بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (30))

استشكل عدد من النصارى و الملاحدة على الاية الكريمة قوله تعالى : ((و قالت اليهود عزير ابن الله)) حيث يدعون انه لم ينقل على مر التاريخ ان احدا من اليهود قال بان عزير ابن و لا غلو فيه هذا الغلو

و للرد اختصارا نقول :

اولا : انه لا يلزم من قوله تعالى : ((وقالت اليهود عزير ابن الله )) ان يكون كلهم قالوا هذا القول فنسبة عمل البعض الى الكل ان كان الاثنان واقعين تحت الضلال امر مشهور فالمراد هنا الجنس و ليس الكل .

و من امثلة ذلك قوله تعالى : (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91) ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)))

فلم يكن يهود المدينة هم انفسهم الذين عبدوا العجل و لا هم الذين قتلوا انبياء الله و رفع فوقهم الطور انما نسب ذلك اليهم لتشابه قلوبهم مع قلوب اجدادهم في الضلال فعلم ان المشار اليهم جنس محدد .

نقرا من احكام القران للجصاص الجزء الرابع الصفحة 299 :
(( وله تعالى : وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله قيل : إنه أراد فرقة من اليهود قالت ذلك ؛ والدليل على ذلك أن اليهود قد سمعت ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنكره ، وهو كقول القائل : الخوارج ترى الاستعراض وقتل الأطفال ، والمراد فرقة منهم لا جميعهم ؛ وكقولك : جاءني بنو تميم ، والمراد بعضهم . قال ابن عباس : { قال ذلك جماعة من اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ذلك ، وهم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فأنزل الله تعالى هذه الآية } ، وليس في اليهود من يقول ذلك الآن فيما نعلم ، وإنما كانت فرقة منهم قالت ذلك فانقرضت .))

و نقرا ما قاله شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى الجزء الخامس عشر كتاب التفسير :
(( سُئِلَ رَحِمَهُ الله عن قوله تعالى: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ }، كلهم قالوا ذلك أم بعضهم؟ وقول النبي ﷺ: «يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: العزير» الحديث. هل الخطاب عام أم لا؟.فأجاب:
الحمد لله، المراد باليهود جنس اليهود، كقوله تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } ، لم يقل جميع الناس، ولا قال: إن جميع الناس قد جمعوا لكم، بل المراد به الجنس.
وهذا كما يقال: الطائفة الفلانية تفعل كذا، وأهل الفلانى يفعلون كذا، وإذا قال بعضهم فسكت الباقون ولم ينكروا ذلك، فيشتركون في إثم القول. والله أعلم.))

ونقرا في تفسير الاية ما رواه الطبري رحمه الله في تفسيره سورة التوبة :
(( 16622- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وقالت اليهود عزير ابن الله)، إنما قالت ذلك, لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم, وأخذوا التوراة, وذهب علماؤهم الذين بقُوا، وقد دفنوا كتب التوراة في الجبال. (24) وكان عزير غلامًا يتعبَّد في رءوس الجبال، لا ينـزل إلا يوم عيد. فجعل الغلام يبكي ويقول: " ربِّ تركتَ بني إسرائيل بغير عالم " ! فلم يزل يبكي حتى سقطت أشفارُ عينيه، فنـزل مرة إلى العيد، فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلتْ له عند قبر من تلك القبور تبكي وتقول: يا مطعماه, ويا كاسِياه ! فقال لها: ويحك, من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك أو ينفعك قبل هذا الرجل؟ (25) قالت: الله! قال: فإن الله حي لم يمت! قالت: يا عزير, فمن كان يعلِّم العلماء قبلَ بني إسرائيل؟ قال: الله! قالت: فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خُصِم، (26) ولَّى مدبرًا, فدعته فقالت: يا عزير، إذا أصبحت غدًا فأت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه, ثم اخرج فصلِّ ركعتين, فإنه يأتيك شيخٌ، فما أعطاك فخُذْه. فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر, فاغتسل فيه, ثم خرج فصلى ركعتين. فجاءه الشيخُ فقال: افتح فمك! ففتح فمه, فألقى فيه شيئا كهيئة الجمرة العظيمة، مجتمع كهيئة القوارير، ثلاث مرار. (27) فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة, فقال: يا بني إسرائيل, إني قد جئتكم بالتوراة! فقالوا: يا عزير، ما كنت كذَّابًا! فعمد فربط على كل إصبع له قلمًا, وكتب بأصابعه كلها, فكتب التوراة كلّها. فلما رجعَ العلماء، أخبروا بشأن عزير, فاستخرج أولئك العلماء كُتبهم التي كانوا دفنوها من التوراة في الجبال, وكانت في خوابٍ مدفونة, (28) فعارضوها بتوراة عزير، فوجدوها مثلها, فقالوا: ما أعطاك الله هذا إلا أنك ابنه!))

