بسم الله الرحمن الرحيم

نقرا من صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب صفة الشمس و القمر
3027 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم

و نقرا من صحيح مسلم كتاب الايمان باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الايمان
260 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ ، - سَمِعَهُ فِيمَا أَعْلَمُ - عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا : أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً ، فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا : ارْتَفِعِي ، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ، ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَتَخِرُّ سَاجِدَةً ، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا : ارْتَفِعِي ، ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ، ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَيُقَالُ لَهَا : ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ ، فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ؟ ذَاكَ حِينَ { لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا : أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ ؟ بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ

نقول ردا على هذه الشبهة :

ان الحديث لا يشترط ان نفهم منه ان الشمس تدور حول الارض صراحة و لا ان نفهم منها ان الشمس تتوقف عن حالتها الكونية و ترتفع الى السماوات العلى لتسجد تحت العرش و ذلك لوجود القرائن الثابتة من الكتاب و السنة الصحيحة المانعة لتفسير الاية بالطريقة التي يروج لها الملاحدة و النصارى و كذلك وجود الفسحة اللغوية لفهم الحديث خارجا عن سياقها الظاهر

اولا : ان الشمس و القمر و الارض و النجوم و السماوات السبع و جميع المخلوقات اصلا كلها تحت العرش دائما و ذلك لان العرش هو سقف المخلوقات كلها حسب الاحاديث الصحيحة .
نقرا من صحيح البخاري كتاب التوحيد باب و كان عرشه على الماء
6987 حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني محمد بن فليح قال حدثني أبي حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا يا رسول الله أفلا ننبئ الناس بذلك قال إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة .

و لذلك يقول الامام ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة يس ما نصه :
(( أن المراد : مستقرها المكاني ، وهو تحت العرش مما يلي الأرض في ذلك الجانب ، وهي أينما كانت فهي تحت العرش وجميع المخلوقات ; لأنه سقفها ، وليس بكرة كما يزعمه كثير من أرباب الهيئة ، وإنما هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة ، وهو فوق العالم مما يلي رءوس الناس ، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب ما تكون من العرش ، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام ، وهو وقت نصف الليل ، صارت أبعد ما تكون من العرش ، فحينئذ تسجد وتستأذن في الطلوع ، كما جاءت بذلك الأحاديث . ))

ويؤيد هذا الحديث الموقوف المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في كتاب الاسماء و الصفات للبيهقي رحمه الله الجزء الثاني باب ما جاء في العرش و الكرسي :
(( 853 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، أنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثنا السَّائِبُ بْنُ عُمَرَ الْمَخْزُومِيُّ، أنا مُسْلِمُ بْنُ يَنَّاقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ ـ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ـ فَقَالَ: تَبَارَكَ اللَّهُ مَا أَشَدَّ بَيَاضَهَا، وَالثَّانِيَةُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَخَلَقَ فَوْقَ السَّابِعَةِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ فَوْقَ الْمَاءِ الْعَرْشَ، وَجَعَلَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالرُّجُومَ))

ذكر مثل هذا اللفظ و صححه الامام الالباني رحمه الله في تحقيقه لمختصر العلو الصفحة 97 الحديث رقم 35 وقال :
((قلت : ذكره المصنف من رواية روح بن عبادة و هو من شيوخ احمد بسنده عن ابن عمرو و هو اسناد صحيح ))

فكل المخلوقات بما فيها الشمس هي اصلا تحت العرش دائما فلا يستلزم منها ان تخرج عن مسارها الكوني لتسجد تحت العرش خاصة ان اخذنا بعين الاعتبار ان المسافة بين العرش و بين السماء الدنيا مسافة كبيرة لا تستغرق فقط المئات من السنين بل تتعداها الى الاف المئات من السنين مع الاخذ بعين الاعتبار ان حجم السماوات السبع بالنسبة للكرسي هو لا شيء فما بالك بحجمها بالنسبة للعرش و الذي هو اكبر من باضعاف مضاعفة !!!

