المطلب الثامن

هل حظي سيدنا يوسف بمحاكمة عادلة؟

يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بالنفي، فرغم كثرة ووضوح الأدلة المؤيدة لبراءة سيدنا يوسف، فقد كان الحكم عليه مخالفا لكل قواعد القانون والعدالة، وقد عبر القرآن عن ذلك بقوله تعالي في الآية 35 من سورة يوسف ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ.... فجميع الأدلة المادية والقانونية تؤيد براءته مما ادعته امرأة العزيز، ومع ذلك جاء الحكم عليه بالسجن ولمدة غير محددة إمعانا في الظلم والابتلاء. وقد انطوي النص القرآني على ادانة للحكم الصادر بحق سيدنا يوسف وتفهم هذه الإدانة من عبارة ﴿ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ فأية آيات تلك التي رآها عزيز مصر ومعه كافة الوزراء حتى يحكموا بالسجن على سيدنا يوسف؟ إنها -بلا شك- آيات تؤكد براءته وإدانة المدعية التي كانت بالعقوبة وفقا لما تقتضيه العدالة.
فادعاء امرأة العزيز ظل مجردا بلا دليل يؤيده، وإنكار سيدنا يوسف تأيد بأدلة مادية وقانونية وعقدية، ومع ذلك صدر الحكم على البريء بالسجن ولمدة مطلقة، وطلب من المدعية بلا دليل والجانبية وفقا للتصور القانوني أن تستغفر لذنبها ،وفي المحاكمات الجزائية يمكن للمحكمة أن تستند في حكمها بالإدانة إلى شهادة المشتكي وحدها شريطة أن تكون هذه الشهادة مأخوذة تحت تأثير القسم القانوني وأن تطمئن المحكمة إليها وأن لا يقدم دليل يدحض ما جاء فيها، وهو الأمر الذي لم يتحقق في حالة امرأة العزيز فهي قدمت ادعاء مجردا وبلا قسم في مواجهة أدلة قاطعة في دلالاتها على عدم صحة الادعاء.
وزوجة رجل متنفذ، الأمر الذي ربما لعب دورا في فرض عقوبة الحبس على سيدنا يوسف. مما يدعو إلى ضمان وتعزيز استقلال القاضي في معرض قيامه بواجبه.
وعليه يمكن القول بأن سيدنا يوسف ربما يكون قد حظي بمحاكمة عادلة " منقوصة " وأعني بذلك أنه أعطي الحق في الدفاع عن نفسه، ولم يعذب، بل واستطاع نفي التهمة عن نفسه بأدلة حاسمة، لكن تلك المحاكمة لم تكن عادلة بنتيجتها التي كان يفترض أن تكون -واستنادا إلى أدلة قاطعة الدلالة- إعلان براءة المشتكي عليه، وإدانة المشتكية، الأمر الذي لم يحدث إلا في وقت لاحق.
وربما كان السبب في ذلك أن خصومة سيدنا يوسف كانت مع امرأة متنفذة.
أصول المحاكمات في القضايا الجزائية
1- القانون لا يفرض وجود ممثل النيابة العامة في المحاكمات التي تجري أمام محكمة الصلح، وأجاز للمشتكي أو وكيله القيام بدور ممثل النيابة العامة في المحاكمة من حيث تسمية البينة وتقديمها بما في ذلك استجواب الشهود ومناقشة الدفاع وطلب اجراء الخبرة، وفي الدعاوى الجنحة الغير معاقب عليها بالحبس أن ينب عنه وكيلا ما لم، بينما القانون يفرض حضور ممثل النيابة العامة أمام محكمة البداية.
2-تجري المحاكمة وجاهيا بالنسبة للخصم الحاضر، وغيابيه بالنسبة للخصم الذي لم يحضر، وبمثابة الوجاهية بالنسبة للخصم الذي حضر المحاكمة ثم غاب عن المحاكمة بعد حضوره إحدى جلساتها.
3-عند البدء بالمحاكمة يتلى قرار الظن ويتم توضيح وقائع الدعوى من قبل ممثل النيابة العامة أو من يقوم مقامه كالمشتكي أو وكيله والمدعي الشخصي.
4-يسأل المشتكى عليه التهمة المسندة إليه، فإذا أعترف بها يأمر القاضي بتسجيل اعترافه بكلمات أقرب ما تكون إلى الألفاظ التي استعملها في اعترافه، ومن ثم يدينه ويحكم عليه بالعقوبة المناسبة للجريمة.
5- يشرع قاضي الصلح في استماع البينات في حالة إنكار المشتكى عليه التهمة أو رفضه الإجابة عليها أو إذا لم يقنع القاضي في اعترافه.
6-بعد سماع بينة النيابة يجوز للمحكمة أن تقرر عدم وجود قضية ضد المشتكى عليه وان تصدر قرارها الفاصل فيها وإلا سألت المشتكى عليه عما إذا يرغب في إعطاء إفادة دفاعاً عن نفسه فإذا أعطى مثل هذه الإفادة جاز لممثل النيابة العامة مناقشته. وبعد أن يعطي المشتكى عليه إفادة تسأله المحكمة إذا كان لديه شهود أو بينة أخرى يعزز فيها دفاعه فإذا ذكر أن لديه شهوداً دعتهم المحكمة وسمعت شهاداتهم وللمشتكى عليه أو وكيله حق توجيه أسئلة إلى شهود الدفاع، كما أن لممثل النيابة والمدعي الشخصي حق مناقشة هؤلاء الشهود.
7-بعد استماع البينات يبدي المدعي الشخصي مطالبه وممثل النيابة العامة مطالعته والظنين والمسؤول بالمال دفاعهما وبعد ذلك تحكم المحكمة في الحال أو في جلسة تالية، وهذا ثبت أن المشتكى عليه ارتكب الجرم المسند إليه تحكم عليه المحكمة بالعقوبة وتقضي في الحكم نفسه بالالتزامات المدنية.
8-تبين أن الفعل لا يؤلف جرماً أو أن المشتكى عليه برئ منه قررت المحكمة عدم مسؤوليته أو أعلنت براءته وتقضي على المدعي الشخصي في الوقت ذاته بطلب المشتكى عليه التعويض إذا ظهر لها أن الدعوى أقيمت عليه بصورة كيدية.
قانون أصول المحاكمات الجزائية في مصر.https://manshurat.org/node/14676