س1/ يقول: إذا كان لفظ الحَنَفِي من ألفاظ الأضداد التي تطلق على الميل والاستقامة، فلماذا لا يقال من الأصل إن إبراهيم عليه السلام كان مستقيما على التوحيد ولا يقال مائلا عن الشرك؟
ج/ لفظ (الحنف) في اللغة هو الميل، والحنيف يعني المائل، والرجل به حنف إذا كان به ميل في ساقيه أو في إحدى ساقيه، والأمور التي قال فيها العرب ونطقت العرب فيها بالأضداد؛ يعني أن تطلق الكلمة وتستعمل في الشيء وفي ضده، هذا شائع في لغة العرب، وهو في اللغة يعني في اللّسان على نوعين:
( منها ما يطلق على الشيء وعلى ضده وينظر فيه إلى التلازم؛ بمعنى أن الشيء وضده متلازمان إذا وجد أحدهما وجد الآخر، ومن هذا الحنف، فيقال ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا?[النحل:120]، فمن مال عن الشرك فإنه لا يميل عنه إلا إلى التوحيد؛ لأنه ليس ثم إلا توحيد وشرك، ?فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ?[الذاريات:50]، إذا فررت من الكائنات فإنك تفر منها إلى مكون الكائنات؛ لأنه ليس ثم إلا هذا وهذا.
( النوع الثاني أن يطلق بلا إرادة التلازم؛ بل من باب التفاؤل تارة أو من باب آخر أو من أبواب أخر تارات أخر، مثل من يسمى اللديغ سليم، اللديغ قد تقول له سليم من باب التفاؤل، فكلمة سليم تطلق على السالم وتطلق على المريض، أطلقت على المريض من باب التفاؤل.
وهذه لها تأثير في فقه اللسان العربي فالعرب تارة تطلق من باب التلازم أو تطلق من باب التفاؤل وتارة لا من هذا ولا من هذا، في فقه لهم في هذه الألفاظ.
إذا كان كذلك فلفظ الحنيف الذي جرى عليه السؤال لا يتصور أن يكون المرء حنيفا أو حنفيا أو حنيفيا إلا أن يكون موحّدا؛ لأنه إذا مال عن الشرك فإنه يميل عنه إلى الحق وهو التوحيد، حنيف عن أهل الشرك مائلا عن أهل الشرك فإنه لابد أن يميل عنهم إلى أهل التوحيد، ولو كان من مال إليه إبراهيم وحده فإنه مع أمة وليس مع واحد، وهكذا.
فإذن الأصل في هذه أنها من باب التلازم، الحنف من باب التلازم.
ومنها كلمة -أيضا يُطلقها أهل نجد وربما بعضهم سمعها، وليسوا أهل نجد جميعا وإنما أهل الدعوة عام في أول الأمر- يقولون نحن أهل العُودَة، ما معنى العودة؟ العودة هذا من أسماء كلمة التوحيد أهل العودة؛ يعني أهل التوحيد أهل ملة إبراهيم أهل الحنيفية؛ لأنها عودة عن طريق الشرك إلى طريق أهل التوحيد، هذا هو التفسير الصحيح الذي فيها، مثل ما جاء في حديث وصف النبي ( في التوراة.
س2/ السؤال الثاني يقول: كم يساوي ربع الدينار في نصاب السرقة الذي كان على عهد رسول الله ( ثلاثة دراهم في هذه الأيام؟
ج/ نحسبها من جهة أخرى: نصاب الزكاة الذي جاء في الذهب أنّ النصاب عشرون دينارا، عشرون دينارا تبلغ من الجنيهات من الذهب السعودية التي ضربت في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله تبلغ أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه، عشرون دينارا تبلغ أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه.
إذن الدينار أقل من الجنيه، كم يبلغ؟ أحسبها أربعة أسباع الجنيه، أليس كذلك لأن إحدى عشر وثلاثة أسباع تطلع ثمانين على إحدى عشر(143) تطلع أربعة أسباع الجنيه.
إذن فيكون الدينار أربعة أسباع الجنيه السعودي، بع الديتار اقسمها عليه، المهم لأن الدينار هو كفارة في أشياء متعددة طالب العلم يَحسن به معرفة ذلك.
س3/ هل الشرطة تقوم مقام الحاكم أو القاضي في مسألة تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغته أم لا؟
ج/ الشفاعة في الحدود.
أولا ما كان دون الحد فإنه يستحب إقالة أهل الشارة وأهل المكانة في المجتمع أن يُقالوا ما دون الحدود ابتداء، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود» حتى ولو بلغت السلطان فإنه يقيل من كان من ذوي الهيئات، وذووا الهيئة في المجتمع من إذا أخذوا أو عزروا بما اقترفوا يكون ثم أثر على المجتمع لأنهم قدوة أو لأنهم أهل ولاية أو لأنهم أهل شارة، والشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكلميها ودرء المفاسد وتقليلها، فما كان كون الحد مما فيه تعزير فإنه يستحب إقالة ذوي الهيئات عثراتهم.
وأما الحدود فإنه لا يجامل فيها أحد؛ لكن إذا كان ثم شفاعة في حد من حدود الله جل وعلا فإنه لا بأس به قبل أن يصل إلى السلطان، فإذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع ولعن المشفَّع، إذا بلغت الحدود السلطان يعني الإمام أو من ينيبه في الحكم؛ القاضي الذي ينفذ الأمر ويحكم عليه.
