

-
التجسيم و التجسد الإلهي في البشر عند اليهود
بسم الله الرحمن الرحيم
موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية - دكتور عبد الوهاب المسيري
المجلد الخامس: اليهودية.. المفاهيم والفرق - الجزء الثاني: المفاهيم والعقائد الأساسية في اليهودية - الباب الأول: الإله
التصور اليهودي للإله
Jewish Concept of God توجد داخل اليهودية، من حيث هي تركيب جيولوجي تراكمي، طبقة توحيدية تدور حول الإيمان بالإله الواحد الذي لا جسد له ولا شبيه، الذي لا تدركه الأبصار وتعتمد عليه المخلوقات كافة ولا يعتمد هو على أيٍّ منها إذ هو يتجاوزها جميعاً ويسمو عليها. وكل مظاهر الطبيعة والتاريخ ليست إلا تعبيراً عن قدرته، فهو روح الكون غير المنظورة، السارية فيه، والتي تُمد الكون بالحياة؛ وتسمو عليه وتلازمه في آن واحد. وقد وصل التوحيد في اليهودية إلى ذروته على يد بعض الأنبياء الذين خلَّصوا التصور اليهودي للإله من الشوائب الوثنية الحلولية التي علقت به، فصار أكثر إنسانية وشمولاً وسمواً، وأقل عزلة وقومية وتعالياً.<br>
وقد استمر التيار التوحيدي في مختلف فترات تاريخ اليهودية. وتتضمن الصلوات اليهودية دعاء الشماع، أي شهادة التوحيد اليهودية وقصائد مثل «آني مأمِّين» (إني مؤمن) و «يجدال» (تنزَّه الرب) التي تؤكد فكرة التوحيد. وقد سار الكثير من اليهود إلى حتفهم في العصور الوسطى في الغرب دفاعاً عن وحدانية الإله وتأكيداً لها.<br>
ولكن اليهودية، كتركيب جيولوجي، تراكمت داخلها طبقات أخرى، وما التوحيد سوى طبقة واحدة ضمن طبقات مختلفة. فالعهد القديم، كما يتضح في مصادره المتعددة، يطرح رؤى متناقضة للإله تتضمن درجات مختلفة من الحلول بعضها أبعد ما يكون عن التوحيد.<br>
وتتبدَّى الحلولية في الإشارات العديدة إلى الإله، التي تصفه ككائن يتصف بصفات البشر، فهو يأكل ويشرب ويتعب ويستريح ويضحك ويبكي، غضوب متعطش للدماء، يحب ويبغض، متقلب الأطوار، يُلحق العذاب بكل من ارتكب ذنباً سواء ارتكبه عن قصد أو ارتكبه عن غير قصد، ويأخذ الأبناء والأحفاد بذنوب الآباء، بل يحس بالندم ووخز الضمير (خروج 32/10 ـ 14) ، وينسى ويتذكر (خروج 2/23 ـ 24) ، وهو ليس عالماً بكل شيء، ولذا فهو يطلب من أعضاء جماعة يسرائيل أن يرشدوه بأن يصبغوا أبواب بيوتهم بالدم حتى لا يهلكهم مع أعدائهم من المصريين عن طريق الخطأ (خروج 12/13 ـ 14) . وهو إله متجرِّد، ولكنه في الوقت نفسه يأخذ أشكالاً حسية محددة، فهو يطلب إلى اليهود (جماعة يسرائيل) أن يصنعوا له مكاناً مقدَّساً ليسكن في وسطهم (خروج 25/8) ، كما يسير أمام جماعة يسرائيل على شكل عمود دخان في النهار كي يهديهم الطريق، أما في الليل فكان يتحول إلى عمود نار كي يضيء لهم (خروج 13/21/22) . وهو إله الحروب (خروج 15/3 ـ 4) يعلِّم يدي داود القتال (صمويل ثاني 22/30 ـ 35) ، يأمر اليهود بقتل الذكور، بل الأطفال والنساء (عدد 31/1 ـ 12) ، وهو إله قوي الذراع يأمر شعبه بألا يرحم أحداً (تثنية 7/16 ـ 18) ، وهو يعرف أن الأرض لا تُنال إلا بحد السيف. ولذا، فهو يأمر شعبه المختار بقتل جميع الذكور في المدن البعيدة عن أرض الميعاد «أما سكان الأرض نفسها فمصيرهم الإبادة ذكوراً كانوا أم إناثاً أم أطفالاً» (تثنية 20/10 ـ 18) وذلك لأسباب سكانية عملية مفهومة. والمقاييس الأخلاقية لهذا الإله تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولذا فهي تتغيَّر بتغير الاعتبارات العملية، فهو يأمر اليهود (جماعة يسرائيل) بالسرقة ويطلب من كل امرأة يهودية في مصر أن تطلب من جارتها ومن نزيلة بيتها «أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين» (خروج 3/22) . وهكذا، فإننا نجد منذ<br>
