رد شبهة: لولاك لما خلقت الأفلاك !

سألوا ساخرين: ما رأيكم في هذا الحديثِ الذي معناه: أن اللهَ خلق الكونَ والحياةَ من أجلِ نبيكم محمد ؟!
ثم ذكروا الحديثَ القدسي الذي يقول اللهُ I فيه لنبيِّه محمد r : " لولاك لما خلقت الأفلاك ".
وحديث آخر يقول : " أوحى اللهُ إلى عيسى u يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماءِ فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن " .

الرد على الشبهة

أولًا: إن المعترضين يسخرون من أمرٍ لا يعتقد به المسلمون.... بل يعتقدون أن اللهَ I خلقَ الخلقَ من أجلِ لا إِله إلا الله، لا من أجلِ النبي محمدٍ r ...
ففي القرآن الكريم ما يلي :

1- أن اللهَ I خلق السماوات والأرض وما بينهما من أجلَ لا إِله إِلا الله، ومن أجلِ عبادته؛ قال I : ] وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [ (الحجر85).
"وما خلَقْنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق دالتين على كمال خالقهما واقتداره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له . وإن الساعة التي تقوم فيها القيامة لآتية لا محالة ; لتُوفَّى كل نفس بما عملت، فاعف - أيها الرسولُ- عن المشركين ، واصفح عنهم وتجاوز عما يفعلونه" . اهـ (التفسير الميسر).
و قوله I ] :وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ (ص27) .

2- أن اللهَI أنزل الكُتب من أجلِ لا إِله إِلا الله ، ومن أجلِ توحيده ؛ قال I ] :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [ (النساء136) .
وقال I للنبي محمد r : ] نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [ (آل عمران3-4) .

3- أن اللهَI أرسل الرسل من أجلِ لا إِله إِلا الله ، ومن أجلِ توحيده ؛ قال I : ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [(النحل36).
وقال النبي محمد r : " خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ". رواه الترمذيُّ في سننه برقم 3509
4- أن اللهَI خلق الجنَ والإنسَ من أجلِ لا إِله إِلا الله ، ومن أجلِ عبادتِه وتوحيده ؛ قال I: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ (الذاريات56). قال ابنُ عباسٍ: " إلا ليوحدون".

5- أن الله خلق الإنسان لحمل الأمانة ( الدين) ؛ قال I : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)(الأحزاب).

وعليه : فإن ما سبق يثبت اللهَ I لم يخلق الخلقَ من أجلِ النبي محمدٍ r بل من أجلِ توحيدِه وعبادتِه .....


ثانيًا : إن الأحاديث التي سخر منها المعترضون لا تصح ، ولا يؤمن بها المسلمون ..... أدلة ذلك الآتي :

الحديثُ الأولُ : حديثُ " لولاك لما خلقت الأفلاك " حديثٌ موضوعٌ ؛ ذكره الشوكانيُّ في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ص 326): قال : قال الصغانيُّ : موضوع . اهـ

الحديثُ الثاني: حديثُ " أوحى اللهُ إلى عيسى u يا عيسى آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة ولا النار ولقد خلقت العرش على الماء فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن ".(حديث لا أصل له ).
قال الألبانيُّ في السلسلةِ الضعيفةِ برقم 280 ( لا أصل له ) رقم الجزء والصفحة ( 1 / 448 ) لا أصل له مرفوعا . و إنما أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 614 - 615 ) من طريق عمرو بن أوس الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال : فذكره موقوفا وقال : صحيح الإسناد ، و تعقبه الذهبي بقوله : أظنه موضوعا على سعيد. قلت : يعني ابن أبي عروبة ، و المتهم به الراوي عنه عمرو بن أوس الأنصاري ، قال الذهبي في الميزان : يجهل حاله ، و أتى بخبر منكر ، ثم ساق له هذا الحديث و قال : و أظنه موضوعًا، ووافقه الحافظُ ابنُ حجر في اللسان فأقره . اهـ


ثالثًا: إن في هذين الحديثين ردًا على من يقول: إن المسلمين يصححون الأحاديثَ التي فيها المناقب لنبي الإسلام .... فهذان الحديثان رُغم أنّ فيهما مناقب عظيمة للنَّبِيِّ r ورفعة من شأنِه العظيم... مصيرها الرفض.... فلا يصحح المسلمون حديثًا لأن فيه منقبة للنَّبِيِّ محمد r.... ولا يضعفون حديثًا لأن فيه إساءة للنَّبِيِّ محمد r... ولكنّ الأمر علم يفتقده المعترضون على الأقل كي يثبتوا به صحة كتابِهم المقدس....

رابعًا: جاء في إنجيل برنابا –من أناجيل أبو كريفا عند المعترضين- نصوصا تشبه إلى حد كبير ما جاء في الأحاديث، وتؤكد بأنّ النبي محمدًا هو حبيب الله، وفخر الكون ... أكتفي هنا بما جاء في الفصل 39) كتاب آدم (فلمّا انتصب آدم على قدميه. رأى في الهواء كتابة تتألق كالشمس نصّها { لا إله إلا الله محمد رسول الله }. ففتح آدم حينئذ فاه وقال: أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضّلت فخلقتني. ولكن أضرع إليك أن تنبئني ما معنى هذه الكلمات محمد رسول الله }؟ فأجاب الله: مرحبا بك يا عبدي يا آدم. وإني أقول لك: إنك أول إنسان خلقت. وهذا الذي رأيته هو ابنك الذي سيأتي إلى العالم بعد الآن بسنين عديدة. وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء. الذي متى جاء سيعطى نورا للعالم....

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه :ما مدى صحة هذه النصوص، مع العلم أن برنابا من تلاميذ يسوع المسيح ، وقد اكتشفت مؤخرا مخطوطات له يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام... ؟!

كتبه/ أكرم حسن مرسي