وما قبل ذلك فإن الشفاعة مطلوبة، لم؟ لأن الشفاعة مأذون بها؛ لأن الشفاعة ترجع إلى أصل الستر على المسلم، وقبل أن يصل إلى السلطان أو إلى القاضي فهو في مظنة الخفاء، حد في مظنة الخفاء، فإذا كان في مظنة الخفاء ولم يتطلع عليه الناس فالستر فيه أولى، هذا الدليل عليه أن النبي ( لما سرقت المخزومية وأوتي بها شفع من شفع في ذلك فقال «هلا كان قبل أن تأتوني بها والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» استدل أهل العلم بذلك على أن الشفاعة لا بأس بها إذا كان فيها مصلحة، إذا كانت قبل أن تصل المسألة أو الجُرم إلى السلطان أو إلى القاضي الذي يحكم بالأمر.
أما الشُّرَط فلا يدخلون في ذلك؛ لأن الشُّرط إنما هم لحفظ الأمر أو للإمساك على المجرم وليست جهة قضائية ولا جهة تنفيذية قبل حكم الإمام أو حكم نائبه. والله أعلم.
اقرأ...
??(??

الأسئلة]
س1/ إصلاح ذات البَيْن أمر مهم في حياة طالب العلم؛ لأنه يحصل بين الإخوة الجفاء والإعراض والتدابر والشحناء، فما النصيحة؟
ج/ لاشك أن من سمات أهل السنة والجماعة أنهم يسْعَوْن لإصلاح ذات البَيْن بين المؤمنين ولقطع وسائل الشَّيطان في التفريق، فأعظم ما أمر الله جل وعلا به بيْن العباد أن يجتمعوا ويتآلفوا وأن يصلحوا ذات بينهم؛ بل جعل الله جل وعلا ذلك عنوان التقوى في قوله ?فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ?[الأنفال:1]، وجَعَل المؤمنين متعاونين فيما بينهم متوالين فيما بينهم في قوله ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ?[التوبة:71]،
وأعظم ما نهى الله جل وعلا عنه فيما بين العباد الفُرْقة؛ لأن الاجتماع وسيلته التآلف، ولأن الفُرْقة وسيلتها التباغض والتدابر، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر بالاجتماع ونهى عن الفُرْقة فقال «الجماعة رحمة والفُرْقة عذاب»، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أمر عباده بالتوادد وعدم التباغض فقال «ولا تباغضوا ولا تدابروا» الحديث.
فلهذا منْ أعظم أسباب التقوى وآثار التقوى في العبد أن يكون كلامه حسنا يؤلّف الله جل وعلا به بين القلوب، وأن يكون فعله حسنا يؤلف الله جل وعلا به بين القلوب، وأن تكون أقواله وأفعاله ليست وسيلة إلى الفُرْقة بين المؤمنين وإلى اختلافهم وتدابرهم وتقاطعهم، وهذا من مُقْتضى الوَلاية التي بينهم.
ولهذا الواجب على طالب العلم أن يكون ذا خوف ووجل من ربه جل وعلا، وأن يكون ساعيا في الائتلاف والاجتماع على الحق والهدى، وإذا رأى تقصيرا أو مخالفة أو سَيْرا في غير طريق أهل السنة فإنه يبذل النُّصح ويبذل الإرشاد؛ لكن بما لا يسبب نُفْرَةً وخلافا وقطيعة وبغضاء وشحناء؛ لأنَّ حصول البغضاء والشحناء يؤول في الغالب إلى التَّقاطع والتدابر، ثم يؤول ذلك إلى الاعتداء وإلى النَّيْل من العرض ومن -ربما- النفس والاعتداء على الأموال أو على الأنفس، ولهذا كانت وصيته عليه الصلاة والسلام في أعظم موطن تحريم العِرْض وتحريم النفس في موقفه عليه الصلاة والسلام في عرفة، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة ( قال في خطبته عليه الصلاة والسلام قال«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» اليوم يوم عرفة يوم محرم، والشهر شهر ذي الحجة من أشهر الله الحرم التي قال الله جل وعلا فيها ?فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ?[التوبة:36]، والبلد مكة حرّمها الله جل وعلا لما خلق السموات والأرض، وحرّمها إبراهيم الخليل عليه السلام فصارت محرمة بتحريم الله وتحريم إبراهيم الخليل إعلانا لتحريم الله.
وهذا التشبيه فيه عظمة أن يُشَبَّه تحريم المال والدماء والأعراض بتحريم هذا اليوم وذاك الشهر وذاك المكان.
لهذا الواجب على المؤمنين أن يسعوا في وسيلة تحقيق التآلف وعدم التقاطع والتدابر، وأعظم وسائل تحقيق الائتلاف والاجتماع وقطع التَّدابر والتقاطع والاختلاف أن يتواصوا فيما بينهم بتقوى الله جل جلاله وبخشيته والإنابة إليه، وأنْ يَسعوا في معرفة العلم النافع الذي ورّثه رسول الله (.
ولهذا تجد أن أهل العلم وطلبة العلم لو اختلفوا لا يكون بينهم اعتداء، وإذا حصل ثَم اعتداء فهو من الجهل، فأهل السّنة يعاملون من خالفهم بتقوى الله جل وعلا، ولا يُعاملون من خالفهم بمثل ما عاملهم به، فلا يكفرون من كفَّرهم، ولا يبدِّعون من بدعهم، ولا يفسقون من فسقهم؛ بل يخافون الله جل وعلا بكلامهم وفي أفعالهم.