البداية، أن فكرة الإله الواحد المتسامي تتعايش مع أفكار أخرى متناقضة معها، مثل تشبيه الإله بالبشر، ومثل فكرة الشعب المختار، فهي أفكار تتناقض مع فكرة الوحدانية التي تطرح فكرة الإله باعتباره إله كل البشر الذي يسمو على العالمين. وفي إطار هذه الرؤية للإله ليس من الغريب أن يسقط أعضاء جماعة يسرائيل في عبادة العجل الذهبي (ويتزعمها هارون أخو موسى) ، وأن يقبل العهد القديم عناصر وثنية مثل الترافيم والإيفود (الأصنام) ، وكلها تعبير عن رؤية حلولية مشركة لا تختلف كثيراً عما جاء في العهد القديم. وليس من الغريب أن نجد شعائر تدل على الثنوية في العبادة اليسرائيلية.<br>
ورغم أن الإله، حسب بعض نصوص العهد القديم، يفصح عن نفسه في الطبيعة والتاريخ ويتجاوزهما، فهو مصدر النظام في الطبيعة، وهو أيضاً الذي يجعل التاريخ في نظام الطبيعة وتناسقها، إلا أننا نجده داخل الإطار الحلولي الكموني يتحول من كونه حقيقة مطلقة تعلو على المادة (الكونية الطبيعية أو التاريخية) ويصبح امتداداً لما هو نسبي، وامتداداً للشعب اليهودي على وجه الخصوص. فيصبح الخالق امتداداً لوعي الأمة بنفسها، فيظل إلهاً قومياً خاصاً مقصوراً على الشعب اليهودي وحده، بينما نجد أن للشعوب الأخرى آلهتها (خروج 6/7) حتى تصبح وحدانية الإله من وحدانية الشعب. ولذا، نجد أن الشعب ككل، وليس الإنسان ذو الضمير الفردي، يشهد على وحدانية الإله في صلاة الشماع. ويظهر الاتجاه نفسه في أفكار دينية مثل الاختيار والوعد الإلهي وأرض الميعاد التي تصبح مقدَّسة ومختارة تماماً مثل الشعب (وتلاحُم الإله بالأرض والشعب هو الثالوث الحلولي) . ولهذا، ظلت اليهودية دين الشعب اليهودي (جماعة يسرائيل) وحده، ونجد أن الغرض الإلهي يتركز في هذا الشعب دون سواه، فقد اختير من بين جميع الشعوب ليكون المستودع الخاص لعطف يهوه. كما أن مجرى الطبيعة أو تاريخ البشر يدور بإرادة الإله حول حياة ومصير اليهود. ويتضح هذا في مفهوم التاريخ اليهودي المقدَّس الذي لا يمكن فهم تاريخ الكون بدونه، كما يتبدَّى في رؤية آخر الأيام حيث ترتبط صورة الآخرة والنشور في كتب الرؤى (أبوكاليبس) ، وفي بعض أجزاء العهد القديم، بسيادة اليهود على العالمين. ثم يتعمق الاتجاه الحلولي مع ظهور اليهودية التلمودية الحاخامية ويزداد الحلول الإلهي، فنجد أن القداسة تتعمق في الحاخامات من خلال مفهوم الشريعة الشفوية حيث يتساوى الوحي الإلهي بالاجتهاد البشري ويصبح الحاخامات ذوي إرادة مستقلة يقارعون الإله الحجة بالحجة، وتُجمَع آراؤهم في التلمود الذي يصبح أكثر قداسة من التوراة (التي يفترض أنها معادلة<br>
للإله وتحوي سر الكون) . وقد بلغ الحلول الإلهي درجة أن المشناه (التي تضم تفسير الحاخامات) شُبِّهت باللوجوس في اللاهوت المسيحي، أي أنها كلمة الإله المقدَّسة، كانت موجودة في عقله منذ الأزل. وتُستخدَم كلمة «ابن الله» للإشارة إلى الشعب اليهودي، أي أنه هو أيضاً اللوجوس. وتزداد أهمية اليهود كشعب مقدَّس، داخل الطبيعة والتاريخ، ويزداد التصاق الإله بهم وتحيُّزه لهم ضد أعدائهم. ويخلع التلمود على الإله صفات بشرية بشكل عام، ويهودية بشكل خاص، وبشكل أكثر تطرفاً من التوراة. وقد جاء في التلمود أنه بعد وصول الماشيَّح، سيجلس الإله على عرشه يقهقه فرحاً لعلو شأن شعبه، وهزيمة الشعوب الأخرى التي تحاول دون جدوى أن يكون لها نصيب في عملية الخلاص، أي أن الشعب اليهودي والتاريخ اليهودي يزدادان قداسة ومركزية في الدراما الكونية. ويقضي الإله وقته وهو يلعب مع حوت، ويبكي من أجل هدم الهيكل، ويندم على فعلته، وهو يلبس العمائم، ويجلس على عرشه، ويدرس التوراة ثلاث مرات يومياً. وتنسب إلى الإله صفات الحقد والتنافس، وهو يستشير الحاخامات في كثير من الأمور (ولكن يجب الانتباه إلى أن هذه الطبقة الجيولوجية الحلولية توجد إلى جانبها في التلمود نصوص كثيرة تؤكد وحدانية الإله وتساميه وتشجب النزعات التشبيهية) .<br>
