الباب الأول
المباحث القانونية
في
سورة يوسف


تمهيد

هذه الدراسة هي الباب الثالث من كتابي (يوسف عليه السلام بين النبوة والرسالة- دراسة تحليلية لسورة يوسف) ارتأيت أن استلها هنا منفصلة حتى يسهل النشر في المنتديات..
مقدمة

لا يخلو مجتمع، صغر حجم أفراده أو كبر، قلّ باعه في المدنية أو كثر، من شريعة وقانون ينظم مسيرة أبنائه، يسلك بهم سبل التعاون على الخير، ويبين حدود كل واحد منهم، وما له من حقوق وما عليه من واجبات، ضمن منظومة مجتمعية حاكمة لها سلطة القانون، وحتى في المجتمعات الصغيرة المتناثرة التي انقطع عنها حبل المدنية والحضارة، أو لم يصل نور الشرائع إلى روحها ، فإنها تعيش في إطار شبكة من الشرائع التي تبنتها على مدار الزمن ودونتها عقليات هذا المجتمع وان تدانت في المدنية من وجهة نظر الآخرين.
وتصاغ الشريعة في صورة قوانين.. والقانون، في السياسة وعلم التشريع، هو مجموعة قواعد التصرف التي تجيز وتحدد حدود العلاقات والحقوق بين الناس والمنظمات، والعلاقة التبادلية بين الفرد والدولة؛ بالإضافة إلى العقوبات لأولئك الذين لا يلتزمون بالقواعدَ المؤسسة للقانون..
أي أن القانون لكي يمكن تطبيقه واحترامه يجب أن يتكون من قواعد واضحة ليس فيها لبس.. ولهذا السبب استقر الرأي في كل الدول الحديثة أنه لا يتم سن أي قوانين إلا من خلال مجلس واحد وهو المجلس التشريعي المنتخب ولا يتم تعديله إلا من خلال هذا المجلس.. ليكون القانون واضحا يسهل على القضاة الحكم به.. ويسهل علي الدولة تطبيقه.. ويسهل على الأفراد حكاما ومحكومين احترامه.. واتفق ببساطة أن التشريع يعني سن القوانين..
وتقابل الشريعة أو القانون، اللاقانون والفوضى، حتى إذا ما أريد وصف الحالة الفوضوية المؤدية إلى خراب البلد، قيل في مثل هذا البلد والمجتمع أن شريعة الغاب تحكمه وتتحكم في أفراده، في إشارة إلى الحياة السبعية في الغابات والأدغال، على إن الحياة السبعية هي الأخرى تحكمها قوانين خاصة بها، وإلا لما أُطلق عليها شريعة الغاب، بل إن بني البشر في بعض الأحيان تسوقه الفوضى والخراب إلى الدرجة التي يتفوق فيها في اللاقانون على سكان الغابة من الوحوش الكاسرة، فلا يصدق معه مفهوم شريعة الغابة، ولا الشريعة المدنية، فيكون هو أقرب إلى شريعة القتل وهتك الحرمات منه إلى شريعة الغاب.