فالعلم النافع وتقوى الله وملازمة السنة مفيدة للاجتماع، وهو معنى الجماعة التي قال فيها عليه الصلاة والسلام (الجماعة رحمة) وقال فيها ربنا جل جلاله ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا?[آل عمران:103]، ثم من وسائل تحقيق ذلك أن يقول العبد أحسن ما يجب حتى في حال الاختلاف، قال سبحانه ?وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ?[الإسراء:53]. ?وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? يعني أحسن ما يجب لماذا؟ ما العلة؟ قال ?إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ?، بعد ذلك يأتي الشيطان فيقلب المسألة من نصرة للحق إلى انتصارا للنفس أو الفئة إلى آخره أو للشخص أو للشيخ فتنقلب المسألة من كونها دينية إلى كونها عصبية جاهلية أو حزبية ممقوتة.
وهذا لاشك أنه من أعظم الأسباب التي وجدناها نافعة في أن العبد يختار أحسن ما يجب، فإذا كان العبد حليما متصفا بصفة الحلم وعدم الغضب؛ ممتثلا وصية النبي ( «لا تغضب» متخلقا بأخلاق الأنبياء في الحلم والأناة التي يحبها الله جل وعلا ويحبها رسوله (، فإن عاقبة أمره إلى خير.
لهذا قال بعض المتقدمين أظنّه قد يكون الأكْثَم أو غيره قال له أحد من يخالفونه إن أسمعتني كلمة أسمعتك عشر كلمات قال هذا الحليم: وإن أسمعتني عشر كلمات فلن أُسْمعك كلمة. لأن هذا حظ الشيطان؛ لأن الاعتداء بالألفاظ والتّنابز هذه كلها حظوظ الشيطان ?بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ?[الحجرات:11]، تنابز وجمع بعض الناس لبعض والطعن وهذا ليس أمرا شرعيا وإنما هي من حظوظ الشيطان.
الأمور الشرعية التي بها يحكم على المخالف هذه ليس منها الاعتداء، فليُحكم على كلامه أو يحكم عليه إن استحقَّ ذلك فيما دل الدليل عليه ووضح من منهج أهل السنة والجماعة، فإنَّ العبد لا يتجاوز؛ بل يقول ولا يتجاوز، لهذا غالب طريقة أهل السّنة أنهم يخطِّئون ولا يضللون؛ لأن غالب من خالف إنما خالف عن جهل؛ بل قد قال الله جل وعلا ?إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ?[النساء:17]، فالذي يعمل السوء بجهالة -كما قال جمع من الصحابة- هو الذي يعصي بأقواله أو أعماله، كلُّ من عصى الله فهو جاهل، وكل من أطاع الله فهو عالم، وإذا عصى الله جل وعلا في مقابلة المخالف له فهو جاهل له نسبة من الجهل، ولهذا قد يجتمع في المعيَّن من المختلفين علم بالشرع وجهل بالشّرع، جهل في كيف يعامل من اختلف معه، وعلم فيما يعلم، وهذه واضحة في الواقع بينة.
لهذا الوصية للجميع أنهم أقامهم الله جل وعلا لصلاة واحدة، وأقامهم الله جل وعلا بالاجتماع على كلمة التوحيد، وأقامهم الله جل وعلا يعني أقام الشباب في حب الخير وحب الطاعة وحب العلم والإقبال عليه، فنيل القليل منهم من بعض، ومثل هذا الكلام الذي قد يتردد، هذا ليس في المصلحة، وليس من حق المسلم على المسلم؛ بل الواجب السعي في كل وسيلة لإصلاح ذات البين، وتقوى الله جل وعلا تقضي بذلك.
وأما إذا كان ثَم خصومة خاصة بين اثنين فواجب عليهما أن يسعيا في الإصلاح وخيرهما الذي يبدأ بالسّلام، وثبت في الصحيح صحيح مسلم أنّ النبي ( قال «إنّ الله يغفر لكل مؤمن يوم الاثنين، إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله جل وعلا: أنظروا هذين حتى يصطلحا».
الهجر والتّرك والمقاطعة إذا كانت للدنيا فهي مذمومة، ويتوقف عليها كثير من الأحكام.
وأما إذا كانت للدّين فهي جائزة بشروطها أو مشروعة بشروطها ولكن ليس منها التقاطع والتدابر والبغضاء؛ بل هي للإصلاح.
وهذا موضوع مهم جدير بكم جميعا أن تتأملوه وأن تمتثلوا التقوى في الأقوال وفي الأعمال.
المؤمن طيب كلامه، الداعية، طالب العلم، يخشى الله جل وعلا، طيب كلامه، طيبة أفعاله، يقول ما يصلح ويترك ما يفسد، وهذا هو الذي يُصلح الناس، وهو الذي ينفع الله جل وعلا به البلاد والعباد؛ بل المسلمين جميعا، زادني الله وإياكم من أسباب ذلك وجنبنا وسائل الشيطان.
س2/ كيف نرد على من قال: إن أصل الإيمان شيء واحد يتساوى فيه المؤمنون ولا فرق بينهم؟ نرجو التكرم بإعادة شرح هذه الجملة.
ج/ بيانها مر معنا ولعل الأخ يراجع التسجيل؛ لأن بينها قد يأخذ شيئا من الوقت والفائدة قد دونت.
س3/ الخشية من الله جل جلاله أمر كلنا نحتاجه، لا سيما وأن النية يخالطها شيء من العجب والكبر في طلب العلم، فكيف يكون ذلك؟
ج/ أولا طالب العلم يجاهد نفسه على طلب العلم؛ لأن جادة طلب العلم طويلة ليست قصيرة؛ ليست سنة ولا سنتين ولا عشر ولا عشرين يمشي معك إلى أن تموت.
