ويحسن بنا أن نتوسع بالكلام في الحديث عن العرب وأقسامها...
العــرب:تعني كلمة عربي (وفي العبرية أراف)الصحراءأو قاطن الصحراء ،
وورد
تكـلمة عـرب لأول مـرة في سجـلات التاريخ وذلك في نقش يعود إلى
"شلمنصر الثالث"إمبراطور الآشوريين وهو يخلد انتصاره على ملك دمشق الآرامي وحليفة أهاب"
ملك إسرائيل"وجندب "الزعيم العربي"،وجرت المعركة في كركر شمال حماة في سوريا عام 854ق.م.،
ويرد ذكر حيوان
"الجمل" لأول مرة في النقش المذكور أيضاً وترد كلمة"عرب" أو"عربي"
في مواضع عدة في نص التوراة بما فيها سفر"يشوع"إصحاح ي15،52 وسفر"إشعياء"إصحاحي21/31.
أصل العرب :كانت الجزيرة العربية مسكن أكثر العرب,وهم قبائل لا تجمع بينهم سياسة.
والعرب هم أهل الأمصار,والأعراب سكان البادية,والنسبة إلى العرب "عربي" وإلى الأعراب "أعرابي".
والتحقيق إطلاق لفظ العرب على الجميع وأن الأعراب نوع من العرب،وقد اتفق
المؤرخون على تقسيم العرب
إلى:العربالعاربة..العربالمستعربة والعرب البائدة.
1ـالعربالعاربة:
هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح عليه السلام,وأعظمهم قدرة ,وأشدهم قوة وآثاراً في الأرض,
وهم في الأصل أصحاب حضارة,والذين فهَّمهم الله جل علاه اللغة َالعربية ابتداءً
فتكلموا بها
,وهم أصحاب اللسان العربي,وأول من نطق لسانه بلغة العرب
هو
"يعرب بن قحطان "وهو أبو اليمن كلهم, ويُدعى عرب الجنوب باليمانيين,ويقال فيهم العرب العرباء .
2ـالعربالمستعربة:
أو الإسماعيلية أو المتعربة,وهم عرب الحجاز من ذرية "إسماعيل(بالعبريةיִשְׁמָעֵאל)بن إبراهيم
(بالعبرية:אַבְרָהָם وتلفظ أبراهام)." عليهماالسلام,ويعود نسبهم إلى "عدنان"،
وهم عرب الشمال وهم فرعـان "مضر"و"ربيعة",وقددخلوا في العربية بعد العجمية .
ويُقال:إنهم تسمّوا بالمستعربة لأنهم انضموا إلى العرب العاربة وأخذوا منهم، ومنهم تعلم"إسماعيل"العربية.
3ـالعرب البائدة:
أي"العماليق"الذين ذهبت أخبارهم لقدم عهودهم ,وقدكانت "العماليق"بغت في الأرض ,
فسلط الله عليهم ملوك الأرض فأفنتهم,وقدسكنوا الجزيرة العربية وانقرضت ودُرِست آثارهم كعاد ,وثمود,وطسم,وجديس,وعبيل وأميم وعبد ضخم ,وجرهم الأولى,ومدين..،
ويُذكر أن عرب الجنوب انهم ينحدرون من جد يدعى
"قحطان" بن"عامر"بن"شالح"بن"أرفكشاد"بن"سام" بن"نوح".
ولاشك أن "قحطان" هو"يقطان" الوارد ذكره في التوراة سفر التكوين إصحاح (26:10)
وتظهر أسماء أحفاده من جديد كأسماء لأماكن عربية، أما القبائل الشمالية فهم من نسل "إسماعيل"،
وحافظ هؤلاء على اسم متميز لهم وهو
"بنو إسماعيل ".
إذن فالعرب المستعربة هم من ولد نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام والعرب العاربة قبل إسماعيل
والعرب العاربة هم عاد وثمود وجرهم وجديس وغيرهم وهؤلاء كانوا قبل نبي الله إبراهيم عليه السلام
.
وعلى هذا فالعرب المستعربة من ذرية إسماعيل عليه السلام ولهذا جاء في الحديث الصحيح
الذي
رواه الإمام مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال:
(
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل
واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم
).
ولهذافإن نسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة
بن خزيمة بن مدركة بن عدنان
.
وعلى هذا فيكون نسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العرب المستعربة والمراد به المنحدر نسبه
من صلب نبي الله إسماعيل عليه السلام وأبيه الخليل عليه السلام
.