ثانيا : المعلوم من الشواهد و الاثار ان يهود الجزيرة العربية كانوا منفصلين عن يهود ثقافيا و عقائديا فالانعزالية الاجتماعية و البعد الجغرافي عن بقية يهود العالم جعل يهود الجزيرة العربية شبه منقطعين عن بقية يهود العالم و لا يربطهم الا مسمى الديانة و رابطة الدم و لذا فلا غرابة ان تكون عقائد بعض يهود الجزيرة العربية مختلفة عن اولئك اليهود خارج الجزيرة العربية .
و مما يدل على هذا ما نقرؤه في كتاب تاريخ اليهود في بلاد العرب لاسرائيل ولفنسون الصفحة 11 -12:
((و هناك شهادات من يهود مدينة دمشق و حلب في القرن الثالث ب. م. انهم كانوا ينكرون وجود يهود في الجزيرة العربية و يقولون ان الذين يعتبرون انفسهم من اليهود في جهات خيبر ليسوا يهود حقا اذ لم يحافظوا على الديانة الالهية التوحيدية و لم يخضعوا لقوانين التلمود خضوعا تاما ))




و من القرائن و الشواهد على هذا ما قاله الدكتور جوناثان براون في مقاله ان بعضا من يهود جنوب الجزيرة العربية يحتمل انهم كانوا يعبدون الملائكة :(Interestingly,
an inscription from a 4th-6th-century CE Jewish temple in South Arabia suggests possible angel worship
).3 A second explanation was that this Quranic verse related to the verse immediately following it: ‘They have taken their rabbis and monks as lords apart from God…’ (Quran 9:31). In other words, Jews venerated Ezra so much that it was as if he were a god to them.4]))

و يتابع براون في مقاله قائلا ان عزرا و اخنوخ قرنا ببعضهما البعض بلقب الكاتب وكلا منهما رفعت منزلتهما عند اليهود الى منزلة الملائكة و ان اخنوخ حسب سفر اخنوخ الابوكريفي تحول الى الملاك المعروف بميتاترون و اخذ درجة الاله الاصغر عند اليهود !!!
((Enoch and Ezra were closely associated with one another because both were referred to as ‘The Scribe
’ and both were elevated to angelic status
. But in the case of Enoch, he was not simply referred to as an angelic ‘son of God.’ In another famous Old Testament Pseudeprigrapha, The Book of Enoch (which dates early second century BCE to first century CE), Enoch is raised up to the status of the righteous ‘son of man,’ i.e., an angel with the appearance of a man (II Enoch 46.1, 71.14). But in III Enoch (which perhaps dates from 5th to the 7th centuries CE)
he is transformed into the Metatron (yes, Metatron!), a super archangel who is designated the ‘lesser God (Yahweh)
’ (III Enoch 12.5).10 The figure of the Metatron appears in the Babylonian Talmud11](circa 500 CE)))
https://almadinainstitute.org/blog/t...he-son-of-god/

و نجد المفسر ادم كلارك في تعليقاته على الكتاب المقدس في سفر ملاخي الاصحاح 3 العدد 1 1 «هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ»
ان ملاخي هنا فسرت من بعض اليهود على انه الملاك ميتاترون الذي ظنه البعض عزرا :
الاســـم:	Screen Shot 2019-07-19 at 2.33.42 PM.png
المشاهدات: 6122
الحجـــم:	210.0 كيلوبايت

https://books.google.com.sa/books?id...N EZRA&f=false

ثالثا: نصوص و مصادر يهودية ابوكريفية تقول بان عزرا صار بمنزلة ابن الله :
1. من كتاب إسدراس الثانى الأبوكريفى من الفصل 14 أن الله تعالى يخاطب عزرا قائلا :
[9] For thou shalt be taken away from all, and from henceforth thou shalt remain with my Son, and with such as be like thee,
until the times be ended.
الترجمة :
أنت ستؤخذ بعيدا عن الجميع و من الآن فصاعدا ستبقي مع ابنى و مع من هم مثلك حتى تنتهى الأزمنة
http://www.earlyjewishwritings.com/text/2esdras.html

2. تقول الموسوعة اليهودية Encyclopedia Judaica ما ذكره المستشرق هيرشبيرق:
Hirschberg proposed another assumption, based on the words of Ibn Hazm, namely, that the 'righteous who live in Yemen believed that 'Uzayr was indeed the son of Allah.' According to other Muslim sources, there were some Yemenite Jews who had converted to Islam who believed that Ezra was the messiah. For Muhammad, Ezra, the apostle (!) of messiah, can be seen in the same light as the Christian saw Jesus, the messiah, the son of Allah.
https://www.encyclopedia.com/philoso...testament/ezra

رابعا : نذكر مثالا على غلو اليهود في عزرا من التلمود كقرينة على ان الغلو في عزرا كمبدا ليس بمستغرب على اليهود :
نقرا من التلمود سنهدرين 21B :
((The Gemara asks: Who are these commoners? Rav Ḥisda said: The Samaritans [Kutim]. The Gemara asks: What is Ivrit script? Rav Ḥisda says: Libona’a script. It is taught in a baraita (Tosefta 4:5): Rabbi Yosei says: Ezra was suitable, given his greatness, for the Torah to be given by him to the Jewish people, had Moses not come first and received the Torah already))
https://www.sefaria.org/Sanhedrin.21b.23-24?lang=en&with=all&lang2=en

و هذا يعني بالنسبة لهم ان التوراة ان لم توحى لموسى عليه الصلاة و السلام لاوحيت الى عزرا

هذا وصلى الله على سيدنا محمد و على اله وصحبه وسلم