فهو يطلب العلم ويجاهد نفسه فيه، وإصلاح النية في طلب العلم يأتي، كلما ازداد من العلم ازداد خوفا من الله جل وعلا ورغبة فيما عنده، ستأتي تأتي النية الحسنة.
لهذا قال جمع من متقدمين: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية ثم جاءت النية بعد. وقال بعضهم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. يعني في أصل هذا التنافس والحضور هذا يحضر وهذا يجمع الحديث، ثم بعد ذلك علم من السنة؛ بل علم من الشرع أنه يجب عليه أن يصلح نفسه أن يخاف الله جل وعلا، فتحقق بقوله ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ?[فاطر:28]، فخشية الله جل وعلا هي سبيل أهل العلم، وكلما ازداد المرء علما ازداد خشية، وكفى بالاغترار بالله جهلا، كفى بالاغترار بالله جهلا، كما أنه كفى بذكر الموت واعظا وكفى بمعرفة افتقار العبد إلى ربه ذلا وخضوعا.
س4/... التأمين على سورة الفاتحة في الجهرية؟
ج/ المسبوق إذا كان السجود بعد السلام فهو مخيّر ما بين متابعته وما بين إكمال الصلاة؛ لأنّ الصلاة فرغت بالتسليم الأول وما بعده من السجود هذا خارج الصلاة، وهذا السجود واجب، فإذا كان المسبوق أدرك الإمام في سهوه؛ يعني كان مصليا معه في سهوه لم يكن قبل أن يدركه في الصلاة فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو، فإن لم يسجد مع الإمام في موضعه -يعني في الأول- فإنه يسجد إذا كان في آخر صلاته.
والإمام إذا قرأ ?وَلَا الضَّالِّينَ?[الفاتحة:7]، يشرع له أن يقول آمين، وذلك لما صحّ عن النبي ( من حديث أبي هريرة أنه قال «إذا أمّن الإمام فأمنوا» وفي الرواية الأخرى قال «وإذا قال الإمام ?وَلَا الضَّالِّينَ? فقولوا آمين»، وهذا الاختلاف يعني «وإذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين» و«إذا أمن فأمنوا» محمول على متى يبدأ المأموم في التأمين؟ هل يبدأ المأموم في التأمين بعد قول الإمام ?وَلَا الضَّالِّينَ? أو بعد سماعه التأمين؟ يعني مقتضى إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين أن تأمينه يكون بعد قول الإمام ولا الضالين سواء أمن أو لم يؤمن، وقوله «إذا أمن فأمنوا» يقتضي أنه إذا أمن شرع بالتأمين أو بعده.
جمع العلماء بينهما بأن المأموم إذا كان يعلم أن الإمام يؤمّن متصلا بالفاتحة ينتظر حتى ينتهي من التأمين ثم بعده بقليل يعني إذا شرع في التأمين يؤمن المأموم، وأما إذا لم يكن يعلم حاله هل يؤمن أو لا يؤمن وهذا هو أغلب حال الناس فإنهم لا يعلمون أن الإمام هل يؤمن أو لا يؤمن، وأكثر الأئمة بل الغالب ليس لهم طريقة واضحة تارة يؤمنون وتارة لا يؤمنون فإنهم يبدؤون بعد قول الإمام ?وَلَا الضَّالِّينَ? فإنه «من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه».
جعلني الله وإياكم من أهل هذا الفضل العظيم.
ابدأ...
??(??

الأسئلة]
س1/ ذكر أحد الباحثين أن الإرجاء أثّر على بعض العلماء فلم يكفروا تارك الصلاة تهاونا وكسلا، فهل هذا الكلام على إطلاقه؟
ج/ هذا الكلام غير صحيح، فليست مسألة تكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا ليس لها صلة بالإرجاء.
فالنزاع جارٍ ما بين أهل السنة في تكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا، وليس في هذا فحسب؛ بل في تكفير من ترك ركنا من أركان الإسلام، تكفير تارك الصلاة وغيرها ترى من ترك ركنا من أركان الإسلام الزكاة والصيام والحج، عن الإمام أحمد وعن غيره، حتى الإمام أحمد ثم خلاف عنده -يعني في الروايات- في تكفير من ترك ركنا من أركان الإسلام.
ومن العجائب أن الإمام أحمد رحمه الله له في هذه المسألة خمس روايات في هل يكفر من ترك أركان الإسلام العملية يعني غير الشهادتين:
الرواية الأولى: أنه يكفر في ترك أي ركن من أركان الإسلام.
الرواية الثانية: أنه يكفر بترك الصلاة والزكاة.
والثالثة: يكفر يترك الصلاة والزكاة إذا قاتل عليها الإمام؛ يعني إذا قاتل في الزكاة الإمام ليس مطلقا.
والرابعة: يكفر بترك الصلاة فقط.
الخامسة: نسيت الخامسة.
المقصود أنّ الخلاف في تكفير من ترك ركنا من الأركان تهاونا وكسلا ليس له صلة بالإرجاء، وما ذكره الباحث محل نظر.
س2/ ما هو ضابط الإعراض الذي هو من نواقض الإسلام؟
ج/ الإعراض ذكره العلماء في باب حكم المرتد، وذكره إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الناقض العاشر في رسالته النواقض، قال: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
والدليل على أن الإعراض ناقض من النواقض قول الله جل وعلا ?وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُون?[الأحقاف:3]، في أول سورة الأحقاف ?مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ?[الأحقاف:3]، كذلك قوله جل جلاله ?بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ?[الأنبياء:24]، ونحو ذلك ?فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ?[فصلت:4]، ونحو ذلك من الأدلة.
