الرد على السؤال رقم 14: جاء في سورة آل عمران 59 ... " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " والناقد يقول: إن آدم مثل المسيح في أنه أب الجنس البشري ووكيله ونائبه ... ولكن آدم بمعصيته جرَّ ذريته جميعا للهلاك ... أما المسيح فهو أب ووكيل ونائب جديد للمؤمنين به ... الذين منحتهم كفارتُه وعمله النيابي وطاعته خلاصهم ... ولهذا قال الإنجيل: " آدَمَ ... الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي " رومية 5/ 14 ...
وقال الناقد: أما تشبيه المسيح بآدم بما يفيد أن المسيح مخلوق كآدم بأمر الله فهذا خطأ ... لأن المسيح ليس بكائن من كلمة الله ... بل هو ذاته كلمة الله الأزلي الذي تجسد من مريم العذراء ... وظهر بين الناس ليخلّصهم ...
ثم أضاف الناقد أن القرآن يقول في المسيح كلاماً متناقضاً ... فتقول
سورة المائدة 17 " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " ... وورد في سورة الزخرف 59 " إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ " ... لكن في الوقت نفسه توجد آيات أخرى تشير إلى لاهوت المسيح كشخص غريب وعجيب بين البشر ... وتعطيه أعظم الألقاب التي لم تُعط في القرآن لغيره ... هذا وقد ذكر الناقد الألقاب والخصائص الآتية للسيد المسيح ... مستدلاً بآيات في القرآن الكريم ... كما سنذكر بالتفصيل عند تناولنا الرد على كل منها:
(1) كلمة الله ... (2) روح الله ... (3) ولادته بالروح القدس من عذراء ... (4) قدوس بلا شر ... (5) قدرته على إتيان المعجزات ... (6) رَفْعه إلى السماء ... (7) وجيهاً في الدنيا والآخِرة ... (8) المخلّص ...


الرد على السؤال رقم 14

بداية يجب أن نعرض على القارئ الكريم عقيدة النصارى عن موضوع الكفارة والفداء والخلاص بالسيد المسيح ... ثم نبين بعد ذلك موقف الاسلام من تلك العقيدة ... ثم نترك للقارئ الكريم حرية التقييم والاختيار بعد ذلك ...
أولاً: عقيدة النصارى عن موضوع الكفارة والفداء والخلاص بالسيد المسيح:
إن جوهر العقيدة النصرانية باختصار يرتكز على أن آدم قد ارتكب خطيئة عندما عصى الله واكل من شجرة معرفة الخير من الشر في الجنة والتي نهاه الله عن الأكل منها ... وقد سميت هذه الخطيئة بالخطيئة الأصلية ... " وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: " مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً ... وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا ... لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا ... مَوْتًا تَمُوتُ " التكوين 2/16-17 ... والموت هنا موت جسدي بالإضافة الى الموت الروحاني حيث انفصلت حياته عن الله مصدر الحياة كانفصال الظلمة عن النور (موقع الأنبا تكلا) ... ولا خلاص من هذا الموت الا بالأيمان بالسيد المسيح كمخلص وكما سيرد لاحقاً.

ترتب على ارتكاب آدم لتلك الخطيئة أيضاً أن فسدت طبيعته الصافية المخلوق بها ... ومن ثم ورّث آدم هذه الطبيعة الفاسدة المستجدة ... وأيضاً ورث تلك الخطيئة الأصلية لذريته حتى قيام الساعة ... لأنهم أتوا من ذات الطبيعة التي سقطت تحت ناموس الخطيئة ... " مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ (أي آدم) دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ ... وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ ... وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ ... إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (أي جميع الناس) " رومية 5/12

