبرير والتأويل. والقرار السياسي يتشكّل وفق طبيعة الدولة السياسية أي يتشكّل وفق دهاء الدولة وحنكتها أو وفق عنجهيتها وغطرستها.
ففرنسا المتكبرة ذات العنجهية والغطرسة اتخذت القرار دون مراوغة ومناورة،
وكذلك الشأن بالنسبة لتركيا وتونس،
وأما ألمانيا فإنها لم تجعل من المسألة قضية قومية تبحث على مستوى الدولة الفيدرالية بل شتتها وجعلتها قضية محلية تبحث على مستوى الولايات، لذلك فبعض الولايات تمنعه وبعضها لا يمنعه، كما أنها تتبع سياسة التدرج والمرحلية، فعمدت إلى منعه عن الموظفات والمدرسات حتى إذا ما تهيأ المناخ منعته في المدارس عن التلميذات؛ لأنّ مبرر منع الحجاب عن المعلمة ينطبق على التلميذة فكرا وقانونا.
وأما بلجيكا فقد بلغت قمة الدهاء والمراوغة، إذ لم تجعل من القضية سياسية بل جعلتها إدارية بحتة؛ فتركت قرار منع الحجاب بيد المدارس، وبالطبع فإنّ جلّ المدارس تمنعه معتمدة على حقها في إدارة مدرستها كما تشاء.

وعليه، إذا كانت المسألة التي نحن بصدد البحث فيها مسألة سياسية بحتة، فمن السطحية بمكان أن يتصور أحد من الناس أن رفع شعار الحقّ وتقنين المسألة بمعنى عرضها على القانون والمحاكم قد يفيد في منع المنع.




ثانيا
: يبنى كلّ قرار، بغض النظر عن طبيعته، على دعائم فكرية ومبررات عقلية. وبالنسبة لمنع الحجاب فإنّ المانع له ينطلق من منطلق أنه نقيصة، وعامل من عوامل انحطاط المرأة، ومظهر من مظاهر تخلفها ورجعيتها. وهذه الفكرة هي الفكرة التي يحملها الغربيون بصفة عامة عن الحجاب، ويحملها أذنابهم بتركيا وتونس وغير ذلك من بلاد المسلمين.


وإذا كان الحجاب في نظر هؤلاء مذمة، فكيف نقنعهم بأنه حقّ؟




ثالثا: الحقّ في واقعه هو المصلحة التي يقرها القانون للإنسان بوصفه الفردي أو الجماعي. والمصلحة لا تعتبر حقّا بأي وجه من الوجوه إلا إذا أقرّها القانون، فإذا لم يقرها القانون لا تعتبر حقا وإن كانت مصلحة من وجهة نظر ما. لذلك، فإنّ الأساس في تعيين الحقوق هو القانون. ولما كان القانون قد أقرّ في بعض البلدان منع الحجاب، فمعناه أنه لا يعتبره حقّا. وإذا كان القانون لا يعتبر الحجاب كحقّ، فكيف نرفع شعار أنه حقّ لإقناع من منعه به.

وهذه مسألة خطيرة غفل عنها جمع من الناس، إذ إنّ الحقّ ما أقره القانون، وإذا رفعنا شعار الاحتكام إلى القانون الوضعي، فسينقلب الحال ويقال لنا: إنكم تلتزمون بالقانون وما أقرّه من حقوق، لذلك عليكم أن تلتزموا بأن القانون لا يعتبر الحجاب حقا. وقد حصل هذا فعلا في فرنسا إذ تحول الأمر بعد منع الحجاب إلى نظر في ولاء المسلمة للدولة.


رابعا: نظرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في قضية الخمار التي رفعتها الآنسة ليلى شاهين ضد الدول التركية، وقد صدر القرار النهائي في هذه القضية لصالح الدولة التركية. ومما جاء في حيثيات الحكم النهائي الصادر في القضية، المرقوم 44774/98 في 10/11/2005م، أنّ لبس الخمار رمز من رموز اضطهاد المرأة وتمييزها عن الرجل، وأنه يناقض قيم اللائكية والتّسامح، ويضرّ بحرية الآخر ويجرح مشاعر الغير.

فهذا الحكم الصادر عن هيئة قضائية عليا في أوروبا تعنى بقضية الحقوق لا يعتبر أن الحجاب حقّ، فكيف لنا أن نقنع هؤلاء بأن الحجاب حقّ وفق منظومتهم الفكرية والحقوقية؟


يتبع .........