نقرا من الاسماء و الصفات للبيهقي الجزء الثاني باب ما جاء في العرش و الكرسي
862 - أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، إِجَازَةً، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَامِرٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ، ثنا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آيَةُ الْكُرْسِيِّ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، §مَا السَّمَاوَاتُ -[301]- السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، وَفَضَلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ»

و الحديث يرتقي الى الثبوت بمجموع طرقه كما قال الامام الالباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة الجزء الاول الحديث رقم 109 :
(( وجملة القول: أن الحديث بهذه الطرق صحيح وخيرها الطريق الأخير والله أعلم. والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض) وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئا معنويا. ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان، كما جاء في بعض التفاسير. ))

و هذا الحديث مروي عن ابي ذر رضي الله عنه و هو نفسه راوي حديث سجود الشمس و يستلزم من هذا ان ابا ذر رضي الله عنه نفسه لم يفهم ان الحديث يشترط فيه ان الشمس تقطع مسارها الكوني حتى تسجد تحت الشمس .

و يؤيد هذا الحديث الموقوف عن ابن مسعود رضي الله عنه في بيان المسافة بين السماء الدنيا و بين العرش وفوقه الله عز وجل في كتاب التوحيد لابن خزيمة رحمه الله الجزء الثاني باب ذكر موضع عرش الله قبل خلق السماوات :
(( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، وَأَبُو غَسَّانَ، قَالَا: ثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «§مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَصُرُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ يَعْنِي غِلَظُهَا، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ» ، وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ مَعْمَرٍ: «وَبَصُرُ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ» ، وَلَمْ يَقُلْ أَيْضًا: «وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَمَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِكُمْ شَيْءٌ»))

صححه الامام الذهبي رحمه الله في كتابه العرش الحديث رقم 105 :
(( رواه اللالكائي والبيهقي بإسناد صحيح عنه.))

و لذلك ينقل الامام بن حجر رحمه الله كلام الامام الخطابي في فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب تفسير القران
(( وقال :الخطابي : يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرشأنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن ، ويحتمل أن يكون المعنى أو علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها فيقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها ، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها .))

فعلم من هذا ان سجود الشمس لا يقتضي منه الانحناء او التوقف عن المسار الفلكي لها
و علمنا ايضا ان وجودها تحت العرش لا ينافي ما نعرفه لان كل السماوات و الارض اصلا تحت العرش فالعرش سقف الجنة و الجنة فوق كل شيئ كما بين الحديث .

ثانيا : الفاظ الحديث (فانها تذهب ، تطلع ، تسجد ) لا يستلزم منها فهم الحديث على ظاهره بان الشمس تدور حول الارض فالمعاني اللغوية لهذه الافاظ اوسع في السابق عند العرب مما نعرفه الان
.

1. لفظ الذهاب في الحديث هو مرادف لمعنى الغروب و ليس الانتقال المكاني من مكان الى اخر .
نقرا من معجم لسان العرب لابن منظور رحمه الله الجزء 11 :
(( والغرب : الذهاب والتنحي عن الناس . وقد غرب عنا يغرب غربا وغرب وأغرب وغربه ، وأغربه : نحاه . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أمر بتغريب الزاني سنة إذا لم يحصن ؛ وهو نفيه عن بلده . والغربة والغرب : النوى والبعد ، وقد تغرب ، قال ساعدة بن جؤية يصف سحابا :
ثم انتهى بصري وأصبح جالسا منه لنجد ، طائف متغرب ))
فالمراد من قوله عليه الصلاة و السلام ((فانها تذهب )) اي فانها تغرب و تبعد عن اعين الناس

ويدل على هذا ان الرواية وردت بلفظ اخر في صحيح البخاري كتاب التفسير سورة يس :
قال البخاري : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم [ التيمي ] ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس ، فقال : " يا أبا ذر ، أتدري أين تغرب الشمس ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله : ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ))

فكون ان لفظ الرواية في كتاب بدء الخلق ذكر ( اين تذهب الشمس) وافقه اللفظ المروي في كتاب التفسير (اين تغرب الشمس) دليل على ان المراد بالذهاب هو الغروب والبعد عن اعين الناس و لا يستلزم منه الانتقال المكاني .

ولفظ الحديث في صحيح مسلم (( ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِرُ النَّاسَ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ)) اي تمضي على طبيعة سننها الكونية فيكون حينها المراد من الجريان دوام مضيها الزمني في سبيلها و طريقها المعهود و يعضده قوله (لا يستنكر الناس منها شيئا) وذلك لان عدم نكارة الناس لا يتوافق مع خرقها لحركتها الطبيعية في مراى الناس و لكنها تتوافق مع ما هو معهود عليها في نظر الناس و لذا فلفظ الجري لا يستلزم منه اختراق الشمس السماوات السبع للسجود تحت العرش مباشرة