وحيث أن هذه الخطيئة كانت في حق الله ... فترتب على ذلك أن هذه الخطيئة التي تم توريثها من آدم لذريته ... أصبحت خطيئة غير محدودة ... وبالتالي فإنه يلزمها كفارة وذبيحة غير محدودة ... حتى يغفر الله تلك الخطيئة الأصلية الغير محدودة التي وقعت في حقه سبحانه وتعالى ... وحيث لا يوجد غير محدود الا الله ... لذلك لزم أن يتجسد الله بذاته ويأخذ شكل بشر مثلنا داخل رحم مريم ... (وهو السيد المسيح ابن الله) ... ثم يخرج من رحمها ... ويمكّن اليهود منه ليعذبوه ... ثم يصلبوه فيموت على الصليب كذبيحة وكفارة غير محدودة للبشرية حتى يوم القيامة ... ولماذا ؟؟؟ لأنه: " وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" عبرانيين 9/22 ... ويشير الكتاب المقدس الى المسيح بقوله: " لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا " كورونتوس الأولى 5/7

وهذا السيناريو يعبر عن عدل الله مع المخطئين وضرورة معاقبتهم ... ويعبر أيضاً على رحمته بالبشر وتضحيته بابنه الوحيد (السيد المسيح) وصلبه ككفارة عن خطيئة آدم المورّثة للبشر ... بدلاً من معاقبتهم على خطيئة آدم التي ورثوها ... لذلك كان موت المسيح رب المجد وسفك دمه على الصليب بدلاً عن الخطاه ... " لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ " كورونتوس الأولى 2/8 ... وبعملية صلب المسيح وموته تمت المصالحة بين الله القدوس والإنسان الخاطئ ... كما ورد ذلك في رسالة كولوسى " وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ " كولوسى 1/20


وعليه فإن كل من يؤمن بهذا السيناريو من نسل آدم !!! وأن السيد المسيح (وبداخله الله) صُلب ومات كذبيحة وكمخلص للبشرية من خطيئة آدم ... سَيُعطى عطية مجانية من الله ويغفر له مباشرة ما ورثة من خطيئة آدم التي يرثها كل فرد منا عند ولادته ... وأيضاً يغفر له ما ارتكبه من خطايا بسبب الطبيعة الفاسدة التي ورثها من آدم ... وإلا سيظل محملاً بما ورثة من خطيئة آدم المذكورة ... وأيضاً بالطبيعة الفاسدة وحتى موته آثما بهذه الخطيئة وتلك الطبيعة ... بل وسيعاقب على ذلك يوم القيامة ويهلك !!! ولذلك تُعمّد الأطفال لأنهم ورثوا الخطية الأصلية والتي عاقبتها الموت ... وذلك لإزالة آثار تلك الخطيئة الأصلية التي ورثوها ... " لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ (أي يهلك البشر نتيجة خطيئة آدم والطبيعة الفاسدة المورثة لهم) ... هكَذَا فِي الْمَسِيحِ(من يؤمن بهذا العمل الفدائي والتضحية للمسيح) سَيُحْيَا الْجَمِيعُ (أي تعود للمؤمنين بخلاص المسيح والمعمدين الذين يموتون وهم في حالة توبة ... تعود لهم الرابطة بالله وحياة الشركة معهُ) " كورنتوس الأولى 15/22

https://st-takla.org/FAQ-Questions-V...ginal-Sin.html

وبهذا فانه يمكن ايجاز عقيدة النصارى عن موضوع الكفارة والفداء: بأن الله قد أرسل الله ليُصلب ويُقتل ... ليغفر الله !!!


والله في عقيدة النصارى مكون من:الآب + الابن (السيد المسيح) + الروح القدس ... ولكنهم الثلاثة في النهاية واحد !!!


وبهذا فانه يمكن ايجاز عقيدة النصارى عن موضوع الكفارة والفداء وخلاص البشرية بالسيد المسيح: بأن الله قد أرسل الله ليُصلب ويُقتل ... ليغفر الله !!!

ثانياً: عقيدة المسلمين عن موضوع الكفارة والفداء والخلاص بالسيد المسيح:

عصى آدم وزوجه وصيه الله في الجنة ... وأكلا من الشجرة المنهي عنها (بعد وسوسه الشيطان لهما) وطلبا من الله المغفرة ... فتلقى آدم من ربه كلمات يدعو الله بها لمغفرة هذه المعصية ... {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة 37 ... ودعا آدم وزوجه الله بهذه الكلمات ... {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الأعراف 23.