ويصل الحلول إلى منتهاه وإلى درجة وحدة الوجود في تراث القبَّالاه، فهو تراث يكاد يكون خالياً تماماً من أي توحيد أو تجاوز أو علو للإله، وبحيث لا يصبح هناك فارق بين الجوهر الإلهي والجوهر اليهودي، ويصبح الفارق الأساسي هو بين الجوهر اليهودي المقدَّس وجوهر بقية البشر. ويصبح الفرق بين اليهود والأغيار فرقاً ميتافيزيقياً، فاليهود قد خُلقوا من مادة مقدَّسة (حل فيها الإله بروحه) مختلفة عن تلك المادة (الوضيعة العادية) التي خُلقت منها بقية البشر. ويكتسب الإله صفات بشرية، ولذا فهو يغازل الشعب اليهودي (بنت صهيون) ويدخل معه (أو معها) في علاقة عاطفية قوية ذات إيحاءات جنسية، وهي فكرة أصبحت أساسية في التراث القبَّالي.<br>
وتتضح النزعة نفسها في قصة الخلق في التراث القبَّالي، فالإله لا يخلق العالم من العدم وإنما صدرت عنه التجليات النورانية العشرة (سفيروت) التي تأخذ صورة آدم الأول أو القديم (آدم قدمون) أي أن صورة الإله هي صورة الإنسان، وتستقل التجليات العشرة تماماً عن الخالق حتى أنه يتحدث مع الشخيناه (التجلي العاشر) . كما أن التجلي المذكر للإله يطارد التجلي المؤنث. وتصبح تلاوة الشماع، حسب الفكر القبَّالي، هي المحاولة التي يبذلها اليهود ليتوحد التجلي الذكوري بالتجلي الأنثوي، ويجتمعان معاً بالمعنى الجنسي. وفي داخل التراث القبَّالي، يصبح التجلي العاشر (شخيناه) الذات الإلهية والتعبير الأنثوي عن الإله، وهو نفسه جماعة يسرائيل، أي أن الزواج بين الخالق والشعب يصبح هنا توحداً كاملاً. ويقوم هذا الشعب بتوزيع رحمة الإله على العالمين. ثم تصل الحلولية إلى ذروتها والشرك إلى قمته، حين يصبح الإنسان اليهودي شريكاً للإله في عملية الخلق نفسها، ويزداد الإله اعتماداً على الإنسان. وبعد عملية السقوط، وتَهشُّم الأوعية في القبَّالاه اللوريانية، تتفتت الذات الإلهية نفسها، وتتوزع الشرارات الإلهية، ولا يتأتى للإله أن يستعيد كماله ويحقق ذاته إلا من خلال شعبه اليهودي. فاليهود، بآثامهم، يؤخرون عملية الخلاص التي تؤدي إلى خلاص العالم وإلى اكتمال الإله. وهم، بأفعالهم الخيرة، يعجلون بها. ولذا، فالأغيار والإله يعتمدون على أفعال اليهود الذين يشغلون مكانة مركزية في العملية التاريخية والكونية للخلاص. وعند هذه النقطة، يصبح من الصعب الحديث عن اليهودية باعتبارها ديانة توحيدية.<br>
ويظهر هذا النزوع الحلولي المتطرف في أحد التعليقات القبَّالية في أحد كتب المدراش على إحدى فقرات سفر أشعياء (43/12) ، حيث جاء فيها "أنتم شهودي، يقول الرب، وأنا الله"، وهي فقرة تؤكد وحدانية الإله وتساميه. وهي وإن كانت تتحدث عن علاقة خاصة، فإنها مع هذا أبعد ما تكون عن الحلولية أو الشرك. ولكن كاتب المدراش الحاخامي يفرض الطبقة الحلولية على الطبقة التوحيدية فرضاً فيفسرها بقوله: "حينما تكونون شهودي أكون أنا الإله، وحينما لا تكونون شهودي فكأنني لست الإله"، وكأن كينونة الإله من كينونة الشعب وليس العكس. بل إن كمال الإله يتوقف على الشعب، إذ قال أحد الحاخامات: "حينما ينفذ اليهود إرادة الإله، فإنهم يضيفون إلى الإله في الأعالي. وحينما يعصي اليهود إرادة الإله، فهم كما لو أنهم يضعفون قوة الإله العظمى في الأعالي". ورغم أن كاتب المدراش يستخدم دائماً عبارة «كما لو أن» لتأكيد بعدها المجازي، فإن تكرارها وارتباطها بالمفاهيم الأخرى ينقلها من عالم المجاز إلى عالم العقائد الحرفية المباشرة التي لا تحتاج أي تفسير.<br>