والإعراض ضابطه أنه لا يتعلم الدين ولا يعمل به، ليس له همة في معرفة توحيدٍ ولا عبادة لا من جهة العلم ولا من جهة العمل؛ يعني جميعا، لا من جهة العلم ولا من جهة العمل جميعا؛ بل لا يهمه الأمر وليس من شأنه هذا الأمر مع تمكنه من ذلك.
يعني مثل واحد في بلد مثلا نفر ض في بلدنا عنده الوسائل كافية، الكتب موجودة، والدراسة موجودة، والأئمة موجودين، والخطب والجمع، ولا يهتم بهذا أبدا، معرض تماما؛ مادي لا يهتم لا بصلاة ولا بسماع آية ولا بسماع خطبة ولا يتعلم هذه أمور ما أعلم بها، هذا هو الذي يكفر بالإعراض ما يتعلم الدين وما يعمل به، لا يرفع به رأسا ولا يهمه لا من قريب ولا من بعيد، ولو احتاج خبزا لمعيشته لذهب وبحث حتى يأتي به ولو احتاج لأمر في بيته لذهب حتى يأتي به، وأما الدين فهو معرض عنه لا يتعلم ولا يعمل، فهذا هو ضابط الإعراض.
لا يبحث عن علم ولا يهتم به؛ يعني في توحيده توحيد الله جل وعلا وفي بيان الواجب ومعرفة ما أنزل الله جل وعلا، ولا يهتم بالعمل جميعا؛ يعني علم وعمل لا يهتم بهما.
أما إذا كان عنده عل ولم يعمل أو كان عنده عمل ولا يعلم هذا لا يسمى معرضا.
تطبيقها على المعين صعب جدا، فلان معرض تماما، ربما لا يوجد أحد من أهل القبلة يعني من يصح ممن شهد أن لا إله إلا الله يعني عنده انتساب أنه لا يهتم أصلا معرض تماما؛ لكن قد يكون أحيانا تأتي دعوة للتوحيد مثل ما حصل في وقت إمام الدعوة جاهد قائم ودعوة ومجادلة ومجاهدة باللسان ومجاهدة بالسنان، وهو لا يهتم ولا عَلِم هذا الدين ولا...؛ يعني لنفسه؛ مادي.
يمكن أن تلخصها المعرض هو المادي البحت، لا يتعلمه ولا يعمل.
س4/ قال بعضهم: إن جل السلف الصالح كانوا من الصوفية، فهل هذا صحيح؟
ج/ الصوفية ما نشأت إلا في القرن الثاني الهجري؛ يعني بعد سنة مائة وخمسين (150) كنحلة بدأت تتأصل في عزلة وأوراد وأشياء، والسلف الصالح القرون الثلاثة المفضلة الصحابة والتابعون وتبع التابعين.
هذا الكلام الرد عليه من جهات كثيرة؛ لكن ليس كلاما ذا بال.
س5/ ما هو القزع؟ وهل التقصير باستخدام المقص في الشعر منه؟
ج/ القزع الذي جاء النهي عنه في الحديث الذي رواه مسلم وغيره، وهو أيضا في البخاري بوب عليه البخاري باب ما جاء في القزع.
القزع أن يحلق بعض الرأس وأن يترك بعضا، النبي ( رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعض فقال «احلقوه كله أو دعوه كله»، فكون بعض الرأس محلوق وبعضه غير محلوق هذا هو القزع، وهو مأخوذ من تقزّع السحاب وهو كون السحاب قطع هذه قطعة وهذه قطعة.
وله الصور ذكرها العلماء:
منها أن يأخذ أطراف الرأس ويبقي الأعلى.
منها وهي التي ينطبق عليها الوصف كونها مأخوذة من تقزع السحاب أن يأخذ من كل موطن قليلا؛ يعني يحلق ويترك يحلق ويترك من جميع الجهات.
فيها صور كثيرة.
والقزع منهي عنه، والعلماء يقولون مكروه كراهة تحريم، وعند طائفة كراهة تنزيه.
والعلة في النهي عن القزع فيما ذكره طائفة من العلماء أن فيه تشبّها بمن كان يعمله من أهل الجاهلية، والدين جاء بالعدل قال الله جل وعلا ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ?[النحل:90]، والعدل الذي جاءت به الشريعة في تعامل الإنسان مع النّاس؛ بل قبل ذلك في تعامله مع ربه ومع الناس، وأيضا في تعامله مع نفسه، وحلق يعض الرأس وترك بعضه منافٍ للعدل في الشعر؛ لأن هذا فيه إضرار بالمحلوق أو بالشعر الباقي أو بالرأس الذي حواهما.
ومن هذا الأصل قول النبي ( في لبس النعلين «فليلبسهما جميعا أو ليخلعهما جميعا» يعني ما ينتعل الواحد يلبس واحدة ويترك الأخرى، يلبس الثنتين جميعا أو يترك الثنتين جميعا يمشي حافيا.
وله نظائر كثيرة لتعامل الإنسان في بدنه في قص الأظافر وفي الشعر وإزالة أشياء، وأيضا فعل أشياء للبدن، فإن العدل في الشريعة جاء للجميع والله جل وعلا يحب العدل ولذلك أمر به أمرا عاما، لهذا قال العلماء في قوله تعالى ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ?[النحل:90]، قالوا: جمعت هذه الآية الدين كله، وهذا صحيح:
فليس ثم مسألة في الدين من الأوامر إلاّ وأن تكون عدلا أو أن تكون إحسانا أو أن تكون إيساء لذوي القربى.