واستجاب الله الغفور التواب الرحيم لتوبتهما بعد هذا الدعاء وغفر لهما ... {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ... إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر 53 ... وبالتالي فلا يوجد خطيئة ورّثت لذريتهما أو ما شابه ذلك إطلاقاً ... ولا معنى إذن لسيناريو الصلب والقتل للفداء والكفارة ...{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} النساء 157 ... حيث أبطل الله مكر اليهود بالسيد المسيح (رسوله الكريم) ولم يمكنهم من قتله ... {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء 158 ... وهكذا انتهى الأمر ببساطة ...

لا يؤمن المسلمون بمبدأ توريث خطيئة أحد لأحد ...{... وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ...}الزمر 7 ... ولا يؤمنون أيضاً بفداء أحد عن أحد ... {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} النجم 39-42 ... فكل مخطئ يجب أن يدفع ثمن خطيئته بمعرفته ... أو يتوب عنها فيغفر له الله بحكمته ورحمته إن شاء تلك الخطيئة ... وكذلك يُكافئ كل من لا يخطئ ولا يُحمّل بأخطاء الآخرين وتكون " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " المدثر 38 ...

هذا ويؤمن المسلمون بأن السبيل الوحيد الذي يوصلهم للجنة هو الإيمان بالله والعمل الصالح طبقاً للمنهج الذي حدده الله لهم ... وليس بالإيمان بصلب أو ذبح شخص آخر للفداء أو ما شابه ذلك ... {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} الكهف 107-108

ويؤمن المسلمون أيضاً بأن السيد المسيح هو عبد لله ورسوله ... وبالتالي ليس هو الله أو ابنه أو كلمته أو خلافة ... ولا علاقة له بخطيئة آدم أو توريثها لكافة البشر حتى قيام الساعة ... أو أنه كفارة عن البشر ... أو ما شابه ذلك على الإطلاق ... وأن الله سبحانه وتعالى أحد في ذاته (أي غير متجزئ وغير مركب من اجزاء يحتاج كل جزء منها للآخر) ... " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "الإخلاص 1 ... والله واحد أي لا يوجد إله غيره ... فلا شريك له في الإلهية ... ولا يُعبد إلا سواه ... " وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ " النحل 51 ... والله سبحانه وتعالى ... " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " الشورى 11 ... وهو سبحانه وتعالى وحده " خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ " الرعد 16 ... والله عز وجل ... " لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ... وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ " الإخلاص 3-4
ولذلك تقول سورة المائدة 17 ..." لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " ... وورد عن السيد المسيح في سورة الزخرف 59 " إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ "

أما ما ادعاه الناقد بأن القرآن يقول في المسيح كلاماً متناقضاً:
... حيث تقرر آياته أنه " إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ " الزخرف 59 ... وبالتالي فهي تكفر من يدعى أن المسيح هو الله رب العالمين " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " المائدة 17 ... بينما في الوقت نفسه توجد آيات أخرى تشير إلى لاهوت المسيح (أي أنه الله) كشخص غريب وعجيب بين البشر ... وتعطيه أعظم الألقاب والخصائص التي لم تُعط في القرآن لغيره ... فنقول لسيادته أن القرآن الكريم كانَ واضحاً صريحاً في تقريرِه خَلْقَ عيسى كخلقِ آدمَ - عليه السلام -، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بينَهما أَنَ كُلّاً منهما خُلِقَ بكلمةِ اللهِ الأَزلية، التي خَلَقَ بها باقي المخلوقين، وهي كلمةُ " كُنْ " التكوينية: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " آل عمران 59

