المبحث الأول (1-3-2) :- كلمة هلينستيين تعنى اليهود المتأثرين بالثقافة اليونانية فى فلسطين

1- سبق وأن أطلق سفر أعمال الرسل على يهود الشتات مسميات الموطن الذى يقيمون فيه

ذكر سفر أعمال الرسل (جنسيات لبنى اسرائيل قيروانين وفرتيون وغيره )
(أعمال 2 :9 )


مما يعنى أن بنى اسرائيل فى ذلك الزمان كان يمكن أن يتسموا بمسميات المكان المولودين فيه
وهذا يعنى أنه كان هناك من بنى اسرائيل من يتسموا باليونانيين أيضا

2- القواميس المسيحية تقر بأن كلمة (هلينستيين ) أي يونانيين فى الترجمات العربية ، المقصود منها بنى اسرائيل المتأثرين بالثقافة اليونانية

أن من المتفق عليه من كبار علماء المسيحية المتخصصين أن كلمة (هلينستيين
)
والتي يتم ترجمتها فى الترجمات العربية للعهد الجديد بــ (اليونانيون) وهى بالانجليزية
Hellenists
كتبها لوقا وكان يقصد منها الاسرائيليين المتأثرين بالثقافة اليونانية ولم يكن يقصد بها الأمم الأخرى كما أوضحت فى تعريف كلمة هلينستي من موقع Bible Hub فى الفصل الأول - الباب الثاني

و نقرأ من تفسير القس أنطونيوس فكرى للعدد 6 :1 من سفر أعمال الرسل :-
لْيُونَانِيِّينَ = Hellinists=هم المؤمنين من اليهود الذين يتكلمون اليونانية بسبب معيشتهم وسط البلاد اليونانية (راجع المقدمة).الْعِبْرَانِيِّينَ = هم المؤمنين من اليهود الذين يتكلمون العبرانية أو الآرامية، فالعبرانية هي لغة المتضلعين في دراسة الناموس (أع 2:22).)
انتهى

وهذه الصيغة وردت فى سفر أعمال الرسل فى أكثر من نص
فنجدها فى (أعمال 6 :1 ، 9 :29 ، 11 :20)




وفى جميع الطبعات للأعداد السابقة جاءت تلك الصيغة ما عدا ( أعمال 11 :20) حيث جاءت طبعتين فقط وهما :-
Nestle GNT 1904 ، Tischendorf 8th Edition بصيغة ( الهيلنيين Hellenes )أي (الاغريق) = Greeks
أما باقي الطبعات لهذا العدد فجاءت هلينستية أي أن فى الأعداد (أعمال 6 :1 ، 9 :29 ، 11 :20) كانت كلمة (اليونانيين ) بمعنى اليهود المتأثرين بالثقافة اليونانية وليس الأمم الأخرى وهذا أمر لا خلاف عليه بين القواميس المسيحية

3- بولس وبرنابا يكرزان فى مجامع اليهود أي أن اليونانيين فى هذه المجامع هم من بنى اسرائيل المتأثرين بالثقافة اليونانية

نقرأ هذا النص من سفر أعمال الرسل :-
11 :19 اما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا الى فينيقية و قبرس و انطاكية و هم لا يكلمون احدا بالكلمة الا اليهود فقط
11 :20 و لكن كان منهم قوم و هم رجال قبرسيون و قيروانيون الذين لما دخلوا انطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع


ان اليونانيين المقصودين فى العدد (20) هم (اليهود ذو الثقافة اليونانية المتكلمين باليونانية ولا يعرفون الآرامية أو العبرية )
وليس كما يزعم البعض من علماء المسيحية العرب ان المقصود هم الوثنيين
فالمقصود من هذا النص هو :-
ان التلاميذ الذين لا يعرفون اليونانية يبشرون بين اليهود المتكلمين بالعبرية أو الآرامية فى الشتات ولكن كان معهم يهود( سبق وأن تشتت أجدادهم ) أمنوا هم قبرسيون وقيروانين وهؤلاء كانوا يعرفون اليونانية بالطبع مع معرفتهم بالآرامية لذلك كانوا يبشرون بين اليهود ذو الثقافة اليونانية و لا يعرفون العبرية أو الآرامية
هذا ببساطة شديدة المعنى المقصود ، فهم لم يبشروا أبدا بين وثنيين غرباء عن بنى اسرائيل ولكنهم بشروا بين بنى اسرائيل فقط بمختلف أفكارهم وطوائفهم
والأدلة على ذلك :-