وعلى أية حال، فإن التيار التوحيدي ظل لمدة طويلة أساسياً في النسق الديني اليهودي بل كان يكتسب أحياناً قوة كما حدث من خلال التفاعل مع الفكر الديني الإسلامي، كما هو الحال مع كلٍّ من سعيد بن يوسف الفيومي وموسى بن ميمون. وكثيراً ما حاول الحاخامات الوقوف ضد الاتجاه الحلولي الشعبي (الفلكلوري) ، فحاولوا أن يفسروا الطبائع البشرية للإله بأنها مجرد محاولة لتبسيط الأمور حتى يفهمها العامة. بل يُلاحَظ أن عبارة "كما لو أن" كانت تضاف حتى في التفسيرات القبَّالية الحلولية الأولى لتأكيد الطابع المجازي للخطاب، ولكن هذا التحفظ تآكل بالتدريج وتغلغلت القبَّالاه ذات الأصول الشعبية في صفوف العامة ثم في صفوف المؤسسة الحاخامية نفسها وسيطر فكر حلولي حرفي متطرف. ومع تغلغل القبَّالاه ذات الأصول الشعبية والغنوصية والتي اكتسبت أبعاداً مسيحية، حدثت عملية تنصير لليهودية، حيث فقدت اليهودية هويتها واكتسبت هوية شبه مسيحية جديدة تستند إلى تشويه العقائد المسيحية.<br>
ومع بدايات العصر الحديث، كانت الحسيدية أوسع المذاهب انتشاراً، وهي شكل من أشكال الحلولية المتطرفة بكل ما تحمل من شرك وثنوية. ويتضح هذا في الدور الذي يلعبه التساديك فإرادته معادلة لإرادة الإله، فهو الوسيط بين اليهود والخالق، وهو محل القداسة، وهو الإنسان التقي صاحب القدرة الذي يمكنه النطق باسم الإله والتحكم فيه والتأثير في قراراته.<br>
وقد تبنَّى الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر رؤية حلولية للإله، فتحدث عن الحوار الدائر بين الشعب والإله باعتبار أنهما طرفان متساويان، وهذا تَصوُّر ممكن داخل إطار حلولي قومي. كما نجد فرقاً يهودية حديثة مثل اليهودية المحافظة واليهودية التجديدية تبنيان تصوراتهما الدينية على أساس فكرة الشعب المقدَّس، مع إسقاط فكرة الإله تماماً (حلولية موت الإله) ، أو وضعها في مرتبة ثانوية (حلولية شحوب الإله) . ويصل الأمر إلى حد أن حاخاماً إصلاحياً مثل إيوجين بوروفيتز يتحدث عن حرب عام 1967 باعتبار أنها لم تكن تهدد دولة إسرائيل فحسب، وإنما تهدد الإله نفسه باعتبار أن الإله والشعب والأرض يُكوِّنان جوهراً واحداً، فمن أصاب جزءاً من هذا الجوهر بسوء (أرض دولة إسرائيل على سبيل المثال) ، فقد أصاب الذات الإلهية نفسها. بل إن بعض المفكرين الدينيين اليهود يتحدثون عن «لاهوت موت الإله» ، وهي محاولة الوصول إلى نسق ديني خال تماماً من أي جوهر إلهي مفارق، فهي حلولية بدون إله. وقد تفرَّع من هذا «لاهوت الإبادة» أو «لاهوت ما بعد أوشفيتس» الذي يذهب دعاته إلى أن الإله شرير لأنه هجر الشعب اليهودي. كما يذهبون إلى أن المطلق أو الركيزة النهائية هو الشعب اليهودي (دون الإله) وأن القيمة الأخلاقية المطلقة هي البقاء، وأن الآلية الأساسية لإنجاز ذلك هي الدولة الصهيونية، فكأن الدولة الصهيونية هي الإله أو اللوجوس في الحلولية الصهيونية بدون إله. ومن الصعب عند هذه النقطة الحديث عن اليهودية كديانة توحيدية، إذ أصبحت ديانة وثنية حلولية.<br>
<br>
الباب الثامن: القبالاه
الصوفية اليهودية (القبَّالاه)
(Jewish Mysticism (Kabbalah<br