ومن أَرادَ أَنْ يَعرفَ حديثَ القرآن عن عيسى عليه السلام ... وأَنْ يَتَعَرَّفَ على شخصيتِه من خلالِ القرآن، فعليهِ أَنْ يَجمعَ كل الآياتِ التي تحدثَتْ عنه من مختلفِ السُّور، وأَنْ يَنظرَ فيها مجتمعة، وأَنْ يَجمعَ بينها، ويستخرجَ دلالتَها ... وسيجد أَنه لا تَعارُضَ ولا تَناقُضَ في آياتِ القرآن ... فبينما خلق الله آدم بدون أب ولا أم ... خلق الله عيسى عليه السلام بدونِ أَب ... وخَلَقَ روحَه بكلمتِه التكوينية: " كُنْ " ... وأَمَرَ جبريلَ أَنْ يَحملَ روحَ المسيح المخلوقَة، وأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلى مريمَ العذراء، وأَنْ يَنفخَ تلك الروحَ فيها، فحملَتْ مريمُ بعيسى بأَمْر الله، وكانَ حملَ معجزةٍ بأَمْرِ الله ... وبعدَ ولادةِ عيسى بلحظاتٍ كَلَّمَ أُمَّه، وبعدَ ذلك كَلَّمَ قومَها، فهو عبدُ اللهِ ورسولُه ... والمسيح هو خَيْرُ مَنْ يُقَدِّمُ نفسَه، عندما كَلَّمَ قومَ أُمَّه بعدَ ميلادِه ... قال تعالى: " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ... وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ... وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ... وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " مريم 30 – 33
هذا وقد وَقَفَ الناقد أَمامَ كلماتٍ وَرَدَتْ في حديثِ القرآنِ عن عيسى عليه السلام ... واستشهدَ بها على حسب عقيدةِ أَهْلِ مِلَّتِه في المسيح، وحَرَّفَ مَعْناها ودلالتَها ... محاولاً بذلك تأييد ما ورد في عقيدته عن المسيح ... وهذه الكلماتُ هي:

1. المسيح كلمة الله:

قال الناقد: هذا الاسم الكريم لا يصح أن يُسمّى به مخلوق، فهو خاص بالمسيح، انفرد به عن سائر الملائكة والبشر، وقد ورد في القرآن مرتين: في سورة آل عمران 45 ... " إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " ... وفي سورة النساء 171 ... " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ... وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ... وَرُوحٌ مِنْهُ "... وهذا لقبٌ إنجيلي، لأن الإنجيل يقول:" فِي البَدْءِ كَانَ الكَلِمَةُ، وَالكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّه، وَكَانَ الكَلِمَةُ اللّه. " يوحنا 1: 1 -2 ... ولقد سُمّي المسيح كلمة الله لأن كلمة الإنسان هي منه ومن مقومات شخصيته، فهي صورة عقله وفكره والمترجِمة له والمنفّذة لسلطانه وقوته ... فالمسيح هو ذات كلمة الله، وهذا يثبت لاهوته (أي أنه الله) لأن كلمة الله من الله وفي الله منذ الأزل ... وهل يمكن أن يكون قد مرَّ وقتٌ على الله كان فيه بلا كلمة ؟؟؟
ونقول للسيد الناقد:
لقد تعلق الناقد بآيات من القرآن لمحاولة تعزيز موقف عقيدته ... وحتى يوهم القارئ السطحي أَنَّ القرآنَ الكريم اتفق مع الانجيل في أن المسيح كلمة الله ... وبالتالي فالمسيح هو الله ... ولكن حقيقة الأمر غير ذلك تماماً !!! ولو كان موقف عقيدة الناقد بمفرده قوياً في أن المسيح هو الله ... لما احتاج للتعلق بنص قرآني ... لأننا إذا قرأنا الآية 171 من سورة النساء التي استدل بها الناقد كاملة سنجدها تقول: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ... إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ... وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ... وَرُوحٌ مِنْهُ ... فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ... انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ... إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ... لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ... وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا "

ولكي نفهم معنى هذه الآية سنذهب الى التفسير الميسر لنجد:
يا أهل الإنجيل لا تتجاوزوا الاعتقاد الحق في دينكم ... ولا تقولوا على الله إلا الحق ... فلا تجعلوا له صاحبةً ولا ولدًا ... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله أرسله الله بالحق ... وخَلَقَه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم ... وهي قوله: " كن " ... فكان ... وهي نفخة من الله تعالى نفخها جبريل بأمر ربه ... فَصدِّقوا بأن الله واحد وأسلموا له ... وصدِّقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله واعملوا به ... ولا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين ... انتهوا عن هذه المقالة خيرًا لكم مما أنتم عليه ... إنما الله إله واحد سبحانه ... ما في السماوات والأرض مُلْكُه ... فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد ؟؟؟ وكفى بالله وكيلا على تدبير خلقه وتصريف معاشهم ... فتوكَّلوا عليه وحده فهو كافيكم ... انتهى التفسير الميسر


