الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .

ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .

و في هذا المقال سنتناول بإذن الله الرد على سؤال سأله أحد الملاحدة العرب في مدونته الكفرية ،وهذا السؤال هو : "هل سيعذب في الآخرة ؟" و قد ذكر السؤال خلال كلامه بصيغة أخرى وهي : " هل من سيعذبون يوم القيامة أو ينعمون هم من كانوا يعيشون على الأرض أم نسخ أخرى لمخلوقات مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ؟" ورجح هذا الملحد أن النعيم أو العذاب سيقع لمخلوقات جديدة مستنسخة من البشر مخلوقة لغرض التنعيم أو العذاب ،واستدل على فريته بأن المشاهد أن من يموت يهلك و يتحلل ،ومن ثم فمن سينعم أو يعذب مخلوق جديد مستنسخ من الإنسان الذي مات ،وليس الإنسان نفسه .

وعلى كلامه الخاطئ يعترض هذا الملحد على قوله تعالى : ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النور : 24 ] ،ويقول : " كيف يقول القرآن أن أيديهم و أرجلهم ستشهد عليهم بما كانوا يكسبون ،و هي أيدي و أرجل جديدة لم تكن في الدنيا و لم ترتكب أي شيء و عيون لم تر شيئا و آذان لم تسمع شيئا ... بل هو كائن أخر جديد مزود بنسخة لذكريات كائن أخر كان يعيش في عالم أخر ليعذب هو بما فعله هذا الكائن الأخر للأبد "

وقد قال الملحد بمثل ما قال الكفار الأولون ،واستدل بمثل ما استدل به الكفار الأولون ، فقد ذكر الله سبحانه و تعالى مقولة قوم عاد : ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 35] , وَقَالَ تَعَالَى مبيناً مقولة منكري البعث من كفار مكة: ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [ الْمُؤْمِنُونَ: 81-83 ] ،وجاء أبي بن خلف بعظم نخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يذروه في الريح , فقال: أيحيي الله هذا يا محمد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: « نعم يحيي الله هذا ويميتك ويدخلك النار»[1] .

و من هنا ندرك أن إنكار الكفار قديما وحديث للبعث سببه استبعادهم إعادة الأجسام بعد الموت بعد أن تصير تراباً وعظاماً على ما يعهد من عادة البشر فيقولون كيف يبعث الإنسان بعد أن بلي وصار ترابا وعظاما ،وهو استبعاد ناشئ عن جهلهم بقدرة الله ،وعلم الله ،وقياسهم قدرة الخالق على قدرة المخلوق ، وعلم الخالق على علم المخلوق .




[1] - انظر تفسير عبد الرزاق 3/87 رقم 2498 ،وتفسير مقاتل بن سليمان 4/30