و هذا المعنى هو كقولهم ( جرت الامور على النحو الذي نريده ) اي مضت و لذا نقرا من معجم لسان العرب الجزء الثالث :
(( . والجارية : النعمة من الله على عباده . وفي الحديث : الأرزاق جارية ، والأعطيات دارة متصلة ; قال شمر : هما واحد يقول هو دائم . يقال : جرى له ذلك الشيء ودر له بمعنى دام له ; وقال ابن حازم يصف امرأة : غذاها فارض يجري عليها ومحض حين ينبعث العشار
قال ابن الأعرابي : ومنه قولك : أجريت عليه كذا أي : أدمت له . والجراية : الجاري من الوظائف . وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أي : دارة متصلة كالوقوف المرصدة لأبواب البر . ))

و يشبه هذا المعنى ما روي عن قتادة رحمه الله في تفسير الطبري رحمه لسورة يس :
(( وقال بعضهم في ذلك بما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ) قال: وقت واحد لا تعدوه .))

وقد وردت كلمة الذهاب على في القران بدون المعنى الملازم للانتقال المكاني :
قال تعالى على لسان ابراهيم عليه الصلاة و السلام : (( وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين))
وقال تعالى : (( ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون))

2. لفظ الطلوع في الحديث هو مرادف للفظ الشروق او البزوغ و الظهور و ليس الانتقال من مكان ادنى لمكان اعلى .
نقرا من معجم لسان العرب الجزء التاسع :
(( لمطلع والمطلع أيضا : موضع طلوعها . ويقال : اطلعت الفجر اطلاعا ، أي نظرت إليه حين طلع ، وقال :
نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
.... وقال الليث : طلاع الأرض في قول عمر ما طلعت عليه الشمس من الأرض ، والقول الأول ، وهو قول أبي عبيد . وطلع فلان علينا من بعيد وطلعته : رؤيته . يقال : حيا الله طلعتك . وطلع الرجل على القوم ، يطلع وتطلع طلوعا وأطلع : هجم ، الأخيرة عن سيبويه . وطلع عليهم : أتاهم .))

فطلع هنا في الحديث هو من باب ظهور الشمس للناس و بزوغها و اشراقها كما نقول طلع الفجر و الفجر ليس شيئا ينتقل من مكان ادنى الى مكان اعلى و لكنه بمعنى ظهر الفجر

3. لفظ السجود في الحديث لا يلزم منه ان يكون سجود الشمس كسجودنا فهو امر غيبي و سجودها دال على خضوع الشمس لله عز وجل
. و هذا السجود الغيبي الذي لا نفقه نحن كيفيته حاله حال تسبيح المخلوقات من الحيوانات و النباتات و الجمادات و كل من ليس له روح حتى
قال تعالى : (( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ( 44 ) )

قال الامام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لسورة الاسراء :
(( وقوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .
وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل وكذا يد أبي بكروعمر وعثمان رضي الله عنهم [ أجمعين ، وهو حديث مشهور في المسانيد . ))

وليس الامر قاصرا على الشمس فقط بل يشمل بنص القران النجم و الشجر و الجبل و القمر و الدابة اذ يسجدون سجودا غيبيا لا ندرك كيفيته و لا هيئته
قال تعالى في سورة الرحمن :((والنجم والشجر يسجدان ( 6 ))
وقال تعالى في سورة الحج : (( ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ))

4. لفظ الرجوع لا يلزم منه هنا الرجوع المكاني و لكنه مجاز لرجوعها لحالتها الاولى و هي الطلوع او بالاحرى ظهورها للناس .
ويدل علي هذا ان الرواية رويت بلفظ اخر نقرا من سنن الترمذي كتاب الفتن :
باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها
2186 حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها قال ثم قرأ وذلك مستقر لها قال وذلك قراءة عبد الله بن مسعود قال أبو عيسى وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى وهذا حديث حسن صحيح.

صححه الامام الالباني رحمه الله في صحيح و ضعيف سنن الترمذي الحديث رقم 2186 وقال : ((صحيح))
قوله و كانها قد قيل لها اطلعي اي كانها قيل لها اظهري و هي كنية و تعبير يفهم من سياقها ان الامر لا يستلزم منه حركة حقيقة