ومن النواهي إما أن تكون فحشاء أو منكر أو بغي.
وهذا أصل مقرر في موضعه.
أما قص بعض الشعر -الذي جاء السؤال عنه-، قص بعض الشعر بدون استئصال فإن كان شبيها بالاستئصال تزاد الكراهة، وإن كان أقل وإنما يكون بعض الشعر أكثر من بعض بقليل فإن هذا مما يعفى عنه لأن هذا لا يشبه تقزع السحاب واختلاف شعر الرأس ما بين الحلق وما بين غيره.
س6/ ذكرت في الدرس السابق الخلاف في تعريف الإيمان وأن الخلاف صوري من وجه وحقيقي من وجه آخر، أرجو إعادة هذه النقطة وذلك لأهميتها؟
ج/ ذكرنا لكم أن عددا من أهل العلم قالوا: إن الخلاف صوري أو لفظي يعني غير معنوي وغير حقيقي. وذكرنا أن هذه المسألة لها جهتان:
الجهة الأولى: جهة الحكم.
والجهة الثانية: جهة امتثال الأوامر العلمية والعملية.
ومن جهة الحكم ومرتكب الكبيرة وخروجه من الإيمان، المرجئة -مرجئة الفقهاء- كحماد بن أبي سليمان والإمام أبي حنيفة ومن تبعهم ليس ثَم خلاف مع بقية أهل السنة في الحكم، فهم لا يكفرون مرتكب الكبيرة، وأيضا لا يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب؛ بل الحنفية من أشد الناس في التكفير وفي الحكم بالردة كما هو معروف من كتبهم.
ولهذا ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان لما ذكر الخلاف -وهذه احتج بها بعضهم في محل الاحتجاج- قال وأغلب أو قال أكثر الخلاف الذي بين أهل السنة في مسألة الإيمان لفظي. وهذا نستفيد منه فائدتين:
الفائدة الأولى: أن مرجئة الفقهاء لا يُخرجون من أهل السنة في هذه المسألة إخراجا مطلقا؛ بل يقيد يقال أنهم من أهل السنة إلا في مسألة الإيمان، فهم من جملة أهل السنة إلا في هذه المسألة، فشيخ الإسلام في كتابه الإيمان يدخل مرجئة الفقهاء خاصة في عموم أهل السنة؛ لأن الخلاف كما قال أكثره لفظي.
الفائدة الثانية: أن قوله أكثره لفظي يدل على أن ثمة منه ما ليس كذلك، وهو الذي ذكرت لكم من جهة الأوامر واعتقاد ذلك، وامتثال جهة الأوامر العملية والعلمية.
وفي هذا كفاية إن شاء الله.
س7/ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى أن الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا فهل هذا التقسيم كان معروفا، مجمعا عليه عند السلف؛ لأن الأحناف فيما أعلم يدخلون العمل في مسمى الإسلام؟
ج/ الإسلام والإيمان هل هما شيء واحد؟ أم هما أمران مختلفان؟ وهل إذا اجتمعا افترقا أو لا؟ هذه المسألة فيها خلاف كبير بين السلف، مسألة الإيمان والإسلام، الخلاف فيها من قال الإيمان والإسلام واحد، أو قال هما شيئان مختلفان، أو قال إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فالكل من أقوال أهل السنة، الخلاف في هذه المسألة لا يخرج القائل.
فثَم جمع قالوا الإسلام هو الإيمان، واستدلوا عليه بقوله تعالى ?فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ(35)فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ?[الذاريات:35-36].
ومنهم من قال لا، الإسلام شيء والإيمان شيء مختلف تماما، ويستدلون عليه بقوله ?قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا?[الحجرات:14]، جعل الإيمان شيئا وجعل الإسلام شيئا آخر، وكذلك حديث جبريل قال الإسلام كذا والإيمان كذا.
والثالث الذي هو التحقيق أنّ الإسلام لابد له من إيمان حتى يصح، والإيمان لابد له من إسلام حتى يصح، فليس ثَم مسلم بلا أي قدْر من الإيمان وليس ثم مؤمن بلا أي قدْر من الإسلام؛ بل لابد هذا وهذا، والإسلام على كماله والإيمان على كماله قد يطلق الإسلام مع الإيمان فيعني بالإيمان ما جاء في حديث جبريل الأعمال الباطنة؛ يعني الإيمان الباطن، والإسلام الظاهر مثل ما جاء في الحديث الذي رُوي في مسند الإمام أحمد قال «الإسلام علانية والإيمان في القلب» فيجتمعان فتكون هذا دلالته على حديث جبريل تكون دلالته الشهادتين والأركان العملية الأربع، والإيمان الإيمان التصديق الباطن مع العلم، ويفترقان فيكون الإسلام يدل على الإيمان، ويكون الإيمان يدل على الإسلام.
المسألة الخلاف فيها سائغ يعني من خالف فيها، الخلاف منقول عن أئمة السنة؛ لكن التحقيق هو ما ذكرنا.
س8/ كثُر في الآونة الأخيرة المقدِّسون للعقل والسير على نهج المعتزلة؛ بل إن أحدهم لما قيل له إن قولك هذا قول المعتزلة قال وهل المعتزلة إلا فرقة العلماء.
