المطلب الثاني

القضاء على التبني

التبني
واضح أن التبني كان نظاما معمولا به حينذاك، يدلنا على ذلك أن الذي اشتراه من مصر وهو عزيز مصر أو رئيس الوزراء حينذاك طلب من زوجته التي لا تنجب أن تكرم هذا الطفل لأنه قرر تبنيه فنقله من مرتبة العبد إلى مرتبة الابن بالتبني، لما في ذلك من تفاوت في المعاملة والمصير، فالعبد له أعمال معينة وللسيد عليه كل الحقوق، لأنه مشترى وليس له شخصية قانونية ولا ذمة مالية أو أهلية وهي من آثار وخصائص الشخصية القانونية، وذلك على خلاف الابن بالتبني.
ويبدو من القصة أن زوجته (امرأته) كانت أصغر منه كثيرا وأنه عند وصول يوسف إلى بدايات الشباب كانت في عشريناتها المتأخرة فضلا عن جماله، وهو ما جعلها تهيم به حبا ﴿قد شغفها حبا. ذلك أن التبني لم يمنع هذه المشاعر ولذلك يبدو أن تلك الزاوية الإنسانية هي إحدى مبررات حظر التبني في الإسلام، ومن الواضح أيضا من ألفاظ القرآن على لسان العزيز أنه قصد منذ البداية ألا يسترق يوسف رغم أنه اشتراه، بدليل توصيته لزوجته بأن تكرم مثواه ﴿عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وهي الاشارة نفسها في قصة موسي.
مراحل القضاء على ظاهرة التبني
المرحلة الأولى: تم التمهيد لها من خلال سورة يوسف عليه السلام.. فقد قال تعالى في الآية 21 :
﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يوسف:21.
بداية يوسف عليه السلام كان لقيطا..
فما هو وضع اللقيط في عصر يوسف.
الملاحظ أن يوسف وموسى كانا لقيطين، وهذا الوصف له طابع مادي ووجه قانوني ولا يقدح في عظمة يوسف وموسى كأنبياء الله أن نطلق هذا الوصف الذي استخدمه القرآن في حالتيهما.
ذلك أن يوسف كان في البئر، فالتقطه بعض السيارة، وأما موسى فقد وضعته أمه في صندوق في النهر فالتقطه آل فرعون، وكلاهما التقط لكي يستقر كلاهما في بيت الحكم.
واللقيط هو الشخص أو الشيء الذي يعثر عليه في مكان عام ولا يعرف له صاحب أو أهل، ولو لم يكن يوسف لقيطا لما تم بيعه ولا أعيد إلى أبيه سيدنا يعقوب، ولو لم يكن موسى لقيطا لما أخذه آل فرعون
﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص:8. ولو عرف فرعون أهل موسى لذبحه فرعون تنفيذا للنبوءة، وهو من أطفال بني إسرائيل.
ومن خلال تحرش امرأة العزيز بيوسف وادعائها عليه، وهو عمل أفصحت هي عنه بعد ذلك وأصرت عليه، رغم أنه صار فضيحة في المدينة بلغة القرآن ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ يوسف:30.
يحاول القرآن الكريم لفت النظر لهذا التصرف الوارد عن امرأة العزيز فهي تعلم أنه ليس ابنها وإنما هو متبنى، ولذلك فهو ليس من المحارم بل يجوز له أن يتزوجها وهي تعلم أن وجوده في بيتها بهذه الصفة وثقتها بأنه لن يذيع سرا شجعها على التحرش به والإصرار على ذلك، كما أنها لم تتردد في توجيه التهمة إليه وهي تهمة تمس الحكم ومنزلة العزيز ومكانته، فانتشر الخبر بين الطبقة الارستقراطية التي تختلط بزوجة العزيز وأخذ النسوة يكيدون لها مما أوغر صدرها (لجهلهم بالمشكلة) فلا هي نالت منيتها ولا هي سلمت من ألسنة النسوة فابتكرت وسيلة جديدة لكي تبرر فعلتها وليس لكي تبرئ نفسها من الهيام بيوسف، حتى شهدت النسوة في سكرة النظر إليه أنه ملك كريم وليس إنسانا عاديا مما كان له أبلغ الأثر في اشتعال نار الوجد عند امرأة العزيز.
وهكذا حاول الشرع إلقاء الضوء على مفاسد التبني وذلك من خلال سورة يوسف عليه السلام وذلك على اعتبار الطفل المتبنى بعد بلوغه محرمًا لمن تبنته ولسائر المحارم الافتراضيين، مع أنه ليس لديه الوازع الفطري الذي يجعلهن لسنَ محلاً للشهوة، وإذا كانت الحضارة الغربية قد رمتنا ببلائها من نكاح المحارم الذي يزعم "العهد القديم" وقوعه أكثر من مرة في أسر الأنبياء، بل مِنْ الأنبياء أنفسهم كما نسبوا ذلك إلى لوط -عليه السلام-، فإذا كان هذا يقع مع وجود الوازع الفطري؛ فكيف عند غيابه؟!..
فقد يحصل في كثير من الأحيان أن يحدث التبني؛ لأن الأسرة لا تنجب، ثم يرزقون بالولد؛ فيحدث تغيرًا كبيرًا في الشعور مثلما حدث مع امرأة العزيز وما استتبعت الحادثة من أحكام تترتب عليها التخلص من المتبنى بالقتل، ونحوه.
المرحلة الثانية: سورة الأحزاب وفيها تم تشريع القضاء على التبني نهائيا وكذلك القضاء على الرق.
وذلك على النحو الوارد تفصيلاً.