فهذه الآية إذن ... وكما هو واضح منها ومن تفسيرها ... لا تتكلمُ عن مكونات الله الثلاثة وهم (الآب + الكلمة أي المسيح أو الابن + الروح القدس) كما يؤمن بذلك النصارى ... وإِنما بالعكس هي تُبطلُ ذلك ... وكيف ؟؟؟ لأنها تَذْكُرُ حقيقةَ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام ... وتصفه بثلاث صفات:


الأُولى: أَنَّهُ رسولُ الله: " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ "أي جعلَه اللهُ نبيّاً رَسولاً مثل اخوانه من الرسل ... حيث أَرسلَه الله إِلى بني إِسرائيل.

الثانية: أَنَّهُ كلمةُ الله: " وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ " ... ومعنى كونِ عيسى عليه السلام كلمةَ اللهِ: أَنَّ اللهَ خَلَقَه بكلمةِ " كُنْ " الكونيةِ التكوينيّة ... التي يَخْلُقُ بها سبحانَه جميعَ المخلوقين ... وهي نفس الكلمةُ التي خَلَقَ الله بها أَبا البشر آدم عليه السلام ... والتي أَشارَ لها في قولِه تعالى: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "آل عمران 59 ... أَيْ: أَنَّ اللهَ خَلَقَ عيسى بكلمتِه " كُنْ " ... فكانَ كما أَرادَ الله ... كما خَلَقَ آدمَ بكلمتِه " كُنْ "، فكانَ كما أَرادَ الله ... أي أَلْقى اللهُ العظيمُ كلمتَهُ " كُنْ " إِلى مريم ... فكانت المخلوقَ عيسى الرسولَ عليه السلام ... حيثُ تَخَلَّقَ عيسى في رحمِها، ولما نفخَ اللهُ فيه الروح، وضعَتْه مولوداً بشراً ... وكلُّ المخلوقاتِ يخلُقُها اللهُ العظيمُ بكلمتِه " كن " ... التي خَلَقَ بها عيسى عليه السلام ... وجاءَ هذا صَريحاً في قوله تعالى: " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " يس 82

الثالثة: أَنَّهُ روحٌ من عند الله: " وَرُوحٌ مِنْهُ " ...أَيْ: أَنَّ اللهَ خَلَقَ روحَ عيسى عليه السلام ... كما خَلَقَ روحَ أَيِّ إِنسان ... سواءٌ كانَ نبيّاً أَو إِنساناً عاديّاً ... حيث صدر امرَ الله الى جبريلَ (الروحَ القُدُسَ) أَنْ يحملَ روحَ عيسى المخلوقة ... وأَنْ ينفُخَها في مريمَ العذراءِ البتولِ عليها السلام ... فلما فعل جبريل ذلك ... حملَتْ مريم بعيسى بأَمْرِ الله ... وكلمة " مِنْ " في قوله: (وَرُوحٌ منْهُ) بيانيَّة ... وليستْ تبعيضيَّة (أي لا تعنى أن عيسى بعضاً أو جزءاً من الله) ... أي أنها تُبَيِّنُ أَنَّ روحَ عيسى التي نُفخَتْ في مريمَ إِنما هي من عندِ الله ... ولتأكيد ذلك المعنى ... اقرأ قوله تعالى ... " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض جَمِيعاً مِنْهُ " الجاثية 13 ... أي أن كل ما هو مسخر{جميعاً منه} أيْ : كلُّ ذلك تفضُّلٌ منه وإحسانٌ ... التفسير الوجيز ... فإذا ادعى الناقد أن قوله تعالى " وَرُوحٌ مِنْهُ " توجب أنَّ عيسى بعض من الله ... وجب أن تكون «الأرض» أيضاً قطعة من الله ... وكذلك الشمس !!!




والله تعالى أعلم وأعظم
يتبع بإذن الله تعالى وبفضله