ثالثا : صرح القران بان للارض مشارق و مغارب عديدة و هذا يلزم منه ان لا يفهم ان الحديث يتكلم عن شروق و غروب واحد للارض كلها و علي هذا لا يفهم علي ظاهره .
قال تعالى في سورة المعارج : (( فلا اقسم برب المشارق و المغارب)) وقال تعالى في سورة الرحمن : (( رب المشرقين و رب المغربين))
نقرا في تفسير ابن كثير رحمه الله لسورة الرحمن :
(( ( رب المشرقين ورب المغربين ) يعني مشرقي الصيف والشتاء ، ومغربي الصيف والشتاء . وقال في الآية الأخرى : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) [ المعارج : 40 ] ، وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ، وبروزها منه إلى الناس . وقال في الآية الأخرى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] . وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب ، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس))

و على هذا فيكون معنى الحديث :
ان الشمس حينما تغيب عن قوم فانها لا تظهر لاخر الا باذن الله فحينها تشرق لهم و هي دائمة السجود الله عز وجل كونها و جيمع المخلوقات تحت العرش
.

وقبل ان نختم نذكر بان القاعدة في علم الحديث ان النص يفهم على ظاهره و ان صرف النص عن ظاهره لا يتم الا اذا توفرت نصوص اخرى تساعد على فهم السياق مؤولا هذا مع الاخذ بعين الاعتبار التقيد بالمعاني اللغوية لالفاظ النص كما بينا
.
قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه درء تناقض العقل و النقل الجزء الاول :
(( وأن كل ما في القرآن والحديث من لفظ يقال فيه إنه يحتاج إلي التأويل الاصطلاحي الخاص الذي هو صوف اللفظ عن ظاهره فلا بد أن يكون الرسول قد بين مراده بذلك اللفظ بخطاب آخر لا يجوز عليه أن يتكلم بالكلام الذي مفهومه ومدلوله باطل ويسكت عن بيان المراد الحق ولا يجوز أن يريد من الخلق أن يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه لإمكان معرفة ذلك بعقولهم وأن هذا قدح في الرسول الذي بلغ البلاغ المبين الذي هدى الله به العباد وأخرجهم به من الظلمات إلي النور وفرق الله به بين الحق والباطل وبين الهدي والضلال وبين الرشاد والغي وبين أولياء الله وأعدائه وبين ما يستحقه الرب من الأسماء والصفات وما ينزه عنه من ذلك حتى أوضح الله به السبيل وأنار به الدليل وهدى به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم ))



و هذا ما قاله ابن عثيمين رحمه الله ايضا و هو شيخ ابن باز رحمه الله الذي لم يلزمنا بتفسيره للحديث وصرح ان الحديث يمكن تاويله و لا باس في ذلك

((فالواجب علينا ان ناخذ يظاهر الكتاب و السنة في هذا الامر الا اذا علمنا علم اليقين كما نعلم ثيابنا التي علينا ان الارض هي التي تدور وبدورانها يكون الليل و النهار فحينئذ نسلم ثم لنا فسحة ان نؤول الكتاب و السنة الى ما يؤول الواقع لان الكتاب و السنة لا يخالف الواقع ))


ملاحظتان مهمتان :
1. ان تاويلنا الحديث الصحيح هكذا لا يعني اننا ننكر حركة الشمس (و انا هنا اتكلم عن حركة الشمس و لم اقل انها تدور حول الارض) و ذلك لقول الله تعالى في سورة يس : ((و كل في فلك يسبحون )) وقوله تعالى في سورة الانبياء : ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) و الشمس تتحرك كما اثبت العلم ايضا فانها تدور حول نفسها و تدور مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة و تتحرك في الفضاء (هي و باقي النجوم و الكواكب و كل ما في المجرة) مع حركة مجرة درب التبانة .

2. جل العلماء بل كلهم ما عدا ابو بكر بن العربي رحمه الله صرحوا بان الشمس لا تتوقف عن مسارها الكوني و تذهب لتسجد تحت الشمس و لم يشترط احدهم القول بان الحديث يؤكد ان للارض كلها مشرق و مغرب واحد في اليوم الا ان بعض العلماء فسر حركة الشمس بانها تدور حول الارض و هذا يبقى في الاول و الاخر اجتهاد من طرفهم رحمهم و لا يقوم مقام الحجة فالحجة في مذهب اهل السنة و الجماعة تقوم بالكتاب و السنة الثابتة و الاجماع اما ما عدا ذلك فيؤخذ او يرد
نقرا من معجم الطبراني الكبير با التاء ، رقم الحديث: 11780
(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ، ثنا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ ، ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، رَفَعَهُ قَالَ : " لَيْسَ أَحَدٌ إِلا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَدَعُ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

هذا وصلى الله على سيدنا محمد و على اله وصحبه وسلم