أ- القواميس المسيحية تعتبر كلمة اليونانيين (هلينستيين) فى العدد (11: 20) مثال على اليهودي فى الشتات المتأثر بالثقافة اليونانية


ان الكلمة اليونانية المستخدمة فى هذا النص هي أي الهلينستية


والتي سبق وأن أوضحت أن مختلف القواميس المسيحية تفسرها على أنها اليهود المتأثرين بالثقافة اليونانية بل انها أعطت مثال بذلك فى العدد (أعمال 11: 20) أي أن القواميس المسيحية تقر بأن هذا العدد يتكلم عن بنى اسرائيل فى الشتات وليس عن الوثنيين

فمن Thayer's Greek Lexicon :-
a Hellenist, i. e. one who imitates the manners and customs or the worship of the Greeks, and uses the Greek tongue; employed in the N. T. of Jews born in foreign lands and speaking Greek (Grecian Jews): Acts 11:20 R (WH; see in , 2)


ب-فى النصوص التالية لهذا النص نجد بولس وبرنابا يذهبان الى مجامع اليهود ولا يفكران فى الذهاب الى معابد الوثنيين أو أماكن تجمعاتهم :-


النصوص التي جاءت بعد هذا النص أثبتت لنا أن التلاميذ (بما فيهم برنابا ) لم يبشروا بين الأمميين وكانوا متمسكين بالناموس ، و فى الاصحاح 13 نرى برنابا ومعه بولس يكرزان ((فى مجامع اليهود )) وليس بين الأمميينمما يؤكد أن اليونانيين المقصودين فى الاصحاح 11 هم أيضا يهود الشتات
فنقرأ :-
13 :5 و لما صارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في ((مجامع اليهود )) و كان معهما يوحنا خادما
وأيضا :-
13 :14 و اما هم فجازوا من برجة و اتوا الى انطاكية بيسيدية و دخلوا ((المجمع يوم السبت )) و جلسوا

ثم نجد أن رؤساء المجمع يطلبون منهم القاء كلمة
((للشعب)) مما يعنى أن المجتمعين كانوا من الشعب أي بنى اسرائيل ولو كان معهم غرباء كانوا قالوا (للشعب وللأمم) ولكن هذا لم يحدث
فنقرأ:-
13 :15 و بعد قراءة الناموس و الانبياء ارسل اليهم رؤساء المجمع قائلين ايها الرجال الاخوة ان كانت عندكم كلمة ((وعظ للشعب )) فقولوا

أما كلمة بولس التي قال فيها :-
13 :16 فقام بولس و اشار بيده و قال ايها الرجال الاسرائيليون و الذين يتقون الله اسمعوا

فهو كان يقصد بجملة (الذين يتقون الله) وصف الجالسين فى المجمع أنهم من بنى اسرائيل ويتقون الله


ولو كان يقصد أشخاص أخرين ليسوا من بنى اسرائيل كان قال (والذين يتقون الله من الأمم) ولكنه لم يقل أبدا كلمة (من الأمم) لأنه يتحدث عن بنى اسرائيل ويصف الذين بداخل المجمع للصلاة أنهم يتقون الله فهو لايزال يوجه كلامه لنفس الجنس وهم بنى اسرائيل ، ومن الواضح أنه تم اضافة حرف (و) لايهام القارئ أنه كان هناك أشخاص ليسوا من بنى اسرائيل داخل المجمع


من المستحيل دخول أمميين مجامع اليهود ، فاذا كان بطرس وهو أحد تلاميذ المسيح عليه الصلاة والسلام يقول لكرنيليوس (( وهو رجل تقى ويصلى الى الله عز وجل (أعمال 10 :1 ، 10 :2 ))

( أنه محرم على يهودي الالتصاق بأجنبي ) (أعمال 10: 28 )
فكيف بعد ذلك يسمح اليهود بأجانب وثنيين دخول مجامعهم ؟؟!!!!


كما أن اسلوب خطاب بولس يوضح أنه لم يكن يتحدث الا لبنى اسرائيل من الناحية البيولوجية ولم يكن يتحدث لأي أمميين

فهو نادى من يوجه اليهم خطابه قائلا (اختار اباءنا ورفع الشعب)
حيث نقرأ :-
13 :17 اله شعب اسرائيل هذا (( اختار اباءنا و رفع الشعب )) في الغربة في ارض مصر و بذراع مرتفعة اخرجهم منها

اختار اباءهم أي أنه يوجه كلامه الى أحفاد هؤلاء الآباء أي لبنى اسرائيل ثم يؤكد على أن الرسالة والموعد لهم (أي لبنى اسرائيل ) فيقول :-
13 :32 و نحن ( نبشركم بالموعد الذي صار لابائنا )
13 :33 ( ان الله قد اكمل هذا لنا نحن اولادهم ) اذ اقام يسوع كما هو مكتوب ايضا في المزمور الثاني انت ابني انا اليوم ولدتك