يُعرف التراث الصوفي اليهودي باسم «القبَّالاه» التي مرت بمراحل عديدة أهمها «قبَّالاة الزوهار» وتُسمَّى أيضاً «القبَّالاه النبوية» ، و «القبَّالاه اللوريانية» التي يمكن أن تُسمَّى «القبَّالاه المشيحانية» .أما كلمة «الصوفية» ،فلها (داخل النسق الديني اليهودي) دلالات خاصة، فهذا النسق يتَّسم بوجود طبقة جيولوجية ذات طابع حلولي قوي تراكمت داخله، ابتداءً من العهد القديم، مروراً بالشريعة الشفوية، وقد انعكست هذه الحلولية من خلال شيوع أفكار، مثل: الشعب المختار، وأمة الروح، والأرض المقدَّسة.<br>
وتراث القبَّالاه الصوفي تراث ضخم وضع أسس التفسيرات الصوفية الحلولية في الزوهار والباهير وغيرهما من الكتب، وحل محل التوراة والتلمود. ومن الملاحَظ أيضاً انتشار الحركات المشيحانية الصوفية الحلولية بين الجماعات اليهودية في العالم عبر التاريخ. فكان التفكير الفلسفي بين اليهود نادراً، ولم يظهر إلا تحت تأثير الحضارات الأخرى، كما أنه كان ينحو منحى حلولياً في أغلب الأحيان. ففيلون السكندري، مثلاً، كان واقعاً تحت تأثير الحضارة الهيلينية، ولم يكن يعرف العبرية مطلقاً، ومع هذا فإن ثمة نزعة حلولية قوية في فلسفته، ولم يترك فكره الفلسفي أي أثر في تطور اليهودية اللاحق. وكذلك موسى بن ميمون، بطل كل المفكرين العقلانيين اليهود، فقد كان متأثراً تأثراً عميقاً بحضارته العربية الإسلامية. أما في العصر الحديث، مع ظهور فكر فلسفي يهودي حديث، فإننا نجد إسبينوزا بفلسفته الحلولية على رأس المفكرين. كما أن أهم مفكر ديني يهودي، مارتن بوبر، كان مهتماً بالتصوف أشد الاهتمام، بل نجده أحد عُمُد التصوف في تاريخ الفكر الحديث في الغرب. والواقع أن الفكر الديني اليهودي الحديث ينحو، في جوهره، هذا المنحى الصوفي الحلولي، والصهيونية هي النقطة التي تظهر عندها الحلولية بدون إله. ويمكن التمييز بين نمطين من التصوف: واحد يدور في نطاق إطار توحيدي، ويَصدُر عن الإيمان بإله يتجاوز الإنسان والطبيعة والتاريخ، ومن ثم يؤمن بالثنائيات الدينية الفضفاضة (سماء/أرض ـ إنسان/طبيعة ـ إله/إنسان) . وتتبدَّى هذه الرؤية في تدريبات صوفية يقوم بها المتصوف ليكبح جماح جسده تعبيراً عن حبه للإله وعن محاولته التقرب منه وهو يعرف مسبقاً استحالة الوصول والتوحد مع الإله، فالحلول الإلهي يتنافى مع الرؤية التوحيدية، ووحدة الوجود قمة الكفر. والمتصوف الذي يدور في إطار توحيدي يعبِّر عن حبه الإلهي عن طريق فعل في التاريخ والدنيا يلتزم فيه بقيم الخير ويُعلي به من شأن القيم المطلقة المُرسَلة للإنسان من الإله ويصلح به حال الدنيا.<br>
أما النمط الثاني من التصوف فيدور في إطار حلولي يصدر عن الإيمان بالواحدية الكونية حيث يحل الإله في الطبيعة والإنسان والتاريخ ويتوحد معها ويصبح لا وجود له خارجها، فيُختزَل الواقع بأسره إلى مستوى واحد يخضع لقانون واحد. ومن ثم، يستطيع من يعرف هذا القانون (الغنوصي) أن يتحكم في العالم بأسره. وهذا هو هدف المتصوف في هذا الإطار. فبدلاً من التدريبات الصوفية التي يكبح بها الإنسان جسده ويطوع لها ذاته، يأخذ التصوف شكل التفسيرات الباطنية وصنع التمائم والتعاويذ والبحث عن الصيغ التي يمكن من خلالها التأثير في الإرادة الإلهية، ومن ثم التحكم الإمبريالي في الكون. وحتى لو أخذ هذا التصوف شكل الزهد، فالهدف من الزهد ليس تطويع الذات وإنما الوصول إلى الإله والالتصاق به والتوحد معه والفناء فيه ليصبح المتصوف عارفاً بالأسرار الإلهية، ومن ثم يصبح هو نفسه إلهاً أو شبيهاً بالإله. والمتصوف في إطار حلولي لا يكترث إلا بذاته، ولذا فهو لا يتحرك في الزمان والمكان الإنسانيين ولا يأتي بأفعال في التاريخ ولا يهتم بإصلاح الدنيا بل يضع نفسه فوق الخير والشر وفوق كل القيم المعرفية والأخلاقية. فالتجربة الصوفية التوحيدية تطويع للذات وطاعة للخالق وإصلاح للدنيا، أما الثانية