وما توجيهكم خصوصا وأننا نجلس مع بعض الناس أقارب؛ لكن درسوا في الغرب ورضعوا منه سموم بالشهوات والشبهات، ويناقشون ذلك في المجالس عند العامة، هل نقوم من المجلس أو نرد عليه؟
ج/ الواجب الدعوة والمصابرة والبيان، الشرع هو الذي دل على العقل دل على اعتبار العقل، ودلنا على أن العقل يُعمل وأنه آلة يحاسب عليها الإنسان، وكذلك العقل أيضا دلنا على الشرع، وعلى أنه صواب وعلى صحة ما جاء فيه.
فالعقل والشرع غير متعارضين، الشرع قاض والعقل شاهد، العقل يشهد لحسن الشرع، يشهد لصحته، والشرع قضاء الله جل وعلا بقضائه ?وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ?[الأنعام:115]، وفي قراءة ?وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا? آيات الأنعام فكلمات الله جل وعلا الشرعية قضت صدق وعدل انتهى.
فإذن الذي يرفض العقل يرفض الشرع والذي يقدس العقل ويرفعه فوق الشرع هذا أيضا يرفض الشرع، لهذا ألّف ابن تيمية كتابه المشهور العقل والنقل يعني شو الصلة بينهما، أو المشهور باسم موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح، أو درء تعارض العقل والنقل ، وهو الذي قال فيه ابن القيم في نونيته:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ما في الوجود له مثيل ثاني
لأنّ أصل تقديس العقل وتقديمه على النقل جاء من الجهمية ثم المعتزلة ثم الأشاعرة، الأشاعرة أيضا من أصولهم أن العقل مقدم على النقل في الغيبيات، أما السمعيات لهم بحث فيها. وهذا شيء مشهور معروف.
المقصود أن طالب العلم الداعية:
أولا يفهم ما صلة الشرع بالعقل.
ثم ثانيا يتأمل فيما يورد من الأشياء الشرعية التي يقول القائل إنها تخالف العقل يتأمل ما يعجل، يقول لا هذا كيف هذا، لو أنه ما فهم مرادها، فينبغي إذا تأمل أنه يبين عدم تعارض الشرع مع العقل؛ لأن العقل لابد له من حدود يقف بعدها على شيء ما يعرفه، الأمور الغيبية إذا تجاسر العقل عليها وقال لا ليست بصحيحة، هوالحقيقة ليس عاقلا لأن العجز عن الإدراك إدراك، هو لم يدركها لم يرها فكون ينفي شيئا لا يراه.
مثلا لو جاء قال وقال الكهرباء التي أمامك إيش الكهرباء؟ ما فيه، سلك إيش الذي في السلك، هل فيه شيء يمشي فيه؟ هل السلك أنبوبة فيه شيء ماشي ويصل؟ لا، فإذن ثم أشياء كثيرة تعرف بآثارها، ولا تُرى أو تدرك حقائقها.
مثل النوم الآن، حقيقة النوم ما هي؟ الأطباء يقولون ما أدركنا، حقيقة النوم لكن تعرف أن النوم له أثره على الجسم وعلى البدن وإذا فقده الإنسان ما ذا يحصل وإذا نام ماذا يحصل إلى آخره.
عندك الآن الهواء، الآن موجود هواء، هذا الفراغ، أين الهواء؟ فإذا أخبر مخبر بوجود الهوى، فإنه يخبر بوجود شيء دل العقل عليه، لا من جهة رؤيته ولكن من جهة إدراكه بآثاره.
كذلك النصوص الشرعية الكثيرة إذا كان فيها تعلق بالأمور الغيبية، نقول هذه ينفيها العقل فيكون هو متجنيا على عقله؛ لأن العقل لا ينفي شيئا لم يدركه.
مثلا يأتي حديث فقء موسى لعين ملك الموت، ويقول هذا العقل يرفضه مثل ما رفضه عدد من المعاصرين، العقل يرفضه حتى ولو كان في الصحيح، يقول كيف ملك الموت يأتي وله عين ويفقأها موسى، هذا يرفضه العقل، لماذا يرفضه العقل؟ لماذا؟ لأي شيء؟ تسأل عن الأسباب.
إذا قال لك:
السبب الأول هو مثلا أن الملك الموت كيف يكون له عينان؟
فيكون الجواب:
ما الذي يمنع في العقل أن الله جل وعلا بعث ملك الموت في صورة رجل لموسى عليه السلام اختبارا له وإبقاء للعلم في الناس؟ ما يمنع.
ملك الموت على صورته الحقيقة ليس صورة رجل، هذا تصوير؛ يعني جاءه في صورة على هيئة رجل ففقأه، هذا فيه اعتبار.
الأمر الثاني: إذا قال له: موسى عليه السلام كيف يعتدي عليه.
تقول: علمنا العقل أنه ما عرفه أو أنه رآه ومعتد أو أنه متجنّ على مقام الملائكة، ملك الموت ما يأتي على صورة رجل يقبض الأرواح بإذن الله جل وعلا.
فإذن ما أُدعي فيه من الأمور الغيبية أنه معارض للعقل مما عارض به المعتزلة من قبل وكل من خالف الشرعيات، الجواب عنه سهل لكن أيضا يحتاج إلى عقل.
فإذن طالب العلم والداعية إذا واجه مثل هذا:
( أولا يهدأ؛ لأنه إذا صار ذا هدوء أدرك وين يضرب الخطأ، إذا أنت استعجلت هو يْصِيدِك، وأنت تقع في موضع ضعف كيف تدافع، وأنت الآن مبلغ عن الشرع، الحاضرين في المجلس يقولون والله ما عرف يجاوب.
أولا تهدأ.