فاسلوب الحديث والصياغة تتحدث دائما عن الأبناء البيولوجيين لبنى اسرائيل وعن الموعد الذى سبق وأخذه بنى اسرائيل بالفعل ولا يوجد حديث عن خلاص أمم مما يؤكد أن الحديث كان موجه لبنى اسرائيل فقط ولم يكن هناك أمميين وأن حرف (و) وضعه النساخ ولم يكن له وجود قبل ذلك
فحتى بولس لم يقم فعليا بالكرازة للأمميين وانما كانت تحريفات والزيادات التي كان يضيفها النساخ على مر الزمان (راجع المبحث السادس - الفصل الأول - الباب الثاني - اليهودي واليوناني عند بنى اسرائيل يقابلها فى مفهومنا الشخص المتدين ، والشخص العلمانى)

بدليل أنه بعد كل ذلك نجد فى الاصحاح 18 أن بولس يهددهم ويقول لهم أنه سيذهب الى الأمم
فنقرأ :-
18 :6 و اذ كانوا يقاومون و يجدفون نفض ثيابه و قال لهم دمكم على رؤوسكم انا بريء(((من الان اذهب الى الامم )))

أي أنه قبل ذلك لم يكن قد ذهب ليكرز بين الأمميين وانما المقصود هم اليهود ذو الثقافة اليونانية ولا يتكلمون العبرية أو الآرامية ، وهؤلاء كانوا من بنى اسرائيل

( وهناك المزيد من الأدلة على أن الأمميين لم يدخلوا مجامع اليهود فى المبحث التالي )


4- بولس وبرنابا عندما رجعا الى ((أنطاكية)) مرة أخرى يخبران الناس بها بأن الله (فتح باب ايمان للأمم ) وهذا يعنى أنه قبل ذلك لم يكن باب الايمان قد تم فتحه بأنطاكية فاليونانيين بها هم من بنى اسرائيل

ذكر سفر أعمال الرسل أن التلاميذ كلموا اليونانيين فى أنطاكية
11 :20 و لكن كان منهم قوم و هم رجال قبرسيون و قيروانيون الذين لما دخلوا انطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع
11 :21 و كانت يد الرب معهم فامن عدد كثير و رجعوا الى الرب
11 :22 فسمع الخبر عنهم في اذان الكنيسة التي في اورشليم فارسلوا برنابا لكي يجتاز الى انطاكية
ثم نقرأ :-
11 :25 ثم خرج برنابا الى طرسوس ليطلب شاول و لما وجده جاء به الى انطاكية
11 :26 فحدث انهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة و علما جمعا غفيرا و دعي التلاميذ مسيحيين في انطاكية اولا


ثم يخبرنا سفر أعمال الرسل أن بولس وبرنابا تركا أنطاكية فترة فى رحلة فنقرأ :-
11 :29 فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم ان يرسل كل واحد شيئا خدمة الى الاخوة الساكنين في اليهودية
11 :30 ففعلوا ذلك مرسلين الى المشايخ بيد برنابا و شاول

ثم نجد فى الاصحاح 14 أن بولس وبرنابا عندما رجعا الى ((أنطاكية)) مرة أخرى بعد رحلتهما يخبران الناس بها بأن الله (فتح باب ايمان للأمم )
وهذا يعنى أنه قبل ذلك لم يكن باب الايمان قد تم فتحه
فنقرأ :-
14 :26و من هناك سافرا في البحر الى انطاكية حيث كانا قد اسلما الى نعمة الله للعمل الذي اكملاه
14 :27 و لما حضرا و جمعا الكنيسة اخبرا بكل ما صنع الله معهما و(( انه فتح للامم باب الايمان ))

مما يعنى أن هذا الباب لم يكن مفتوحا قبل تلك الرحلة أي أن (اليونانيين ) المقصودين فى الاصحاح 11 لم يكونوا الوثنيين أو أي أحد من الأمم ولكن كان المقصود هم الاسرائيليين ذو الثقافة اليونانية الذين فصلوا الدين عن أمور الحياة فتركوا العمل بالشريعة وهذا يؤكد صحة الفقرة (2) فى أن كلمة (هلينستيين) أي يونانيين فى العدد(11: 20) كانت تعنى بنى اسرائيل المتأثرين باليونانيين وهؤلاء هم اليهود اليونانيين