فهي تحقيق للذات وتطويع للخالق وبحث عن التحكم في الدنيا. ورغم استخدام لفظ واحد ( «تصوف» ) للإشارة إلى التجربتين، إلا أنهما مختلفتان تمام الاختلاف. والتصوف الحلولي، وخصوصاً في أشكاله المتطرفة، هو شكل من أشكال العلمنة. فإذا كان الإله أو الخالق هو مخلوقاته، فإن مخلوقاته هي هو. وإذا حل الإله في المادة، فإن الطبيعة تصبح هي الإله (كما يؤكد إسبينوزا) ، كما أن صاحب العرفان يصبح قادراً على التحكم في الإله والطبيعة والكون. ويمكننا هنا أن نرى ملامح سوبرمان نيتشه، الذي لا يؤمن إلا بإرادة القوة ويتجاوز أخلاق الضعفاء.<br>
ويمكننا القول بأن التصوف اليهودي (على وجه العموم) من النمط الحلولي وأنه ذو اتجاه غنوصي قوي. فالمتصوف اليهودي لا يتجه نحو تطويع الذات الإنسانية الفردية وخدمة الإله، وإنما يحاول الوصول إلى فَهْم طبيعة الإله من خلال التأمل والمعرفة الإشراقية الكونية (الغنوص أو العرفان) بهدف التأثير في الإله والتحكم الإمبريالي في الواقع. ومن هنا، كان ارتباط التصوف اليهودي أو القبَّالاه بالسحر، ومن هنا أيضاً كانت علاقة السحر بالعلم والغنوصية. وقد وصف العالم جيرشوم شوليم الصوفية اليهودية بأنها «ثيو صوفية» ، أي أنها معرفة الإله من خلال التأمل والمعرفة الإشراقية الكونية (الغنوص) أو العرفان. ومن ثم، فهي تبتعد عن التمرينات الصوفية وعمليات الزهد ومحاولة الذوبان أو إفناء الذات الإنسانية في الذات الإلهية. ولكن هذا الوصف ليست له مقدرة تفسيرية عالية، فالتصوف اليهودي الحلولي يتجه نحو الاتحاد مع الإله والالتصاق به (ديفيقوت) ، وهو اتحاد يؤدي إلى وحدة الوجود (ووحدة الوجود يُفترض أنها تؤدي إلى الكشف الصوفي لطبيعة الإله وإمكانية التواصل معه ثم التحكم فيه!) . ولعل سمة التصوف اليهودي الأساسية أنه يدور في معظمه في إطار حلولي، الأمر الذي يجعله يختلف عن التصوف الذي يدور في إطار توحيدي. ولذا، فنحن نؤثر أن نشير إلى التصوف اليهودي بكلمة «قبَّالاه» ، فهي أكثر دقة وتفسيرية.<br>
القبَّالاه: تاريخ<br>
«القبَّالاه» هي مجموعة التفسيرات والتأويلات الباطنية والصوفية عند اليهود. والاسم مُشتَّق من كلمة عبرية تفيد معنى التواتر أو القبول أو التقبل أو ما تلقاه المرء عن السلف، أي «التقاليد والتراث» أو «التقليد المتوارث» . وكان يُقصَد بالكلمة أصلاً تراث اليهودية الشفوي المتناقل فيما يعرف باسم «الشريعة الشفوية» ، ثم أصبحت الكلمة تعني، من أواخر القرن الثاني عشر، «أشكال التصوف والعلم الحاخامي المتطورة» (إلى جانب مدلولها الأكثر عموماً باعتبارها دالاً على سائر المذاهب اليهودية الباطنية منذ بداية العصر المسيحي) . وقد أطلق العارفون بأسرار القبَّالاه ( «مقوباليم» بالعبرية و «القبَّاليون» على أنفسهم لقب «العارفون بالفيض الرباني» .<br>
ومصطلح «قبَّالاه» واحد من مصطلحات أخرى تشير إلى المدلول نفسه، فالتلمود يتحدث عن «رازي هتوراه» ، أي «أسرار التوراة» . وقد كان يُشار إلى المتصوفين بعبارات «يورديّ مركافاه» ، أي «النازلون إلى المركبة» ، و «بعلي هاسود» ، أي «أسياد أو أصحاب الاسم» ، و «إنشي إيموناه» ، أي «رجال الإيمان» ، و «بني هيخلاه دي ملكا» ، أي «أبناء قصر الملك» .
وكان القبَّاليون يرون أن المعرفة، كل المعرفة (الغنوص أو العرفان) ، توجد في أسفار موسى الخمسة، ولكنهم كانوا يرفضون تفسير الفلاسفة المجازي، وكانوا لا يأخذون في الوقت نفسه بالتفسير الحرفي أيضاً. فقد كانوا ينطلقون من مفهوم غنوصي أفلاطوني مُحدَث يُفضي إلى معرفة غنوصية، أي باطنية، بأسرار الكون وبنصوص العهد القديم وبالمعنى الباطني للتوراة الشفوية.