الجدول التالي يوضح العرب العاربة ولم يكن منهم اسماعيل عليه السلام:







ونعود لآية سورة الأنعام قال تعالى :{كَمَاأَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍآخَرِينَ (133)}ونقول:وعليه فلقد
ظن البعض أن هذه الآية عامة للجنس البشري كله ولم يعلم أنها لقريش فقط.
وذلك لأنهم لم يربطوا آيات السورة بعضها ببعض ولم يعلموا أن للسورة موضوعا واحداً.
وعليه فلقد ظنوا أن كلمة ذرية مأخوذة من كلمة "ذرأ" أيخلق وهو ما لم يقل به أحد.
فكلمة ذرية بمعنى "نسل الرجل"مشتقة من مادة "ذرر" أوراء مشدد بدل الرائين.
أما نحن فينطبق علينا قوله تعالى:
قال تعالى:{كَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ}يونس/73.
وقال تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}الشعراء/119.
وبالتالي إذن فإن ذرية نوح وهم – الباقين– الذين أشارت إليهم الآية الكريمة هم الذين أتينا نحن من ذريتهم،
أي فهم من تبقى من قومه من بعد الطوفان،وبالتالي فهم قوم آخَرين أي يختلفون عن سابقيهم
الذين أهلكهم الله في الطوفان،ثم أنشأنا الله منهم والذين أشارت إليهم الآية الكريمة
من سورة الأنعام في قوله تعالى:{كَمَاأَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}وذلك إذا تناولنا الآية الكريمة
من منطلق أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
والمدقق جيدا في قوله تعالى:
قال تعالى:{كَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ}يونس/73.
وقال تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}الشعراء/119.
إذن فلقد أخطأ العلماء في تصورهم على أن من بقي بعد الطوفان هم وحدهم من ذرية نوح
لأن قول ذرية من حملنا مع نوح تحتمل الإشارة إلى من حمل مع نوح من ذريته (أبناءه)
ومن غيرهم مِمَّن آمن معه من غير ذريتة وبذلك فهي شملت على من هم من غير ذرية نوح
ايضاً وكان الدليل على نجاتهم من خلال قوله:{فنجيّناه ومن معه}وقوله:{فأنجيناه ومن معه}…
ومن كان مع نوح هم من المؤمنين وأزواجهم أيضاً والذين أمره الله لأن يحملهم معه في الفلك مع أهله ..
وهذايتناقض مع ما ذهب إليه العلماء في تفسيرهم لقوله تعالى:
{وَجَعَلْنَاذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}كماويُمكن لأن نستشهد بدليل آخر نستمده من قوله تعالى:
{قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}هود/48.
فقوله تعالى:{وعلى أُمم ممن معك}فيه التأكيد على تنوع الأُمم التي حملها نوح معه في الفلك
وبالتالي كيف أشار الله على من حمل نوح معه بالأُمم إذا كانوا أبناءه فقط والذي هو
إمامهم ولم يكونوا قد تفرعوا في الأرض وأصبحوا امماً بعد، فالأمم ومفردها أُمة تُشير بالعادة
على من أم بقوم وكان إمام لهم قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}النحل/120.
فاقتدوا به وتبعوه وآمنوا بدعوته – وهنا كانواعلى نفس عقيدة التوحيد،
وقال تعالى :{إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}الأنبياء/92.
ومِنهُم مَن هُم على غير ذلك، قال تعالى:{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ}غافر/5
أيمن لهم إمام ومعتقد يؤتمّون به وبالتالي فالأمم تُشير على فروع كثيرة ومتعددة ونوح كان إماماً
لأبناءه ولمن آمن به وبدعوته، ولكن الإشارة هناهي على من آمن معه من المؤمنين
وقول:{معه}هوللمصاحبة أي لم يكن هو إمامهم فآمنوا بهبل اشتركوا في الإيمان بعقيدة التوحيد
وكانوا ينحدرون من أمم أُخرى كانت تأمهم أي كان لهم رُسُل كانوا قد آمنوا بهم وكانوا قلة،
قال تعالى:{وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّاقَلِيلٌ}هود/40.
فقوم نوح تعددت لهم الرسل ولم يكن نوح هو رسولهم الوحيد وإمام لمن تبعه وآمن به.
قال تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً}الفرقان/37.