( ثم إن كان عندك علم وقوة إدراك في مناقشته فناقش، وإذا لم يكن عندك علم وقوة إدراك فترجع الأمر إلى المجملات، ما هي المجملات؟
الله جل وعلا هو الذي قال ذلك، ويجب تصديق الرب جل وعلا، لا أحد أعلم بخلق الله من الله سبحانه، أخبر بها النبي ( والحديث صحيح، ما طعن فيه أحد من العلماء يجب التسليم، كون أدركنا معناه أو لم ندرك هذه مسألة أخرى، فتحيل على المجملات، والمجملات فيها قوة؛ لأنها أقوى حجة إذا كان المجادَل مؤمنا يعني عنده انتساب للإيمان، تقول: النبي ( قال هذا، لو كان النبي ( حاضرا وقال هذا الكلام تقول هذا يرفضه العقل أو هذا غير صحيح، فإما أن يطعن في دلالة النص أو يطعن في ثبوت النص؛ فإن الطعن في الثبوت تبحث معه والطعن في الدلالة تبحث معه أو ترجعه إلى المجملات.
( الخطوة الثالثة أن هؤلاء دائما يقفون بالعقليات، العقليات يعني إذا حاججتهم الفهم تقول مسألة عقلية تجعله يقف، من المسائل العقلية المهمة التناقض، إذا كان هو يقول العقل يعارض هذا، تكون أنت محضّر لأشياء عقله هو بما أقر به أيضا يتناقض فيها يسلم بأشياء ما شافها، يسلم بأشياء العقل ربما لا يدله العقل إلا بخبر من أخبر بها.
فإذن تبحث هناك عن أشياء تجعله متناقضا، والتناقض من أقوى الأشياء التي تضعف الخصم في أي مجادلة التناقض مرة تقول كذلك ومرة تقول كذا، معناه أنه لم يقم على عقل واضح واحد، ولا على دليل بيّن، تقول فإذن أنت تسأله مرة تقول ومرة تقول ما عندك قاعدة بينة.
لهذا الشرع من اعتمد عليه فإنه لا يتناقض ?أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا?[النساء:82]، من يعتمد على الشرع ما يتناقض، الحجة واحدة والدلالة الشرعية في المسائل العقلية أيضا واحدة ما تختلف.
وهذه المناظرات والمجادلات ينبغي لطالب العلم أن يتحرّز فيها ما يقبل عليها وبضاعته قاصرة؛ لأنه يُخشى أن يفتن من يخاطبه، يخشى أن يفتنه، يقول ما جاء بحجة، هذه الذي وقع فيها حتى بعض المشهورين في المناظرات التي حصلت في بعض القنوات الفضائية الفضائية، ونحو ذلك مسائل عظيمة منها مسائل عقدية، ومنها مسائل الإيمان؛ بل في وجود الله جل وعلا، وربما ما كان عندهم حجة صار المتلقي هذا والله مسلَّم له، المتلقي شك في المسألة إذا كان هذا ما عرف الجواب الصحيح ما عرف له حجة، يؤول الأمر إلى أن المجتمع يتشكك.
ولا يجوز لمؤمن أن يقدم على شيء يحصل بسببه فتنة لآخرين، إذا كان سؤال شيء لم يحرم في عهد النبوة -شيء لم يحرمه الله جل وعلا-، السؤال عنه ثم بعد ذلك حرم أنه من أعظم المسلمين جرما، فكيف من يوقع الشبهة في أصل الدين، في العقيدة، في وجود الله جل وعلا في أشياء، ما يعرف يناقش، ما يعرف يحتج، يجعل الشرع ضعيفا أو ما يجد الحجة.، ما يلزمك أن ترد إلا إذا كنت قادرا، قادر من الناحية العلمية وقادر أيضا من الناحية النفسية.
بعض الناس إذا جاء النقاش يحس من نفسه أنه خاف، تحس أن قلبه بدأ يضطرب وخايف، هذا معناه أن يسكت، مع هذا الاضطراب ما يقضي القاضي وهو غضبان، وهذا قضاء أيضا في مسائل شرعية، لهذا قال العلماء: لا يقضي القاضي وهو غضبان. يشمل المسائل والخصومات العملية والعلمية، أنت تبلغ عن الشرع، فما تدخل في شيء وأنت تعلم من نفسك عدم ثباته، كذلك المجادل الداعية، هذا نوع من الانتهاك يحتاج إلى ثبات، يحتاج إلى ثبات، ورباطة جأش، الواحد ما نزل عليه بجبال من الكلام السيئ ما ينفعل إلى آخره.
وأنت تأمل مجادلة النبي ( للمشركين في مكة ناقشوه في كل شيء في الله جل وعلا وصرف العبادة وفي الأسماء والصفات، وجادلوه في البعث بعد الموت وسبوه، وقالوا أنت مجنون؛ لكن كل كلامه عليه الصلاة والسلام، وما أمر الله جل وعلا به رده أن يبلغ المشركين؟ كان كله على الغاية والرفعة في اللفظ وفي الحجة وفي الهدوء والطمأنينة، فلسنا بشاكين حتى نضطرب، لهذا كل واحد يعرف نفسه، فلا يوقع غيره في شبهة فيأثم بذلك.
هذه مسائل عظيمة يحتاج طالب العلم إلى أن يُدرِّج نفسه فيها، وسبيلها الهدوء والطمأنينة.
زادني الله وإياكم من كل خير ومن حمل الفقه في الدين، وغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ومن له حق علينا، ووفق ولاة أمورنا علماءنا لكل خير.