والتوراة ـ حسب هذا التصور ـ هي مخطَّط الإله للخلق كله، وينبغي دراستها. لكن كل كلمة فيها تمثل رمزاً، وكل علامة أو نقطة فيها تحوي سراً داخلياً، ومن ثم تصبح النظرة الباطنية الوسيلة الوحيدة لفهم أسرارها. وقد جاء أنه، قبل الخلق، كُتبت التوراة بنار سوداء على نار بيضاء، وأن النص الحقيقي هو المكتوب بالنار البيضاء، وهو ما يعني أن التوراة الحقيقية مختفية على الصفحات البيضاء لا تدركها عيون البشر. ويقول القبَّاليون إن الأبجدية العبرية لها قداسة خاصة، ولها دور في عملية الخلق، وتنطوي على قوى غريبة قوية ومعان خفية، وبالذات الأحرف الأربعة التي تكوِّن اسم يهوه (تتراجرماتون) ، فلكل حرف أو نقطة أو شرطة قيمة عددية. ومن هذا المنطلق، فإن الحروف تنقسم بصفة عامة إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى الهمزة (رمز الهواء) ، والمجموعة الثانية الميم (رمز الماء) ، والمجموعة الثالثة الشين (رمز النار) . وبإمكان الإنسان الخبير بأسرار القبَّالاه أن يفصل الحروف، ويجمع معادلها الرقمي ليستخلص معناها الحقيقي، كما كان من الممكن جَمْع الحروف الأولى من العبارات، وأن يُقرَأ عكساً لا طرداً ليصل المرء إلى معناها الباطني. وكانت هناك أيضاً طريقة الجماتريا.
وبذلك تصبح كلمات التوراة مجرد علامات، أو دوال، تشير إلى قوى ومدلولات كونية وبنى خفية يستكشفها مفسر النص الذى يخترق الرداء اللفظي ليصل إلى النور الإلهي الكامن. ومن خلال هذا المنهج التفسيري، تَمكَّن القبَّاليون من فرض رؤاهم الخاصة على النصوص الدينية وإشاعتها، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لكل الآراء الحلولية المتطرفة.
وإذا كانت الديانات التوحيدية، وضمنها اليهودية، التي تدور حول إله مفارق يتجاوز الطبيعة والتاريخ ترى أن ثمة مساحة تفصل بين الخالق والمخلوق، وبين الإله والكون، فإن التراث القبَّالي ينزع نزوعاً حلولياً واضحاً نحو تضييق المسافة بينهما، حتى تتلاشى تماماً في نهاية الأمر. والواقع أن الإله، حسب التصور القبَّالي، ليس الإله المفارق المتسامي الذي ليس كمثله شيء، وإنما يُنظَر إليه من منظورين: باعتباره (أولاً) الإله الخفي والجوهر الذي لا يستطيع الإنسان إدراك كنهه، وهذا هو إله الفلاسفة؛ الإله الواحد الذي لا يتجزأ، وهو في رأي القبَّالاه حالة ساكنة تفتقد إلى الحيوية، وهو الخالق في حالة انكماش قبل عملية الخلق، وهو العدم واللاوجود (فهو يشبه من كثير من الوجوه إله الغنوصية الخفي) ، كما يُنظَر إليه باعتباره (ثانياً) الإله القريب الحي؛ القريب بسبب وجوده الذاتي وتعدديته، فهو بنية داخلية، مركبة ودينامية، وهو عملية عضوية تؤثر في العالم وتتأثر به، وهو تَجسُّد مادي (لوجوس) يحل في المادة (سواء كانت الشعب اليهودي أم الظواهر الطبيعية أم اسم الإله الأعظم من يكتشفه يتحكم في الكون بأسره) . والإله يتسم بسمات عديدة اشتقها القبَّاليون من خلال قراءتهم الغنوصية الدينية اليهودية السابقة، ومن خلال تجاربهم الصوفية (فهو يشبه من بعض الوجوه الإله الصانع في المنظومة الغنوصية والطبيعة الطابعة في المنظومة الإسبينوزية) .
وبينما حاول الفلاسفة اليهود والحاخامات تفسير ما يرد في العهد القديم من خلع صفات بشرية على الإله وتجسيمه بأنها من قبيل المجاز، فإن القبَّاليين أخذوا ما جاء في سفر التكوين (1/28) من أن الإله قد خلق الإنسان على صورته، وفسروه تفسيراً حرفياً ثم فرضوا عليه كثيراً من المعاني حتى توصلوا إلى فكرة آدم قدمون، أي الإنسان الأصلي، ومفادها أن جسم الإنسان يعكس في سماته بناء التجليات النورانية العشرة (سفيروت) . وهذا مثل جيد للمنهج الذي يُفسِّر القبَّاليون به العهد القديم بطريقة ليست مجازية ولا حرفية، وإنما عن طريق فرض المعنى الذي يريده المفسر.