وقال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}الشعراء/105.
ولكن ومع ذلك فالعلماء أنكروا وجود أي تناقض هناك وزعموا بأن قول :{وَجَعَلْنَاذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}
لايتعارض مع كل من قول:{ذرية من حملنا مع نوح}وقول:{فنجيّناه ومن معه}
وقول:{فأنجيناه ومن معه}وقول:{وعلى أمم ممن معك}لأن الناجين من الطوفان ممن حمل مع نوح في
الفُلك من غير ذريته كان مصيرهم الموت من قبل أن تصبح لهم ذرية أي فهم لم يتناسلوا ويتكاثروا
واعتقد العلماء بأن تبنيهم لهذا التفسير الفرضي قد يُزيل الضبابية وعدم الوضوح عن هذاالتناقض،
ولكن بقي كلامهم هذا يحتاج إلى الدليل الصادق والذين عجزوا أن يقدموه ونسوا بأن
التأكيد على أن الباقين لم يكونوا وحدهم من أبناء نوح لأن التصريح في قوله تعالى :
{كَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوابِآيَاتِنَا}يونس/73.
واضح من خلال قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ}وذلك حين أشار بالجمع على نوح {ومن معه}
حيث أتت واو الاستئناف لتوضح أن الاستخلاف كان لنوح ولمن حمل نوح معه في الفلك
بدون استثناءات ولم تذكره وأبناءه فقط من دون الآخرين ولو أراد الله أن يُشير
على الخليفة كمرتبة لقال (وجعلناه) أي:لأشارعلى نوح لوحده فهو المعني بالتكليف أي في
تبليغ الرسالة من بعد حدوث الطوفان ولكن الله سبحانه وتعالى اختار أن يقول:
{وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ}وهنا شمل ذلك على من حمل معه في الفلك فكانت الإشارة على أنهم خلائف
أي من يخلفون بعضهم بعضاً في الذرية أي خلفاء لسابقيهم فخلفوهم وحلوا مكانهم
كُل في ذريتهم وهنا الإشارة لم تكن حصرية على نوح وذريته بل شملت على
{فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ}أي:فشملت على كلٍ من المؤمنين والذين نجّاهم الله في الفلك
مع نوح وعلى نوح وذريته والذين يرجعون جميعاً في ذريتهم في الأصل إلى ذرية آدم.
ولكن لم تكن هذه الإشكالية الوحيدة مع قوله تعالى في هذه الآية {وَجَعَلْنَاذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}
التي تبنوها كمرجعية لما ذهبوا إليه بل كان فيها إشكاليات أخرى وهذا يقودنا إلى
التحقيق الثاني في الآية الكريمة وهوبأن قول:{وجعلناذريته هُم الباقين}أتت ملازمة للحديث
عن هلاك وإغراق الله للآخرين فقال تعالى:{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)
وَجَعَلْنَاذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ… (81)ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)}الصافات.
ولكن الآية الكريمة تتحدث عن حدوث الغرق كان أتى بعد ما كان قد أخبرنا الله بجعل ذرية
نوح هم الباقين بوقت من الزمان، فكما نعلم من أن– ثُم – تأتي للحديث عن انقضاء الوقت
وتفيد التراخي في الزمن، إذن فلم يتم إغراق الآخرين في نفس الوقت الذي أبقى الله على
ذرية نوح والدليل هو استعمال –ثم – بدلاً من استعمال حرف الفاء (ف)للدلالة على الترتيب
مع التعقيب وقصر الزمن أواستعمال حرف الواو للاستئناف،إذن كيف يكون ذريته هم الباقين
أي من أبقى عليهم الله ولم يكن قد أغرق الآخرين بعد،فبقاء الشيء وما تبقى منه يتم بعد انقضاء
وانتهاء ونفاذ معظمه ولا يسبقه أو يكون قبله ..إذن فمن المنطقي لأن يحدثنا الله عن الإغراق
ثم يخبرنا عن من تبقى ونجا من قوم نوح.
ولكن فإذا اعترض البعض على أن الإشارة على غرق الآخرين بهذاالأسلوب اللغوي أي
بعد نجاة نوح وأهله لم يكن الوحيد الذي أتى ذكره على هذا النحو في القرآن الكريم بل قد أتى
ذكره مرة أُخرى في سورة الشعراء وقدموا الدليل على ذلك من خلال قوله تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(119)ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)}الشعراء.