وقد أصبحت القبَّالاه في نهاية الأمر ضرباً من الصوفية الحلولية ترمي إلى محاولة معرفة الإله بهدف التأثير في الذات العلية حتى تنفذ رغبات القبَّالي أو المتصوف حتى يتسنى لصاحب هذه المعرفة السيطرة على العالم والتحكم فيه. ولذا، فإن القبَّالاه تتبدى دائماً في شكل قبَّالاه عملية، وهي أقرب إلى السحر الذي يستخدم اسم الإله والمعادل الرقمي للحروف (جماتريا) والأرقام الأولية والاختصارات (نوطيرقون) للسيطرة. وترتبط القبَّالاه في وجهها العملي بعدد من العلوم السحرية، مثل: التنجيم، والسيمياء، والفراسة، وقراءة الكف، وعمل الأحجبة، وتحضير الأرواح. ومع ابتعادها عن التقاليد الحاخامية الدراسية استوعبت عناصر كثيرة من التراث الشعبي تمثل الازدهار الأقصى للتفكير الأسطوري والحلولي في اليهودية.
ورغم تأكيدنا أن القبَّالاه ثورة على التراث الحاخامي إلا أنها تضرب بجذورها في الطبقة الحلولية التي تراكمت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي منذ البداية في العهد القديم، حيث يتوحد الإله مع شعبه. وهو توحُّد كان يأخذ شكل العهد المتجدد بين الإله والشعب، والتدخل المستمر للإله في التاريخ لصالح شعبه، وتجسُّده في شكل عمود نار ليقودهم، وغضبه منهم وحبه لهم وغزله فيهم ومعهم. وقد عبر الحلول الإلهي وعشقه لبنت صهيون عن نفسه في نهاية الأمر في شكل العبادة القربانية المركزية حيث كانت تتم لحظة الحلول والالتحام بين الإله والشعب والأرض في يوم عيد الغفران حين كان كبير الكهنة يدخل إلى قدس الأقداس لينطق باسم يهوه.
ورغم حرب الأنبياء ضد الأفكار الحلولية إلا أنها زادت ترسخاً في القرن الأول قبل الميلاد، وعبَّرت عن نفسها في جماعة مثل جماعة الأسينيين، وفي أسفار الرؤى (أبوكاليبس) مثل كتاب حنوخ وفي الكتب الخفية (أبوكريفا) ، وفي الغنوصية اليهودية وغير اليهودية. كما ترسخت الطبقة الحلولية بترسُّخ مفهوم الخلاص المشيحاني باعتباره خلاصاً قومياً لا فردياً. ويُلاحَظ أن ثمة تشابهاً بين القبَّالاه وكُتب الرؤى في عدة أوجه من أهمها رؤية الخلاص، فالخلاص لن يتم الوصول إليه من خلال عملية أخلاقية تاريخية تدريجية، وإنما من خلال معجزة خارجية وتَدخُّل إلهي فجائي، عندما يظهر الماشيَّح ويشع بضوئه على العالم بأركانه الأربعة عند نهاية التاريخ وتحقُّق الفردوس الأرضي. كما أن الأفكار الثنوية الرؤياوية التي تساوي بين الجوهر الإلهي وجوهر آخر، وهي فكرة ذات أصول فارسية، وجدت طريقها إلى القبَّالاه أيضاً، في تفرقتها بين عالَم الدنس والرذيلة والموت الحالي من ناحية وعالم الخير والطهارة والوجود الأبدي الآتي بعد ظهور الماشيَّح من ناحية أخرى.
ومن المصادر الأخرى الأساسية للقبَّالاه، فكرة الشريعة الشفوية التي تضاهي الشريعة المكتوبة وتتفوق عليها، فهي فكرة حلولية متطرفة تساوي بين الخالق ومخلوقاته. وقد تَعمَّق التيار الحلولي الذي يسري في العهد القديم وازداد كثافة في التلمود حتى اكتسب أبعاداً متطرفة في كثير من الأحيان. ولكن النزعة الحلولية في التلمود ظلت مختلطة بعناصر أخرى توحيدية تحددها وتحد منها. وما فعله القبَّاليون، فيما بعد، هو أنهم اقتبسوا من التلمود المقاطع والآراء ذات الطابع الحلولي ونزعوها من سياقها ودفعوها إلى نتيجتها المنطقية المتطرفة. وهذا يُفسِّر وقوف المؤسسة الحاخامية ضد القبَّاليين بعض الوقت، ويفسر التوتر بين الفريقين، ولكنه يفسر في الوقت نفسه سرّ انتشار الشبتانية (الحلولية) بين كبار العلماء التلموديين في القرن الثامن عشر، كما أنه يُفسِّر كيفية تَحوُّل القبَّالاه، في نهاية الأمر، إلى جزء أساسي من الشريعة الشفوية.
مقتطفات من الباب الاول و الثامن
التعديل الأخير تم بواسطة الشهاب الثاقب. ; 05-08-2018 الساعة 07:10 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة الشهاب الثاقب. في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 27-10-2022, 09:47 PM
-
بواسطة The Lord في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 25
آخر مشاركة: 04-04-2018, 10:54 AM
-
بواسطة *اسلامي عزي* في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 05-07-2017, 11:01 AM
-
بواسطة almaghribi في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 25-02-2017, 01:03 PM
-
بواسطة نجم ثاقب في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 08-09-2007, 12:45 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات